recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًااعداد الشيخ علاء الشال

"كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا".

 


الحمد لله الذي جعل الإحسانَ شيمةَ المحسنين، وزيَّن قلوبَ المتقين بأنوار اليقين

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين،

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أيها المسلمون:

حديثنا اليوم عن وصية عظيمة، لو طبقها كل واحد منا لتحولت حياته إلى جنةٍ من السعادة، ولسعد من حوله، ولأصبح الوجود كله في عينيه جميلاً. تلكم الوصية هي:

 "كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا".

ما أعنيه بالجمال هنا ليس جمال المظهر فحسب، بل هو جمالُ القلب، وجمالُ الخُلُق، وجمالُ التعامل مع الخلق. إنه الجمال الحقيقي الذي ينبع من داخل الإنسان فيضيء حياته وحياة من حوله.

أيها الأحبة:

لنبدأ بقصة من القرآن الكريم

تبرز لنا كيف أن الجمال الداخلي، جمال القلب والخلق، هو الذي يرفع قدر صاحبه عند الله. قصة سيدنا يوسف عليه السلام.

 لقد وُصف بأنه جميل المظهر، (وَأَلْقَى الْأَلْفَةَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الأنفال: 63]،

ولكن الجمال الحقيقي الذي أنقذه ورفع شأنه كان جمال أخلاقه وعفته وتقواه.

 عندما راودته امرأة العزيز عن نفسه، كان رده أعظم دليل على جمال روحه: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23].

هذا الجمال الأخلاقي هو الذي قاده إلى العزة والتمكين في الأرض، (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) [يوسف: 56].

 انظروا كيف رأى يوسف الوجود جميلاً رغم ما مر به من محن السجن والغربة، لأنه كان جميلاً من الداخل.

إخوة الإيمان:

ولننظر إلى قدوتنا وأسوتنا، سيد الخلق أجمعين، محمد صلى الله عليه وسلم.

لقد كان خلقه القرآن، بل قال الله عنه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].

هذا هو قمة الجمال. كان صلى الله عليه وسلم جميلاً في وجهه، ولكنه كان أجمل في خلقه. كان يلاعب الأطفال، ويزور المرضى، ويعفو عن من أساء إليه، ويحسن إلى من آذاه.

قالت عائشة رضي الله عنها: "ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً".

هذا الجمال النبوي جعل أصحابه يحبونه أكثر من أنفسهم، وجعل الوجود كله في عينيه وعيونهم جميلاً، لأنهم رأوه بنور الله وبرسالة الإسلام.

معاشر المسلمين:

وها هي قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار.

فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأركان الإسلام، ثم قال له: "ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟" قال: بلى يا رسول الله.

قال: "كُفَّ عليك هذا" وأشار إلى لسانه. فقال الرجل: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم – أو قال: على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم؟".

إن كف الأذى والتحلي بحسن الكلام هو من أجمل مظاهر الجمال الداخلي. عندما تكف لسانك عن الغيبة والنميمة والكذب والسب، وتزينه بالكلمة الطيبة، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء: 53]، حتماً سترى الناس من حولك أجمل، وسيرونك أجمل، وسترى حياتك أجمل.

أيها الكرام:

الجمال الذي نعنيه ليس نظرة ساذجة تخفي القبح، بل هو نظرة إيمانية تنبع من قلب مؤمن. المؤمن يرى في الوجود كله آية من آيات الله، (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ) [آل عمران: 191].

 المؤمن يتعامل مع البلاء بالصبر والشكر، فيراه خيراً وجمالاً في طياته.

 المؤمن ينظر إلى الناس بعين الرحمة، فيستر عيوبهم، ويحسن الظن بهم، ويتلمس المعاذير لهم.

هذا هو الجمال الذي يحول الوجود إلى جمال.

اللهم اجعلنا جميلين في أخلاقنا، جميلين في تعاملنا، جميلين في نظرتنا للحياة والناس.

اللهم طهر قلوبنا من الحقد والحسد، وألسنتنا من الكذب واللغو، وأعمالنا من الرياء والسوء.

اللهم ارزقنا قلوباً سليمة، وأخلاقاً قويمة، وأعنا على أن نكون سبباً في جمال حياة غيرنا

الخطبة الثانية

 حرمة الاعتداء على الجار

الحمد لله جعل للجار حرمةً وحقًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

أما بعد، فاتقوا الله تعالى حق التقوى.

أيها المسلمون:


إن الجار في ديننا لمكانه عظيم، ومنزلته عالية، حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الوحي سيأتي بتوريث الجار!

فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ".

ولكن حديثنا اليوم ليس عن بر الجار وإحسانه، فهذا معروف، ولكن عن حرمة الاعتداء عليه.

 إن أذى الجار من الكبائر التي تهدد بالإيمان، بل وتُدخل النار! قال صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ!" قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: "الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ". أي غوائله وشروره.

إخوة الإيمان:

انظروا إلى هذا الوعيد الشديد! إن الاعتداء على الجار - سواء كان بلسانك من غيبة أو نميمة أو شتم، أو بيدك بإيذاء أو ترويع، أو ببصرك بتجسس على عوراته - هو انتهاك لحرمة عظيمة، وجناية على حق مقدس. وقد جاء في الحديث: "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ". فكيف بمن يشبع ويؤذي جاره؟

أيها الكرام:

إن السعيد حقًّا هو من يسلم جاره من يده ولسانه. فاتقوا الله في جيرانكم، واحفظوا حرمتهم، واذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ".

اللهم احفظ بلادنا وأمننا، ووفق قادتنا لما تحبه وترضاه.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم احفظ جيراننا من كل سوء، واجعلنا لهم سترًا وأمانًا.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات،والمؤمنين والمؤمنات.

اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.

 

google-playkhamsatmostaqltradent