فَرِّيَّةُ اِنْتِشَارِ الْإِسْلَامِ بِحَدِّ السَّيْفِ
الرد على الشبهة
الجهاد فى الكتب المقدسة قبل الإسلام
هدف الحرب في الإسلام
سمو الإسلام في معاملته للمخالفين له
ميل الإسلام إلي السلام
التسامح مع غير المسلمين
مفهوم لا إكراه في الدين.
ارتفعت
أصوات أعداء الإسلام في الشرق والغرب وعلت أصواتهم وصيحاتهم ,زاعمين أن الدين
الإسلامي دين قام علي مبدأ القوة وانتشر بحد السيف , هادفين من وراء هذا الزعم
الباطل إلي أن طبيعة الإسلام لا تملك من المقومات ما تفرض به نفسها علي البشر وليس
لها من ذاتيتها ما يمكن أن يقتنع بها الناس من إذعان وقبول.
ومن هنا
كان لابد من القوة كي تفرض علي الناس فرضاً ويحملون عليها حملاً لا اقتناع فيه ولا
اختيار .. الخ مزاعمهم الباطلة ...
إن المد الإسلامي في عصرنا الحاضر يعرض المعارف
التي تنسجم مع الفطرة وتحترم العقل وتسوق الناس إلى الصراط المستقيم.
الذي
يحقق لسالكه سعادة الدنيا والآخرة. وأمام هذا المد خرجت جحافل الليل المغبر بحملات
ضد الإسلام، الهدف من ورائها إعاقة العجلة الإسلامية، وهذه الحملات قام بها بعض من
ينتسبون إلى الإسلام الذين وصفتهم الأحاديث الشريفة بأن ألسنتهم ألسنة العرب
وسننهم سنن الذين من قبلهم من أهل الكتاب، أو إن ألسنتهم ألسنة العرب وقلوبهم قلوب
العجم، كما شارك في هذه الحملات المتخصصون من أهل الكتاب، وحملت أجهزة الفاكس
وصناديق البريد رسائل هؤلاء وهؤلاء، يدعون فيها إن الإسلام دين السيف ولا يعتمد
الكلمة في دعوته، وهذا الإدعاء يذهب هباء أمام أيسر تحقيق يقوم به أقل المسلمين
شأنا "، وإدعوا أن تخلف المسلمين وفساد معاشهم وأخلاقهم يعود إلى القوانين
الدينية الدائرة بينهم، وقالوا لو كان الإسلام دينا " واقعيا " وكانت
القوانين الموضوعة فيه جيدة متضمنة لصلاح الناس وسعادتهم، لأثرت فيهم الآثار
الجميلة.
ولا يختلف أصحاب البصائر والأفهام على إن الدين طريقة خاصة في الحياة تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي وان ينبوع دين الله فطرة الإنسان نفسه.
الرد على الشبهة
وهذه
الشبهة من أكثر الشبه انتشارًا ،ونحن هنا
نقوم بالرد علي هذه الدعوي الباطلة التي طالما رددها هؤلاء الأعداء عن خبث وسؤ قصد
,متجاهلين ما للدين الإسلامي من مقاصد ودعائم وأسس تكفل له الذيوع والانتشار, وما
لطبيعة هذه الدعوة من قوة ذاتية تضمن لها التغلغل في أعماق القلوب ,كي تتمكن منها
وتذعن لها دون إكراه أو إلزام .
وسنوضح
في ردنا علي هؤلاء طبيعة هذه الدعوة وتاريخ العرب ثم المسلمين في تعاملهم مع
أعدائهم ..ومشروعية الجهاد والهدف منه وغايته .. ونرد عليها بالتفصيل حتى نوضح
الأمر حولها:
يقول
الله تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " [الأنبياء: 107] إن هذا البيان القرآني بإطاره الواسع الكبير ،
الذى يشمل المكان كله فلا يختص بمكان دون مكان ، والزمان بأطواره المختلفة وأجياله
المتعاقبة فلا يختص بزمان دون زمان ، والحالات كلها سلمها وحربها فلا يختص بحالة
دون حالة ، والناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم عربهم وعجمهم فلا يختص بفئة دون فئة ؛
ليجعل الإنسان مشدوها متأملاً فى عظمة التوصيف القرآني لحقيقة نبوة سيد الأولين
والآخرين ،"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "
[الأنبياء: 107].رحمة عامة شاملة ، تجلت مظاهرها فى كل موقف لرسول الله صلى الله
عليه وسلم تجاه الكون والناس من حوله
.
والجهاد فى الإسلام حرب مشروعة عند كل العقلاء من بنى البشر ، وهى من أنقى أنواع
الحروب من جميع الجهات:
1- من ناحية الهدف.
2- من ناحية الأسلوب.
3- من ناحية الشروط والضوابط.
4- من ناحية الإنهاء والإيقاف.
5- من ناحية الآثار أو ما يترتب على هذه الحرب من
نتائج.
وهذا
الأمر واضح تمام الوضوح فى جانبى التنظير والتطبيق فى دين الإسلام وعند
المسلمين. وبالرغم من الوضوح الشديد لهذه
الحقيقة ، إلا أن التعصب والتجاهل بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف ، والإصرار على
جعله طرفاً فى الصراع وموضوعاً للمحاربة ، أحدث لبساً شديداً فى هذا المفهوم ـ
مفهوم الجهاد ـ عند المسلمين ، حتى شاع أن الإسلام قد انتشر بالسيف ، وأنه يدعو
إلى الحرب وإلى العنف ، ويكفى فى الرد على هذه الحالة من الافتراء ، ما أمر الله
به من العدل والإنصاف ، وعدم خلط الأوراق ، والبحث عن الحقيقة كما هي ، وعدم
الافتراء على الآخرين ، حيث قال سبحانه فى كتابه العزيز: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
"(آل عمران: 71).
ولقد فطن لبطلان هذا الإدعاء كاتب غربي كبير هو توماس كارليل ، حيث قال فى كتابه " الأبطال وعبادة البطولة " ما ترجمته: " إن اتهامه ـ أى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ بالتعويل على السيف فى حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس ، أو يستجيبوا له ، فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم ، فقد آمنوا به طائعين مصدقين ، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها "(حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص 166 ط الهيئة المصرية العامة للكتاب).
ويقول
المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب " وهو يتحدث عن سر
انتشار الإسلام فى عهده صلى الله عليه وسلم وفى عصور الفتوحات من بعده ـ: "
قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة ، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف بل
انتشر بالدعوة وحدها ، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً
كالترك والمغول ، وبلغ القرآن من الانتشار فى الهند ـ التي لم يكن العرب فيها غير
عابري سبيل ـ ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها.. ولم يكن الإسلام أقل
انتشاراً فى الصين التى لم يفتح العرب أى جزء منها قط ، وسترى فى فصل آخر سرعة
الدعوة فيها ، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليونا فى الوقت الحاضر "(غوستاف
لوبون حضارة العرب ص 128 ، 129 ط الهيئة المصرية للكتاب(..
هذا وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر عاماً ، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وقد كان نتاج هذه المرحلة أن دخل فى الإسلام خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم ، وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء ، ولم يكن لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثروة عظيمة يغرى بها هؤلاء الداخلين ، ولم يكن إلا الدعوة ، والدعوة وحدها ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحمَّل المسلمون ـ لاسيما الفقراء والعبيد ومن لا عصبية له منهم ـ من صنوف العذاب وألوان البلاء ما تعجز الجبال الرواسي عن تحمله ، فما صرفهم ذلك عن دينهم وما تزعزعت عقيدتهم ، بل زادهم ذلك صلابة في الحق ، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم ، وما سمعنا أن أحداً منهم ارتدّ سخطاً عن دينه ، أو أغرته مغريات المشركين فى النكوص عنه ، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاء ونقاء ، وسنتكلم هنا على الجانبين التنظيرى والتطبيقي ، ونقصد بالتنظيرى ما ورد فى مصادر الإسلام (الكتاب والسنة) ، ونعنى بالتطبيقي ما حدث عبر القرون ابتداء من الحروب التي شارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، وانتهاء بعصرنا الحاضر ، ثم نختم ببيان هذه النقاط الخمسة التي ذكرناها سابقاً.
أولاً:
الجانب التنظيرى:
ورد في
القرآن الكريم وفى السنة النبوية آيات وأحاديث تبين شأن الجهاد فى الإسلام ، ويرى
المطالع لهذه الآيات والأحاديث ، أن المجاهد فى سبيل الله ، هو ذلك الفارس النبيل
الأخلاقي المدرب على أخلاق الفروسية العالية الراقية ؛ حتى يستطيع أن يمتثل إلى
الأوامر والنواهي الربانية التي تأمره بضبط النفس قبل المعركة وأثناء المعركة وبعد
المعركة ، فقبل المعركة يجب عليه أن يحرر نفسه من كل الأطماع ، وألا يخرج مقاتلا
من أجل أي مصلحة شخصية ، سواء كانت تلك المصلحة من أجل نفسه أو من أجل الطائفة
التي ينتمي إليها ، أو من أجل أي عرض دنيوي آخر ، وينبغي أن يتقيد بالشروط التي
أحل الله فيها الجهاد ، وأن يجعل ذلك لوجه الله تعالى ، ومعنى هذا أنه سوف يلتزم
بأوامر الله ، ويستعد لإنهاء الحرب فوراً ، إذا ما فقدت الحرب شرطاً من شروط حلها
أو سبباً من أسباب استمرارها ، وسواء أكان ذلك الفارس منتصراً ، أو أصابه الأذى من
عدوه ، فإن الله يأمره بضبط النفس ، وعدم تركها للانتقام ، والتأكيد على الالتزام
بالمعاني العليا ، وكذلك الحال بعد القتال ، فإنه يجب عليه أن يجاهد نفسه الجهاد
الأكبر ؛ حتى لا يتحول الفارس المجاهد إلى شخصٍ مؤذٍ لمجتمعه أو لجماعته أو
للآخرين ، وبالرغم من أن لفظة الجهاد إذا أطلقت انصرف الذهن إلى معنى القتال فى
سبيل الله. إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسماه بالجهاد الأصغر ، وسمى
الجهاد المستمر بعد القتال بالجهاد الأكبر ؛ لأن القتال يستمر ساعات أو أيام ، وما
بعد القتال يستغرق عمر الإنسان كله.
وفيما
يلي نورد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدثت عن هذه القضية ، ثم بعد
ذلك نستخرج منها الأهداف والشروط والضوابط والأساليب ، ونعرف منها متى تنتهي الحرب
، والآثار المترتبة على ذلك:
أولاً:
القرآن الكريم:
1-
"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا
تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ .وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ
مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى
يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ
الْكَافِرِينَ"(البقرة/190, 191).
