recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة خطرالرشوة علي الفرد والمحتمع الشيخ عبدالناصربليح

 

   خَطرُالرِشوةِعَلي الْفَرَدِ والمُحتمعِ




 الرشوة  داء عظيم  ومرض عضال
للرِّشْوَةِ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وأَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ
واجب علي المسلم تحري الحلال

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وبعد فياعباد الله 

يقول الله  تعالي :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ"(البقرة: 172).

عباد الله:"حديثنا إليكم اليوم عن  آَفَةٌ مِنَ الْآَفَاتِ وَالْعُيُوبِ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، تَنُمُّ عَنْ فَسَادِ النِّيَّةِ، وَضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَسُوءِ الطَّوِيَّةِ، وقِلَّةِ الْخَوْفِ مِنَ الرَّحْمَانِ، وَهِيَ عُنْوَانٌ لِلْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ، وَإِيذَانٌ بِالْهَلَاكِ وَالْخَرَابِ، أَلَا وَهِيَ الرِّشْوَة.

 الرشوة – أيها المؤمنون – داء عظيم , ومرض عضال , ووباء فتّاك , وشر مستطير .

الرشوة سبيل لزرع المصائب والملمّات , وهدم المجتمعات , وبثّ النزاعات , وإشاعة الحقد والبغضاء والكراهية والعداءات .

الرشوة ماحقة للأرزاق , مفسدة للأخلاق , مهدرة للحقوق , معطّلة للمصالح , تقدّم البليد الخامل , وتؤخر العامل الفاضل .

الرشوة تعلّق الناس بحب الدنيا وتنسيهم الآخرة , وتسوق المجتمع إلى هاوية الخراب والدمار .

الرشوة خرم في المروءة , وخدش في الحياء , وعيب في الإنسانية , ونقص في الدين , واستهزاء بالله تعالى .

الرشوة تقلب الباطل حقاً , وتجعل الخيانة أمانة , وتصوّر الظلم عدلاً , فتكون النتيجة أن يصول الباطل ويجول , وتتفشى الخيانة وتنتشر , ويظهر في الأرض الظلم ويسير .

الرشوة ما خالطت قلبًا إلا أظلمته , ولا عملاً إلا أفسدته ، ولا مجتمعاً إلا فرّقته ، ولا كياناً إلا قلبته .

أيها المؤمنون : الرشوة كبيرة من كبائر الذنوب ملعون صاحبها على لسان رسول الله ،  : " لعن الله الراشي والمرتشي "(الترمذي وأحمد وابن حبان عن أبي هريرة ) وفي رواية عند أحمد : " والرائش " وهو الذي يمشي بينهما , وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" الرشوة في الحكم كفر،وهي بين الناس سحت " .

ولما بعث رسول الله معاذاً إلى اليمن أرسل في أثره ، فلما جاءه قال :" أتدري لِمَ بعثتُ إليك ؟ لا تصيبن شيئًا بغير إذني فإنه غلول ، ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ، لهذا دعوتك فامض لعملك "(الترمذي).

وإن من الحيل التي يستخدمها أصحاب الرشوة ممن يقدمها أو يستقبلها تغيير مسمّاها إلى هدية , يسلّون أنفسهم بأنها أمر مباح وأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال " تهادوا تحابوا " وهي رشوة محرمة وأكل لأموال الناس بالباطل لأن معطيها أعطاها لتتقدم حاجته عن الآخرين ظلماً لهم وتعديّاً عليهم ولمصلحة له يريدها أن تنقضي دون النظر في حكم شرعي أو إجراء نظامي أما من أخذها – أي الرشوة – وهو في مكتبه أو عمله فليجلس في بيته فيرى هل ستقدم له تلك الهدية من ذاك الذي أعطاه إياها أم لا ؟ روى البخاري في صحيحه عن أبي حميد الساعدي قال : استعمل النبي رجلاً من بني أسد يقال له : ابن اللتبية على صدقة ، فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أُهدي إليّ ، فقام النبي على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول : هذا لك وهذا أهدي إلي ؟! فهلاّ جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا ؟! والذي نفسي بيده ، لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة ، يحمله على رقبته ، إن كان بعيرًا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تعير " ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ـ يعني بياضهما ـ وقال : " ألا هل بلغت ؟ " ثلاثًا , 

