كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا
إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ
جمال الجوهر زينة القلوب
الحمد لله الذي جعل الطهارة شطر الإيمان،
وجعل الجمال والنظافة من دلائل الإحسان، فالحمدُ للهِ ملأُ الميزانَ ، وسُبحانَ
اللهِ والحمدُ للهِ ملأ ما بين السماءِ والأرضِ ومداد كلمات ربنا ورضا نفسه وزنة
عرش الرحمن
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
كتب على خلقه الفناء، وتفرد وحده بالدوام والبقاء، لا راد لحكمه، ولا مُعقب
لقضائه، لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون فسبحان المتفرد بالحكم والسلطان، الملك الديان
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النور من الرحمن والنبي العدنان ﷺ الذي قال: "إِنَّ
اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ " اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه
ومن تبعهم بإحسان .
أما بعد
أيها الأحبة الكرام إن القرآن الكريم قد حوى الجمال بكل صوره
وتجلياته: جمال اللفظ، وجمال المعنى، وجمال التشريع، وجمال القيم، وجمال الآداب
والأخلاق.
وجمال القرآن الكريم إنما هو من جمال الله
تعالى وإن من مقاصد القرآن الكريم: تربية الناس على قيم الجمال مخبرًا ومظهرًا،
والرقي بنفس المسلم عبر مدارج الجمال الخُلُقي لتبلغ أسمى منازله
ويعرف الجمال بأنه الحسن والملاحة والبهاء
والتحلي بصفات الجلال والوقار وحسن الخلق
أولا : "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ
الْجَمَالَ" الجمال مطلوب في الأقوال والأعمال.
إن الجمال مطلوب ومحبب بالمظهر والمنظر
والأخلاق والتعامل وحسن المعشر ، حتى في الصبر ولو طالعنا القرآن الكريم لوجدنا
لذكر الجمال فيه آيات بينات إن الله عز وجل يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4]
أيها المسلمونَ: ثقافةُ الجمالِ في الإسلامِ
وإنْ كانَ يظهرُ بدايةً أنهاَ منَ المحسناتِ والمكملاتِ والرفاهياتِ، إلاَّ أنَّ
الإسلامَ أولاها عنايةً عظمى، تطرقَ لها القرآنُ الكريمُ والسنةُ النبويةُ
المطهرةُ، إنها جمالُ الروحِ، وجمالُ النفسِ، وجمالُ الجسدِ، وجمالُ ونظافةُ
البيتِ، وجمالُ البيئةِ، وجمالُ الهيئةِ، وجمالُ الفكرِ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ
الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ:
إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ
النَّاسِ » صحيح مُسلِم
غمط النّاس: احْتِقَارُهُمْ. وبطر الحق:
دَفْعُهُ وَإِنْكَارُهُ تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا. .
ليس المقصود التفاخر أو الكِبر: لأن النبي ﷺ
لما قال ذلك بيّن أن الكبر هو بطر الحق وغمط الناس، أما التجمّل المشروع فهو محبوب
عند الله والحديث يعلّمنا أن الإسلام دين يهتم بالمظهر الحسن والنظافة والأناقة،
لكن الأجمل والأحب عند الله هو جمال القلب والخلق.
فكن جميلًا في تلقي الصدمات والمشكلات؛
فاصبر على قدر الله صبرًا جميلًا وارض بقضائه مع تسليم تام..
-كن جميلًا في أقوالك؛ فلا تتفوه إلا بأحسن
الكلام.. {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} قولوا للناسِ معروفًا وصِدقًا
-كن جميلًا في أفعالك؛ فلا تفعل إلا اللائق
من الأفعال..
-كن جميلًا في هيئتك؛ فكن حريصًا على ظهورك
بأليق صورة(بما يناسب إمكاناتك)..
-كن جميلًا في نظراتك؛ فلا تنظر لعوارات
غيرك، ولا إلى الخلق بعين احتقار، ولا إلى الدنيا بعين التعظيم والإكبار..
-كن جميلًا في تبريراتك لتصرفات العباد؛
فأحسن الظن في الجميع واجعل مخرجًا وعذرًا للجميع..
-كن جميلًا في التعامل مع أذى الناس لك؛
فاصفح الصفح الجميل..