2-
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا
تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ
إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة/193,192).
3-
"كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "[البقرة: 216].
4-
" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ
كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ
الْقَتْلِ " [البقرة: 217].
5-"وَكَأَيِّنْ
مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا
أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ
يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " [آل عمران: 146].
6-"
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ
أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " (آل عمران: 169).
7-
فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي
وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ "[آل عمران:
195].
8-
"فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ
يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " [النساء: 74].
9-
"وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ
مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا
أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ
لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا " [النساء: 75].
10-"فَإِنِ
اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا
جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا "(النساء: 90).
11-"وَإِذْ
يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ
غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ
بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ . لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ
الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ"(الأنفال: 7، 8).
12-"فَلَمْ
تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى" (الأنفال/17).
13-"
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"(الأنفال/39).
14-"
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ
النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ
مُحِيطٌ"(الأنفال/47).
15-"وَإِنْ
جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "(الأنفال/61).
16-
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ
يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ
مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "(الأنفال/70).
17-"فَإِنْ
تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ"(التوبة/6,5).
18-"
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ
لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ"(التوبة/111).
19-"أُذِنَ
لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ
لَقَدِيرٌ .الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ
يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ "(الحج: 39، 40).
ثانياً:
الأحاديث النبوية الشريفة:
1-عن
أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " تكفل الله
لمن جاهد فى سبيله لا يخرجه من بيته إلا جهاد فى سبيله وتصديق كلمته بأن يدخله
الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذى خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة "(مسلم).
2-عن
وهب بن منبه ، قال: سألت جابراً عن شأن ثقيف إذ بايعت ، قال: اشترطت على النبى صلى
الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد ، وأنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم
بعد ذلك يقول: " سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا "(أبو داود فى سننه).
3-عن
سعد بن زيد بن سعد الأشهلي أنه أهدى إلى رسول صلى الله عليه وسلم سيفاً من نجران
فلما قدم عليه أعطاه محمد بن مسلمة ، وقال: " جاهد بهذا فى سبيل الله فإذا
اختلفت أعناق الناس فاضرب به الحجر ، ثم ادخل بيتك وكن حلساً ملقى حتى تقتلك يد
خاطئة أو تأتيك منية قاضية. قال الحاكم: فبهذه الأسباب وما جانسها كان اعتزال من
اعتزل عن القتال مع على ـ رضى الله عنه ـ وقتال من قاتله "( الحاكم فى
مستدركه).
4-عن
سعيد بن جبير قال :" خرج علينا أو
إلينا ابن عمر فقال رجل كيف ترى فى قتال الفتنة فقال وهل تدرى ما الفتنة كان محمد
صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنة وليس كقتالكم على الملك
" ( البخاري).
5-عن عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد الجهاد فقال: " أحي والداك ؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد " ( مصنف عبد الرزَّاق ـ كتاب الجهاد ـ باب الرجل يغزو وأبوه كاره).
هدف الحرب في الإسلام
ويتضح
من هذه الآيات والأحاديث أن هدف الحرب فى الإسلام يتمثل فى الآتي:
1- رد
العدوان والدفاع عن النفس.
2-
تأمين الدعوة إلى الله وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون اعتناقها.
3-
المطالبة بالحقوق السليبة.
4- نصرة الحق والعدل.
شروط
وضوابط الحرب في الإسلام :
ويتضح
لنا أيضا أن من شروط وضوابط الحرب:
1-النبل
والوضوح فى الوسيلة والهدف.
2-لا
قتال إلا مع المقاتلين ولا عدوان على المدنيين.
3-إذا
جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال فلا عدوان إلا على الظالمين.
4-المحافظة
على الأسرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التي تليق بالإنسان.
5-المحافظة
على البيئة ويدخل فى ذلك النهى عن قتل الحيوان لغير مصلحة وتحريق الأشجار ، وإفساد
الزر وع والثمار ، والمياه ، وتلويث الآبار ، وهدم البيوت.
6-المحافظة
على الحرية الدينية لأصحاب الصوامع والرهبان وعدم التعرض لهم.
الآثار
المترتبة على الجهاد
يتضح
لنا مما سبق أن الجهاد فى الإسلام قد اتسم بنبل الغاية والوسيلة معا ، فلا غرو أن
تكون الآثار والثمار المتولدة عن هذا الجهاد متناسقة تماما فى هذا السياق من النبل
والوضوح ؛ لأن النتائج فرع عن المقدمات ، ونلخص هذه الآثار فى النقاط التالية:
1-
تربية النفس على الشهامة والنجدة والفروسية.
2-إزالة
الطواغيت الجاثمة فوق صدور الناس ، وهو الشر الذى يؤدى إلى الإفساد فى الأرض بعد
إصلاحها.
3-إقرار
العدل والحرية لجميع الناس مهما كانت عقائدهم.
4-تقديم
القضايا العامة على المصلحة الشخصية.
5-تحقيق
قوة ردع مناسبة لتأمين الناس فى أوطانهم.
يقول
الله سبحانه وتعالى فى سورة الحج:"الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ
وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ "(الحج/40).
قال
الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية:
"وَلَوْلَا
دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ
الْأَرْضُ"(البقرة/251).
أي لولا ما شرعه الله تعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء ، لاستولى أهل الشرك وعطلوا ما بنته أرباب الديانات من مواضع العبادات ، ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة. فالجهاد أمر متقدم فى الأمم ، وبه صلحت الشرائع واجتمعت المتعبدات ؛ فكأنه قال: أذن فى القتال ، فليقاتل المؤمنون. ثم قوى هذا الأمر فى القتال بقوله:"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ"(البقرة/251). الآية ؛ أى لولا القتال والجهاد لتغلب على الحق فى كل أمة. فمن استبشع من النصارى والصابئين الجهاد فهو مناقض لمذهبه ؛ إذ لولا القتال لما بقى الدين الذى يذب عنه. وأيضاً هذه المواضع التى اتخذت قبل تحريفهم وتبديلهم وقبل نسخ تلك الملل بالإسلام إنما ذكرت لهذا المعنى ؛ أى لولا هذا الدفع لهُدمت فى زمن موسى الكنائس ، وفى زمن عيسى الصوامع والبيع ، وفى زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد. " لهدمت " من هدمت البناء أي نقضته فانهدم. قال ابن عطية: هذا أصوب ما قيل فى تأويل الآية".( القرطبي ج 12 تفسير سورة الحج).
ثانياً: الناحية التطبيقية
(1) حروب النبى صلى الله عليه وسلم:
(أ).
الحرب ظاهرة اجتماعية:
الحرب
ظاهرة إنسانية قديمة قدم الإنسان على ظهر هذه البسيطة ، فمنذ وُجد الإنسان وهو
يصارع ويحارب ، وكعلاقة من العلاقات الاجتماعية الحتمية نشأت الحرب ، فالاحتكاك
بين البشر لابد وأن يُوَلِّد صداماً من نوع ما ، لقد جبل الإنسان على غريزة التملك
التي تدعوه إلى التشبث بما يملكه ، حيث إن هذه الغريزة هي التي تحفظ عليه البقاء
فى الحياة ، وهى بالتالي التي تتولد عنها غريزة المقاتلة ، فى أبسط صورها دفاعاً
عن حقه فى الاستمرار والحياة ، وقد تتعقد نفسية الإنسان وتصبح حاجاته ومتطلباته
مركبة ، فلا يقاتل طالباً للقوت أو دفاعاً عنه فقط ، وإنما يقاتل طلباً للحرية
ورفعاً للظلم واستردادا للكرامة. ويُفَصِّل العلامة ابن خلدون هذه الحقيقة فى
مقدمته فيقول: " اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة فى الخليقة منذ
برأها الله ، وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ويتعصب لكل منها أهل عصبيته ،
فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطائفتان ؛ إحداهما تطلب الانتقام والأخرى تدافع ،
كانت الحرب وهو أمر طبيعي في البشر ، إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب لله
ولدينه ، وإما غضب للملك وسعى فى تمهيده ")تاريخ ابن خلدون 1 / 226 فصل فى
الحروب ومذاهب الأمم فى ترتيبها).
(ب) الجهاد
فى الكتب المقدسة قبل الإسلام:
إذا ما تجاوزنا الأمم والحضارات البشرية ،
وتأملنا فى الكتب السماوية المقدسة (التوراة ـ الإنجيل) ، نرى أن هذه الكتب
المقدسة قد تجاوزت الأسباب المادية الغريزية التي يقاتل الإنسان من أجلها إلى
أسباب أكثر رُقِيًّا وحضارة ، فبعد أن كان الإنسان يقاتل رغبة فى امتلاك الطعام أو
الأرض،أو رغبة فى الثأر الشخصي من الآخرين ، أو حتى ردا للعدوان ، نرى أن الكتب
المقدسة قد أضافت أسباباً أخرى ، أسباباً إلهية تسمو بالبشرية عن الدنايا وظلم
الآخرين ، إلى بذل النفس إقامة للعدل ، ونصرة للمظلوم ، ومحاربة للكفر والخروج عن
منهج الله ، لقد حددت الكتب السماوية المناهج والأطر التي يُسْمَح فيها بإقامة
القتال وعبرت بالإنسان مرحلة بناء المجد الشخصي المؤسس على الأنا ، إلى مرحلة
التضحية من أجل المبادئ والمثل الإلهية العليا ، التي تعمل فى إطار الجماعة
البشرية لا فى محيط الفرد الواحد.
الحرب فى العهد القديم:
وردت
أسباب الحرب فى ست وثلاثين آية تقع فى ثمانية أسفار من أسفار العهد القديم هي:
(التكوين ـ العدد ـ التثنية ـ يوشع ـ القضاة ـ صموئيل الأول ـ الملوك الثاني ـ
حزقيال).
1- ففي سفر العدد ـ الإصحاح الثالث عشر ، ورد ما
يفيد أن موسى ـ عليه السلام ـ بعد خروجه بقومه من مصر بعث رسلاً يتحسسون أمر أرض
كنعان ـ فلسطين ـ ليستقروا فيها: فساروا
حتى أتوا موسى وهارون وكل جماعة بنى إسرائيل إلى برية فاران إلى قادش ، وردوا
إليهما خبرًا وإلى كل الجماعة ، وأروهم ثمر الأرض وأخبروه ، وقالوا: قد ذهبنا إلى
الأرض التى أرسلتنا إليها وحقا إنها تفيض لبناً وعسلاً وهذا ثمرها غير أن الشعب
الساكن فى الأرض معتز والمدن حصينة عظيمة جدًا وأيضا قد رأينا بنى عناق هناك
" (سفر العدد ـ الإصحاح الثالث عشر ـ الآيات: 26-29).