وعن بريدة رضي الله عنه أن النبي قال : " من استعملناه على عملٍ فرزقناه رزقًا ـ أي: منحناه مرتبًا ـ فما أخذ بعد ذلك فهو غلول "(أحمد وأبو داود).

 وفي سنن البيهقي قوله صلى الله عليه وسلم : " هدايا العُمَّال غُلول "

ذكر ابنُ كثيرٍ في "تأريخه" أن جيش المسلمين لما ظفَروا بالنصر على إقليم تركستان وغنِموا شيئًا عظيمًا ، أرسَلوا مع البُشرى بالفتح هدايا لعُمر رضي الله عنه , فأبَى أن يقبَلَها، وأمر ببيعها وجعلها في بيت مال المسلمين .

وفي قصة عبد الله بن رواحة لما بعثَه النبي - صلى الله عليه وسلم - خالصًا على يهود خيبر ، فجمعوا له حُليًّا من حُلِيِّ نسائهم ، فقال : إنّكم من أبغض خلق الله إليَّ ، وما ذاك بحاملي على أن أحيفَ عليكم ، أما ما عرضتُم من الرِّشوة فإنها سُحتٌ ، وإنَّا لا نأكلها ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض .

واشتهى عمر بن عبد العزيز - رحمه الله – تفاحاً ، فلم يجدوا في بيته ولا ما يشتري به ، فخرج وهو الخليفة آنذاك ، فتلقَّاه غلمانٌ بأطباق التفاح ، فتناول واحدةً فشمَّها ثم ردَّها إلى الأطباق ، فقيل له في ذلك ، فقال : لا حاجة لي فيها ، فقيل له : ألم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية ، فقال : إنها لأولئك هدية ، وإنها للعُمَّال بعده رِشْوة" .

 عباد الله:" إن داءَ الرشوة داءٌ عضال، أمرٌ محرَّم شرعًا بكتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- وإجماع المسلمين، والله يقول في كتابه العزيز: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْولَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَـاطِلِ} [النساء:29]، فالرشوة أخذُ مال بالباطل، وأخذ مالٍ بلا سبب، وأخذ مالٍ بلا موجب، وإنما هو ظلمٌ وعدوان وإساءةٌ ودناءة وسوءُ فعل، وهو سحتٌ كما قال الله في حق اليهود: {سَمَّـاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّـالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة:42]، وقد فسَّر الصحابة السحت بأنه الرشوة، كما فسّره عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وأن قوله: { أَكَّـالُونَ لِلسُّحْتِ} أن اليهود من أخلاقهم تعاطي الرشوة والسعي فيها، فالرشوة سحتٌ، والسحتُ خبيث، وكلّ جلد نبت من سحت فالنار أولى به. لذلك: “لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي”. ( أبو داود والترمذي )؛ فالراشي والمرتشي والرائش ملعونون عند الله على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مطرودون من رحمة الله ممحوق كسبهم، زائلة بركتهم، خسروا دينهم وأضاعوا أمانتهم، استسلموا للمطامع، واستعبدتهم الأهواء، وأغضبوا الرب، وخانوا إخوانهم، وغشوا الأمة، نفوسهم خسيسة وهممهم دنيئة.