ولقد حَثَّ القرآن الكريم على تعَهُّد النفس
بالتربية الخُلقية، وأخذها بالرياضة والدربة، للرقي بها عبر مدارج الخُلُق الكريم،
إلى منزلة الجمال. ومما نَصَّ عليه من ذلك: الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر
الجميل، والتسريح الجميل.
أولًا: الصبر الجميل:
ذُكر الصبر الجميل في موضعين من القرآن
الكريم:
الأول: في سورة يوسف: حيث قال الله سبحانه
على لسان نبيِّه يعقوب عليه السلام: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 83].
الثاني: في سورة المعارج: حيث قال الله
تعالى مخاطبًا نبيَّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾
معنى الصبر الجميل:
الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "الصبر الجميل الذي لا يصحبه تسَخُّط ولا جزع
ولا شكوى للخلق وقال في موضع آخر: "لا تضجُّر فيه ولا ملل قَالَ يَعْقُوب
عليه الصلاة والسلام انما أَشْكُو بثي وحزني الى الله مَعَ قَوْله ( فَصَبر جميل
وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون ) فالشكوى الى الله لَا تنَافِي الصَّبْر الْجَمِيل
ويروى عَن مُوسَى عليه الصلاة والسلام أَنه كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ لَك الْحَمد
واليك المستكى وَأَنت الْمُسْتَعَان وَبِك المستغاث وَعَلَيْك التكلان
قرىء على الامام أَحْمد فِي مرض مَوته أَن
طاووسا كره أَنِين الْمَرِيض وَقَالَ انه شكوى فَمَا أَن حَتَّى مَاتَ وَذَلِكَ
أَن المشتكي طَالب بِلِسَان الْحَال اما ازالة مَا يضرّهُ أَو حُصُول مَا
يَنْفَعهُ وَالْعَبْد مَأْمُور أَن يسْأَل ربه دون خلقه كَمَا قَالَ تَعَالَى
فَإِذا فرغت فانصب والى رَبك فارغب
حتى في طلب الرزق أجملوا الطلب فيه وعليكم
بالاعتدال وعدم التفريط
وَأَجْمِلُوا ـ أَيْ: مِنَ الْإِجْمَالِ،
أَيْ: وَأَحْسِنُوا: فِي الطَّلَبِ ـ أَيْ: فِي تَحْصِيلِ الرِّزْقِ، وَلَا
تُبَالِغُوا فِي طَلَبِهِ
روي
ابن ماجة في سننه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (
أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى
تستوفيَ رزقَها وإن أبطأَ عنْها فاتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ خذوا ما
حلَّ ودعوا ما حَرُمَ )
ثانيًا: الصفح الجميل:
حَثَّ القرآن الكريم على التحلِّي بخُلُق
الصفح، ورتَّب عليه أجمل العواقب في الدنيا والآخرة، ثم إنه طلب من المؤمنين أن
يأخذوا أنفسهم بالمجاهدة والدربة والتربية، ليرتقوا بها عبر منازل هذا الخُلُق،
حتى تبلغ منزلة "الصفح الجميل"، قال الله تعالى مخاطبًا نبيَّه الكريم صلى
الله عليه وسلم، وأمته تبعًا له: ﴿ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ
الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [الحجر: 85،
86].
معنى الصفح الجميل : هو الذي لا عتاب معه
ولا يصحبه تأنيب، ولا توبيخ، ولا تثريب، ولا تذكير المسيء بإساءته؛ فإن العتاب
والتأنيب والتثريب، كل ذلك يذهب بجمال الصفح وكماله.
إن العَفوُ هُوَ: تَركُ المُؤَاخَذَةِ
بِالذَّنبِ، وَالصَّفحُ هُوَ: إِزَالَةُ أَثَرِهِ مِنَ النَّفسِ؛ ولقد أمر الله
نبيه بهذا الخلق، فقال: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13].
