- علاقةالمسلم بأبائه وأجداده مسلمين وكفرة
- الأب والجد في القرآن الكريم
- البر بالأجداد مطلوب،
- الدعاء للأجداد مطلوب
- وسب الأجداد والطعن في الأنساب غير مطلوب
- الهجوم علي حضارة الأجداد غير مطلوب
- اتباع الآباء والأجداد في غيرطاعة الله غير مطلوب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ماهي علاقة المسلم بأبائه وأجدادة في القرأن الكريم والسنة النبوية المطهرة ؟
وقبل الحديث عن علاقة الأبناء بالإجداد من منظور الشرع نتسأل لماذا هذا الهجوم على حضارتنا المصرية العريقة؟
يخرج علينا بين الحين والآخر من يُحسبون على الدين ليكيلوا الاتهامات لأجدادنا القدماء بالكفر والوثنية، متناسين أن هؤلاء الأجداد هم من وضعوا أولى لبنات الإيمان بالبعث والجزاء والحساب قبل آلاف السنين.
فلم يكن المصري القديم مجرد صانع حجارة أو عابد صنم كما يصوره الجاهلون بل كان باحثًا عن الخلود، مؤمنًا بعدالة السماء حاملاً في قلبه يقينًا بأن هناك حياة أخرى وراء الموت. لقد صنع حضارة احتار الجنيع في كيفية صناعتها ومن أين صنعت ؟
فكيف يُختزل تاريخ أمة عظيمة في فرعون واحد طغى وتجبر، قال كثير من الباحثين والعلماؤ بأنه ليس مصرياً بل كان محتل من الهكسوس الذين احتلوا مصر قروناً ؟
لماذا انحسر الحديث عن هذا الفرعون وجنوده بينما امتلأت أرضها بالأنبياء والمؤمنين والعلماء والمصلحين كما بين لنا القرأن الكريم ؟
إن الدفاع عن الحقيقة ليس تعصبًا، بل وفاءٌ لجذورنا، وإنصافٌ لحضارة أنارت العالم قبل أن يولد الجهل بألف عام.
الأب والجد في القرآن الكريم
نشير في البداية إلى أن كلمة "جد" بمعنى والد الوالد لم ترد في القرآن الكريم ، إنما وردت في موضع واحد لكن بمعنى مختلف وهو "العظمة" قال سبحانه:"وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا" (الجن: 3)
أي تعالت عظمته وجلاله سبحانه أن يكون له ولد أو زوجة .
لكن الجد في حقيقة الأمر هو أب ، لأنه
أصل النسل وبسببه كان الوالد والولد معاً ، لذلك له من الحقوق ما للأب من الحقوق
وعليه ما عليه من الواجبات .
وقد ورد في القرآن إطلاق لفظ
"الأب" على الجد في مواضع نوردها فيما يأتي :
قال تعالي:" وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ
وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"(يوسف: 6) ، والخطاب موجه إلى يوسف ، وهو يوسف بن يعقوب
بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
وقال تعالي:" "وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ"(يوسف: 38). والخطاب ليوسف أيضاً .واتبعت دين آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فعبدت الله وحده، ما كان لنا أن نجعل لله شريكًا في عبادته، ذلك التوحيد بإفراد الله بالعبادة، مما تفضل الله به علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على نعمة التوحيد والإيمان
وقال تعالي:" أَمْ
كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا
تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ "(البقرة: 133) ويعقوب هو ابن إسحاق بن
إبراهيم. وإسماعيل هو أخو إسحاق من أبيه.
:"قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ" (الشعراء:
26 - الصافات: 126 - الدخان: 8).
:"وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ" (المؤمنون: 24 - القصص: 36) .
"فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "(الدخان: 36).
"ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"(الجاثية : 25) .
"يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ
أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ"(الأعراف: 27) .
ومن ثم قال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير : الجد أبٌ ، وقرأ ابن عباس (يا بني آدم) ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ" . (البخاري في كتاب الفرائض).