2- وجاء في سفر صموئيل الأول ـ الإصحاح الخامس
والعشرون:
" فأجاب نابال عبيد داود وقال: من هو داود ومن هو ابن يسى قد كثر اليوم العبيد الذين يقحصون كل واحد من أمام سيده ، أآخذ خبزى ومائى وذبيحى الذى ذبحت لجارى وأعطيه لقوم لا أعلم من أين هم ؟ فتحول غلمان داود إلى طريقهم ورجعوا وجاءوا وأخبروه حسب كل هذا الكلام ، فقال داود لرجاله: ليتقلد كل واحد منكم سيفه وتقلد داود سيفه وصعد وراء داود نحو أربعمائة رجل ومكث مائتان مع الأمتعة " (سفر صموئيل الأول ـ الإصحاح الخامس والعشرون آية 10-14).
3- وفى
سفر الملوك الثاني ـ الإصحاح الثالث:
"
وكان ميشع ملك موآب الثاني صاحب مواش ، فأدى لملك إسرائيل مائة ألف خروف ومائة ألف
كبش بصوفها ، وعند موت أخاب عصى ملك موآب على ملك إسرائيل وخرج الملك يهورام فى
ذلك
اليوم
من السامرة وعد كل إسرائيل وذهب وأرسل إلى يهو شافاط ملك يهوذا يقول: قد عصى على
ملك موآب ، فهل تذهب معى إلى موآب للحرب ؟ "(سفر الملوك الثاني ـ الإصحاح
الثالث ، الآيات 4 ـ8).
4- جاء
في حزقيال الإصحاح الواحد والعشرون: وكان إلى كلام الرب قائلا: يا ابن آدم اجعل
وجهك نحو أورشليم وتكلم على المقادس وتنبأ على أرض إسرائيل وقل لأرض إسرائيل هكذا
قال الرب هأنذا عليك وأستل سيفى من غمده فأقطع منه الصديق والشرير من حيث إني أقطع
منك الصديق والشرير فلذلك يخرج سيفى من غمده على كل بشر من الجنوب إلى الشمال
فيعلم كل بشر أنى أنا الرب سللت سيفى من غمده لا يرجع أيضاً ".)سفر حزقيال ـ
أصحاح 21 آيات1-5).
5-وجاء
في سفر يوشع الإصحاح الثالث والعشرون:
"
وأنتم قد رأيتم كل ما عمل الرب إلهكم هو المحارب عنكم انظروا: قد قسمت لكم بالقرعة
هؤلاء الشعوب الباقين ملكاً حسب أسباطكم من الأردن وجميع الشعوب التى قرضتها
والبحر العظيم نحو غروب الشمس والرب إلهكم هو ينفيهم من أمامكم ويطردهم من قدامكم
فتملكون أرضهم كما كلمكم الرب إلهكم "( سفر يوشع ـ الإصحاح الثالث والعشرون ـ
الآيات 3ـ5).
6- وجاء
في سفر القضاة الإصحاح الأول:
"
وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوا بحد السيف وأشعلوا المدينة بالنار وبعد
ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين سكان الجبل وسكان الجنوب والسهل ".
- وفى
سفر القضاة الإصحاح الثامن عشر:
فأما هم فقد أخذوا ما صنع ميخا والكاهن الذى له
وجاءوا إلى لايش إلى شعب مستريح مطمئن فضربوهم بحد السيف وأحرقوا المدينة بالنار
ولم يكن مَنْ ينقذ لأنها بعيدة عن صيدون ولم يكن لهم أمر مع إنسان وهى فى الوادي
الذي لبيت رحوب فبنوا المدينة وسكنوا بها ودعوا اسم المدينة دان باسم دان أبيهم
الذى ولد لإسرائيل ولكن اسم المدينة أولا: لايش "(سفر القضاة ـ الإصحاح
الثامن عشر ـ الآيات 27ـ30).
8- وفى
صموئيل الأول الإصحاح الرابع: وخرج
إسرائيل للقاء الفلسطينيين للحرب ونزلوا عند حجر المعونة ، وأما الفلسطينيون
فنزلوا فى أفيق واصطف الفلسطينيون للقاء إسرائيل واشتبكت الحرب فانكسر إسرائيل
أمام الفلسطينيين وضربوا من الصف فى الحقل نحو أربعة آلاف رجل " ). سفر
صموئيل الأول ـ الإصحاح الرابع ، الآيات 1ـ4).
9-) وفى
التكوين الإصحاح الرابع والثلاثون: فحدث
فى اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين أن ابنى يعقوب شمعون ولاوى أخوى دينة أخذ كل
واحد منهما سيفه وأتيا على المدينة بأمن وقتلا كل ذكر وقتلا حمور وشكيم ابنه بحد
السيف لأنهم بخسوا أختهم ، غنمهم وبقرهم وكل ما فى المدينة وما فى الحقل أخذوه
وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم وكل ما فى البيوت"(سفر التكوين ـ
الإصحاح الرابع والثلاثون ـ الآيات 25ـ29) .
9- وفى
سفر التكوين الإصحاح الرابع عشر:
فلما سمع إبرام أن أخاه سبى جر غلمانه
المتمرنين ولدان بيته ثلاثمائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان وانقسم عليهم ليلاً هو
وعبيده فكسرهم وتبعهم إلى حوبة التى من شمال دمشق واسترجع كل الأملاك واسترجع
لوطاً أخاه أيضاً وأملاكه والنساء أيضاً والشع)"سفر التكوين ـ الإصحاح الرابع
عشر ـ الآيات 14 ـ 16).
11- وفى
سفر العدد الإصحاح الواحد والعشرون:
فقال الرب لموسى لا تخف منه لأني قد دفعته إلى
يدك مع جميع قومه وأرضه فتفعل به كما فعلت بسيحون ملك الأموريين الساكن فى حبشون
فضربوه وبنيه وجميع قومه حتى لم يبق لهم شارد وملكوا أرضه " ( سفر العدد ـ الإصحاح الواحد والعشرون الآيتان
34ـ35.)
12- وفى
سفر العدد الإصحاح الخامس والعشرون:
ثم كلم الرب موسى قائلا ضايقوا المديانيين
واضربوهم لأنهم ضايقوكم بمكايدهم التى كادوكم بها "(سفر العددـ الإصحاح
الخامسة والعشرون أية 16).
13- وفى سفر العدد الإصحاح الثالث والثلاثون:
تطالعنا
التوراة ، أن الله قد أمر موسى ـ عليه السلام ـ أن يشن حرباً على أقوام قد عبدوا
غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ: " وكلم الرب موسى فى عربات مو آب على أردن أريحا
قائلا: " كلم بني إسرائيل وقل لهم: إنكم عابرون الأردن إلى أرض كنعان فتطردون
كل سكان الأرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة
وتخربون جميع مرتفعاتهم " (الإصحاح الثالث والثلاثون الآيات 50ـ53).
14-
وشبيه به ما ورد فى سفر صموئيل الإصحاح السابع عشر آية 45: 47 فقال داود للفلسطينى:
أنت
تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين
عيرتهم 000 فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله لإسرائيل "). سفر صموئيل ـ الإصحاح
السابع عشر الآيات 45ـ47.)
15- وفى
سفر صموئيل الأول الإصحاح الثالث والعشرون:
"
فذهب داود ورجاله إلى قعيلة وحارب الفلسطينيين وساق مواشيهم وضربهم ضربة عظيمة
وخلص داود سكان قعيلة " (سفر صموئيل الأول ـ الإصحاح الثالث والعشرون الآية
6.).
16- في سفر المزامير المزمور الثامن عشر:
يسبح
داود الرب ويمجده لأنه يعطيه القوة على محاربة أعدائه: " الذى يعلم يدى
القتال فتحنى بذراعي قوس من نحاس.. أتبع أعدائي فأدركهم ولا أرجع حتى أفنيهم
أسحقهم فلا يستطيعون القيام ، يسقطون تحت رجلي تمنطقنى بقوة للقتال تصرع تحتي
القائمين على وتعطيني أقفية أعدائي ومبغضى أفنيهم " (سفر المزامير ـ المزمور
الثامن عشر الآيات 35-41.).
17-هذه
بعض من حروب بني إسرائيل التى سجلتها نصوص كتبهم وأسفارهم ، فمفهوم الحرب والقتال
، ليس مفهوماً كريهاً من وجهة النظر التوراتية ، وكأنها حروب مستمدة من الشريعة
الدينية التوراتية ، وهى كانت دائما تتم بمباركة الرب ومعونته وكأن الرب ـ حسب
تعبير التوراة ـ قد استل سيفه من غمده فلا يرجع (سفر حزقيال الإصحاح الواحد
والعشرون آية 5.).
18-الحرب
فى العهد الجديد:كذلك نرى الإنجيل لم يهمل الكلام عن الحروب بالكلية ، بل جاء نص
واضح صريح ، لا يحتمل التأويل ولا التحريف يقرر أن المسيحية على الرغم من وداعتها
وسماحتها التى تمثلت فى النص الشهير " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر
" ـ إلا أنها تشير إلى أن السيد المسيح ـ عليه السلام ـ قد يحمل السيف ويخوض
غمار القتال إذا دعته الظروف لذلك ؛ فجاء فى الإنجيل على لسان السيد المسيح:
"
لا تظنوا أنى جئت لأرسى سلاماً على الأرض ، ما جئت لأرسى سلاماً ، بل سيفاً ، فإنى
جئت لأجعل الإنسان على خلاف مع أبيه ، والبنت مع أمها والكنة مع حماتها وهكذا يصير
أعداء الإنسان أهل بيته " (إنجيل متى ـ الإصحاح العاشر آية 34-36.).
ولعلنا
نلاحظ التشابه الكبير بين هذه المقولة وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [ بعثت
بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده ] (أحمد وأبو داود).
مما سبق
يتبين لنا واضحاً وجليا أن الحرب والقتال سنة كونية سرت فى الأمم جميعاً، ولم نر
فى تاريخ الأمم أمة خلت من حروب وقتال ، ورأينا من استعراض الكتب المقدسة ـ
التوراة والإنجيل ـ أنه سنة شرعية لم تخل شريعة من الشرائع السماوية السابقة على
الإسلام من تقريره والقيام به كما مر.
