recent
أخبار عاجلة

كن جميلاً تري الوجود جميلا والاحسان إلي الجار الشيخ عبد الناصربليج

كن جميلاً تري الوجود جميلاً والإحسان إلي الجار 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين  أما بعد فياجماعة الإسلام

حديثنا إليكم اليوم عن الجمال :" كن جميلاً تري الوجود جميلاً  

عباد الله :" الإسلام دين الفطرة، موافق للطبائع الإنسانية والغرائز البشرية السوية، وإن

من الفطرة حب الجمال والتزين، والحرص على النظافة والتطهر، فالإنسان جسمٌ وروحٌ؛ روحٌ تتذوَّق معاني الجمال.

 الجمال_الحقيقي_يكمن في  جمال الروح  في جمال القلب في جمال الطبــــع في جمال المنطــــــــق في جمال الأخـــــــــــــلاق  جمــــال الحوار والخلاف .. 

البساطة ، العفوية ، التسامح ، اللين  

في عـين ترى الجمــال ولا ترى القُبح  

حديث القرأن عن الجمال 

١- قال تعالى:"فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ"(الحجر: 85). أي العفو بلا منّة ولا أذى، عفو يليق بالمؤمن الذي يبتغي وجه الله. 

٢- وقال سبحانه:"وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا"(المزمل: 10)، أي هجر بلا قسوة ولا أذى، بل هجر يترك المجال للرحمة والدعوة، فلا يحمل حقداً ولا انتقاماً. 

٣- وقال جل وعلا:"فَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا"(الأحزاب: 49)، 

أي إذا وقع الفراق، فليكن بإحسان وكرامة، لا بظلم ولا إساءة، بل بخلق كريم يرضي الله. 

٤- وقال تعالى في وصف الصبر:"فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا"(المعارج: 5).

 أي صبر بلا شكوى ولا جزع، صبر يزينه الرضا والتسليم لله. 

تأملوا في جمال خلق الإنسان الذي خلقَكم فأحسنَ صُورَكم، وجعلَكم في أحسن تقويم.

تأملوا جمال السماء:"وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ"(الحجر: 16)، "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ"(الملك: 5).

وتأملوا جمال الأرض:"حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ"(يونس: 24)، 

:"وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ"(النمل:60).

تأملوا وانظروا في جمال النبات والثمار:"انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ"(الأنعام: 99)، وهو يشملُ النَّظَرين: نظرَ الاعتبار والاستِبصار، ونظرَ التمتُّع بالبهاء والجمال.

تأملوا جمال النخيل:"وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ"(ق: 10).

بل تأملوا كيف جعلَ الله الزينةَ والجمالَ في الأنعام قرينةً للمنافع، فقال عزَّ شأنُه: "وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ   وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ"(النحل:6).

لقد جاء القرآن العظيم بالجمال، وحكَى الجمال، ودعا إلى الجمال، وامتلأ بمعاني الجمال، كل ذلك لتمتلِئَ القلوبُ والنفوسُ والأعيُنُ والآذانُ بهجةً وسرورًا في جمال الطبيعة، في سُهولِها ووِهادِها، وبِحارِها وأنهارها، وجبالِها وصحرائِها، وحيواناتها وأطيارِها، وحدائقها وأزهارِها

إبداع في الجمال يخلب الألباب، جمال يدعو للتفكر والتأمُّل، ويفتح أبوابَ التوحيد والإيمان واليقين ...

 حديث السنة المطهرة عن الجمال  

أيها الأحبة.. لقد أكّد النبي ﷺ أن الجمال ليس مجرد صورة أو مظهر، بل هو قيمة إيمانية وخلق نبوي ينعكس في حياة المسلم كلها، ومن الأحاديث التي ترسّخ هذا المعنى: 

١- قال النبي ﷺ:"إن الله جميل يحب الجمال"(مسلم)، هذا الحديث أصل في أن الجمال محبوب عند الله، سواء في المظهر أو في الباطن، في القول والعمل، في العقيدة والعبادة، وفي الأخلاق والمعاملة. 

٢- وقال ﷺ:"إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا"( مسلم)، فالطيب والجمال متلازمان؛ فالله لا يقبل إلا ما كان طيباً في النية، جميلاً في العمل، خالصاً له سبحانه. 

٣- وقال ﷺ:"أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"(مسلم)، هذه الكلمات الجميلة هي زينة اللسان، وهي أحبّ ما يُرفع إلى الله. 

٤- وقال ﷺ: «الكلمة الطيبة صدقة» [رواه البخاري ومسلم]، فالجمال يظهر في القول، حتى في أبسط الكلمات التي تدخل السرور على قلب مسلم. 

٥- وقال ﷺ: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» [رواه البخاري ومسلم]، والرفق صورة من صور الجمال في التعامل، فهو يزين المواقف ويجعلها أقرب إلى الرحمة والقبول.  

أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يكون على أجمل حال من الوضاءة والطهارة، فكان في أوائل ما تنزَّل عليه:"وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ"(المدثر: 4),

 فامتثلَ لأمر ربِّه، فكان على أكمل الصفات خَلقًا وخُلُقًا، واهتم بالجمال والزينة قولاً وفعلاً وتوجيهًا، يقول الحافظ ابن حجر: "فهو  أي المُصطفى -صلى الله عليه وسلم-  كلُّ الكمال، وجُلُّ الجلال، وجُنَّةُ الجمال -عليه أفضل الصلاة والسلام- وصف الصحابة -رضوان الله عليهم- جمال النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان مما قالوه أنه: "كان يتلألأُ وجهُه تلألأَ القمر ليلة البدر".

وكان يُكثِرُ دهن رأسه وتسريح لحيته، وكان لا يفارقه السواك، وقال أنسٌ -رضي الله عنه- فيما رواه مسلم: "ما شممتُ عنبرًا قطُّ ولا مسكًا ولا شيئًا أطيبَ من رِيح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا مسستُ شيئًا قطُّ ديباجًا ولا حريرًا أليَنَ مسًّا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

وكان يتأذَّى من إهمال حُسن المنظر والزِّينة؛ رأى رجلاً شعثًا قد تفرَّق شعرُه، فقال: "أما كان هذا يجِدُ ما يُسكِّنُ به شعرَه؟!"؛ ورأى أبا الأحوص الجُشميّ وعليه أطمارٌ (يعني: ثيابًا بالِية)، فقال: "هل لك مالٌ؟" قلت: نعم. قال: "من أي المال؟" قال: من كل ما آتى الله من الإبل والشاء، قال: "فلتُرَ نعمتُه وكرامتُه عليك" (  أحمد)،

وفي الصحيح: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، وفي صحيح مسلم ومسند أحمد واللفظ له عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخلُ النارَ من كان في قلبِه مثقالُ حبَّةٍ من إيمان، ولا يدخلُ الجنةَ من كان في قلبِه ذرَّةٌ من كِبْر" فقال رجلٌ: يا رسول الله! إنه يُعجِبُني أن يكون ثوبي غسيلاً، ورأسي دهينًا، وشِراكَ نعلي جديدًا" وذكرَ أشياء حتى ذكرَ عُلاقة السوط "فمِن الكِبْر هذا يا رسول الله؟! قال: "لا، ذاك الجمال، إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال، ولكن الكِبر من سفِهَ الحقَّ وازدرَى الناس".

 نماذج تطبيقية من صور الجمال في الإسلام 
  جمال القول 
كن جميلًا في أقوالك؛ فلا تتفوه إلا بأحسن الكلام..
جميلاً في قولك مع الناس كل الناس "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" قولوا للناسِ معروفًا وصِدقًا
جميلاً في قولك مع والديك :" وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا
 يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا "(الإسراء/23).
جميلاُ في قولك مع السائل:" قوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ "(البقرة/263).
جميلا في كلامك وفعلك مع السفهاء:"وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا"(النساء/5)
ولا تؤتوا -أيها الأولياء- من يُبَذِّر من الرجال والنساء والصبيان أموالهم التي تحت
 أيديكم فيضعوها في غير وجهها، فهذه الأموال هي التي عليها قيام حياة الناس،
وأنفقوا عليهم منها واكسوهم، وقولوا لهم قولا معروفًا من الكلام الطيب والخلق
الحسن.
جميلاً  في قولك حتي مع الجبابرة :"اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ "(طه/ 43-44).
كن جميلاً في جميع أقوالك حتي تنال درجة الجنة فالقول الطيب من أقوال أهل الجنةإِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا  مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ  وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ "(الحج/24).
 عباد الله، اجعلوا كلامَكم رقيقًا… وقلوبَكم رحيمةً… وتعاملَكم حسنًا… فإن أجملَ طريقٍ إلى القلوبِ هو حسنُ الكلمةِ وجمالُ السلوكِ.

ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم ما فتح القلوبَ بالحججِ وحدها، بل فتحها بالابتسامةِ، وبالرفقِ، وبالسترِ، وبالعطفِ، وبالعفوِ عند المقدرةِ.

وقال سبحانه: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10]، الكلمة الطيبة ترتفع إلى الله، والعمل الصالح يرفعها ويثبتها. 

 وقال النبي ﷺ: «الكلمة الطيبة صدقة"( البخاري ومسلم). 

 روي في جمال القول والعمل: أن بنت عبد الله بن مطيع قالت لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وكان من أكرم قريش في زمانه: ما رأيتُ قوماً ألأم من إخوانك؛ إن أيسرتَ لزموك، وإن أعسرتَ تركوك، فأجابها طلحة بكلمةٍ ملؤها حسن الظن وجمال الرد: مه، لا تقولي ذلك، فإنما هو من كرمهم؛ يأتوننا حين تكون لنا قوة فنحملهم، ويتركوننا حين نضعف فلا يثقلون علينا.

جمالُ الأخلاقِ يفتحُ ما لا تفتحُهُ الحُجَجُ، ويبلغُ القلوبَ التي لا يبلغُها آلافُ الكلماتِ.