والبر بالأجداد مطلوب،
وعلى الأب تقع مسؤولية التربية الخلقية والاجتماعية والدينية ، وكل ولد سيصبح أباً - سواء في حياة الأب الذي أصبح جداً أم بعدها - ومن ثم ستتضاعف مسؤولية الجد ، بوصفه أباً مرة وبوصفه جداً أخرى ، وهو مسؤول عن انحراف ولده في تربية ابن الابن ، ويجب عليه تقويمه بموجب واجباته نحو ابنه ، ثم ابن ابنه .
وإذا كان الجد أباً فإن له حقوق الأب وعليه واجبات الأب كذلك ، ولهذا سنحاول عرض موضوع الأب (المباشر وغير المباشر) من خلال القرآن الكريم
فقد قال ابن المنذر: والأجداد آباء، والجدات أمهات، فلا يغزو المرء إلا بإذنهم، ولا أعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الإخوة، وسائر القرابات. اهـ.
تتمثل علاقة المسلم بآبائه وأجداده في بر الوالدين والإحسان إليهم، مع الحرص على الحفاظ على الروابط الأسرية القوية ونقل التراث والقيم بين الأجيال، مع الأخذ في الاعتبار أهمية الحب والإحسان والتقدير، وعدم تضييع حقوقهم في المودة والعناية، ويشدد دين الإسلام على بر الوالدين والإحسان إليهم، حيث تُعدّ البرّ من أعظم القربات. كما أن للأجداد دورًا مهمًا في تربية الأحفاد، خاصةً في نقل التقاليد والقيم والخبرات، ويقومون بحفظ الأسرة وتوجيهها.
بِرُّ الوالدين من الأمور الواجبة على المسلم، ولا يختص برهما لكونهما مسلمين، بل حتى لو كانا فاسقين أو كافرين يجب برهما والإحسان إليهما ما لم يأمرا بشرك أو ارتكاب معصية، قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا"(لقمان:15)، قال ابن كثير: "أي: إنْ حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: محسِنًا إليهما".
ومن مواقف وأحداث السيرة النبوية الدالة على ذلك: موقف أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها مع أمها المشركة قُتَيْلة بنت عبد العزى التي كانت زوجة لأبي بكر وطلقها قبل الإسلام، كانت ولدت له عبد الله وأسماء. وقد اخْتُلِف في إسلامها، قال النووي: "اختلف العلماء في إسلام قتيلة هل أسلمت أم ماتت على كفرها، والأكثرون على موتها مشركة"، وقال البيهقي : "وليست بأم عائشة"، وقال السيوطي: "واختلف في إسلامها، والأكثر أنها ماتت مشركة".
وهذا الموقف بين أسماء وأمها رواه البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: (قدِمَت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدتهم (ما بين الحديبية والفتح)، فاستفتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: إن أمي قدِمت علي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، صِلي أمك. فأنزل الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"(الممتحنة 9:8 البخاري .
قال ابن حجر في فتح الباري: "قولها رضي الله عنها: (وهي راغبة): أي في شيء تأخذه وهي على شركها, ولهذا استأذنت أسماء في أن تصلها, ولو كانت راغبة في الإسلام لم تحتج إلى إذن". وقال النووي: "(قدمت عليَّ أمي وهي راهبة)، وفي الرواية الثانية (راغبة) وفيها وهي مشركة، فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أفأصل أمي؟ قال: نعم صِلي أمك)، قال القاضي عياض: الصحيح راغبة بلا شك، قال: قيل معناه راغبة عن الإسلام وكارهة له .. وفيه جواز صلة القريب المشرك".
وقال ابن بطال: "في الحديث من الفقه أنه صلى الله عليه وسلم أباح لأسماء أن تصل أمها ولم يشترط في ذلك مشاورة زوجها، وأن للمرأة أن تتصرف في مالها بدون إذن زوجها".