واصبِر بغَيرِ تَسَخُّطٍ وشَكَايَةٍ ***
واصفَح بِغَيرِ عِتَابِ مَن هُوَ جَانِ
وقد ساق القرآن الكريم نموذجًا عمليًّا
تطبيقيًّا لهذا الخُلُق الجميل، من خلال عرضه لقصة نبي الله يوسف عليه السلام، حيث
نطالع مظهرًا من مظاهر الجمال الذي عُرِف به هذا النبي الكريم، وهو- إضافة إلى
جمال الخَلْق- جمال الخُلُق، ومنه: الصفح الجميل. وذلك في صفحه وعفوه عن إخوته بلا
تثريب ولا عتاب لمَّا أقروا بين يديه بخطئهم في حقِّه، وأظهروا الندم، وطلبوا
العفو والصفح ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ
أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ
وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ
فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ
آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 89 – 91]، فعفا
عنهم وصفح صفحًا جميلًا؛ إذ لم يعتب ولم يوبِّخ ولم يثرِّب؛ بل ﴿ قَالَ لَا
تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92]، قال الشيخ السعدي: "أي: لا أثرِّبُ عليكم ولا
ألومُكم ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ فسمح لهم سماحًا
تامًّا من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهذا
نهاية الإحسان الذي لا يتأتَّى إلا من خواصِّ الخَلْق، وخيار المصطفين"[10].
ومن جمال صفحه عليه السلام، أنه في سياق
عدِّه لبعض نِعَم ربِّه عليه، بتحقق رؤياه، وخروجه من السجن، وصلاح ذات البَيْن مع
أخوته، واجتماع شمل الأسرة بعد طول فرقة؛ لم يذكر ظلم الإخوة وعدوانهم، ولا ما
لحقه بسببهم من ألم وبلاء؛ رعايةً لمشاعرهم، بل نسب ذلك للشيطان اللعين، فقال: ﴿
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ [يوسف: 100].
ولله در القائل
كُنْ قَابِلَ الْعفو ، وَاغْفِرْ زَلَّةَ
النَّاسِ وَلَا تُطِعْ يَا لَبِيباً
أَمْرَ وَسْوَاسِ
فَاللهُ يَكْرَهُ جَبَّاراً
يُشَارِكُهُ وَيَكْرَهُ
اللهُ عَبْداً قَلْبُهُ قَاسِي
هَلَّا تَذَكَّرْتَ يَوْماً، أَنْتَ
مُدْرِكُهُ يَوْمَ الْوَدَاعِ شَدِيدَ الْبَطْشِ
وَالْبَاسِ.
وَيَوْمَ يَضْعوكَ فِي الْقَبْرِ
الْمُخِيفِ
وَقَدْ رَدُّوا التُّرَابَ بِأَيْدِيهِمْ
وَبِالْفَاسِ
وَيَوْمَ يَبْعَثُنَا، وَالْأَرْضُ
هَائِجَةٌ وَالشَّمْسُ مُحْرِقَةٌ،
تَدْنُو مِنَ الرَّاسِ
يَفِرُّ كُلُّ امْرِئٍ مِنْ غَيْرِهِ
فَرَقاً هَلْ أَنْتَ ذَاكِرُ
هَذَا الْيَوْمِ أَمْ نَاسِي؟!
سَيُرْسِلُ اللهُ أَمْلَاكاً
مُنَادِيَةً. هَيَّا
تَعَالَوْا لِرَبٍّ مُطْعِمٍ كَاسِي.
هَيَّا تَعَالَوْا إِلَى فَوْزٍ وَمَغْفِرَةٍ هَيَّا تَعَالَوْا إِلى بِشْرٍ
وَإِينَاسِ
أَيْنَ الذِينَ عَلَى الرَّحْمَنِ
أَجْرُهُمُ فَلَا يَقُومُ سِوَى
الْعَافِي عَنِ النَّاسِ
وإن الله عفو غفور يحب العفو
وإن منازل العفو ثلاث قال الله سُبحَانَهُ
وَتَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] فهي ثلاث منازل للأولياء.
المنزلة الأولى: منزلة الكظم: أن تكظم غيظك
عن الناس لكنك قد تحمل في قلبك عليهم غلاً وحسداً وحقداً، وهذه منزلة لا بأس بها.
المنزلة الثانية: منزلة أن تعفو عنهم، فلا
تعاتبهم ولا تؤذيهم، وهذه منزلة ثانية أحسن.
والمنزلة الثالثة: والله يحب المحسنين، أن
تعفو عنهم ولا تؤذيهم ولا تحمل عليهم، وتنفعهم وتهدي لهم.
