كُن جَميلاً تَرَ الوُجودَ جَميلا ً
حديث القرأن والسنة عن الجمال
ما معنى "كن جميلا ترى الوجود جميلا؟
نماذج تطبيقية من صور الجمال في الإسلام
جمال المعاملة والاحسان للجيران
حديث القرأن عن الجمال
١- قال تعالى:"فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ"(الحجر: 85). أي العفو بلا منّة ولا أذى، عفو يليق بالمؤمن الذي يبتغي وجه الله.
٢- وقال سبحانه:"وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا"(المزمل: 10)، أي هجر بلا قسوة ولا أذى، بل هجر يترك المجال للرحمة والدعوة، فلا يحمل حقداً ولا انتقاماً.
٣- وقال جل وعلا:"فَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا"(الأحزاب: 49)،
أي إذا وقع الفراق، فليكن بإحسان وكرامة، لا بظلم ولا إساءة، بل بخلق كريم يرضي الله.
٤- وقال تعالى في وصف الصبر:"فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا"(المعارج: 5).
أي صبر بلا شكوى ولا جزع، صبر يزينه الرضا والتسليم لله.
حديث السنة المطهرة عن الجمال
أيها الأحبة.. لقد أكّد النبي ﷺ أن الجمال ليس مجرد صورة أو مظهر، بل هو قيمة إيمانية وخلق نبوي ينعكس في حياة المسلم كلها، ومن الأحاديث التي ترسّخ هذا المعنى:
١- قال النبي ﷺ:"إن الله جميل يحب الجمال"(مسلم)، هذا الحديث أصل في أن الجمال محبوب عند الله، سواء في المظهر أو في الباطن، في القول والعمل، في العقيدة والعبادة، وفي الأخلاق والمعاملة.
٢- وقال ﷺ:"إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا"( مسلم)، فالطيب والجمال متلازمان؛ فالله لا يقبل إلا ما كان طيباً في النية، جميلاً في العمل، خالصاً له سبحانه.
٣- وقال ﷺ:"أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"(مسلم)، هذه الكلمات الجميلة هي زينة اللسان، وهي أحبّ ما يُرفع إلى الله.
٤- وقال ﷺ: «الكلمة الطيبة صدقة» [رواه البخاري ومسلم]، فالجمال يظهر في القول، حتى في أبسط الكلمات التي تدخل السرور على قلب مسلم.
٥- وقال ﷺ: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» [رواه البخاري ومسلم]، والرفق صورة من صور الجمال في التعامل، فهو يزين المواقف ويجعلها أقرب إلى الرحمة والقبول.
كل شيء يُصبح جميلاً عندما نريد أن نراهُ جميلاً ،
ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم ما فتح القلوبَ بالحججِ وحدها، بل فتحها بالابتسامةِ، وبالرفقِ، وبالسترِ، وبالعطفِ، وبالعفوِ عند المقدرةِ.
وقال سبحانه: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10]، الكلمة الطيبة ترتفع إلى الله، والعمل الصالح يرفعها ويثبتها.
وقال النبي ﷺ: «الكلمة الطيبة صدقة"( البخاري ومسلم).
روي في جمال القول والعمل: أن بنت عبد الله بن مطيع قالت لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وكان من أكرم قريش في زمانه: ما رأيتُ قوماً ألأم من إخوانك؛ إن أيسرتَ لزموك، وإن أعسرتَ تركوك، فأجابها طلحة بكلمةٍ ملؤها حسن الظن وجمال الرد: مه، لا تقولي ذلك، فإنما هو من كرمهم؛ يأتوننا حين تكون لنا قوة فنحملهم، ويتركوننا حين نضعف فلا يثقلون علينا.
جمالُ الأخلاقِ يفتحُ ما لا تفتحُهُ الحُجَجُ، ويبلغُ القلوبَ التي لا يبلغُها آلافُ الكلماتِ.
إن الدنيا قصيرةٌ يا كرام وما أسرعَ أيامَها إذا مضت، وما أقلَّ ما يبقى للعبدِ بعد رحيلِه إلا أثرٌ جميلٌ، وكلمةٌ صادقةٌ، ووجهٌ بشوشٌ، ودمعةُ حنانٍ تركَها في قلبِ مكلومٍ، أو عفوٌ صادقٌ صانَ به كرامةَ إنسانٍ، أو بسمةٌ أحيا بها نفسًا أرهقها الألمُ.
وقد قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم:"اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ"( الترمذي وأحمد).