وفي رواية لأحمد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: (قَدِمَت قُتيلة ابنة العزى بن عبد أسعد من بني مالك بن حسل على ابنتها أسماء بنت أبي بكرٍ بهدايا ضِباب وأقط (لبن مجفف) وسَمْن، وهي مشركة، فأبَت (رفضت) أسماء أن تقبل هديَّتها وتُدخِلَها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى اللهُ عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة :8)، فأمرها أن تقبل هديَّتها وتُدخِلَها بيتها) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح.
قال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة :8): "أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}(لقمان: 15)".
وقال ابن حجر في فتح الباري: "وروى ابن أبي حاتم عن السدي: أنها ـ {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} ـ نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين شيء جانباً للمسلمين وأحسن أخلاقا. قلتُ (ابن حجر): ولا منافاة بينهما، فإن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء.. وقال الخطابي: فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه كما توصل المسلمة، ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة وإن كان الولد مسلما. وفيه: موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة، والسفر في زيارة القريب، وتحري أسماء في أمر دينها، وكيف لا وهي بنت الصِدِّيق وزوج الزبير رضي الله عنهم".
:" ففي هذا دليل على أن الإنسان يصل أقاربه ولو كانوا على غير الإسلام، لأن لهم حق القرابة، ويدل لهذا قوله تعالى في سورة لقمان:"وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً"(لقمان: 15)،
يعني إن أمرك والداك وألحَّا في الطلب على أن تشرك بالله فلا تطعهما، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن صاحبهما في الدنيا معروفاً، أي أعطهم من الدنيا ما يجب لهم من الصلة، ولو كانا كافرين أو فاسقين، لأن لهما حق القرابة. وهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الآية، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها أن تصل أمها مع أنها كافرة".
من الدروس المستفادة من السيرة النبوية: وجوب بر الوالدين ولو كانا كافرين أو فاسقين، ويكون برهما بالإحسان إليهما بالقول والفعل، وطاعتهما بالمستطاع فيما لا معصية فيه، ومن المواقف النبوية الدالة على ذلك: موقفه صلى الله عليه وسلم مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لما سألته عن أمها وهي مشركة، وقوله لها: (نعم، صِلي أمَّك
والدعاء للأجداد مطلوب
نعم يستحب لكم ذلك، أن تستغفروا لهم، وتدعوا لهم بالمغفرة والرحمة، الأحياء والأموات إذا كانوا مسلمين. تدعون لهم بالرحمة والمغفرة، ودخول الجنة، والنجاة من النار، أحياءً وأمواتًا، لأبيك وأمك وآبائك وأجدادك وعماتك وخالاتك، وجميع أقاربك المسلمين، تدعو لهم بالرحمة وبالمغفرة، بالعتق من النار، بقبول أعمالهم، كل هذا طيب، وأنت مأجور.
فائدة لغوية
إذا أتيت تدعو لوالديك لا تقل:اللهم اغفر لوالديّ لكن قل:اللهم اغفر لوالدِينا (بكسر الدال)
حتى يشمل ذلك والديك وأجدادك وجداتك إلى ماشاء الله كن مبارك حتى في دعائك!
لعل الله ينفع بدعوتك هذه أجداد وجدات بينك وبينهم دهور، ولعل الله أن يقيض لك من يدعو لك في قبرك بعد مئات وآلاف السنين اللهم اغفر لوالدِينا يا أرحم الراحمين
اتباع الآباء والأجداد في غيرطاعة الله غير مطلوب
يعيب القرآن اتباع الآباء - والأجداد على غير هدى ، إن كانوا في ضلال مبين - كما يعيب التقليد الأعمى الذي كان من المشركين لآبائهم في الجاهلـية حتى إذا :"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ "(البقرة: 170).
:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ"(البقرة/170).
:"وَإِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا
بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى
اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"(الأعراف: 28) .
ما ذا يجب على الولد البارّ تجاه أبويه وأجداده؟
يجب عليه رعاية شؤون والديه وجديه المسنين والقيام بحاجاتهم وهو النموذج الذي جسدته ابنتا النبي شعيب عليه السلام "وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ"(القصص/23).
