recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة من يكرم كبير السن يكرمه الله أبوحذيفةأمجدعبدالعاطي خطيب وداعية بالأوقاف

 من يكرم كبير السن يكرمه الله

 

مراحل حياة الإنسان
الْإِسْلَامُ وَتَرْسِيخُ ثَقَافَةِ اِحْتِرَامِ "اَلْكَبِيرِ"
من يكرم كبير السن يكرمه الله
الأدلة من القرآن والسنة :-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ أمـا بـعد
إنَّ الإنسانَ منَّا يمرُّ عبرَ حياتِه بثلاثِ مراحلَ متباينةٍ، حيثُ يولدُ الإنسانُ ضعيفًا، وهي مرحلةُ الطفولةِ، ثم يشتدُّ عودُهُ ويقوى، وتلكَ هي مرحلةُ الشبابِ، ثم يرجعُ الإنسانُ ضعيفًا كما بدأ، ألا وهي مرحلةُ الكِبَرِ، والتي هي محورُ حديثِنا اليومَ، فقد أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى هذه المراحلِ الثلاثِ في قولِه تعالى:"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ"( الرومِ 54).
كما أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى هذه المرحلةِ في آياتٍ كثيرةٍ، مثلَ قولهِ تعالى:
"وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ"(النحلِ 70).
وقالَ تعالى:"وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ"( يس 68).
وقال تعالى:"ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"(غافرٍ 67).
إنَّ الإنسانَ لحظةَ ضعفِه وكِبَرِه بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى من يمدُّ إليهِ يدَ العونِ، حتى يشعرَ الكبيرُ بالأمانِ، وأنه ليسَ وحيدًا في هذه الحياةِ، رغمَ ضعفِه وكِبرِ سنِّهِ. إنَّ هؤلاءِ يستحقُّونَ منَّا كلَّ الدعمِ والعونِ جزاءً وفاقًا ل
ما قدَّموا وبذلوا في حياتِهم من أجلِنا:"هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ"( الرحمنِ 60).

الْإِسْلَامُ وَتَرْسِيخُ ثَقَافَةِ اِحْتِرَامِ "اَلْكَبِيرِ
لقد اهتمَّ الإسلامُ اهتمامًا كبيرًا بالمسنينَ وكبارِ السنِّ والشيوخِ؛ وذلك لأنهم في مرحلةِ الضعفِ العمريةِ؛ والإنسانُ أحوجُ ما يكونُ للعونِ والمساعدةِ في هذه المرحلةِ؛ وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى مراحلِ الإنسانِ العمريةِ في قولِه تعالى:" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" ( الروم : 54).
وقد قيلَ قديمًا: أن الطفولةَ قوةٌ لا عقلَ لها؛ وأن الشيخوخةَ حكمةٌ لا قوةَ لها، والشبابُ يجمعُ الاثنينَ القوةَ والحكمةَ.
وأولى كبارِ السنِّ بالتوقيرِ والإكرامِ هما الأبوانِ، ولا سيما في كبرِ سنِّهما. قال تعالى: { "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" (الإسراء: 23). يقول الإمامُ القرطبيُّ رحمه الله: “خَصَّ حالةَ الكِبَرِ لأنَّها الحالةُ التي يحتاجانِ فيها إلى برِّه لتغيّرِ الحالِ عليهما بالضعفِ والكِبَرِ، فأُلزِمَ في هذه الحالةِ من مراعاةِ أحوالِهما أكثرَ ممّا أُلزِمَهُ من قبلُ، لأنهما في هذه الحالةِ قد صارا كلًّا عليه، فيحتاجانِ أن يليَ منهما في الكِبَرِ ما كان يحتاجُ في صغرِه أن يَلِيَا منه”. (تفسير القرطبي).
لهذا حثَّنا الرسولُ ﷺ على رعايةِ المسنينَ وذوي الشيبِ وكبارِ السنِّ؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:" إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ؛ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ؛ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ". (أبو داودَ والطبرانيُّ بسندٍ حسنٍ). وهو القائلُ ﷺ: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا" [ أحمدُ والترمذيُّ والحاكمُ وصحَّحَهُ ]. وَكانَ ﷺ: إذا تَحَدَّثَ عندَهُ اثنانِ بأمرٍ ما بدأَ بأكبرِهما سنًّا، وقالَ: {كَبِّرْ كَبِّرْ} [ مُتَّفَقٌ عليه ]. قالَ ابنُ بطَّالٍ: “ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ ذِي السِّنِّ في الطَّعامِ والشَّرابِ والكلامِ والمشيِ والكِتابِ، وقولُه: {كَبِّرْ كَبِّرْ}: يُريدُ لِيَتَكَلَّمَ الأكبرُ، وهذا مِنْ بابِ أدبِ الإسلامِ”. [ شَرْحُ صَحِيحِ البُخَارِيِّ لابنِ بطَّالٍ ].
وكَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَقِّرُ "كِبَارَ السِّنِّ"، وَيُؤْثِرُ أَلَّا يَأْتُوا إِلَيْهِ، بَلْ يَأْتِيهِمْ بِنَفْسِهِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: {لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ لَأَتَيْنَاهُ تَكْرِمَةً لِأَبِي بَكْرٍ} [رَوَاهُ أَحْمَدُ].
جَعَلَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِلِ السِّنِّ دَوْرًا فِي "أَوْلَوِيَّةِ إِمَامَةِ الصَّلَاةِ -إِذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهَا-؛ فَقَالَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَصُحْبَةٍ مَعَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: {اِرْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ} [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]،