لقد كان
هذا القدر كافيا فى إثبات أن محمداً صلى الله عليه وسلم سائر على سنن من سبقه من
الأنبياء ، وأن الجهاد لتقرير الحق والعدل مما يمدح به الإسلام ؛ لا مما به يشان ،
وأن ما هو جواب لهم فى تبرير هذه الحروب وسفك الدماء كان جواباً لنا فى مشروعية ما
قام به النبى صلى الله عليه وسلم من القتال والجهاد. ولنشرع الآن في تتميم بقية جوانب البحث مما
يزيل الشبهة ويقيم الحجة ويقطع الطريق على المشككين ، فنتكلم عن غزوات النبى صلى
الله عليه وسلم ، ممهدين لذلك بالحالة التى كانت عليها الجزيرة العربية من حروب
وقتال وسفك للدماء لأتفه الأسباب وأقلها شأناً ، حتى يبدو للناظر أن القتال كان
غريزة متأصلة فى نفوس هؤلاء لا تحتاج إلى قوة إقناع أو استنفار.
الحرب
عند العرب قبل الإسلام
سجلت
كتب التاريخ والأدب العربي ما اشتهر وعرف بأيام العرب ، وهى عبارة عن مجموعة من
الملاحم القتالية التى نشبت بين العرب قبل مبعث النبى صلى الله عليه وسلم ، وليس
يعنينا سرد هذه الملاحم وتفاصيلها ولكن الذى يعنينا هنا أن نقف على بعض الجوانب
التى تصلح للمقارنة (الأسباب ـ الزمن المستغرق ـ الآثار التي خلفتها هذه الحروب.
قال
العلامة محمد أمين البغدادي: " اعلم أن الحروب الواقعة بين العرب فى الجاهلية
أكثر من أن تحصر ، ومنها عدة وقائع مشهورة لا يتسع هذا الموضع لذكرها ولنذكر بعضاً
منه على سبيل الإجماع"(سبائك الذهب 443.) .
وقد
ذكرت كتب التاريخ أياماً كثيرة للعرب (البسوس ـ وداحس والغبراء ـ يوم النسار ـ يوم
الجفار ـ يوم الفجار ـ يوم ذي قار ـ يوم شعب جبلة ـ يوم رحرحان 000 الخ) والمتأمل
فى هذه الملاحم والأيام يرى أن الحماسة الشديدة والعصبية العمياء وعدم الاكتراث
بعواقب الأمور والشجاعة المتهورة التى لا تتسم بالعقل ، كانت هى الوقود المحرك
لهذه الحروب ، هذا فضلاً عن تفاهة الأسباب التى قامت من أجلها هذه المجازر ،
والمدة الزمنية الطويلة التى استمرت فى بعضها عشرات السنين ، والآثار الرهيبة التى
خلفتها هذه الحروب ، وعلى الرغم من أننا لم نقف على إحصاء دقيق لما خلفته هذه
الحروب إلا أن الكلمات التى قيلت فى وصف آثارها من الفناء والخراب وتيتم الأطفال
وترمل النساء 000 إلخ لتوقفنا على مدى ما أحدثته الحرب فى نفوس الناس من اليأس
والشؤم ، ويصف لنا الشاعر زهير بن أبى سلمى طرفاً من ذلك فى معلقته المشهورة وهو
يخاطب الساعين للسلام بين عبس وذبيان:
تداركتما
عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
فهو
يقول للساعين للسلام: إنكما بتحملكما ديات الحرب من مالكما ، أنقذتما عبسا وذبيان
بعدما يأسوا ، ودقوا بينهما عطر منشم ، ومنشم هو اسم لامرأة كانت تبيع العطر يضرب
بها المثل فى التشاؤم ، دليل على عظم اليأس الذى أصاب نفوس الناس من انتهاء هذه
الحرب" (شرح المعلقات السبع للزوزنى ص 83 ، ط مصطفى الحلبي).
هذه
إطلالة سريعة ومختصرة على الحروب وأسبابها لدى العرب قبل الإسلام والآن نشرع فى
الكلام على تشريع الجهاد فى الإسلام ثم نتبع ذلك بتحليل موثق لغزوات النبى صلى
الله عليه وسلم.
القتال
في الرسالات السماوية :
الرسالات
السماوية تدعو إلي القتال حماية للحق وعدم الفساد في الأرض , فالجهاد ومشروعية
القتال لم تكن بدعة ابتدعها الإسلام , فإن
الإسلام مسبوق في هذا كما تدل علي ذلك الآيات القرآنية الكريمة
قال
تعالي :" وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ
أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ
الْعَالَمِينَ . يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ
اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
"(المائدة/20، 21).
وقال
تعالي :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ
مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا
تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ
أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ
الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ "(البقرة: 246).
ويقول
الله تعالي في شأن سليمان مع ملكة سبأ :" فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ
بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ
بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ .ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ
لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ
"(النمل: 36، 37). (دفاع عن الإسلام د/ أمين أمين راشد ص 42,41/ط 1982م) .
مشروعية
الجهاد في الإسلام:
لما
استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسس حكومته النبوية بها ، بعد ثلاثة عشر
عاماً من الدعوة إلى الله وتحمل الأذى والعذاب فى سبيل ذلك تخللتها ثلاث هجرات
جماعية كبيرة ـ هاجت ثائرة قريش وحقدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
أحرزه من استقرار ونجاح لهذه الدولة الوليدة ـ دون ظلم أو استبداد أو سفك للدماء ـ
ولذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم مقصوداً بالقتل ، إذ ليس معقولاً أن تنام أعينهم
على هذا التقدم والنمو ، ومصالحهم قائمة على الزعامة الدينية فى جزيرة العرب ،
وهذه الدولة الجديدة قائمة على أساس ديني ربما يكون سبباً فى زوال هذه الزعامة
الدينية الوثنية الموروثة. وإذا كان الإسلام ديناً بلغت الميول السلمية فيه مداها
فى قوله تعالى: (فاصفح عنهم وقل سلام ) (الزخرف: 89.) إلا أن الميول السلمية لا
تتسع لمنع القائمين بهذا الدين الجديد من الدفاع عن أنفسهم وعن دينهم الذى أنزله
الله للإنسانية كافة ، فى عالم يضيع فيه الحق والعدل إن لم يكن لهما قوة تحميهما،
فكان لا مناص من السماح للمسلمين بحماية أنفسهم ودينهم بالسلاح الذى يشهره خصومهم
فى وجوههم ، ولذلك كان التعبير بقوله تعالى:( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ
بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا
اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ
صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ
كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ "(الحج/39،40).
أقول:
كان التعبير بالإذن الذى يدل على المنع قبل نزول الآية يدل على طروء القتال فى
الإسلام وأنه ظل ممنوعاً طيلة العهد المكي وبعضاً من العهد المدني.
"
هذا ولم يغفل الإسلام حتى فى هذا الموطن ـ موطن الدفاع عن النفس والدين ـ أن ينصح
لأتباعه بعدم العدوان ؛ لأن الموضوع حماية حق لا موضوع انتقام ولا شفاء حزازات
الصدور ، وهذا من مميزات الحكومة النبوية ، فإن القائم عليها من نبي يكون كالجراح
يضع مشرطه حيث يوجد الداء لاستئصاله ، مع عدم المساس بالأعضاء السليمة ، ومقصده
استبقاء حياة المريض لا قتله ، والعالم كله فى نظر الحكومة النبوية شخص مريض تعمل
لاستدامة وجوده سليماً قوياً.. إن طبيعة هذا العالم مبنية على التدافع والتغالب
ليس فيما بين الناس فحسب ، ولكن فيما بينهم وبين الوجود المحيط بهم ، وبين كل فرد
والعوامل المتسلطة عليه من نفسه ، ولا أظن أن قارئاً من قرائنا يجهل الناموس الذى
اكتشفه دارون وروسل ولاس ودعوه ناموس تنازع البقاء وبنوا عليه كل تطور أصاب
الأنواع النباتية والحيوانية والإنسان أيضاً "(السيرة المحمدية تحت ضوء العلم
والفلسفة لمحمد فريد وجدي ص 164 ، 163 بتصرف).
ألم تر كيف تصدى خصوم الدين النصراني للمسيح ،
وما كان يدعو إلا للصلاح والسلام حتى إنهم استصدروا أمراً بصلبه فنجاه الله منهم ،
وما زالوا بالذين اتبعوه يضطهدونهم ويقتلونهم حتى مضت ثلاثة قرون وهم مشردون فى
الأرض لا تجمعهم جامعة ، إلى أن حماهم من أعدائهم السيف على يد الإمبراطور قسطنطين
الذي أعمل السيف فى الوثنيين من أعدائهم.. أفيريد مثيرو هذه الشبهة أن يقوم دين
على غير السنن الطبيعية فى عالم مبنى على سنن التدافع والتنازع واستخدام القوة
الحيوانية لطمس معالم الحق ودك صروح العدل " ؟ يقول المعترضون: وماذا أعددتم
من حجة حين تجمع الأمم على إبطال الحروب وحسم منازعاتها عن طريق التحكيم ، وهذا
قرآنكم يدعوكم إلى الجهاد وحثكم على الاستبسال فيه ؟
نقول:
أعددنا لهذا العهد قوله تعالى:"وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [الأنفال:
61].
"
هذه حكمة بالغة من القرآن ، بل هذه معجزة من معجزاته الخالدة ، وهى أدل دليل على
أنه لم يشرع الحرب لذاتها ، ولكن لأنها من عوامل الاجتماع التي لابد منها ما دام
الإنسان فى عقليته ونفسيته المأثورتين عنه ، غير أنه لم ينف أن يحدث تطور عالمى
يتفق فيه على إبطال الحرب فصرح بهذا الحكم قبل حدوثه ليكون حُجة لأهله من ناحية ،
وليدل على أنه لا يريد الحرب لذاتها من ناحية أخرى ، ولو كان يريدها لذاتها لما
نوه لهذا الحكم "(السيرة النبوية لمحمد فريد وجدي 165 ، 166(.
ميل الإسلام إلي السلام
يقول الله تعالي عن قوم من المشركين لم يحبوا
أن يقاتلوا قومهم , ولا أن يقاتلوا المسلمين فاعتزلوا الفتنة جانباً
:""فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ
السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا
"(النساء/90). وهذا علي شرط أن يكون
ميلهم للسلام حقيقياً لا مرية فيه أما إذا لم يحدث ذلك الاعتزال ,ويرفعوا أيديهم
الممتدة بالسؤ إلي المسلمين , فإن قتالهم بصبح حينئذ مشروعاً وواجباً :"
فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا
أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ
جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا "(النساء/91).