ولما كان حال الكبر هو مظنة الإهمال
والضجر والغضب خصه سبحانه وتعالى بالذكر من بين سائر حالات الوالدين فأوصى بهما
خيراً فقال سبحانه :
:"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا " (الإسراء: 23 - 24).
وقوله
"أف" إشارة إلى أدنى أذًى يمكن أن يخدش شعور الوالدين ، ومن ارتكبه من
الأبناء فهو آثم.
حقوق الولد على الأب :
حقوق الولد على الأب كثيرة، بدءاً من ولادته ، بل منذ أن يكون حملاً ، وحتى بلوغه بل حتى وفاة الوالد . فكل راعٍ مسؤول عن رعيته ، من رعاية شؤونها ، وتدبير مصالحها وتلبية حاجاتها وبذل النصح والإرشاد لها ثم بعد ذلك:"كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ"(الطور:21) .
ومن أهم الحقوق التي أشار إليها القرآن الكريم على لسان قوم مريم عليها السلام حين قالوا :"يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا"(مريم/28)
هي المسؤولية الأخلاقية ، فالوالدان
مسؤولان عن التربية الخلقية والاجتماعية والبدنية للولد والمسؤول عن تربية
الوالدين هو الجد والجدة ومن ثم فالمسؤولية تكون بالتناوب ، فتنتقل من الجد إلى
الأب ، وهكذا .
وحتى تؤدى تلك الحقوق والواجبات على
الوجه الأمثل ، وتكون ثمة استجابة من الطرفين للنصح والإرشاد يجب أن توطد العلاقة
بين الولد وأبيه ، أو بين الولد وجده ، ويجب أن تكون قائمة على الود والاحترام
والحب والعطف والحنان ، يُسر الولد إلى أبيه أو جده ، ويرتقي الأب والجد بالولد ،
فيشعرانه بقيمته الذاتية الإنسانية ، فيعززان الثقة في نفسه والشعور بقيمته حتى
يعيش حياة مطمئنة ، وليحرص الأب على أن يكون بينه وبين ولده علاقة صداقة حتى يطمئن
الولد إليه فيصارحه بكل ما يحدث له من أمور ، وكذلك الجد عليه أن يكون عوناً للولد
على أموره وأن يمنحه الأمن والاطمئنان في العاطفة الصادقة ليصارحه بكل ما يعرض له .
ومن الأمثلة التي يجب أن تحتذى ما جسده القرآن الكريم في سورة يوسف من العلاقة القائمة بين يوسف وأبيه :) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ "(يوسف: 4 - 5) .
النظام التشريعي :
يعرض القرآن الكريم - في إطار رسم
معالم الأسرة المسلمة ومسؤوليات الأب والجد، الركن الأساسي في الأسرة - يعرض إلى
النظام التشريعي ، بالإضافة إلى النظام الأخلاقي على نحو متكامل.
ففي العلاقات الأسرية يحرم الإسلام نكاح ما نكح الأباء ليحفظ حقوق الأسرة ومشاعر الأب والنسب ، وكل الإشكالات التي تنشأ عن ذلك ، فتقلب كيان الأسرة يقول سبحانه :"وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا"(النساء : 22) .
وفي اللباس والزينة يبيح الإسلام للمرأة أن تبدي زينتها لأبيها وجدها وكذلك لأبي زوجها وجده، قال سبحانه :"وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ" (النور: 31) .
وفي الأطعمة يبيح الإسلام الأكل من بيت الجد والأب يقول سبحانه :" وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ"(النور: 61) .
ثم إن القرآن الكريم يتعرض لمسألة خطيرة هي موالاة الآباء والأجداد من دون الله سبحانه يقول :"لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ"(المجادلة: 22) .
وهذا لا يتنافى مع قوله سبحانه:" وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (لقمان : 11) .
فالله سبحانه نهى عن موادّة من حارب
الله ورسوله وأن ذلك يتنافى مع الإيمان
ولا يلزم من المصاحبة بالمعروف - رعاية
لحقوق الوالدين - لا يلزم من ذلك المحبة والموالاة والنصرة .