وَفِي السَّلَامِ، فَيُسَنُّ سَلَامُ الصَّغِيرِ عَلَى "كَبِيرِ السِّنِّ"؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ} [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

إِنَّ "كِبَارَ السِّنِّ" تُرْضِيهِمْ أَدْنَى كَلِمَةٍ، وَيَقْنَعُوا بِأَقَلِّ الْقَلِيلِ؛ وَقَدْ فَهِمَ رَسُولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَبِيعَتَهُمْ، فَعَامَلَهُمْ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْجِبِلَّةِ؛ فَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ "أَنْوَاعٌ مِنَ الثِّيَابِ"، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: اِنْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: {خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ} [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَكَانَ مَخْرَمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَبِيرَ السِّنِّ، فَسَكَنَتْ نَفْسُهُ، وَهَدَأَ بَالُهُ، وَرَضِيَ، وَرَجَعَ بِخَيْرِ مَا أَرَادَ.
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَبِّي النَّشْءَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَيُبَشِّرُ مَنْ يَلْتَزِمُ هَذَا بِمُرَافَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ حِجَجٍ، فَقَالَ لِي: {يَا أَنَسُ، وَقِّرِ الْكَبِيرَ، وَارْحَمِ الصَّغِيرَ تُرَافِقْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ].
وعن أبي سعيدٍ رضي اللهُ عنهُ قالَ: ” لقَدْ كُنْتُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ ﷺ غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ عنْهُ، فَما يَمْنَعُنِي مِنَ القَوْلِ إلَّا أنَّ هَا هُنَا رِجالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي ”. (مسلمٌ)
وعَنْ مالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، قالَ: كُنْتُ أَمْشِي معَ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، فَصِرْنَا إلَى مَضِيقٍ فَتَقَدَّمَنِي ثُمَّ قالَ لِي: ” لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أنَّكَ أَكْبَرُ مِنِّي بِيَوْمٍ ما تَقَدَّمْتُكَ “ (الخطيبُ البغداديُّ في الجامعِ)،
لتوقيرِ كبارِ السنِّ وإكرامِهم فوائدُ وثمراتٌ عديدةٌ في الدنيا والآخرةِ منها:
الجزاءُ من جنسِ العملِ: فكما تقدِّرُ كبارَ السنِّ وتوقِّرُهم وتجلُّهم، فإنَّ اللهَ سيقيِّضُ لكَ من يردُّ لكَ هذا الجميلَ في شيخوختِكَ. فعَنْ أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:" ما أكرمَ شابٌّ شيخًا لسنِّهِ إلَّا قيَّضَ اللهُ لهُ من يُكرمُهُ عندَ سنِّهِ ". (الطبرانيُّ والبيهقيُّ والترمذيُّ).
وعَنْ أبي قِلابَةَ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: البرُّ لا يبلى، والإثمُ لا يُنسى، والديَّانُ لا يموتُ، فكنْ كما شئتَ كما تَدينُ تُدانُ. (مصنفُ عبدِ الرزاقِ).

ومنها حصولُ البركةِ: فكلما أكرمتَ كبارَ السنِّ وقمتَ بتوقيرِهم كلما ازددتَ بركةً وتوفيقًا وسدادًا. فعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: {البركةُ مع أكابرِكم} [ابنُ حبَّانَ والحاكمُ وصحَّحهُ ووافقَهُ الذهبيُّ].

ومنها: حصولُ الأجرِ والثوابِ من اللهِ: فعَنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «كلُّ سُلامى من الناسِ عليهِ صدقةٌ، كلَّ يومٍ تطلعُ فيهِ الشمسُ، يعدلُ بينَ الاثنينِ صدقةٌ، ويعينُ الرجلَ على دابَّتِهِ فيحملُ عليها، أو يرفعُ عليها متاعَهُ صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، وكلُّ خطوةٍ يخطوها إلى الصلاةِ صدقةٌ، ويميطُ الأذى عن الطريقِ صدقةٌ». (متفقٌ عليهِ). قالَ ابنُ بطالٍ: وإذا أُجرَ على فعلِ ذلكَ بدابةِ غيرِه، فإذا حملَ غيرَهُ على دابةِ نفسِه احتسابًا كانَ أعظمَ أجرًا". (فتحُ الباري لابنِ حجرٍ).

