recent
أخبار عاجلة

كيف نتعامل مع المراهق ؟ محمد أبوالنصر

كيف نتعامل مع المراهق ؟


إن مرحلة المراهقة ليست مجرد "أزمة نمو" عابرة كما يصورها البعض، بل هي في المنظور الإسلامي "مرحلة التكليف" ومفترق الطرق بين الطفولة والرجولة. هي الحقبة التي يبدأ فيها القلم بالجريان، وتتحمل فيها النفس مسؤولية قراراتها أمام الله والعباد.

إنها انتقال من التبعية إلى الاختيار، ومن التلقي إلى المسؤولية، وفيها تتشكل الملامح الكبرى للشخصية الإيمانية والفكرية.

  أولاً: مفهوم المراهقة بين اللغة والشرع والواقع

  الجذر اللغوي والاصطلاحي: تأتي المراهقة من الفعل "رهق" أي قارب الدنو من الشيء، وهي تدرج نحو النضج البيولوجي والفكري والاجتماعي.

  البلوغ عتبة التكليف: في الإسلام، لا يُنظر للمراهقة كحالة تمرد حتمية، بل كعلامة انتقال للمسؤولية الشرعية.

  قال تعالى : ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ [النور: 59].

   وقال ﷺ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ...»

(أخرجه أبو داود).

  ثانياً: التحولات الجسدية والنفسية وكيفية احتوائها

  النمو المتسارع وفوران الطاقة: يعيش المراهق عاصفة من التغيرات الهرمونية والنمو السريع، وهنا يبرز دور التوجيه النبوي في ضبط هذه الطاقة.

   قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: 30].

   التقلبي الانفعالي والحساسية المفرطة: سرعة الغضب والبحث عن الاستقلال ميزات نفسية تتطلب "امتصاصاً" لا "تصادماً".

  المنهج النبوي: حين قال رجل للنبي ﷺ: أوصني، قال: «لَا تَغْضَبْ» (البخاري). فالإسلام يوجه المراهق لكظم الغيظ لضبط انفعالات هذه المرحلة.

 ثالثاً: البناء الإيماني وبناء الهوية (الاستثمار في الفتوة)

 النشأة في طاعة الله: المراهق الذي ينشأ على العبادة هو صمام أمان للمجتمع، وهو من الأصناف التي يظلهم الله في ظله.

    قال ﷺ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ... وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ»

 (متفق عليه).

     النماذج القرآنية الملهمة: كقصة فتية الكهف ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾، لغرس العزة الإيمانية في نفوس الشباب.

  رابعاً: الخصائص العقلية والتعامل مع التساؤلات والشهوات

  بداية التفكير النقدي والجدل: الإسلام لا يلغي عقل المراهق بل ينضجه بالعلم والتفكر.

   التوجيه القرآني: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾، فالبحث عن المعنى حق مشروع يُشبع بالعلم الشرعي النافع.

  الحوار الإقناعي بدل القمع الزجري:

 المنهج النبوي قدم نموذجاً فريداً في التعامل مع رغبات الشباب، كما في قصة الشاب الذي استأذن في الزنا، حيث خاطب النبي ﷺ عقله وعاطفته بقوله: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟». الخ..

   الحماية الوقائية للغريزة:

 توجيه الشباب نحو الزواج أو الصوم كحلول عملية ﴿يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ....

  خامساً: المسؤولية والبر (واجب المراهق تجاه الوالدين)

  ضبط الاستقلالية الوهمية:

 قد يشعر المراهق برغبة في التمرد لإثبات ذاته، وهنا يأتي الضبط للبر والخضوع للوالدين.

  قال تعالى : ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: 24].

  الجهاد في الطاعة: تقديم بر الوالدين حتى على الجهاد في سبيل الله لبيان عظم المسؤولية الأسرية.

  سادساً: التحذير من المخاطر السلوكية والفكرية (صحبة السوء والخلوات)

  أثر الأقران: يتأثر المراهق بأصحابه بشدة، لذا حذر الإسلام من خليل السوء.

    قال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».

  غرس الرقابة الذاتية (الإحسان): حماية المراهق من الانحراف (مخدرات، علاقات محرمة) تكون بمراقبة الله في الخلوات.

  قال تعالى : ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ [النساء: 108].

  سابعاً: دور الأسرة في الرعاية والمنهج . المستقبلي

  التربية بالقدوة والرفق: الأسرة هي الراعي الأول، وعليها مسؤولية الوقاية.

   قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾، وقال ﷺ: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ».

  توجيه الطاقة نحو الإنتاج:

المراهقة طاقة للاستثمار في العلم والعمل وخدمة المجتمع.

   قال ﷺ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجِزْ».

  الخاتمة

إن المراهقة في ميزان الإسلام هي "ربيع العمر"، وليست أزمة تُخاف بل طاقة تُستثمر. فإذا اقترن وعي المربي بصدق رغبة الشاب، وبنيت العلاقة على "الرفق" والاحتواء والحوار، خرج لنا جيل كجيل الصحابة الشباب، يجمع بين قوة الجسد، ورجاحة العقل، ونقاء الروح
google-playkhamsatmostaqltradent