من العطاء الربَّاني :
يعرض القرآن الكريم لنموذجين من الناس
الأول صنف من الناس أكرمهم الله سبحانه من عطائه الفياض لفضل آبائهم وإكراماً لهم
، فبفضل الله وبسبب الآباء عاش الأولاد في كنف الله سبحانه يتنعمون بعطائه من ذلك
قصة الغلامين اللذين كان أبوهما صالحاً فخلفه الله في أولاده خيراً :"وَأَمَّا
الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ
كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا
أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا
فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا" (الكهف: 82) .
ويمنُّ الله سبحانه وتعالى على سيدنا يوسف فيقول :"وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"(يوسف: 6) .
فهذا نموذج لمن شكر الله سبحانه من
الآباء فأورثها الله تعالى للأبناء، فشكروها أيضاً ، فكانوا خير سلف لخير خلف .
لكنْ ثمة نموذج معاكس للنموذج السابق يقول الله سبحانه في شأنه : "بَلْ مَتَّعْنَا هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۗ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ"(الأنبياء: 44)
" قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا"(الفرقان: 18) إنه نموذج لكفران نعم الله سبحانه ، وعدم رعاية حقها.
لا يجوز سب الأجداد على الإطلاق،
سواء كانوا فراعنة أو غيرهم، لأن الطعن في الأنساب يعتبر من عادات الجاهلية المحرمة. الأصل في الأنساب أنها للتعارف، وليست للتفاخر أو العيب.
التحذير من الطعن في الأنساب: سب الأنساب والطعن فيها محرم شرعاً،
فالإنسان لا يحاسب على نسبه أو نسب آبائه، وإنما يحاسب على أعماله.
التحذير من عادات الجاهلية: التفاخر بالنسب أو سب الآخرين فيه يُعد
من خصال الجاهلية، والتي نهى عنها الإسلام.
الحفاظ على الهوية: إن سب الأجداد يعد تبرؤًا من جزء من هوية المجتمع
وتاريخه، حتى لو كانت هناك جوانب سلبية في هذا التاريخ، ينبغي التعامل معها بحكمة
ودراسة بدلاً من السباب العام.
التركيز على السلوكيات لا الأصول:
الأصح هو نقد السلوكيات الخاطئة، مثل الطغيان والاستبداد، بدلاً من لعن الأجداد أو
التعميم عليهم، وهذا ما يطالب به المفكرون في مقالاتهم.
فالتفاخر بالأنساب محرم، وهو من خصال الجاهلية المذمومة، وقد جاء الإسلام بإبطاله والنهي، عنه قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ"(الحجرات:11).
وقال:"يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(الحجرات:13).
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب،
والنياحة على الميت".
وروى أيضاً في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع
من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب،
والاستسقاء بالنجوم، والنياحة...".
وقد ذكر البخاري مثله موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الأولين والآخرين كان
يقول: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" رواه الترمذي وابن ماجه.
• وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا " (مريم/41- 48)
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لأبيه
حين توعَّده على نصيحته إياه ودعائه إلى الله بالقول السيئ والعقوبة: سلام عليك يا
أبت، يقول: أمنة مني لك أن أعاودك فيما كرهت، ولدعائك إليّ ما توعدتني عليه
بالعقوبة، ولكني "سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي " يقول: ولكني سأسأل ربي أن يستر
عليك ذنوبك بعفوه إياك عن عقوبتك عليها"إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا " يقول: إن
ربي عهدته بي لطيفا يجيب دعائي إذا دعوته ، يقال منه: تحفى بي فلان. وقد بيَّنت
ذلك بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته هاهنا.
ولكن إبراهيم- عليه السلام- لم يقابل
فظاظة أبيه وتهديده بالغضب والضيق، بل قابل ذلك بسعة الصدر.
وجميل المنطق، حيث قال له: "سَلامٌ
عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا"
أى: لك منى- يا أبت- السلام الذي لا
يخالطه جدال أو أذى، والوداع الذي أقابل فيه إساءتك إلى بالإحسان إليك.
