كن جميلًا ترَي الوجودَ جميلًا
كن جميلا تري الوجود جميلا
جمال المنطق والأدب والسلوك
الإسلام ربط بين جمال المظهر والجوهر
عباد الله :" الإسلام دين الفطرة، موافق للطبائع الإنسانية
والغرائز البشرية السوية، وإن
من الفطرة حب الجمال والتزين، والحرص على النظافة والتطهر، فالإنسان
جسمٌ وروحٌ؛ روحٌ تتذوَّق معاني الجمال.
الجمال_الحقيقي_يكمن في جمال الروح في جمال القلب في جمال الطبــــع في جمال المنطــــــــق في جمال الأخـــــــــــــلاق جمــــال الحوار والخلاف ..
البساطة ، العفوية ، التسامح ، اللين
في عـين ترى الجمــال ولا ترى القُبح
كن جميلاُ ترى الوجودجميلا
والله -سبحانه- جميلٌ يحب الجمال، له الجمال المُطلق، جمال الذات،
وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وامتنَّ بكل جميلٍ، وحثَّ على النظر في كل جميل.
أيها المسلمون -: غرس الإسلام حبَّ الجمال في النفس المؤمنة، وأمر
القرآن الكريم بالنظر والاعتبار والاستمتاع بمباهِج الزِّينة المبثوثةً في هذا
الكون الفسيح، في صُنع الله الذي أتقنَ كلَّ شيء، وفي خلقه الذي أحسنَ كلَّ شيءٍ
خلقَه:"مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ"(الملك: 3).
تأملوا في جمال خلق الإنسان الذي خلقَكم فأحسنَ صُورَكم، وجعلَكم في
أحسن تقويم.
تأملوا جمال السماء:"وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا
وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ"(الحجر: 16)، "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء
الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ"(الملك: 5).
وتأملوا جمال الأرض:"حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ"(يونس: 24)،
:"وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا
بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ"(النمل:60).
تأملوا وانظروا في جمال النبات والثمار:"انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ
إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ"(الأنعام: 99)، وهو يشملُ النَّظَرين: نظرَ الاعتبار
والاستِبصار، ونظرَ التمتُّع بالبهاء والجمال.
تأملوا جمال النخيل:"وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ
نَّضِيدٌ"(ق: 10).
بل تأملوا كيف جعلَ الله الزينةَ والجمالَ في الأنعام قرينةً
للمنافع، فقال عزَّ شأنُه: "وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ
وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ
وَحِينَ تَسْرَحُونَ"(النحل:6).
لقد جاء القرآن العظيم بالجمال، وحكَى الجمال، ودعا إلى الجمال،
وامتلأ بمعاني الجمال، كل ذلك لتمتلِئَ القلوبُ والنفوسُ والأعيُنُ والآذانُ بهجةً
وسرورًا في جمال الطبيعة، في سُهولِها ووِهادِها، وبِحارِها وأنهارها، وجبالِها
وصحرائِها، وحيواناتها وأطيارِها، وحدائقها وأزهارِها
إبداع في الجمال يخلب الألباب، جمال يدعو للتفكر والتأمُّل، ويفتح
أبوابَ التوحيد والإيمان واليقين ...
أيها المسلمون -: أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يكون على أجمل حال من الوضاءة والطهارة، فكان في أوائل ما تنزَّل عليه:"وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ"(المدثر: 4),
فامتثلَ لأمر ربِّه، فكان على أكمل الصفات خَلقًا
وخُلُقًا، واهتم بالجمال والزينة قولاً وفعلاً وتوجيهًا، يقول الحافظ ابن حجر:
"فهو أي المُصطفى -صلى الله عليه وسلم- كلُّ الكمال، وجُلُّ الجلال،
وجُنَّةُ الجمال -عليه أفضل الصلاة والسلام- وصف الصحابة -رضوان الله عليهم- جمال
النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان مما قالوه أنه: "كان يتلألأُ وجهُه تلألأَ
القمر ليلة البدر".