ومنها: مرافقةُ الرسولِ ﷺ في الجنةِ: فعنَ أنسٍ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: خدمتُ النبيَّ ﷺ ثماني حججٍ، فقالَ لي: يا أنسُ، «وقِّرِ الكبيرَ، وارحمِ الصغيرَ تُرافقْني يومَ القيامةِ». [البيهقيُّ في الشُّعبِ].

ومنها: إنزالُ الناسِ منازلَهم: فقد رُويَ أنَّ عائشةَ مرَّ بها سائلٌ فأعطتْهُ كسرةً، ومرَّ بها رجلٌ عليهِ ثيابٌ وهيئةٌ، فأقعدتْهُ، فأكلَ، فقيلَ لها في ذلكَ، فقالتْ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: "أنزلوا الناسَ منازلَهم". [أبو داودَ].

ومنها: برُّ الآباءِ والأقاربِ في قبورِهم: إنَّ من برِّ الإسلامِ ورفقِه بالمسنينَ أنْ حثَّ أتباعَهُ على الإحسانِ إلى أصدقاءِ الوالدينَ وبرِّهم وودِّهم والرفقِ بهم ولا سيما إذا كانوا في سنِّ الشيخوخةِ؛ فأنتَ حينما توقِّرُ الكبيرَ وتحترمُهُ وتجلُّهُ وتكرمُهُ، فهذا صلةٌ لأبيكَ وأمِّكَ وذوي رحمِكَ في قبورِهم، فعنْ عائشةَ، قالتْ: جاءتْ عجوزٌ إلى النبيِّ ﷺ وهو عندي، فقالَ لها رسولُ اللهِ ﷺ: «من أنتِ؟» قالتْ: أنا جثَّامةُ المزنيَّةُ، فقالَ: «بلْ أنتِ حسَّانةُ المزنيَّةُ، كيفَ أنتم؟ كيفَ حالُكم؟ كيفَ كنتم بعدَنا؟» قالتْ: بخيرٍ بأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ اللهِ، فلمَّا خرجتْ قلتُ: يا رسولَ اللهِ، تُقبلُ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ؟ فقالَ: «إنها كانتْ تأتينا زمنَ خديجةَ، وإنَّ حسنَ العهدِ من الإيمانِ». [الحاكمُ وصحَّحهُ ووافقَهُ الذهبيُّ].
وعنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ: أنَّ رجلًا من الأعرابِ لقيَهُ بطريقِ مكةَ فسلَّمَ عليهِ عبدُ اللهِ؛ وحملَهُ على حمارٍ كانَ يركبُهُ؛ وأعطاهُ عمامةً كانتْ على رأسِه؛ فقالَ ابنُ دينارٍ فقلنا لهُ: أصلحَكَ اللهُ إنَّهم الأعرابُ وإنهم يرضونَ باليسيرِ؛ فقالَ عبدُ اللهِ: إنَّ أبا هذا كانَ ودًّا لعمرَ بنِ الخطابِ؛ وإني سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ : ” إنَّ أبرَّ البرِّ صلةُ الولدِ أهلَ ودِّ أبيهِ ” .(مسلمٌ).
وبلغَ الأمرُ ببعضِ السلفِ أنَّهُ كانَ يسافرُ ليصلَ صديقَ أبيهِ. فقد روى أحمدُ في مسندِه عن يوسفَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ قالَ: أتيتُ أبا الدرداءِ في مرضِه الذي قُبِضَ فيهِ؛ فقالَ لي: يا ابنَ أخي ما أعمدَكَ إلى هذا البلدِ أوْ ما جاءَ بكَ؟! قالَ قلتُ: لا إلَّا صلةُ ما كانَ بينكَ وبينَ والدي عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ!!
ما المستفاد ؟ عن أبي موسى الأشعريِّ رضي اللهُ عنهُ أنَّهُ ﷺ قالَ: (إنَّ منْ إجلالِ اللهِ إكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ، وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيهِ والجافي عنهُ، وإكرامَ ذي السلطانِ المقسطِ). أبوداودَ بسندٍ صحيحٍ
عملياً:- عَنْ أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:" ما أكرمَ شابٌّ شيخًا لسنِّهِ إلَّا قيَّضَ اللهُ لهُ من يُكرمُهُ عندَ سنِّهِ ". (الطبرانيُّ والبيهقيُّ والترمذيُّ).
google-playkhamsatmostaqltradent