والرِّشْوَةُ عِبَادَ اللهِ: أَكْلٌ لِأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} النساء: [29] تَوَعَّدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يَسْتَحِلُّهَا، أَوْ يَتَعَامَل بِهَا بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَالْخِزْيِ الْعَظِيمِ، قَالَ سُبْحَانَهُ عَن الْيَهُودِ: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} المائدة: [41-42] قاَل الْمُفَسِّرُونَ: (سَمِعُوا كِذْبَةً وَأَكَلُوا رِشْوَةً) وقَالَ مَسْرُوق: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ عَنِ  السُّحْتِ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَطْلُبُ الْحَاجَةَ لِلرَّجُلِ فَيَقْضِيَهَا، فَيُهْدِي إِلَيْهِ فَيَقْبَلُهَا. وهَذَا فِيمَنْ تُهْدَى إِلَيْهِ دُونَ أَنْ يَطْلُبهَا، فَمَا بَالُكُمْ بِمَنْ يَطْلُبهَا؟ بَلْ، وَيَشْتَرِطهَا!

عباد الله:"  اعلموا أن جريمة الرشوة من أسوء الجرائم التي تضر المجتمع وتدمره؛ فالرشوة تفسد الأخلاق الكريمة، والمبادئ النبيلة في المجتمع التي حث عليها الإسلام، من المبادرة لنفع الناس وقضاء حوائجهم والرفق بهم، وتُسبب نشر الأخلاق السيئة، من تسيب العاملين وعدم مبالاتهم بحقوق المواطنين والمقيمين، وعدم الاحتساب بقضاء حوائجهم ونفعهم، وتقتل كل المعاني الوطنية.

والرشوة -كذلك- سبب في ضياع حقوق بعض الناس واستفادة آخرين على حسابهم؛ فينتشر الظلم ويغيب العدل الذي قامت به السماوات والأرض.

والرشوة سبب في توسيد الأمر إلى غير أهله، فيحرم أصحاب الكفاءات، والمؤهلات المتخصصة، والقدرات والخبرة من الوظائف والمراكز التي لا يسدُها سواهم، ويخص بها من ليسوا أهلًا لها إما لجاههم أو رشوتهم لصاحب القرار.

والرشوة سبب بانتشار الإحباط بين الناس، فإذا وُليَّ غيرُ الكفء وحرم الأكفاء، أورث ذلك إحباطًا للأكفاء، وإحساسًا بالغبن وتأثيرًا سلبيًا على نفسياتهم.

والرشوة إذا انتشرت في بلد دمرته وكانت سببًا لإرغام أصحاب الحقوق إلى اللجوء إلى الرشوة؛ لتحصيل حقوقهم.

والرشوة تكون سببًا في تعطيل النظام الحكومي وإحلال المحسوبية مكانه؛ فتختفي العدالة وتضيع الحقوق، وينتشر الظلم، وتصعب الحياة، ويداس الضعيف ويستأسد القادر وصاحب المال والجاه، ويضعف العلم، وكفى بهذا الضرر سببًا لتحريمها ولعن متعاطيها.

والرشوة سبب لنشر الحقد والفوضى والكراهية بين أبناء المجتمع، وهي -كذلك- خرمٌ في مروءة المرتشي والراشي، وخدشٌ في حيائهم وعيب في إنسانيتهم، ونقص في دينهم.

والرشوة ما خالطت قلبًا إلا أظلمته، ولا عملًا إلا أفسدته، ولا مجتمعًا إلا فرّقته، ولا كيانًا إلا قلَبته، ولا متعاطيًا لها إلا أورثته اللعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، فإذا كثر الملعونون في المجتمع نزعت البركة وحل البلاء فهل من مدكر؟.

والرشوة تقلب الباطل حقًا، والحق باطلًا، وتجعل الخيانة أمانة وتصوّر الظلم عدلاً؛ فيصول الباطل ويجول، وتتفشى الخيانة وتنتشر، ويظهر في الأرض الظلم ويكثر.

أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: والرِّشْوَةُ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، واللهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، وَدَاءٌ عضَالٌ ابْتُلِيَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَآَفَةٌ سَامَّةٌ دَبَّتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُؤَسَّسَاتِ، وَشَاعَتْ فِي عَدَدٍ مِنَ الْهَيْئَاتِ، اسْتَبَاحَهَا أَقْوَامٌ انْطَفَأَتْ جَذْوَة الْإِيمَانِ فِي صُدُورِهِمْ، وَطَالَ عَلَيْهِم الْأَمَدُ فَفَسَدَتْ قُلُوبُهُمْ، سَيْطَرَ الشَّيْطَانُ عَلَى عُقُولِهِمْ، وَامْتَلَأَتْ بِالْحَرَامِ أَفْوَاهَهُمْ، لَا يَرْجُونَ للهِ وَقَارًا وَلَا يَتَّخِذُونَ مِنْ عِبَادِهِ حُجُبًا وَلَا أَسْتَارًا، وَفِي الْحَدِيثِ: (لَعَنَ رسولُ اللهِ ﷺ الراشِيَ والمرْتَشِيَ) أخرجه الترمذي (1336) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٦٢٠) وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِم (وَالرَّائِش: يَعْنِي الّذي يَسْعَى بَيْنَهُمَا).

عِبَادَ اللهِ: جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأسْدِ على الصدقة، يُقَالُ له: ابنُ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ، وَهذا لِي، أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ رَسولُ اللهِ ﷺ علَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عليه، وَقالَ: (ما بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنكُم منها شيئًا إلَّا جَاءَ به يَومَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ) أخرجه مسلم (1832)

للرِّشْوَةِ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وأَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ، 

أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وللرِّشْوَةِ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وأَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَمُسَمَّيَاتٌ مُتَبَايِنَةٌ فمَرَّة هَدِيَّة، وتَارَة إِكْرَامِيَّة، وأَضْرَارُهَا لَا تَتَنَاهَى مِنْ طَمْسِ الْحَقِّ، أَو السُّكُوتِ عنِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِعْطَاءِ مَنْ لَا يَسْتَحِقّ، ومَنْعِ مَنْ يَسْتَحِقّ، أَوْ تَقْدِيم الْمُتَأَخِّر، وَتَأْخِير الْمُتَقَدِّم، والتَّجَاوُز عنِ الشُّرُوط، والْإِخْلَال بِالْمُوَاصَفَات والْعَبَث بِالْمُنَاقَصَات، فَتَعُمّ الْبَلْوَى، وَتَسُوء الْعَاقِبَة.

عِبَادَ اللهِ: والرِّشْوَة بِذْرَةٌ للشَّحْنَاءِ والضَّغِينَةِ، وَسَبِيلٌ لِهَدْمِ الْأُمَمِ، وَإِفْسَادِ الْحَضَارَاتِ، وَغِيَابِ الْكَفَاءَاتِ، فَهِيَ تُخْفِي الْحَقَائقَ، وَتَسْتُرُ الْقَبَائِحَ، وَتُزَيِّنُ الْبَاطِلَ، فَأَيُّ بَرَكَةٍ تُرْجَى مِنْ عَمَلٍ لَا يُنْجَزُ إِلَّا بِمَعْصِيَةٍ للهِ وَرَسُولِهِ؟ وَأَيُّ خَيْرٍ يُؤَمَّلُ مِنْ عَامِلٍ وَقَفَ سَدًّا مَنِيعًا فِي سَبِيلِ مَصَالِحِ النَّاسِ وَأُمُورِ مَعَاشِهِمْ؟ أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ

أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرِّجِيمِ: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} النمل: [35-36]. أقولُ قَوْلِي هَذا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

عباد الله ..

اعلموا أن العبث بالأموال العامة والتصرف بها دون وجه حق وسلبها وإعطاءها لمن لا يستحقها وحجبها عن من يستحقها عن طريق الرشوة من أعظم الموبقات وأشنعها , وهي أمانة في عنق كل من تحمّل الإشراف والمحافظة عليها قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " الأنفال 27 , ويقول حبيبكم عليه الصلاة والسلام محذراً كل من يتهاون في المال العام " إن أقواماً يتخوّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " رواه البخاري .