وكان يُكثِرُ دهن رأسه وتسريح لحيته، وكان لا يفارقه السواك، وقال
أنسٌ -رضي الله عنه- فيما رواه مسلم: "ما شممتُ عنبرًا قطُّ ولا مسكًا ولا
شيئًا أطيبَ من رِيح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا مسستُ شيئًا قطُّ
ديباجًا ولا حريرًا أليَنَ مسًّا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وكان يتأذَّى من إهمال حُسن المنظر والزِّينة؛ رأى رجلاً شعثًا قد تفرَّق شعرُه، فقال: "أما كان هذا يجِدُ ما يُسكِّنُ به شعرَه؟!"؛ ورأى أبا الأحوص الجُشميّ وعليه أطمارٌ (يعني: ثيابًا بالِية)، فقال: "هل لك مالٌ؟" قلت: نعم. قال: "من أي المال؟" قال: من كل ما آتى الله من الإبل والشاء، قال: "فلتُرَ نعمتُه وكرامتُه عليك" ( أحمد)،
وفي
الصحيح: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، وفي صحيح مسلم ومسند
أحمد واللفظ له عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: "لا يدخلُ النارَ من كان في قلبِه مثقالُ حبَّةٍ من إيمان، ولا
يدخلُ الجنةَ من كان في قلبِه ذرَّةٌ من كِبْر" فقال رجلٌ: يا رسول الله! إنه
يُعجِبُني أن يكون ثوبي غسيلاً، ورأسي دهينًا، وشِراكَ نعلي جديدًا" وذكرَ
أشياء حتى ذكرَ عُلاقة السوط "فمِن الكِبْر هذا يا رسول الله؟! قال:
"لا، ذاك الجمال، إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال، ولكن الكِبر من سفِهَ الحقَّ
وازدرَى الناس".
يقول ابن القيم: "إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال، يتناولُ هذا
جمالَ الثياب المسؤولَ عنه في الحديث، ويدخلُ فيه بطريق العُموم الجمالُ في كل
شيء".
بعض الجهال والأجلاف يظنون قصد الجمال نقصاً في الرجال، ويحسبون فوضى
اللباس وإهمال الهيئة والزينة من تمام التدين وكمال التعبّدِ، وهذا جهل وخروج عن
الجادة، ونقص في الفطرة وجمال الأدب.
يروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
أجد الثياب إذا اكتسيت فإنها
زين
الرجال بها تعز وتكرم
ودع التواضع في الثياب تحوبا
فالله
يعلم ما تجن وتكتم
فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة
عند الإله وأنت عبد مجرم
وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن
تخشى
الإله وتتقي ما يحرم
قال ابن رجب -رحمه الله-: "ولم يزل علماء السلف يلبسون الثياب
الحسنة، ولا يعدون ذلك كبراً".
وقال ابن حجر -رحمه الله-: "وَاَلَّذِي يَجْتَمِع مِنْ
الْأَدِلَّة أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِالْمَلْبُوسِ الْحَسَن إِظْهَار نِعْمَة اللَّه
عَلَيْهِ مُسْتَحْضِرًا لَهَا شَاكِرًا عَلَيْهَا غَيْر مُحْتَقِر لِمَنْ لَيْسَ
لَهُ مِثْله لَا يَضُرّهُ مَا لَبِسَ مِنْ الْمُبَاحَات، وَلَوْ كَانَ فِي غَايَة
النَّفَاسَة".
أيها المسلمون -: جاء الإسلام لينقذ شعوب الأرض من الوحشية الفاحشة
إلى الحضارة الراقية، جاء الإسلام ليعلم الناس الطهارة والنظافة، وحسن اللباس،
وجمال الستر، بالإيجاب تارة وبالاستحباب أخرى.
تعليمات الإسلام نماذج رائعة للطهر والجمال، فالطهور شطر الإيمان،
مشروع للصلوات الخمس لتنظف الباطن والظاهر: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار،
غمر على باب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات".
وغسل الجمعة واجب على كل محتلم، وأمة محمد -صلى الله وعليه وسلم-
تعرف يوم القيامة بين الأمم بغرتها وتحجيلها من آثار الوضوء.
والسواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ومن الفطرة قص الشارب والأظافر، ونتف
شعر الإبط، وحلق العانة، واجتناب الروائح الكريهة من الثوم والكراث والبصل،
والتنظف من بقايا الطعام وفضلاته في الأيدي والأفواه والأسنان مندوب إليه، شرب
النبي -صلى الله وعليه وسلم- لبناً ثم تمضمض وقال: "إن له دسماً".
أمر الإسلام بتطهير البيوت والمساجد، وتجميل الشوارع، ومجامع الناس:"وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ"(الحـج: 26).
"وإماطة الأذى عن الطريق صدقة".
هدف الإسلام من الجمال والطهارة: عافية الناس، وحمايتهم من الأمراض
والأوبئة.
والنظافة والطهارة سمة أهل الإسلام، و(اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ"(البقرة: 222).
بل لقد أمِرَ بنو آدَم باتِّخاذ زينَتِهم أمرًا مباشرًا، ولا سيّما
في مواطن العبادة: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً
يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"(الأعراف:
31 - 32).
أيها المسلمون -: الجمال في الإسلام لا يرتبِطُ بالمظاهر الحسِّيَّة
وحدَها، بل الجمال الحقيقي أن يُجمِّلُ العبدُ قلبَه بالإخلاص لله ومحبَّته
والتوكُّل عليه والإنابَة إليه.
كن جميلا تري الوجود جميلا
فإن الجمال والقبح من داخل
أعيننا فقط لأن الزمان والمكان لم ولن يتغير مهما فعلت بنا الأيام والسنين فان
الذي قد تغير هو الأنسان نفسه وأصبحت الحياه الماديه هي اسمي ما يتمني ونسي الحياة
الروحية من حب لله وحب للرسول صلى الله عليه وسلم
الجمال لا توصَف به الصور والأجسادُ فحسب، بل توصَف به الأخلاق
والمعاني، وفي القرآن الكريم الصبرِ الجميل، والصّفح الجميل، والهجرِ الجميل.
إن بين طهارة الظاهر وطهارة الباطن ارتباطاً وثيقاً وتلازماً بيّناً،
فالتقوى لباس يستر عورات القلوب ويزيّنها والثياب تستر عورات الجسم وتزيّنها:"يَا
بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا
وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ"(الأعراف: 26).
الجمال جمال الحديث والمنطق، فحديث المسلم طيب مبهج، ومنطقه عذب
مؤنس، الجمال نعمةٌ من نعم الله، لكنه لا يرى الجمالَ إلا الجميل.
فكُن جميلاً ترى الوجود كلَّه جميلاً ...
واعلم أنه لا معنى لجمال الصورة إذا لم يظهر ذلك على التصرفات
والأخلاق، فما فائدة الصورة الجميلة إذا حملتها نفس بغيضة، ولسان سليط، وخلق ذميم؟
وبعد -أيها المسلمون-: فالجمال جمال الروح حين يملأ المسلم قلبه
بالبهجة والسرور، وتعلو محياه وقسَماتُ وجهه ابتسامات الرضا والطهر والصفاء.
إنها انعِكاساتٌ لدواخِله، هدوء في نفسه، ونظام في عقله، وتفكير
وإبداع، وعمل وإنتاج، والذي لا يُغيِّر ما بنفسِه لا يُغيِّرُ ما حولَه.