دخل رجل على عمر بن عبد العزيز، فذكر له عن
رجل شيئًا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه
الآية {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات 6]،
وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية [
هماز مشاء بنميم ]، وإن شئت عفونا عنك. فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود
إليه أبدًا.
العفو من شيم الكرام
وهذا سيدنا علية بن يزيد وكان من الباكين
الذين جاءوا الي النبي صلي الله عليه وسلم في غزوة تبوك فَاسْتَحْمَلُوا رَسُولَ
اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ فَقَالَ: ((لا أَجِدُ مَا
أُحَمِّلُكُمْ عَلَيْهِ)) . فَتَوَلَوُا يَبْكُونَ وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ
الدَّمْعِ حُزْناً أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ.
وَقَامَ عُلَيَّةُ بنُ يَزِيد فَصَلَّى مِنْ
اللَّيْلِ وَبَكَى وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ أَمَرْتَ بِالْجِهَادِ وَرَغَبَّتْ
فِيهِ ثُمَّ لَمَ تَجْعَلْ عِنْدِي مَا أَتَقَّوَى بِهِ مَعَ رَسُولِكَ وَلَمْ
تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِكَ مَا يَحْمِلُنِي عَلَيْهِ وَإِنِّي أَتَصَدَّقُ عَلَى
كُلِّ مُسْلِمٍ بِكُلِّ مَظْلَمَةٍ أَصَابَنِي فِيهَا مِنْ مَالٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ
عِرْضٍ ثُمَّ أَصْبَحَ مَعَ النَّاسِ فَقَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:
((أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ)) ؟ فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ
قَالَ: ((أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ فَلْيَقُمْ)) . فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَبْشِرْ فَوَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ لَقَدْ كُتِبَتْ فِي الزَّكَاةِ الْمُتَقَبَّلَةِ)) . فَفِي هَذَا
مُعْجِزَةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ بِإِخْبَارِهِ
الْمُتَصَدِّق) الجامع الصحيح للسنن والمسانيد
سبَ أحدُهم أعرابياً ، وقالَ له ، يا
أعرابيُ ، هأنذا ، أسبُك وأشتُمك ، فقال الأعرابيُ ، يا هذا ، لا تُغرق فيَّ سباً
، ودعْ للصُلحِ موضعاً ، فإني أبيتُ مشاتمةَ الرجالِ صغيراً ، فلن أفعلَها كبيراً
، وإني لا أُكافيُ من عصي اللهَ فيَّ ، بأكثرَ من أن أُطيعَ اللهَ فيه
والعفو: كفّ الضّرر مع القدرة عليه، وكلّ من
استحقّ عقوبة فتركها فهذا التّرك عفو .
والكاظم غيظه مع قدرته على إنفاذه موعود على
لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخير جزيل، عَنْ مُعَاذٍ، بن أنس الجهني
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ
قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ تبارك وتعالى عَلَى رُؤُوسِ
الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ ") رواه
الترمذي(2021)
والعفو عن الزلات والهنات والمظلمات ليس
ضعفاً ولا نقصاناً، بل هو رفعة لصاحبها وعزاً .
روي الإمام أحمد عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنهُ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ
مِن مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ
أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ» مسلم
عَن عَبدِاللَّهِ بنِ عَمرِو عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنبَرِ: «ارحَمُوا
تُرحَمُوا، وَاغفِرُوا يَغفِرِ اللَّهُ لَكُم، وَيلٌ لِأَقمَاعِ القَولِ، وَيلٌ
لِلمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ». رواه
أحمد في مسنده
وروى الحاكم في مستدركه وعن عبادة بن الصامت
عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يشرف له البنيان
وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه).
وروى من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد
يقول: أين العافون عن الناس؟ هلموا إلى ربكم وخذوا أجركم، وحق على كل امرئ مسلم
إذا عفا أن يدخل الجنة) يارب نسأله ذلك.
ورُوِيَ عَن أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ
أَنهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَن اللهَ تعالى يَأمُرُ مُنَادِيًا يَومَ القِيَامَةِ،
فَيُنَادِي: مَن كَانَ لَهُ عِندَ اللهِ شَيءٌ فَليَقُم، فَيَقُومُ أَهلُ العَفوِ،
فَيُكَافِئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانَ من عَفوِهِم عن الناسِ[إحياء علوم الدين].