جمال التعامل مع الأبناء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل رسول الله ﷺ الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ منهم أحدًا، فقال رسول الله ﷺ: "من لا يَرحم لا يُرحم."( البخاري).
جمال التعامل والمزاح مع الزوجة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله، ادعُ الله لي، فقال ﷺ: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدّم من ذنبها وما تأخّر، وما أسرّت وما أعلنت.
فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من شدّة الفرح، فقال لها النبي ﷺ: أيسرّك دعائي لك يا عائشة؟ قالت: وما لي لا يسرّني دعاؤك؟ فقال ﷺ: هو دعائي لأمّتي في كل صلاة."
جمال إدارة الخلاف الزوجي:- ما ورد في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: جاء أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله ﷺ، فسمع صوت عائشة رضي الله عنها وهي ترفع صوتها على النبي ﷺ، فأذن له فدخل، فقال: يا ابنة أم رومان، أترفعين صوتك على رسول الله ﷺ؟! ثم تناولها ليضربها، فحال النبي ﷺ بينه وبينها. فلما خرج أبو بكر، جعل النبي ﷺ يقول لها يترضّاها: «ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك؟"().
ثم رجع أبو بكر فوجد النبي ﷺ وعائشة يضحكان، فقال: «أشركاني في سلامكما كما أشركتماني في خلافكما"(أبو داود)
٢- جمال الخلاف بين الزوجين يظهر في أرقى صوره في قصة العاص بن الربيع وزوجته زينب بنت رسول الله ﷺ.
لما نزلت آية التفريق بين المسلمة والمشرك، كان العاص بن الربيع ـ زوج زينب بنت النبي ﷺ ـ لا يزال على شركه، بينما أسلمت زينب رضي الله عنها. فاقتضى الشرع أن تفارق زوجها.
ومع أن الموقف شديد على النفس، لم يكن الخلاف سببًا في قسوة أو إساءة، بل تجلّى فيه حسن العشرة والوفاء: فقد أرسل العاص أخاه كنانة بن الربيع ليُوصل زينب إلى المدينة المنورة، حمايةً لها وصونًا لكرامتها، رغم أن الفراق كان بأمر الدين.
كن جميلًا في هيئتك؛ فكن حريصًا على ظهورك بأليق صورة(بما يناسب إمكاناتك).. جميلاً في مظهرك: ومنه نظافة البدن، والملبس، والمسكن، والطرقات، وغير ذلك، فقد قال تعالى:"يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"(الأعراف: 31)، وقال سبحانه:"وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ"(المدثر:4)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (رضي الله عنه) عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ".
كن جميلًا في نظراتك؛ فلا تنظر لعوارات غيرك، ولا إلى الخلق بعين احتقار، ولا إلى الدنيا بعين التعظيم والإكبار..
كن جميلًا في تبريراتك لتصرفات العباد؛ فأحسن الظن في الجميع واجعل مخرجًا وعذرًا للجميع..فالتماس الأعذار: من أخلاق المؤمنين أن يلتمسوا لأخوانهم الأعذار. يقول سعيد بن المسيب: "ضع أمر أخيك على أحسنه، ما لم يأتك ما يغلبك" .
ويقول جعفر بن محمد: "إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا" .
فكن جميلًا في تلقي الصدمات والمشكلات؛ فاصبر على قدر الله صبرًا جميلًا وارض بقضائه مع تسليم تام..كن جميلًا في التعامل مع أذى الناس لك؛ فاصفح الصفح الجميل..ولقد حَثَّ القرآن الكريم على تعَهُّد النفس بالتربية الخُلقية، وأخذها بالرياضة والدربة، للرقي بها عبر مدارج الخُلُق الكريم، إلى منزلة الجمال. ومما نَصَّ عليه من ذلك: الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل، والتسريح الجميل.
كن جميلًا في أفعالك؛ فلا تفعل إلا اللائق من الأفعال..:
أيها الناس، من زرع الجمالَ في حياتِه حصد ثمراتٍ لا تعدُّ: يُحبُّه الناسُ، ويستريحون لمجالستِه، ويثقون في كلامِه، ويأنسون بقربِه، ويشعرون بدفءِ وجودِه.وإذا رحل… بقي أثرُهُ الجميلُ يملأُ ذكرى الناسِ وقلوبَهم، ويُصبح ذكرُهُ صدقةً جاريةً تمتدُّ ما امتدت الأيام.