قصة وعبرة
جَلسَ الزَّوجُ أمامَ مكتبِه وأَمسكَ بقلمِه، وكَتبَ: "في
السَّنةِ الماضيةِ، أَجريتُ عمليةَ إزالةِ المَرارةِ، ولازمتُ الفِراشَ عِدةَ شُهورٍ،
وبَلغتُ السِّتينَ من العُمرِ؛ فتَركتُ وَظيفتي المُهمةَ في دَارِ النَّشرِ التي
ظَللتُ أَعملُ بها ثلاثينَ عاماً، وتُوفيَ وَالدي، ورَسبَ ابني في بَكالوريوسِ
كليةِ الطَّبِ لتَعطُّلِه عن الدِّراسةِ عِدةَ شُهورٍ بسببِ إصابتِه في حادثِ
سَيارةٍ"، وفي نهايةِ الصَّفحةِ كَتبَ: "يا لها من سَنةٍ سَيئةٍ
للغايةِ"
وَدخلتْ زوجتُه غُرفةَ مكتبِه، ولاحظتْ شُرودَه، اقتربتْ منه، ومِن
فَوقِ كَتفِه قَرأتْ ما كَتبَ، فتَركتْ الغُرفةَ بهدوءٍ من دُونِ أن تَقولَ
شَيئاً، لكنَّها بعدَ عِدةِ دَقائقٍ عَادتْ، وقد أَمسكتْ بيدِها ورقةً أُخرى،
وَضعتها بهدوءٍ بجوارِ الوَرقةِ التي سَبقَ أن كَتبَها زَوجُها، فتَناولَ الزَّوجُ
ورقةَ زوجتِه، وقَرأَ فيها:
"في السَّنةِ الماضيةِ، شُفيتَ من آلامِ المرارةِ التي
عَذَّبتكَ سَنواتٍ طويلةٍ، وبَلغتَ السِّتينَ وأَنتَ في تَمامِ الصِّحةِ،
وستَتفرغُ للكتابةِ والتَّأليفِ بعد أن تَمَّ التَّعاقدُ معك على نَشرِ أَكثرِ من
كِتابٍ مُهمٍّ، وعَاشَ والدَكَ حَتى بَلغَ الخَامسةَ والتِّسعينَ من غَيرِ أن
يُسبِّبَ لأحدٍ أيَّ متاعبٍ، وتُوفيَّ في هُدوءٍ من غيرِ أن يَتألمَ، ونَجا ابنُك
من الموتِ في حَادثِ السَّيارةِ وشُفيَّ بغيرِ أَيَّةِ عَاهاتٍ أو
مُضاعفاتٍ"، وخَتمتَ الزَّوجةُ عِبارتَها قَائلةً: "يا لها مِن سَنةٍ
أَكرمنَا اللهُ بها وقد انتهتْ بكُلِّ خَيرٍ".
هل لاحظتُم؟، الأحداثُ هي الأحداثُ لكن بنَظرةٍ مُختلفةٍ، وقديماً
قالوا: "لا تَنظرْ للنِّصفِ الفارغِ من الكأسِ، ولكنْ يَجبُ أن تَنظرَ الى
النِّصفِ المُمتلئِ".
لكلِّ حدثٍ من الأحداثِ، ولكلِّ قَدرٍ من الأقدارِ، جانبٌ جميلٌ
وجانبٌ قبيحٌ، فيعيشُ الإنسانُ ذلكَ الزَّمانَ بحسبِ رؤيتِه لذلكَ الحالِ، فمنهم
شقيٌّ وسعيدٌ، فإذا أردنا السَّعادةَ، فلنبحثْ عن جانبِ الجمالِ، ولنقضي أيامَنا
بينَ الرَّجاءِ والآمالِ، فانظرْ وأنتَ في ظلامِ اللَّيلِ المُخيفِ، إلى ما فيه من
الرَّاحةِ والهدوءِ اللَّطيفِ، وانظرْ وأنتَ في حرِّ الشَّمسِ الشَّديدِ، إلى ما
فيها من النُّورِ والنَّشاطِ ومصلحةِ العبيدِ.
أليسَ في المرضِ تضرعٌ ودعاءٌ، أليسَ فيه صبرٌ وعظيمُ الجَزاءِ،
أليسَ في الفقرِ تواضعٌ وخضوعٌ، أليسَ فيه تذلُّلٌ وخُشوعٌ، حتى الموتُ لا يخلو من
جانبِ الجمالِ، للمؤمنِ المُقبلِ على الرَّحمةِ والإفضالِ، فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ
-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ
مِنْهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ
مِنْهُ؟، قَالَ: "الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا
وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ
الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ".