لقد حدد الإسلام علاقة المسلم بغيره ممن لا ينتسبون إلي دينه تحديداً واضحاً تدل علي النزعة السلمية العميقة وفي أن يعيش المسلمون مع جيرانهم المخالفين لهم في الدين , يل ومع المشركين أيضاً في وئام ووفاق , وأباح للمسلمين أن ينشئوا من المعاهدات بينهم وبين غيرهم , كما عاهد النبي صلي الله عليه وسلم أهل الكتاب لأول عهده بالمدينة
وطالب
الإسلام المسلمين أن يفوا بالتزاماتهم تجاه الطرف الآخر ,طالما أنه بم تبد من
ناحيته بادرة خيانة , أو لم تتغير الأحوال والظروف التي وضعت المعاهدة بمقتضاها
فيقول الله تعالي :" إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ
لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا
إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَّقِينَ"(التوبة: 4). ويقول :" إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ "(التوبة: 7).
وأن سياق ما ورد في الآيتين يوضح لنا أن البرأة المذكورة في أول السورة إنما كانت من مشركين أخلوا بعهودهم أو ظهرت عليهم دلائل الخيانة :" بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " (التوبة/1). .
وإن
الإسلام ليستثني من هؤلاء الذين ذكرهم ,ما يحس الرسول صلي الله عليه وسلم تجاهه
بالخوف وعدم الاطمئنان وهذا إنما يكون بعد ظهور ما يدل عليه من الطرف الآخر بأنباء
صادقة أو قرائن واضحة فيقول تعالي :" وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ
خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْخَائِنِينَ "(الأنفال/ 58).(المرجع السابق ).
وقد أخا
الرسول صلي الله عليه وسلم يبن الأوس والخزرج بمجرد نزوله المدينة المنورة وقد
كانت بينهم حروب شديدة وشرسة منها حرب داحس وبعاث وكان اليهود منذ اجتماعهم بيثرب
مع الأوس والخزرج يحرشون بينهم العداوة والبغضاء وقد نعي الله علي صنيعهم في ذلك
فقال تعالي:" كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
"(المائدة/64).
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى
أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ إذْ هُوَ جَاءَهُمْ
وَإِقْرَارَهُمْ فَقَالَ :" وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ لَمَا
آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا
مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ
عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ
مِنَ الشّاهِدِينَ "إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ
شَاسُ بْنُ قَيْسٍ ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا ، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ
الضّغَنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ .
فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ يَتَحَدّثُونَ فِيهِ فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ
أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ
بَعْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ . فَقَالَ
قَدْ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ لَا وَاَللّهِ مَا
لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ . فَأَمَرَ فَتًى
شَابّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ اعْمِدْ إلَيْهِمْ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ
، ثُمّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا
كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ ".(سيرة ابن هشام ج1/ 553).
وهم نفسهم الذين أشعلوا الحروب وأرادوا قطع شأفة الإسلام والمسلمين وهؤلاء هم النّفَرُ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ يوم غزوة الخندق .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنْي قُرَيْظَةَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَسِلَامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ أَبُو رَافِعٍ وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَبُو عَمّارٍ وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ . فَأَمّا وَحْوَحُ .. بَنِي وَائِلٍ وَكَانَ سائر مِنْ بَنِي النّضِيرِ . فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا : هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوّلِ فَسَلُوهُمْ دِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمّدٍ ؟ فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا : بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمّنْ اتّبَعَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ "أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ "( سيرة ابن هشام ج1/ 561).
وما يحدث إلي اليوم من تحريضهم للحرب بين إيران والعراق في بداية الثمانينات من القرن الماضي والتي ظلت أكثر من خمس سنوات ..كما أنهم حرشوا بين العراق والكويت في بداية التسعينات من القرن الماضي والتي انتهت بغزو العراق .. وهم الذين يحرشون اليوم بين فتح وحماس بفلسطين وبين العلويين والسنة في سوريا .. الخ .وما من حرب من هذه الحروب علي وجه الأرض إلا أوقدوها وأشعلوها .. فهم لا ينسون طبيعتهم العدوانية ولا يتخلون عن أحقادهم وخبثهم تجاه الإسلام ورسول الإسلام صلي الله عليه وسلم .
سمو الإسلام في معاملته للمخالفين له
لم يوجد دين كدين الإسلام بلغ من السمو في
معاملة المخالفين له وهل هناك ما يدل علي هذا السمو في معاملة المخالفين من أن
الله تعالي جعل قتل رجل خطأ من قوم لهم ميثاق موجباً لما يوجبه قتل مسلم خطأ فقال
تعالي :" وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ
فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ "
[النساء: 92].
تماماً
مثلما يقول في قتل المؤمن عن طريق الخطأ :" وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ
يَصَّدَّقُوا " [النساء: 92].
أما
الآية التي تدل بظاهرها علي خلاف ماتقرر هنا وهي :" قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ"[التوبة: 29].
ونجيب
عن هذه الآية :بأن هؤلاء اليهود والنصارى الذين نزلت فيهم هذه الآية إنما تنطبق
علي قوم من أهل الكتاب نزل فيهم قوله تعالي:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ
اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "(المائدة/51).
ورد في
سبب نزول هذه الآية أن عبادة بن الصامت الأنصاري ، وعبد الله بن أبي كان لكل منهما
حلفاء من يهود المدينة ، ولما انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في
بدر اغتاظ اليهود وأعلنوا سوء نياتهم فتبرأ عبادة بن الصامت من حلفائه ورضي
بموالاة الله ورسوله والمؤمنين وأبى ابن أبي ذلك وقال بعض ما جاء في هذه الآيات
فأنزل الله تعالى قوله :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ "أي لكم من دون المؤمنين وقوله تعالى
:" بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ "تعليل لتحريم موالاتهم ، لأن اليهودي
ولي لليهودي والنصراني ولي للنصراني عل المسلمين فكيف تجوز إذاً موالاتهم ، وكيف
يصدقون أيضاً فيها فهل من المعقول أن يحبك النصراني ويكره أخاه ، وهل ينصرك على
أخيه؟ وقوله تعالى:" وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ"أي أيها المؤمنين
" فَإِنَّهُ مِنْهُمْ "، لأنه بحكم موالاتهم سيكون حرباً على الله
ورسوله والمؤمنين وبذلك يصبح منهم قطعاً وقوله:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " جمل تعليلة تفيد أن من والى اليهود والنصارى من
المؤمنين أصبح مثلهم فيحرم هداية الله تعالى لأن الله لا يهدي القوم الظالمين ،
والظلم وضع الشيء في غير محله وهذا الموالي لليهود والنصارى قد ظلم بوضع الموالاة
في غير محلها حيث عادى لله ورسوله والمؤمنين ووالى اليهود والنصارى أعداء الله
ورسوله والمؤمنين . هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما الآية الثانية ( 52 ) فقد
تضمنت بعض ما قال ابن أبي مبرراً به موقفه المخزي وهو الإِبقاء على موالاته لليهود
إذ قال تعالى " يسارعون فيهم" أي في موالاتهم ولم يقل يسارعون إليهم
لأنهم ما خرجوا من دائرة موالاتهم حتى يعود إليها بل هم في داخلها يسارعون ،
يقولون كالمعتذرين " نخشى أن تصيبنا دائرة " من تقلب الأحوال فنجد
أنفسنا مع أحلافنا ننتفع بهم . وقوله تعالى : " فعسى الله أن يأتي بالفتح
" وعسى من الله تفيد تحقيق الوقوع فهي بشرى لرسول الله والمؤمنين يقرب النصر
والفتح" أو أمر من عنده فيصبحوا " أي أولئك الموالون لليهود " على
ما أسروا في أنفسهم " من النفاق وبغض المؤمنين وحب الكافرين " نادمين
" حيث لا ينفعهم ندم . (أيسر التفاسير للجزائري ).
ولعل من
أروع ما حدث في التاريخ الإسلامي المجيد , ذلك الحادث الذي يدل علي التزام
المسلمين بشروطهم فيما يتعلق بالجزية , وهو عمل قل أن نجد به نظيراً في التاريخ
,فقد ذكر أبو يوسف في كتاب "الخراج "أن أبا عبيدة بعدما صالح أهل الشام
, وجبي منهم الجزية والخراج بلغه أن الروم
قد جمعوا له , واشتد الأمر عليه وعلي المسلمين , فكتب إلي أمراء المدن التي تم
صلحها أن يردوا عليهم ما جبي منهم من الجزية والخراج وأن يقول لهم :"إنه قد
رددنا لكم –ما جبيناه منكم- لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع , وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم ,
وإنا لا نقدر علي ذلك وقد رددنا لكم ما أخذناه منكم , ونحن لكم علي الشرط . وما
كتب بيننا أن نصرنا الله عليهم ".
توجيه
بعض النصوص الدينية في هذا الشأن :
هذه هي
عدالة الإسلام , فليأت هؤلاء الذين يهاجمونه بمثال واحد فقط, يمكن أن تضعه موضع
الموازنة والمقارنة تجاه هذا المثل الفريد في سمو التعامل ونبل الأخلاق .
قال
تعالي :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا
بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ
تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي
وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ
بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ
سَوَاءَ السَّبِيلِ" (الممتحنة /1).
هذه
الآية نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة وكان من المهاجرين الذين شهدوا بدراً روى
مسلم في صحيحه عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ « موضع بينه وبين المدينة أثناء
عشر ميلا » فإن بها ظعينة « امرأة مسافرة » معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا نهادى
خيلنا أي نسرعها فإذا نحن بامرأة قلنا أخرجي الكتاب ، فقالت ما معي كتاب . فقلنا
لتخرجن الكتاب ، أو لَتُلْقِنَّ الثياب « أي من عليك » فأخرجته من عقاصها أي من
ظفائر شعر رأسها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا به من حاطب بن أبي
بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا؟ فقال لا تعجل عليّ يا رسول
الله إنى كنت امرءاً ملصقاً في قريش « أي كان حليفاً لقريش ولم يكن قرشياً » وكان
من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب
فيه أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني
ولا رضا بالكفر بعد الإِسلام وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وإن كتابي لا يغنى
عنهم من الله شيئاً ، وأن الله ناصرك عليهم . (أيسر التفاسير للجزائري (4/ 241).
وهنا
نقول :" إن إنكار مودة المشركين في مكة في وقت الحرب بينهم وبين المسلمين
إنما هو أمر لا يستنكره الإسلام فحسب , بل يستنكره أي نظام حربي في حال إفشاء آية
معلومات عسكرية إلي معسكر العدو ,إن حاطباً بعمله هذا وبمودته لكفار مكة , قد
ارتكب ما يمكن أن نسميه بلغتنا اليوم الخيانة العظمي ".
ومن هنا
نزلت آيات القرآن الكريم منددة بهذا العمل في مثل الظروف والأوضاع التي كانت عليها
العلاقة بين المشركين قي مكة , والمسلمين في المدينة .