انظروا رحمكم الله إلى خليفة رسول الله أبي بكر الصديق رضي الله عنه يأتيه خادمه بشيء من الأكل، ثم يقول له: أتدري من أين هذا الأكل؟ اشتريته من مال حصلت عليه في الجاهلية كذبت على رجل وخدعته بأن فسرت له حادثة أو قضية كذباً وخديعة، فأعطاني هذا المال، فاشتريت منه هذا الذي أكلت، فأدخل أبو بكر أصبعه في فمه وقاء واسترجع كل شيء في بطنه، وقال:"لو لم تخرج هذه اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها"، وقال مخاطباً ربه: "اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء"( البخاري).

وتقول زوجة صالحة توصي زوجها :"يا هذا اتق الله في رزقنا فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار".

 وإن العجب كل العجب -أيها الإخوة- ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض، ولا يحتمي من الحرام مخافة النار

إن أكل الحرام يا عباد الله يعمي البصيرة، ويوهن الدين ويضعفهن ويقسي القلب، ويظلم الفكر، ويقعد الجوارح عن الطاعات، ويوقع في حبائل الدنيا وغوائلها، ويحجب الدعاء، ولا يتقبل الله إلا من المتقين.

عباد الله :"إن للمكاسب المحرمة آثاراً سيئة على الفرد والجماعة؛ فهي تنزع البركات، وتفشو العاهات، وتحل الكوارث، أزمات مالية مستحكمة، وبطالة متفشية، وتظالم وشحناء.

أيها المسلمون: ويل للذين يتغذون بالحرام، ويربون أولادهم وأهليهم على الحرام؛ إنهم كشارب ماء البحر كلما ازدادوا شراباً ازدادوا عطشاً، شاربون شرب الهيم، لا يقنعون بقليل، ولا يغنيهم كثير، يستمرؤون الحرام، ويسلكون المسالك المعوجة، رباً وقماراً، وغصباً وسرقةً، تطفيفاً في الكيل والوزن، كتماً للعيوب، سحراً وتنجيماً وشعوذةً، أكلاً لأموال اليتامى والقاصرين، أيماناً فاجرةً، لهواً ولعبا، مكراً وخديعةً، زوراً وخيانةً، مسالك معوجةً، وطرقاً مظلمةً، يقول صلي الله عليه وسلم :"يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم الحرام" (البخاري والنسائي),

 عباد الله:" ومن الأمور التي يقرِّرها العقل والدِّين، ويصدِّقها الواقع والحال، أنَّ النفوس إذا أُلْهِيتْ بالمحرَّمات، ابتعدتْ عن سبيل الله  تعالى  وطاعته ومَرضاته. فصدالشباب عن الزواج بارتكاب الفاحشة وصدوا عن الكسب الحلال من التجارة بالربا وصدوا عن التعليم بالجهل وصدوا عن الاحترام ومكارم الأخلاق بسوء الأدب وهكذا..

 صدوا وأعرضوا عن أحكام الشرع، واعتراض عليها، والتشكيك فيها، أو السعي لعلْمنتها، وتحريفها عن معانيها:"وَإِذَاقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا"(النساء/61).

واجب علي المسلم تحري الحلال

 إن حقاً على المسلم أن يتحرى الطيب من الكسب والنزيه من العمل ليأكل حلالاً، وينفق في حلال.

عباد الله :"  يجب على المسلم طلب الحلال وتحريه ، ولا سيما في مجال الكسب ، كي يسلم وينجو من عذاب الله تعالى ، قال تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ "(البقرة: 168) .

 إن حقاً على المسلم أن يتحرى الطيب من الكسب والنزيه من العمل ليأكل حلالاً، وينفق في حلال.

والحلال الطيب، مخلوق أصلاً للمؤمنين ، ويشاركهم فيه غيرهم على وجه التبعية في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة ، صار حقاً خالصاً للمؤمنين وحدهم ، بدليل قوله تعالى : " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(الأعراف: 32).