وفضلا عن ذلك فإنى سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ
رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا أى: بارّا بي، كثير الإحسان إلى.
يقال: فلان حفى بفلان حفاوة، إذا بالغ
في إكرامه، واهتم بشأنه.
وقد وفي إبراهيم بوعده، حيث استمر على
استغفاره لأبيه إلى أن تبين له أنه عدو لله-تبارك وتعالى- فتبرأ منه كما قال-تبارك
وتعالى-: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ
وَعَدَها إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ
مِنْهُ، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ .
:" وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ"(الشعراء).
وهذا الدعاء, بسبب الوعد الذي قال لأبيه: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا قال تعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ .
هذه الآية من سورة الشعراء، وتعني دعاء
النبي إبراهيم عليه السلام لربه أن يغفر لأبيه مع الاعتراف بأنه كان على ضلال، وقد
رجع إبراهيم عن هذا الدعاء لاحقًا حين تبيّن له أن أباه عدو لله.
المعنى: "واغفر لأبي" هو دعاء من النبي إبراهيم لربه، و"إنه كان من الضالين" تفسير لحالة أبيه، بأنه كان ممن ضل عن طريق الحق والهدى.
وله :"واغفر لأبي إنه كان من الضالين "كقوله :" ربنا اغفر لي ولوالدي "( إبراهيم : 41 )،
وهذا مما رجع عنه إبراهيم ، عليه السلام ، كما قال تعالى :"وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم "( التوبة : 114) .
وقد قطع الله تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه ، فقال : " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء"( الممتحنة : 4) .
فتنة التكفير
لا ندري ما سر تلك الهجمة الشرسة التي يتبناها بعض من يحسبون أنفسهم على الدين الإسلامي تحت مسميات مثل داعية إسلامي أو مفتي في إحدى دول الجوار، ضد المتحف المصري وضد أجدادنا قدماء المصريين. ولا أفهم سبب هذا الإصرار العجيب على وصفهم بالكفار، وكأن الإيمان أصبح حكرًا على زمن أو قوم دون آخرين.
إن قضية تكفير أفراد المسلمين أو مجموعهم ومجتمعاتهم سبب كل فتنة واختلاف وشر، فبالتكفير قامت الثورات، وسفكت الدماء، وانتهكت الأعراض، واعتدي على الدين وثوابته وسيدنا إبراهيم لما تبين له أن أباه عدو لله تبرأ منه فقط لم يكفره ولم يقل إنه كافر وإنما تبرأ من أفعاله وعداوته لله ..
ونستغرب حقًا من أولئك الذين يُطلقون القول بلا وعي أو تدبر: “القدماء المصريون كانوا وثنيين كفار” بإطلاق، وكأنهم يقولون اليوم: “المصريون كفار” أو “الأمريكان كفار”.
مع أن في أمريكا نفسها ما يقرب من ٣٠٪ من السكان مسلمون، وتزداد نسبتهم يومًا بعد يوم، فكيف يُعقل أن يُعمم الحكم على أمة كاملة بهذا الشكل .
مثل من يدعو في خطبته قائلًا: “اللهم عليك بالأمريكان!”، وكأنهم كتلة واحدة من الكفر والعداء! أوليس من الأجدر أن يقول: “اللهم عليك بالمعتدين والظالمين”.
إن هذه الإطلاقات لا أراها إلا دليل جهل وضيق أفق، لأن من يتأمل القرآن الكريم بإنصاف سيجد فيه إشارات إلى وجود مؤمنين من بين المصريين القدماء أنفسهم، غير أن المقام لا يتسع لذكرها بالتفصيل.
ويكفي أن نذكر ما أشار إليه أحد العلماء حين نقل في أحد كتبه نصوصًا من كتاب الموتى، أحد أهم وأوثق الكتب الدينية التي تركها المصريون القدماء، وقد سُطرت نصوصه على جدران المعابد والبرديات لتدل على عمق إيمانهم بالحياة الأخرى وبالجزاء والحساب.