وليس هناك أدق ولا أروع من الآيات القرآنية التي تلت الآية القرآنية التي ذكرت محددة علاقة المسلمين بمن يخافونهم في دينهم , ولا يؤمنون به من الدين الحق:" عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"(الممتحنة/ 7 – 9).
أمرت أن اقاتل الناس:"
بقي
علينا أن ننظر إلي حديث نبوي شريف وفيه يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم
:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أن يستقبلوا قبلتنا و يأكلوا
ذبيحتنا و أن يصلوا صلاتنا ، فإذا فعلوا ذلك " فقد " حرمت علينا دماؤهم
و أموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين ".(السلسلة
الصحيحة (1/ 302) أبو داود والترمذي).
وفي
رواية أخري :" أمرت أن أقاتل الناس
حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله و نفسه
إلا بحقه ، و حسابه على الله " السلسلة الصحيحة (1/ 406).
والسؤال
لماذا ذلك كذلك ؟ ولما هذا التخصيص في المعاملة ؟ وهل يعد هذا إكراه في الدين ؟
والإجابة
علي هذا – فإن المراد بالناس هنا ليس علي إطلاقهم , كما يتبادر إلي الأذهان وإنما
هو خاص بعبدة الأوثان من العرب ..
إن
الإسلام كما وردت آياته لايكره أحداً علي الدخول في دعوته لأنه :" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "(البقرة:
256).
وإنما
المراد كما قال تعالي :" قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا
أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ
دِينِ".(الكافرون).
علي أن
هذا مشروط بأن يترك المشركون من هجر عبادة الأوثان وأمن بالله رب العالمين يتركوه
ولا يفتنوه عن دينه ..أما يوم أن يصبح الأمر كذلك فإن قتالهم يكون واجباً درءً
للفتنة ..ولكن هؤلاء ظنوا واهمين أنهم في مقدورهم أن يقضوا علي الدين الجديد , وأن
يطمسوا آثاره من الوجود . فكان لابد والحالة هذه من مواجهتهم في ميادين القتال
,فإما أن تبقي الوثنية ,وإما أن يبقي الإسلام . وشاءت إرادة المولي عز وجل أن يبقي
الإسلام وينتشر , وأن تتوطد أركانه , وتثبت دعائمه ,أليس يسجل القرآن علي هؤلاء
خبث نواياهم , وسوء مقصدهم عندما يقول :" إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا
لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ
بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ "(الممتحنة/2).
ويقول
تعالي:" كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا
وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ
وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ "(التوبة/8).
والسؤال
: فهل أمام المسلمين بعد هذا إلا أن يحملوا السلاح , كي يحموا دعوتهم , ويخلصوا
مجتمعهم من شرور هؤلاء وآثامهم ؟.
التسامح مع غير المسلمين
لقد كانت سماحة الإسلام من أعظم أسباب سرعة انتشاره،
وكانت تلك السرعة الهائلة التي طوى فيها الإسلام أكثر المعمور من الأرض تحت ظله
الظليل؛ كان راجعاً إلى عدل هذه الشريعة وحكمتها، عندما رأى العباد ما لا عهد لهم
به من قبل، كانوا يرزحون تحت الظلم والبغي وعبادة العباد، فجاءت هذه الشريعة
لتنقذهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا
والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ورأى أصحاب البلاد المفتوحة عدل
المسلمين وتعاملهم فكان في ذلك أكبر الأثر في انتشار الإسلام في البلدان، على خلاف
ما ردد أعداء الدين من تصوير الفتوحات الإسلامية غزواً مادياً لنهب ثروات الأمم
واغتصاب خيراتها، وحرمانها من نعم الله عليها، وتصوير هذه الفتوحات بأنها إكراه
للناس بقوة السلاح على الدخول في الدين، هذه الفتوحات كانت رحمة للبلاد المفتوحة،
وكان التعامل شاهداً على عظمة الدين في نفوس الفاتحين، ممن التزم به وتقيد بشرعه،
وفي يوم الفتح عندما تمكن النبي صلي الله عليه
وسلم من أهل مكة الذين أخرجوه منها
وكانوا قد منعوه من إبلاغ دين الله بينهم، وحالوا دون إيصال الدعوة إلى غيرهم
فكفروا هم وصدوا غيرهم عن سبيل الله، ماذا فعل بهم نبي الله صلي الله عليه وسلم
لما قدر عليهم؟ هل أخذ بيوتهم؟ هل سفك دمائهم بغير قتال، هل ذبح نسائهم
وأطفالهم، أم أنه أطلقهم لا تثريب عليكم اليوم، أنتم الطلقاء، وهكذا كانت فتوحات
المسلمين في البلاد الأخرى، فنقرأ مصالحات أبي عبيدة بن الجراح لأهل الشام على
الإبقاء على معابدهم من البيع والكنائس داخل المدن وخارجها مصونة لا يُهدم منها
شيء وصالحهم على حقن دمائهم وحفظ حياتهم، ولكن لا يبنوا كنيسة جديدة، ولا يضيفوا
إلى الموجود شيئاً آخر، ولا يظهروا صلبانهم ولا نواقيسهم لأن إظهار الكفر في بلاد
الإسلام لا يجوز، وصالحهم على الدفاع عنهم وحمايتهم من أي اعتداء آخر مقابل مبلغ
من المال مقدور عليه، يدفعه كل واحد منهم ولذلك سموا بأهل الذمة، وهؤلاء المعاهدين
وأهل الذمة وفيت لهم الشروط، وشاهدوا حسن السيرة فيهم، وبهذه المعاملة رغبوا في
دين الإسلام، وأقبلوا عليه وارتفعت الجزية عمَّن أسلم منهم وصاروا أخوة لنا في
الدين، وهكذا تحولت بلاد مصر والشام والعراق إلى بلاد إسلامية دخلت شعوبها في الإسلام
لما رأوا من عدله وحسنه، هذه الأخلاق التي عبر عنها أعداء الإسلام أيضاً.
ولما كتب يزدجرد ملك الفرس إلى ملك الصين يستمده قال
للرسول قد عرفت أن حقاً على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم فصف لي صفة هؤلاء
القوم الذين أخرجوكم من بلادكم فإني أراك تذكر قلة منهم وكثرة منكم، ولا يبلغ
أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم إلا بخير عندهم وشر فيكم،
قال سل عما أحببت، قال أيوفون بالعهد، قال نعم، قال ما يقولون لكم قبل أن
يقاتلوكم، قال يدعوننا إلى واحدة من ثلاث إما دينهم، فإن أجبناهم أجرونا مجراهم،
أو الجزية والمنعة، أي الجزية مع الحماية، أو القتال، قال فما يحلون وما يحرمون،
قال فأخبرته قال أيحرمون ما حلل لهم أو يحلون ما حرم عليهم، قلت لا، قال فإن هؤلاء
القوم لا يهلكون أبداً حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم، فكتب ملك الصين إلى ملك
الفرس إن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو خُلي لهم
طريقهم أزالوني ما داموا على ما وصف، فسالمهم وأرض منهم بالمساكنة ولا تهيجهم ما
لم يهيجوك.
وإذا كان ديننا يحثنا علي الصدق في كل شيء ويحثنا علي
حسن المعاملة في الأمور كلها فإن المعاملة في البيع والشراء تكون في مقدمة تلك
المعاملات ..
فبفضل الأخلاق والمعاملات والتسامح انتشر الإسلام، فعندما اكتشف أهالي غانا أخلاق التجار المسلمين وقيمهم السامية ودينهم العظيم اعتنقت قبيلتان من البربر الإسلام وهما قبيلتا لمنونة وجودلة فعملوا على نشر الإسلام في ربوع غرب إفريقيا، واعتنقت قبائل سارا كولا الإسلام، كذلك تم فتح غانا سنة 1076م ثم راحت بعض القبائل الإسلامية من غانا إلى بلدة مالاتا في السودان الغربي وأنشئوا فيها مركزا تجاريا فتعرف أهلها على الإسلام ودخلوا فيه طوعا وكذلك اعتنق ملك غينيا الإسلام وكثير من رعاياه سنة 1204م طوعا وحبا في الإسلام، واعتنق خليفة أمير قبائل الماندانج الإسلام وأسس إمبراطورية مالي، وأيضا أحد سلاطين تشاد وغيرهم وهكذا دخل السلاطين والملوك والعامة والسوقة والخاصة والنبلاء الإسلام طوعا لا كرها إعجابا منهم بأخلاق التجار المسلمين وقيمهم الإسلامية. كل ذلك بفضل نشرهم لتعاليم الإسلام و صوره العظيمة التي تتجلي في السماحة ، فلقد بني الإسلام شريعة التسامح في علاقاته على أساس متين فلم يضق ذرعا بالأديان السابقة ، وشرع للمسلم أن يكون حسن المعاملة رقيق الجانب لين القول مع المسلمين وغير المسلمين فيحسن جوارهم ويقبل ضيافتهم ويصاهرهم حتى تختلط الأسرة وتمتزج الدماء..
مفهوم لا إكراه في الدين.
الإسلام لا يجبر الشخص على الدخول فيه قال الله تعالى:
"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "( البقرة256.). قال ابن كثير رحمه الله: "أي لا تكرهوا
أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح جلي في دلائله وبراهينه، لا يحتاج
إلى أن يُكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته
دخل فيه على بينة، فأكثر الكفار دخلوا في دين الإسلام بالاقتناع، وليس بالقوة،
وكانت الحرب عندما يرفض الكفار تسليم بلدانهم للمسلمين، كان المسلمون يريدون
البلدان لإقامة شرع الله فيها، وتحكيم الإسلام فيها، ودعوة الناس بالحسنى، فإذا
قام ملك دون ملكه وسلطان دون سلطانه وكفار يمنعون المسلمين من الدخول لتحيكم
الإسلام كان القتال يقوم، من أجل أن يُقام الدين،:" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى
لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه "(الأنفال39.) وهكذا
كانت راية الإسلام تعلو في البلدان المختلفة، إن دعوة الإسلام إلى المسامحة شيء
معروف لكنه ليس ذلاً ولا تنازلاً عن شيء من الدين، والكفار لا يُعاملون في الشريعة
معاملة واحدة، لأنها قائمة على العدل، فهم أنواع، فمنهم كفار محاربون وكفار
مسالمون، فالكفار المحاربون لا يجوز أن يُفعل لهم معروف، ولا نوع من البر، ولا
الصلة، ما داموا قائمين بالحرب، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ
أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ"(الممتحنة9).