وقال نبيُّنا فيما رواه عن الرحمن في علم الغيوبِ
محالٌ أن ينال العفو من لا يمنُّ
به على أهل الذُّنوبِ
وسطر السلف الصالح من مواقف العفو والصفح
أعظم الصور الرائعة التي حفظها الدهر، يَقُولُ الحَسَنُ بن علي رَضِيَ اللهُ
عَنهُما: لَو أَنَّ رَجُلَاً شَتَمَنِي فِي أُذُنِي هَذِهِ، وَاعتَذَرَ إلَيَّ فِي
أُذُنِي الأُخرَى، لَقَبِلتُ عُذرَهُ
ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه خرج رضي عنه
وهو خليفة للمسلمين في وسط الليل، يريد أن يصلي في مسجد بني أمية الجامع في دمشق،
وكان يخرج وحده في الليل يتفقد أمور الناس، وربما صلى في المسجد، وربما زار
المقبرة، وكان هو الخليفة الوحيد في تلك الفترة خليفة المسلمين رضي الله عنه من
المغرب إلى نهر السند شرقاً، [[فلما خرج ودخل المسجد في الظلام وطأ برجله أحد
النوام، فقال: من هذا الحمار الذي وطأني؟ فقال عمر بن عبد العزيز: أنا عمر بن عبد
العزيز ولست بحمار، ثم صلى رضي الله عنه، وانصرف]].
فيقول العلماء: "إنها من حسناته الفريدة
التي يرى أنها قليلة لا يلتفت إليها بل هي من أعظم الحسنات؛ لأن أهل السلطان
يغضبون على أي شيء، وأما هذا فرضي الله عنه، ما غضب" ولذلك يقولون: إنه من
سلالة عمر رضي عنه وهم دائماً من أشد الناس في الحق، لكنهم من أعظم الناس عفواً
عما يصلهم، أو ما يخص ذوات أنفسهم رضي الله عنهم.
ثالثًا: الهجر الجميل:
ورد ذكر الهجر الجميل في قول الله تعالى: ﴿
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10].
معنى الهجر الجميل: "هو الهجر حيث
اقتضت المصلحةُ الهجر الذي لا أذية فيه"، ومن خلال هذا التعريف يتبين أن
الهجر لا يتسم بالجمال إلا مع ضابطين اثنين:
الأول: أن يكون الهجر لمصلحة شرعية: كأن
يُهجر الفاسق أو العاصي تأديبًا وزجرًا له، رجاء أن ينتهي عن فسوقه ومعصيته، فيكون
الهجر وسيلة تربوية لمصلحة شرعية...
الثاني: أن يكون الهجر بلا أذية: فلا يُؤذى
المهجور بقول أو فعل، فلا يُسَبُّ، ولا يُشتَم، ولا يُغتاب، ولا يُشهَّر به.
وأن تسيطر على غضبك ولا تشتم ولا تظلم ولاتطغى ولاتفجر في الخصومة ولا تضيع الود ولا تقطع الرحم فقط تأدب بآداب القرآن
واترك من أساء بهدوء لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التقاطع والتدابُر،
ونهى عن هجر المسلم أخاه المسلم أكثر من ثلاثة أيام، فلاَ تقاطعوا ولاَ تدابروا ولاَ تباغضوا
ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: لا يحل
لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ
بالسلام )
حتى لو ارتكب معصية، فإنَّ هجره لا يجوز إلا
إذا كان في هجره مصلحة، كأن ينتهي عن معصية؛ ولهذا هجر النبي صلى الله عليه وسلم
كعب بن مالك وصاحبَيه، حين تخَلَّفوا عن غزوة تبوك. فإن كان في هجر الفُسَّاق
مصلحة راجحة؛ فإنهم يُهجرون، وإلا فلا يُهجرون...
رابعًا: التسريح الجميل:
ورد "التسريح الجميل" في موضعين
من سورة الأحزاب:
الأول: في قول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا *
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ
اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29].
الثاني: في قوله جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا
فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾[الأحزاب: 49].