وإذا عدنا إلى كتب التاريخ المصري القديم، سنجد أن عدد الأسر الحاكمة بلغ ٣١ أسرة تضم أكثر من ٥٠٠ ملك. فهل يُعقل أن يُمحى تاريخ هؤلاء جميعًا من الذاكرة، ويُختزل كل التاريخ المصري في شخص واحد هو فرعون.
والحقيقة أن فرعون مذكور في القرآن الكريم بالاسم، لا كصفة ولا كرمز، وهو شخص حقيقي موثق تاريخيًا، وقد ثبت بالأدلة التاريخية والآثارية أنه كان حاكمًا أجنبيًا خلال فترة احتلال الهكسوس لشمال مصر، ولم يكن ملكًا مصريًا من سلالة المصريين القدماء الوطنيين.
فقد جاء إلى مصر غازيًا ومحتلًا، وبسط نفوذه بالقوة، ثم طغى وتجبر وادعى الألوهية، فكان جزاؤه أن أهلكه الله وأغرقه هو وجنده كما نص القرآن الكريم، ليكون عبرة لمن بعده.
ومن ثم، فإن ما تبقى من آثار مصر القديمة لا يمت بصلة إلى فرعون الهكسوسي الكافر ولا إلى قومه، لأن الله كما جاء في الآيات أهلكهم جميعًا، ولم ينجُ منهم إلا جثمانه ليكون آية للناس.
بل إن القرآن نفسه يحدثنا عن رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه، وعن زوجة فرعون التي آمنت بالله، وعن السحرة الذين آمنوا بعد أن رأوا الحق بأعينهم رغم أنهم كانوا مجبرين من فرعون على ممارسة السحر.
أليس في ذلك دليل واضح على أن الإيمان كان موجودًا بينهم؟
أما ما يروجه البعض من أن رمسيس الثاني
هو فرعون موسى فباطل لا دليل عليه، إذ إن الملح الموجود في موميائه ليس من ملح
البحر كما يُشاع، بل من ملح وادي النطرون المستخدم في عملية التحنيط، وهو موجود في
كل المومياوات المصرية القديمة، مما يؤكد أنه لم يمت غريقًا في البحر كما تقول
الأسطورة الشعبية.
أما النقوش والرسومات على جدران المعابد والمقابر، فقد كانت عادة فنية وثقافية مارسها الجميع مؤمنهم وكافرهم ولم تكن بالضرورة شركًا أو عبادة للأصنام. بل إن القرآن نفسه أشار إلى قوم أصحاب الكهف الذين بُني على قبورهم مسجد، مما يدل على أن تلك الممارسات لم تكن محرمة في شرائع سابقة.
لذلك، لا تكن مقلدًا أعمى لمن يروج مثل هذه الأفكار، ولا تُشعل فتنة بين الناس بتكفير أجدادنا الذين ربما كانوا أقرب إلى الإيمان والتقوى ممن يُطلقون اليوم الأحكام جزافًا على غير علم ولا فهم.
فالتاريخ لا يُقرأ بالأهواء، والدين لا يُنطق بالجهل.
وكفى بنا فخرًا أن أجدادنا هم من أسسوا
أول حضارة آمنت بالبعث والحساب والعدل الإلهي قبل أن يعرف العالم كله معنى الإيمان.
من مواقف يوم القيامة:
لا يُغفل القرآن في كل مناسبة أن يقف عند مشهد أو معلم من معالم يوم القيامة ليدخل الموعظة إلى قلوب المؤمنين فتُحدث تغيراً في سلوكهم ينقلهم إلى حال أفضل دائماً فهم دائماً في تجدد وترقٍّ وصعود .
إن الموقف الذي يعرض له القرآن الكريم لموقف مهيب توجل منه القلوب ، وتخشع له الجوارح ، وتذرف منه الدموع ، إنه" يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيه وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ" (عبس : 34 - 37) .
إنه يوم لا أنساب بينهم ،سواء مسلمين أو غيره ولكن أعمال وحساب ، أجارنا الله من خزي يومئذٍ.