كن جميلاً الباطن:"فلايحمل قلبك إلاالمحبة والرجاء والخوف والتوكل، فجمال القلوب طهارتها من الأمراض والأسقام؛ كالحقد والحسد والبغض، وغير ذلك، قال صلى الله عليه وسلمَ : "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"(البخاري)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ"، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ، قَالَ:"هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ"(ابن ماجه).
كن جميل العقل: ذلك الجمال الذي لا يُرى بالعين، لكنه يرى في سلوك الإنسان وفكره وقراراته وأقواله وأفعاله، فيظهر في رجاحة الفكر، واستقامة الرأي، وحسن التدبير، وقد حدثنا سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عن أثر العقل وفضله على الأعمال فقال: "لَقَدْ سَبَقَ إِلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ أَقْوَامٌ مَا كَانُوا بِأَكْثَرِ النَّاسِ صَلَاةً وَلَا صِيَامَا وَلَا حَجَّا وَلَا اعْتِمَارَا، وَلَكِنَّهُمْ عَقَلُوا عَنِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) مَوَاعِظَهُ، فَوَجِلَتْ مِنْهُ قُلُوبُهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ نفُوسُهم، وَخَشِعَتْ له ْجَوَارِحُهم"
ولله در من قال:
وَأَفضَلُ قَسْمِ الله لِلمَرءِ عَقلُهُ
فَلَيسَ مِن الخَيراتِ شِيءٌ يُقارِبُه
وإن من جمال العقل أن يبتعد المرء عن الحرام والآثام ؛ فإن الحرام والآثام والمعاصي والذنوب تُفقِد المرء جماله وزينته وحُسنه، بينما في الحلال والحسنات الجمال والحسن والسعادة والسكينة، وقد قال تعالى:"فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ"( طه: 123- 124).
جمال المعاملة: بالاحترام ومنه احترام الجوار؛ فذلك من القيم النبيلة الراقية، والأخلاق الكريمة الطيبة التي دعا إليها الإسلام وحث عليها، فالاحترام صفة أخلاقية حميدة وقيمة إنسانية نبيلة، وهو أساس التواصل والتعامل بين الناس، كما أنه دليل على الرقي والتحضر، يتصف به كبار الهمم، وعالي القمم، فالمرء لن يسع الناس بماله وأملاكه، وإنما يسعهم باحترامه لهم وأخلاقه، إذ يرفع مقامه بينهم ويعلي شأنه ويحبونه ويوقرونه لاحترامه لهم.
جمال الأخلاق: ذلك الجمال الذي يظهر في أفعال المرء وتصرفاته، وفي تعامله مع الناس، وفي التزامه بالصدق والوفاء، والرحمة واللطف، وحسن الأدب مع الكبير والصغير، مع القريب والبعيد، فالأخلاق الحسنة ليست مجرد شعار يٌرفع وإنما هي انعكاس حقيقي لصفاء القلب وسمو النفس، وجمال الروح، فانظر ترى أمر الحق (سبحانه وتعالى) بالصبر الجميل، حيث قال: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) (المعارج: 5)، وأمره بالصفح الجميل، حيث قال: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر: 85)، حتى في الهجر ذكر فيه الجمال، فقال: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (المزمل: 10)، مما يدعونا إلى تحقيق الجمال في كل قول وعمل، وقد بيّن لنا حضرة النبي (صَلى الله عليه وسلم) مكانة الأخلاق الطيبة وفضلها، فقال: "إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا" (الترمذي).
ولا شك أن جمال القلب، والأخلاق، واللسان يظهر عند الاختلاف، فقد قال يحيى بن معاذ (رحمه الله): "القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك بما في قلبه، حلو وحامض، وعذب وأجاج"، إذ اقتضت حكمة الله (سبحانه وتعالى) أن يخلق الناس مختلفين في الأشكال والألوان والألسنة، مختلفين في الطبائع والأفكار والفهم والمعرفة والبيان والاستدلال على حسب زوايا الرؤية ووجهات النظر، ولا شك أن هذا الاختلاف يترتب عليه لا محالة اختلافا في الحكم علي الأشياء والمواقف، لكن الشرع الحكيم جاء بضوابط وقواعد تضبط أمر هذا الاختلاف، فلا يتحول إلى تنازع، ولا يتبدل إلى عداوة، بل يكون وسيلة للتعاون والتماسك والترابط والنجاح.
جمال الأنعام
قال تعالي:" وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ
وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا
جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ "(النحل/6).
"وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ"
أي: في وقت راحتها وسكونها ووقت حركتها وسرحها، وذلك أن جمالها لا يعود إليها منه
شيء فإنكم أنتم الذين تتجملون بها، كما تتجملون بثيابكم وأولادكم وأموالكم،
وتعجبون بذلك
هذا من أعجب ما يكون؛ ربط الجمال في الأنعام بالرواح والسراح
فإذاتأملنا الآية :":لوجدنا إنه لولا السعي بالرواح وحين السراح، ما رأى الناس ذلك المنظر الجميل في الأنعام؛ فالجمال الذي امتلأت به أعينهم لم يكن هبة مجردة، بل كان ثمرة سعي جميل سبقه فكأن الآية تخبرنا أن جمال المشهد نتيجة لجمال العمل، وأن السعي إذا كان حسنا أورث صاحبه حسنا في كل ما يراه ويبلغه.فجمال سعيهم وجمال كسبهم هو منبع جمال منظر الأنعام في الحالين، فإن أردت جمالا فابدأ بجمالك أنت، واجعل سعيك جميلا، وكسبك جميلا، وفعلك جميلا، وقولك جميلا.
ليس الجمال بأثواب تزيننا
إن الجمال جمال العلم والأدب
فكن جميلا فى صفاتك،جميلا فى أقوالك ،جميلا فى أفعالك.
واصنع جميلا ولو فى غير موضعه
فلن يضيع جميل أين ما صنعا
إن الجميل وإن طال المقام به
فليس يحصده إلا الذى زرع
الخطبة الثانية
الجمال في الجيرة:
عباد الله :" من أعظم صور الجمال التي دعا إليها الإسلام جمال التعامل مع الجيران، فقد جعل النبي ﷺ حسن الجوار من كمال الإيمان، وربط بينه وبين محبة الله ورسوله.
قرن القرآن عبادة الله بحق الجار:
قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ"(النساء: 36)، الآية الكريمة تضع حق الجار في سياق عظيم مع حقوق الوالدين والأقارب، مما يدل على مكانة الجيرة في الإسلام.
حق الجيرة وصية النبي:
قال النبي ﷺ:"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"(البخاري ومسلم).
وقال ﷺ:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"(البخاري ومسلم).
وقال ﷺ:"خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره"(الترمذي).
روى عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك باباً».
حق الجيرة سبب في دخول الجنة أو النار:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، إن فلانة تُكثر من صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله ﷺ: «هي في النار"( أحمد والنسائي بسند صحيح ).
وقيل: إن فلانة تُصلي المكتوبات وتُتصدق بأثوار من الأقط (أي قطع من اللبن المجفف)، ولا تؤذي أحداً. فقال رسول الله ﷺ: «هي في الجنة».
حسن الجيرة درجة من درجات الإحسان:
ربط النبي ﷺ بين حسن الجوار وكمال الإيمان، قال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ متى أكونُ مُحسِنًا ؟ قال:" إذا قال جيرانُك: أنتَ مُحسِنٌ فأنتَ مُحسِنٌ وإذا قالوا: إنَّك مُسيءٌ فأنتَ مُسيءٌ "
جمال الجيرة من حياة الصحابة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "إنّي لأُهدي إلى جاري اليهودي"(البخاري) . وكان يُكثر من إرسال الهدايا لجاره اليهودي، فقيل له في ذلك، فقال: «إن رسول الله ﷺ كان يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
جمال الجيرة:
كان لأبي حنيفة جار إسكافي يعمل نهاره، فإذا رجع إلى بيته ليلاً تعشّى ثم شرب الخمر، فإذا دبّ الشراب فيه أخذ يغني ويكرر البيت المشهور:
«أضاعوني وأي فتى أضاعوا … ليوم كريهة وسداد ثغر».
- وكان أبو حنيفة يسمع صوته كل ليلة، ويصبر على أذاه، ويواصل قيام الليل.
- وفي ليلة فقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه فقيل: إن العسس (شرطة الليل) أخذوه وأودعوه السجن.
- فلما صلى أبو حنيفة الفجر، ركب بغلته وذهب إلى دار الأمير، فاستأذن عليه، فأكرمه الأمير وأجلسه بجانبه، وقال: ما حاجتك يا أبا حنيفة؟
- قال: "لي جار أضاعوه، فأطلقوه، فأمر الأمير بإطلاقه، بل وأطلق كل من أُخذ في تلك الليلة إكرامًا لأبي حنيفة.
- فلما خرج أبو حنيفة مع جاره، قال له: "يا فتى، أضاعوك؟ ها أنا قد استنقذت