إذاً هؤلاء لا يمكن عمل المعروف معهم، ما داموا قد حملوا
السلاح على المسلمين، يريدون أن يطفئوا نور الله، وكفار آخرون مسالمون، يقولون
للمسلمين هذه بلادنا ادخلوها وأقيموا فيها دينكم ونحن لا نريد حرباً ولا قتالاً
ولا أن نرفع عليكم سلاحاً، هؤلاء الذين يرغبون في التعامل مع المسلمين على أساس
السلم والاحترام المتبادل وأن تكون الهيمنة للإسلام والحكم للإسلام، والشريعة
المطبقة في البلد الإسلام لا يجوز الاعتداء عليهم بأي نوع من الاعتداء البتة.
أمثلة من تعامل النبي صلي الله عليه وسلم ،والصحابة مع
غير المسلمين
و كان النبي صلي الله عليه وسلم يقوم بدعوة أهل الكتاب ويزور مرضاهم طاعة لله،
ولا ينهى البنت المسلمة أن تبر أمها المشركة ما دامت جاءت راغبة في الصلة غير
رافعة للسلاح على المسلمين، والكافر إذا كان معاهداً أو ذمياً فلا يجوز خرق عهد
الأمان معه ولا الاعتداء عليه، وقال النبي صلي الله عليه وسلم :"ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه
فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"( أبو داود
). النبي صلي الله عليه وسلم قال :"
من قتل معاهداً له ذمة الله، وذمة رسوله؛ حرّم الله عليه ريح الجنة، وإن ريحها
لتوجد من مسيرة سبعين خريفا"(البخاري).
*وكان صلي الله عليه وسلم يغشى مخالفيه في دورهم فعن أبي هريرة رضي الله
عنه قال : بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال :" انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى
جئناهم فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم
فناداهم فقال : " يا معشر يهود أسلموا تسلموا " فقالوا : قد بلغت
يا أبا القاسم . . الحديث . وعاد صلي الله عليه وسلم يهودياً ، كما في البخاري عن أنس رضى الله عنه
أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلي الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلي الله عليه وسلم يعوده فقال : ( أسلم ) فأسلم .
وكان صلي الله عليه وسلم يعامل مخالفيه من غير المسلمين في البيع
والشراء والأخذ والعطاء ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت :" توفي النبي صلي
الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي
بثلاثين . يعني : صاعا من شعير .
وكان صلي الله عليه وسلم يأمر بصلة القريب وإن كان غير مسلم فقال لأسماء
بنت أبي بكر رضي الله عنهما : صلي أمك .
وفي المدينة حيث تأسس المجتمع الإسلامي الأول وعاش في
كنفه اليهود بعهد مع المسلمين وكان صلي الله عليه وسلم غاية في الحلم معهم والسماحة في معاملتهم حتى
نقضوا العهد وخانوا رسول الله صلي الله عليه وسلم
، أما من يعيشون بين المسلمين يحترمون قيمهم ومجتمعهم فلهم الضمان النبوي ،
فقد ضمن صلى الله عليه وسلم لمن عاش بين ظهراني المسلمين بعهد وبقي على عهده أن
يحظى بمحاجة النبي صلي الله عليه وسلم لمن
ظلمه فقال صلي الله عليه وسلم : ألا من
ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه
يوم القيامة . تلك صور من سماحة النبي صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين وهو ما سار عليه الصحابة رضي
الله عنهم والتابعون من بعدهم ..
عباد الله: لقد جاء النهي عن قتل النساء، والصبيان في
الحروب فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وجدت امرأة مقتول في بعض مغازي رسول
الله صلي الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان"( البخاري ومسلم).
فإذا لم يحملوا السلاح أي النساء، والصبيان ولم يعينوا على المسلمين لم يجز مسهم
بسوء ولم يجز قتلهم ولا إعمال السلاح فيهم، وقام أئمة الإسلام بالدفاع عن أهل
الذمة في البلدان التي كانت تحكم بالشريعة عندما يتعرضون للظلم، فقام الأوزاعي رحمه
الله يشكو والي جبل لبنان من أقرباء الخليفة إلى الخليفة لأنه أجلى جماعة من أهل
الذمة لخروج نفر منهم على عامل الخراج، فقال: "لا تزر وازرة وزر أخرى"،
فلا يؤخذ البرئ بجريرة المذنب، ولما عمد الوليد بن يزيد إلى إجلاء الذميين من قبرص
إلى الشام تحسباً لحملة رومية اعترض الفقهاء على مسلكه، وشيخ الإسلام بن تيمية
رحمه الله رحمه أن يطلق التتر أسرى المسلمين دون أهل الذمة، فأصر شيخ الإسلام على
التتر أن يطلقوا أهل الذمة مع المسلمين، لأن التتر أخذوا من الجميع أسرى، صلاح
الدين الأيوبي رحمه الله لما جاءته المرأة من الكفار النصارى وهم أعداؤه تطلب منه
طلباً خاصاً أن يرد إليها ولدها الصغير، أمر بالبحث عنه فوجده قد بيع مع السبي
وهذا حق للمسلمين إذا حاربوا الكفار وحاربهم الكفار أن يؤخذ نساء الكفار وأولادهم
سبياً يتربون عند المسلمين فيتأثروا بالإسلام فينشئوا عليه، وكان في ذلك فائدة
كبيرة بدلاً من أن ينشئوا عند آبائهم الكفار، فلما وجد صلاح الدين الولد قد بيع
اشتراه بماله الخاص، ووهبه لتلك المرأة، ولما أراد بعض خلفاء المسلمين أن يبادل
الأسرى مع الكفار وقف المسلمون على طرف النهر والكفار على الطرف الآخر وبينهما جسر
وصار يعبر واحد من أسرى المسلمين من طرف الكفار وواحد من أسرى الكفار من طرف
المسلمين مبادلة الأسرى واحد بواحد، وهكذا حصلت المبادلة فانتهى المسلمون الأسرى
وبقي أسرى من الكفار في يد الخليفة فرأى إظهاراً لمنة الإسلام على الكفار وكسباً
للموقف أن يطلق البقية الباقية بدون مقابل، ولذلك كان حكم الشريعة في الأسرى
الكفار المأخوذين إما أن يقتلوا وإما أن يسترقوا وإما أن يفادوا بالمال وإما أن
يُمن عليهم بلا مقابل، ليس بحسب الهوى، لكن بحسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية، فإن
كانوا من أهل الخبرة في القتال ولو رجعوا للكفار كانوا وبالاً على أهل الإسلام
يقتلون ولا يتركون، ولو كان في أخذهم سبياً مصلحة لهم وللمسلمين يؤخذون سبياً، ولو
كان من المصلحة تحصيل مال مقابل لهم من أجل حاجة للمسلمين كان الفداء بالمال، وإن
كان عند الكفار أسرى في المقابل من المسلمين تكون المبادلة الأسرى بالأسرى، وإن
كانت المنة هي المصلحة الشرعية كسباً للموقف وتأثيراً دعوياً في الكفار يطلق
الأسرى بلا مقابل، بحسب ما تقتضيه الشريعة.
وحين رأى صلي الله عليه وسلم عمَّه حمزة وقد بُقرت بطنه، ومُثّل به أشنع
تمثيل هو وبعض الصحابة، بكى وغضب وأقسم أن ينتقم ويُمثل بسبعين منهم إن مكّنّه
الله منهم، فنزلت الآيات: " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا
عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ "(النحل/
126). فآثر النبي وأصحابه الصبر الجميل،
وعفوا عما سلف من تمثيل بقتلاهم، فما كان للمؤمنين أن ينزلقوا إلى تلك الهوة
العميقة من جرائم الحقد الأسود، ولا أن يجرهم عدوهم إلى مثل هذه الميادين القذرة
من التعامل ولو في الحرب، وهكذا لم يرُدَّ المسلمون الإساءة القبيحة بمثلها وإن
كان المسيئون كفارًا، فكيف بنا الآن مع من أخطأوا في حقنا، أو أساءوا إلينا، وربما
كانوا أقاربًا أو أحبابًا أو أصدقاء..
حالات
لا يجوز فيها التسامح مع الكفار
لكن
التسامح إلى أي حد؟ لا شك أن التسامح مع أعداء الإسلام له حدود معينة، وهذه القضية
التي يريد عدد من المنافقين والكفار أن يضيعوها، ويريدوا أن يقولوا أنه تسامح على
طول الخط مهما فعل الكفار ومهما قاموا به تسامح على طول الخط، من الذي قال ذلك،
وفي أي كتاب من كتب الشريعة هذا؟ أين الآية أو الحديث الدال عليه؟ بل إن الآيات
والأحاديث تدل على خلاف ذلك، أنه يوجد حالات لا تسامح فيها مع الكفار، إطلاقاً
والتسامح حرام وخزي وذل لا يجوز للمسلمين أن يفعلوه، فلما نقض بنو قينقاع العهد مع
رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وغدر الصائغ ويهود بني قيقناع بالمسلمين
واستصرخ المسلم أهل الإسلام قاموا إليهم، ونابذوهم وهكذا كانت الحرب على بني
قينقاع لغدرهم، ولما قام بنو النضير بمحاولة أخرى غادرة أيضاً وطلبوا من النبي صلي
الله عليه وسلم أن يخرج إليهم مع بعض
أصحابه من أجل أن يتحاوروا حوار الأديان واشتمل اليهود على الخناجر يريدون
الانفراد بالنبي عليه الصلاة والسلام يتقدم ثلاثة ويتقدم النبي صلي الله عليه وسلم لمحاورتهم فيجهزوا عليه، اشتمل اليهود على
الخناجر، فجاء الوحي إلى النبي صلي الله
عليه وسلم بالمؤامرة فرجع وتجهز وغزا بني
النضير، وحرق نخيلهم إخزاءً لهم وفتاً في عضدهم، وحاصرهم حتى نزلوا على الجلاء،
فخرجوا من ديارهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة وغادروا تلك الحصون والقلاع وسُلمت
بالكامل للمسلمين، وبنو قريظة وما أدراك ما بنو قريظة عندما جاءت الأحزاب فحاصروا
المدينة وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، وكان النبي عليه الصلاة والسلام
قد عاهد يهود بني قريظة من قبل حتى تستتب له الأمور فلما قام اليهود بالغدر
والممالئة وممالئة كفار قريش على نبي الله
صلي الله عليه وسلم ونقضوا العهد
وخالفوا الشروط بينهم وبين النبي صلي الله
عليه وسلم جاء جبريل بالأمر بالقتال
وأخذ يهود بني قريظة بعد الحصار وهكذا من أنبت منهم الشعر الدال على بلوغه قُتل
فقتل رجالهم أجمعين، وهكذا حكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه بحكم الملك من فوق
سبع سماوات، بحكم الملك من فوق سبع سماوات، إذاً هذه حالات لا تسامح فيها أبداً،
إذا غدروا لا مسامحة البتة..