والتسريح هنا هو الطلاق، وقد شرَّعه الله
تعالى إذا تعذَّرت أو استحالت العشرة الزوجية، وانتفى الهدوء والسكينة والاستقرار
النفسي والعاطفي والجسدي بين الزوجين؛ لتنافُر طباعهما أو لسوء خُلُق أحدهما أو
كليهما، وصارت الحياة الزوجية عبئًا ثقيلًا، ولا تثمر المقاصد الشرعية التي شُرع
الزواج لأجلها.
وتأكيدًا لمقصد الجمال الذي يجب على المسلم
أن يراعيه في أقواله وأفعاله وتصرُّفاته ومعاملاته، فإن الله عز وجَلَّ نبَّه
الرجال المُطَلِّقين على تحرِّي الجمال في أسلوب وطريقة إنهاء العلاقة الزوجية،
فقال سبحانه: ﴿ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].
التسريح الجميل: هو التسريح من غير مغاضبة،
ولا مخاصمة، ولا مشاتمة، ولا تعَدٍّ، ولا ظلم، ولا هضم للحقوق، فقوله تعالى: ﴿
وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾؛ أي: "وخلوا سبيلهن تخلية بالمعروف، من
غير إضرار ولا إيذاء ولا هضم للحقوق. قال أبو حيان: والسراح الجميل هو كلمة طيبة
دون أذى ولا منعِ واجب" امر بالسراح الجميل أما نراهُ اليومَ في كثيرٍ منْ
حالاتِ الطلاقِ فلا يكونُ إلا بالخصومةِ والتقاطُعِ والتدابُرِ والمحاكمِ، فأينَ
الجمالُ في حالاتِ التسريحِ والطلاقِ؟ وأينَ السراحُ الجميلُ الذي أمرنا الله به
في الآية وأن الطلاق يجب أن يكون دون ضرر أو إضرار بها.
فمن جمال الطلاق أن يحفظ الرجل كافة حقوق
مطلقته المادية والمعنوية، ولا يؤذيها بذكر عيب، ولا كشف سر، ولا انتقاص، ولا سعي
في انتقام بتشويه صورتها وسيرتها...إلخ. والمطلقة هي الأخرى مطالبة بمراعاة الآداب
الجميلة في حقِّ مُطَلِّقها.
أراد رجل تطليق امرأته، فقيل له: ما عيبها
؟
فقال : هل يتكلم أحد بعيب امرأته ؟
فلما طلقها قيل له: ما كان عيبها ؟
قال هي امرأة غيري، ما لي ومالها ؟ ربيع
الأبرار -الزمخشري
بينما اليوم إن طلق الرجل زوجته ،كل منهم
يقول كلام تستحي وأنت تسمعه ، وبعضهم يحتفل بهذا الطلاق .
وفي صحيح البخاري، عن سهل بن سعد وأبي أُسيد
رضي الله عنهما قالا: ( تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَيْمَةَ
بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا،
فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا
وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ)
عباد الله : إنَّ الله جميلٌ يحب الجمال.. و
لم يخلق سواه.
أما
القبح فما هو إلا رواسب علقت بنفوسنا في رحلتها مع العناء و المكابدة في تلك
الحياة.
كلما خطونا بعيداً عن منبع الفطرة السوية.
حتى في أكثر الوجوه ذمامةً ، و أشد المناظر قبحاً يتجلى جمال خفي تدركه
البصائر و إن عجزت عن إدراكه الأبصار.
يحب من عباده أن يتجمّلوا بما أحلّه: يعني
أن الله يحب أن يظهر أثر نعمته على عبده في مظهره ونظافته وثيابه، من غير كِبر ولا
إسراف.
إن الله جميل يحب الجمال..
اللهم اكسنا بحلة الجمال، واجعلنا من أهل
الجمال، وحققنا بما حققت به أهل الجمال، واسقنا من أنوار أجمل الجمالﷺ
ثانياً:
جمال الجوهر وسلامة الصدر وطهارة القلب والنفس.