ومطلوب من المسلم أن يطرق السبيل المشروع لتحصيل الرزق الحلال، وهو آت له بعد بذل السبب لا محالة .قال تعالى :"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا "(هود: 6

ولحرص الإنسان وهلعه أقسم رب العالمين على ضمانه، فقال :" وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ " (الذاريات: 22-23) .وتقوى الله تعالى والخوف منه سبب لفتح باب الرزق الحلال من حيث لا يتوقع المرء .قال تعالى : " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏ "(الطلاق: 2-3)

وما عند الله تعالى من رزق حلال إنما يطلب بطاعة الله ؛ وهذا الذي يأخذ الرشوة أو يأكل الربا أو يظلم الناس ، إنما يطلب الكسب بمعصية الله ، ومن غير طرقه المشروعة ، ولا يدرك ما عند الله إلا بطاعته .

يقول صلى الله عليه وسلم قال :"إن روح القدس نفث في روعي إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته"(البزار).وفي الحديث :"الرزق أشد طلباً للعبد من أجله" ( صحيح) .عباد الله أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم..

 فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ: واعْلَمُوا أَنَّ بِلَادَنَا -حَفِظَهَا اللهُ- تَضْرِبُ بِيَدٍ مِنْ حَدِيدٍ عَلَى أَيْدِي الْعَابِثِينَ وَالْمُفْسِدِينَ، وَتَهْدِمُ بِمِعْوَلٍ صَلْبٍ آَمَالَ الرَّاشِينَ وَالْمُرْتَشِينَ، وَلَا تَتَهَاوَن فِي قَضَايَا الْفَسَاد الْمَالِيِّ وَالْإِدَارِيِّ، وَاسْتِغْلَالِ الْوَظِيفَةِ، والثَّرَاءِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ، وتَقْتَلِعُ بِقُوَّةٍ وَجَلَدٍ جُذُورَ الْفَسَادِ، بِوَاسِطَةِ رِجَالِ الرَّقَابَةِ، ومُكَافَحَةِ الْفَسَادِ، والتَّحَرِّيَّاتِ الْإِدَارِيَّةِ.

واعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ لَكُمْ دَوْرًا تِجَاهَ هَذَا الْوَطَن الَّذِي تَعِيشُونَ عَلَى ثَرَاهُ بِأَنْ تَكُونُوا صَمَّامَ أَمَانٍ فِي وَجْهِ الْعَابِثِينَ، وَعَيْن يَقِظَة عَلى الْمُرْتَشِينَ بِالْإِبْلَاغِ الْفَوْرِيِّ عَنْهُمْ عَلَى الرَّقْمِ الْمُخَصَّص لِتَلَقِّي الْبَلَاغَاتِ تسعمائة وثمانون (980) بِسِرِّيَّةٍ وَأَمَانٍ، فَبَادِرُوا -رَعَاكُمُ اللهُ-.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: اعْلَمُوا أنَّ هَذَا الْمَالَ حَلَالُهُ حِسَابٌ، وحَرَامُهُ عِقَابٌ، واحْذَرُوا الرشوة، فإنها أَكْلٌ لأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، قالَ ﷺ: (يَأْتي على النّاسِ زَمانٌ لا يُبالِي المَرْءُ ما أخَذَ منه؛ أمِنَ الحَلالِ أمْ مِنَ الحَرامِ) أخرجه البخاري (2059) واحْذَرُوا مَغَبَّةَ أَكْلِ الْحَرَامِ، قالَ ﷺ (يَا كَعْبُ بْنَ عُجرةَ إنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) أخرجه الترمذي (614).


اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، واغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، وَارْزُقْنَا حَلَالًا طَيِّبًا، وَقَنِّعْنَا بِمَا رَزَقْتَنَا، اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلَادَنَا الْفَسَادَ وَالْمُفْسِدِينَ، وَاجْعَلْهَا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِر بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

 

google-playkhamsatmostaqltradent