وكما قالَ القائلُ:
جَزَى اللَّهُ عَنّا المَوْتَ خَيراً فإِنَّهُ
أبرُّ
بِنا من كلِّ شَيءٍ وأرأفُ
يُعَجِّلُ تَخْلِيصَ النُّفُوسِ مِنَ الأذى
وَيُدْنِي مِنَ
الدَّارِ التي هِيَ أَشرفُ
يُهزمُ المؤمنونَ في غزوةِ أُحدٍ ويَنتصرُ الأعداءُ، ويُقتلُ منهم
سبعونَ من خيرةِ الشُّهداءِ، فتنزلُ الآياتُ من العزيزِ الرَّحمانِ، لِتُظهرَ
صورةَ الجمالِ لأهلِ الإيمانِ، :"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ
قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ
اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ
الْكَافِرِينَ"(آل عمران:139-141).
أُلقيَ إبراهيمُ -عليه السَّلامُ- وهو فتىً في نارِ المُشركينَ، ثُمَّ أصبحَ خليلَ الرَّحمنِ وأبو الأنبياءِ والمُرسلينَ، وأُلقيَ يوسفُ في الجُبِّ وهو صغيرٌ، ثُمَّ أصبحَ عزيزَ مصرَ الذي له القدرُ الكبيرُ، وألقيَ موسى في اليَمِّ وهو رضيعٌ، ثُمَّ أصبحَ كليمَ اللهِ الذي له الجاهُ الرَّفيعُ، وأُلقي يونسُ في البحرِ والتقمَهُ النُّونِ، ثُمَّ آمنَ على يديهِ مائةُ ألفٍ أو يزيدونَ، بل قد طُعنُ حبيبنا محمداً في عِرضِ أطهرِ البَشرِ شهراً كاملاً، فأتاهُ الوحيُ بقولِه: "لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ"(النور:11)، لا إلهَ إلا اللهُ، حتى في أحلكِ الأوقاتِ، خيرٌ وجمالٌ وبَركاتٌ.
دماءُ الفَألِ تَسري في فُؤادي
كرفرفةِ
السُّرورِ على الخُدودِ
وقد سكنَ الحُبورُ قَرارَ نَفسي
كما لثمَ
الجمالُ فَمَ الوُجودِ
أيُّها الحبيبُ -: انظرْ دائماً إلى الجانبِ الجميلِ في من حولَك من
النَّاسِ، ستجدُ أنَّ معادنَهم كريمةً كالذَّهبَ والألماسَ، قالَ -عليه الصَّلاةُ
والسَّلامُ-: "لَا يَفْرَكْ -أَيْ: لا يُبغِضْ- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ
كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"، فأرشدَنا إلى أن ننظرَ إلى
الجانبِ الجميلِ، لحياةٍ مِلؤها الودُّ والاحترامُ والتَّبجيلُ.
والآن، أخبروني عن نظرةِ التَّعاسةِ والألمِ، هل ستغيِّرُ في الكونِ
شيئاً؟، هل ستبدِّلُ في الواقعِ شيئاً؟، هل ستجلبُ السَّعادةَ والفرحَ؟، هل ستزيحُ
الحُزنَ والتَّرحَ؟، أم أنَّها ستجلبُ الأمراضَ والقلقَ، وستنقضي الأيامُ بينَ
الهمِّ والأرقِ، فما هو الحلُ؟، اعلمْ أنَّه ليسَ بينكَ وبينَ السَّعادةِ إلا أن
تُديرَ عينَكَ لترى الجانبَ الجميلَ من الواقعِ:
أَيُّهَا الشاكي وَما بِكَ داءٌ
كَيفَ
تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلا
وَتَرى الشَوكَ في الوُرودِ وَتَعمى
أَن
تَرى فَوقَها النَّدى إِكليلا
هُوَ عِبءٌ عَلى الحَياةِ ثَقيلٌ *** مَن يَظُنُّ الحَياةَ عِبءً
ثَقيلا
وَإِذا ما أَظَلَّ رَأسَكَ هَمٌّ *** قَصِّرِ البَحثَ فيهِ كَي لا
يَطولا
أَنتَ لِلأَرضِ أَوَّلاً وَأَخيراً *** كُنتَ مَلِكاً أَو كُنتَ
عَبداً ذَليلا
لا خُلودٌ تَحتَ السَماءِ لِحَيٍّ *** فَلِماذا تُراوِدُ المُستَحيلا
وَتَوَقَّع إِذا السَماءُ اِكفَهَرَّت *** مَطَراً في السُهولِ يُحيِ
السُهولا