و لقد
قام أئمة الإسلام وقادة الدين بضرب المثل في عزة الإسلام وعدم إسقاط حقوق الشريعة،
ولما كتب نقفور ملك الروم إلى هارون الرشيد:" من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما
بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أضعافها
إليها، يجب أن ترد أكثر مما أعطتك، لكن ذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي
هذا فاردد ما حصل لك من أموالها، وافتد نفسك بما تقع به المصادرة لك قبل أن أصادر
أموالك، وإلا فالسيف بيننا وبينك، فلما قرأ الرشيد الكتاب، هذه عزة المسلم استفزه
الغضب حتى لم يقدر أحد أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، وتفرق جلسائه، فدعا بدواة وكتب
على ظهر الكتاب "بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور
كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن .. -هذه
عزة الإسلام، وليس تسامح، وضعف وذل ومهانة، عند القدرة جهاد- قد قرأت كتابك.. والجواب ما تراه دون ما تسمعه". ثم سار من
يومه من يومه سار بجيوش المسلمين ففتح وغنم حتى جاء بلاد نقفور حتى اضطر نقفور إلى
طلب المصالحة على خراج يحمله كل سنة إلى هارون، فأجابه إلى ذلك.
وهكذا
يقوم حاكم آخر، وخليفة من خلفاء المسلمين يبلغه أن ملك الروم جاء أهل ملطية
المسلمين فأوقع فيهم مقتلة عظيمة خلقاً كثيراً قتلهم وأسر ما لا يحصون كثرة، وقطع
آذان أسرى المسلمين وأنوفهم، وسمل أعينهم وكان من جملة من أسر ألف امرأة من
المسلمات فلما سمع الخليفة بذلك انزعج جداً وصرخ في قصره بالنفير ثم نهض من فوره
وأمر بتعبئة الجيوش، واستدعى القاضي والشهود فأشهدهم أن ما يملكه ثلثه صدقه وثلثه
لولده وثلثه لمواليه، وقال للأمراء أي بلاد الروم أمنع، قالوا عمورية لم يعرض لها
أحد منذ كان الإسلام فاستدعى الجيوش وتجهز جهازاً لم يجهزه أحداً كان قبله، وأخذ
معه من آلالات الحرب شيئاً لم يُسمع بمثله وسار إلى عمورية في جحافل عظيمة فأنكاهم
نكاية عظيمة وقتل من الكفار ثلاثين ألفاً، وهكذا فعل عبد الرحمن الناصر رحمه الله
في بلاد الأندلس لما تحداه ليون ونافار من النصارى من ملوكم فقام ليثبت عزة
الإسلام فهربوا أمامه لا يهتدون سبيلاً ولا يجدون حيلة والمسلمون على آثارهم
يقتلون من أدركوه حتى حجزهم الظلام، وصلاح الدين الأيوبي لما قدر على أرناط، أرناط
صاحب الكرك النصراني الذي كان يغير على قوافل الحجاج فيقتلهم، حجاج المسلمين، ويسب
النبي عليه الصلاة والسلام يستخف به، لما قدر عليه صلاح الدين وجيء به إليه، هل
هنا مجال للمسامحة، هل يوجد تسامح هنا؟ إطلاقاً. قال له أنا أنتصر لمحمد صلى الله
عليه وسلم منك ثم عرض عليه الإسلام فأبى فقتله صلاح الدين بيده قتله بيده وهكذا.
عظمة الإسلام :"
نعم إن عظمة هذا الدين لا تخفى إلا على من جهل حقيقة
الإسلام أو عميت بصيرته عنه أو كان به لوثة من هوى أو حقد مقيت ، وإلا فإن سماحة
الإسلام في المعاملة وتيسيره في كل أموره ، ظاهر بأدنى تأمل لمن طلب الحق وسعى إلى
بلوغه والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
إلزام الغرب بمسلكهم تجاه الإسلام والمسلمين:
هذه بعض النواحي في ديننا الإسلامي الحنيف أردت بها أن
أرد علي مزاعم المستشرقين وكيد الكائدين فيما ذهبوا إليه من فريه انتشار الإسلام
بحد السيف ولعل فيما سقناه من آيات قرآنية كريمة من واقع عملي بمسلمين ما ينفد هذه
الفرية تفنيداً كاملاً ويضع الحق في نصابه وهو : أن الإسلام دين التفكير والعقل
والإقناع وانه لم يكن في يوم من الأيام دين إكراه علي عقيدة ينشرها بحد السيف
ويلزم الناس يها عن القهر .
بقي أن نقول لهؤلاء الذين أعماهم التعصب الأحمق فلم يروا
الحق ولم يبصروا النور .
أين انتم من تعاليم الإنجيل حين قررت السماحة مبدأً من
مبادئ التعامل فأوصت بان :" من ضربك علي خدك الأيمن فادر له خدك الأيسر
" أين كان هذا في حروبكم الصليبية عندما تدخلتم بيت المقدس فكان إن ذبحتم
سبعين ألف مسلم هل هذا هو التطبيق العملي لايه الإنجيل وما هو الدافع الذي يدفع
القائد المسيحي للكتابة إلي البابا يبشره بان سنابك خيله تخوض بحرا من دماء
المسلمين .
هل يقارن هذا العمل بما فعله القائد "صلاح الدين
الأيوبي " عندما استرجع بيت المقدس وكان أول ما فعله أن أعلن العفو العام
وسمح للأعداء بالهجرة دون أن يمس واحد منهم بسوء .(دفاع عن الإسلام –د/أمين راشد
مرجع سابق ).
تعلم هذا القائد المغوار هذا العفو وهذا الصفح من نبيه
صلي الله عليه وسلم الذي ضرب لنا أروع الأمثلة في العفو والصفح كما أشرنا في الجزء
الأول من هذا الكتاب فعندما فتح مكة ودخلها ظافراً منتصراً دون إراقة قطرة دم ماذا
قال لهم :" يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ
كريم
قل : فإني أقول
لكم ما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء "(فقه
السيرة (ص: 382).
قال محمد بن
إسحاق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة
فقال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب
وحده، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو موضوع تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت
وسقاية الحاج، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ففيه الدية مغلظة مائة من
الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها، يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة
الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم
وآدم من تراب " ثم تلا هذه الآية: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر
وأنثى " الآية كلها.
ثم قال: " يا معشر قريش، ما ترون أنى فاعل فيكم ؟
" قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم.
قال: " اذهبوا فأنتم الطلقاء ".
ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام
إليه علي بن أبى طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة
مع السقاية صلى الله عليك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين عثمان بن طلحة ؟ " فدعي له فقال: " هاك
مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء ". (السيرة النبوية لابن كثير (3/ 570).
بعض آداب الإسلام وسماحته نحو الآخر:
كما نجد أن الله عز وجل يوجهنا نحن أمة محمد صلى الله
عليه وسلم أن نلتزم مع الآخر الأدب والسماحة والتعالي عن سفا سف الأمور طالما أنهم
لم يقاتلوننا ولم يحاربوننا أو يخرجونا من ديارنا فيقول تعالى " لَا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ"(الممتحنة8).
وفى حالة القتال والحرب نجد أن الله ينهانا عن معاملتهم
مطلقاً فيقول تعالى "إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى
إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ"(الممتحنة/9).
وفى حالة الاعتداء علينا طالبنا بالوقوف بحزم وشدة ورد
الاعتداء بالمثل قال تعالي:" فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"(البقرة/194).
كما أمرنا أن نتسلح بالقوة وإعداد العدة لهم فقال
تعالى"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ
لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون"(الأنفال/60).
وعندما يجنحوا
للسلم ووقف القتال فيأمرنا ديننا أن تكون المعاملة بالمثل قال تعالي:"وَإِنْ
جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "(الأنفال /61).
أما عندما يكون
الخلاف في العقيدة فنجد أن الله تعالى يطلب منا مخاطبة هؤلاء بالحسنى والجلوس
للمفاوضات السلمية بالحجة والبرهان قال تعالي" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا
اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ
إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"(آل عمران /65،64).
وعندما ندخل معهم في نقاش أو جدال يعلمنا المولي عزوجل
أن يكون ذلك بالحسنى قال تعالي:"وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا
بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ
وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"(العنكبوت/46)كما أمرنا عند المجادلة بالتي
هي أحسن فوجدنا أنهم غالوا في الدين وتجاوزوا الحد أن ننبههم بما حدث من أسلافهم
لعلهم أن ينتبهوا ويعودوا إلى الاعتدال .. قال تعالي"قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا
أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ
سَوَاءِ السَّبِيلِ"(المائدة/77).
وعندما تكون الدعوة عامة لله من منطلق الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فيكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة قال تعالي:"ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُو َأَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"(النحل /125).
وعندما نختلف
فيما بيننا وبينهم من نصوص نجد أن الله عزوجل أنزل القرآن الكريم علي نبيه محمد
النبي الأمي الأمين مصدقاً لما في الكتب السماوية ومصححاً لما فيها من خطأ وباطل
قال تعالي:" وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ
بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ
الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ
بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ "(المائدة/48).فما في أيدي أهل الكتاب
اليوم من الدين باطله أضعاف حقه,وحقه منسوخ بالقرآن المهيمن الذي يجب علي كل من
سمع به أن يؤمن به ويتبعه.قال يسوع (يعني المسيح عيسي) :"كل ما ينطبق علي
كتاب موسي فهو حق فاقبلوه ,لأنه لما كان الله واحدا فينتج من ذلك :أن التعليم
واحد,وأن معني التعليم واحد,فالإيمان إذن واحد ,الحق أقول لكم :إنه لو يمح الحق من
كتاب موسي لما أعطي الله داود أبانا الكتاب الثاني .ولو لم يفسد كتاب داود لم يعهد
الله بإنجيله إلي ,لأن الرب إلهنا غير متغير ,ولقد نطق رسالة واحدةً لكل
البشر,فمتي جاء رسول الله يجيء ليطهر كل ما أفسد الفجار من كتابي
"(برنابا/5-12).
وهذا اعتراف
من نبي الله عيسي بما أصاب الكتب السابقة من تحريف ,ودعوته لضرورة اتباع الرسول
الذي سيبعثه الله ليمحو عن الكتب السابقة ما ألحقه بها الغلاة من تحريف ,وذلك من
خلال كتاب لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ,وهذا الرسول هو محمد صلي الله
عليه وسلم الذي بشربه عيسي ,بل وبشر به جميع الرسل بعد أن أخذ الله عليهم العهد
والميثاق بذلك ,قال الله تعالي :"وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ
النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ
مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ
بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ
إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ
الشَّاهِدِينَ"(آل عمران/81).