أيها الأحبة الكرام : ان المؤمن سليم الصدر،
طاهر النفس، نقى، تقى القلب، رقيق المشاعر رقراق العواطف، فالمؤمن ينام على فراشه
آخر الليل – يشهد الله فى عليائه - أنه لا يحمل ذرة حقد، أوغل، أو حسد لمسلم على
وجه الأرض البتة ، والنبى يقول كما فى الصحيحين من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا
عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ
فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ»
إن الحقد والحسد من أخطر أمراض القلوب
والعياذ بالله، فيرى الأخ أخاه فى نعمة، فيحقد عليه ويحسده، ونسي هذا الجاهل
ابتداءً أنه لم يرض عن الله الذى قسم الأرزاق، فليتق الله وليعد إلى الله سبحانه
وتعالى، وليسأل الله الذى وهب وأعطى أن يهبه ويعطيه من فضله، وعظيم عطائه، ويردد
مع هؤلاء الصادقين ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا
إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [ الحشر: 10 ].
وردد مع هؤلاء بصفاء، وصدق، وعمل، فقد قال
الله فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ
يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً
مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ الحشر: 9 ].
فيا عباد الله : اتقوا الله تعالى وتوبوا
إليه واعلموا سلامة الصدر من صفات اهل الجنة قال تعالي (وَنَزَعْنَا مَا فِي
صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ
هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ
تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الاعراف
روى ابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ
النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ» ،
قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ:
«هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا
حَسَدَ»
وفى مسند أحمد بسند جيد عَنِ الزُّهْرِيِّ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ
لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ،
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى. فَلَمَّا
كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ
الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي
فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ
تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ:
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ،
فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ
وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى
يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ
أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ
أَنْ أَحْقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ
وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ
إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ
كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ. قَالَ:
فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ
أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ
أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ
الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ
إن سلامة الصدر من الغل والحسد بلغت بهذا
الرجل أن يشهد له رسول الله بالجنة، وهو فى الدنيا.. يا لها من كرامة.
ان الإسلام يحارب الأحقاد، ويرتقي بالمجتمع
المؤمن إلى حد مستوى رفيع من الاخوة المتبادلة والمعاملة العادلة، فإنه من دلائل
الصغار وخسة الطبع أن يرسب الغل في أعماق النفس، ثم يدفع صاحبه إلى إيذاء الآخرين
والإفساد فيما بينهم بشتى ألوان الإفساد، فقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «أَلَا
أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى، إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللهِ،
قَالَ: «فَإِنَّ شِرَارَكُمُ الَّذِي يَنْزِلُ وَحْدَهُ، وَيَجْلِدُ عَبْدَهُ،
وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ» ، قَالَ: «أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ؟»
قَالُوا: بَلَى إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «مَنْ يُبْغِضُ النَّاسَ
وَيُبْغِضُونَهُ» ، قَالَ: «أَوَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ؟» قَالُوا:
بَلَى إِنْ شِئْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «الَّذِينَ لَا يَقْبَلُونَ
عَثْرَةً، وَلَا يَقْبَلُونَ مَعْذِرَةً، وَلَا يَغْفِرُونَ ذَنْبًا» ، قَالَ:
«أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،
قَالَ: «مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ» رواه الطبراني
إنها أطوار الحقد عندما تتضاعف علته وتفتضح
سوأته وقد أحس الناس به من قديم حتى في جاهليتهم حين قال عنه عنترة :
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ
الرُتَبُ وَلا يَنالُ العُلا مَن
طَبعُهُ الغَضَبُ
إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها
العَطَبُ
فهذه أطوار للحقد عندما تتضاعف علته وتفتضح
سوأته، ولا عجب فمن قديم أحس الناس حتى في جاهليتهم: أن الحقد صفة الطبقات الدنيا
من الخلق وأن ذوي المروءات يتنزهون عنها
لذلك أيها المسلمون : حرم الله تعالى الحسد
علي لسان نبيه والحديث رواه البيهقي في شعب الايمان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ
وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ
الْحَطَبَ " وحرم الغل والحقد، وحرم الغيبة والنميمة، وحرم البذاءة والجفاء
وأمر بالإيثار والتعاون، وحث على المحبة وتقديم الخير وإشاعته في المجتمع ليكون
ذلك شفاء للصدور: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى
ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله؛ فمن أراد
الثواب الجزيل الذكر الجميل وراحة القلب فليحلم على الجاهل، وليعفو عن المعتدي
وليقبل الصلح قال الله ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
[الشورى:4].
وصلوا وسلموا على من هذه سنته وهذا هديه إذ
أمركم ربكم بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].