 كن جميلا تري الوجود جميلا 

 فإن الجمال والقبح من داخل أعيننا فقط لأن الزمان والمكان لم ولن يتغير مهما فعلت بنا الأيام والسنين فان الذي قد تغير هو الأنسان نفسه وأصبحت الحياةالمادية هي اسمي ما يتمني ونسي الحياة الروحية من حب لله وحب للرسول صلى الله عليه وسلم

الانسان يستطيع أن يري الوجود جميلاً ويجعل المستحيل ممكناً فلا مستحيل علي الله وهو الذي يجعل حياته نكداً وشراًوتشاؤماً قال تعالي:" إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ" (العاديات 6-8).

وقال تعالي :"إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا "(المعارج/19-21).

 قصة وعبرة 

جَلسَ الزَّوجُ أمامَ مكتبِه وأَمسكَ بقلمِه، وكَتبَ: "في السَّنةِ الماضيةِ، أَجريتُ عمليةَ إزالةِ المَرارةِ، ولازمتُ الفِراشَ عِدةَ شُهورٍ، وبَلغتُ السِّتينَ من العُمرِ؛ فتَركتُ وَظيفتي المُهمةَ في دَارِ النَّشرِ التي ظَللتُ أَعملُ بها ثلاثينَ عاماً، وتُوفيَ وَالدي، ورَسبَ ابني في بَكالوريوسِ كليةِ الطَّبِ لتَعطُّلِه عن الدِّراسةِ عِدةَ شُهورٍ بسببِ إصابتِه في حادثِ سَيارةٍ"، وفي نهايةِ الصَّفحةِ كَتبَ: "يا لها من سَنةٍ سَيئةٍ للغايةِ"

وَدخلتْ زوجتُه غُرفةَ مكتبِه، ولاحظتْ شُرودَه، اقتربتْ منه، ومِن فَوقِ كَتفِه قَرأتْ ما كَتبَ، فتَركتْ الغُرفةَ بهدوءٍ من دُونِ أن تَقولَ شَيئاً، لكنَّها بعدَ عِدةِ دَقائقٍ عَادتْ، وقد أَمسكتْ بيدِها ورقةً أُخرى، وَضعتها بهدوءٍ بجوارِ الوَرقةِ التي سَبقَ أن كَتبَها زَوجُها، فتَناولَ الزَّوجُ ورقةَ زوجتِه، وقَرأَ فيها:

"في السَّنةِ الماضيةِ، شُفيتَ من آلامِ المرارةِ التي عَذَّبتكَ سَنواتٍ طويلةٍ، وبَلغتَ السِّتينَ وأَنتَ في تَمامِ الصِّحةِ، وستَتفرغُ للكتابةِ والتَّأليفِ بعد أن تَمَّ التَّعاقدُ معك على نَشرِ أَكثرِ من كِتابٍ مُهمٍّ، وعَاشَ والدَكَ حَتى بَلغَ الخَامسةَ والتِّسعينَ من غَيرِ أن يُسبِّبَ لأحدٍ أيَّ متاعبٍ، وتُوفيَّ في هُدوءٍ من غيرِ أن يَتألمَ، ونَجا ابنُك من الموتِ في حَادثِ السَّيارةِ وشُفيَّ بغيرِ أَيَّةِ عَاهاتٍ أو مُضاعفاتٍ"، وخَتمتَ الزَّوجةُ عِبارتَها قَائلةً: "يا لها مِن سَنةٍ أَكرمنَا اللهُ بها وقد انتهتْ بكُلِّ خَيرٍ".

هل لاحظتُم؟، الأحداثُ هي الأحداثُ لكن بنَظرةٍ مُختلفةٍ، وقديماً قالوا: "لا تَنظرْ للنِّصفِ الفارغِ من الكأسِ، ولكنْ يَجبُ أن تَنظرَ الى النِّصفِ المُمتلئِ".

لكلِّ حدثٍ من الأحداثِ، ولكلِّ قَدرٍ من الأقدارِ، جانبٌ جميلٌ وجانبٌ قبيحٌ، فيعيشُ الإنسانُ ذلكَ الزَّمانَ بحسبِ رؤيتِه لذلكَ الحالِ، فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ، فإذا أردنا السَّعادةَ، فلنبحثْ عن جانبِ الجمالِ، ولنقضي أيامَنا بينَ الرَّجاءِ والآمالِ، فانظرْ وأنتَ في ظلامِ اللَّيلِ المُخيفِ، إلى ما فيه من الرَّاحةِ والهدوءِ اللَّطيفِ، وانظرْ وأنتَ في حرِّ الشَّمسِ الشَّديدِ، إلى ما فيها من النُّورِ والنَّشاطِ ومصلحةِ العبيدِ.

يُهزمُ المؤمنونَ في غزوةِ أُحدٍ ويَنتصرُ الأعداءُ، ويُقتلُ منهم سبعونَ من خيرةِ الشُّهداءِ، فتنزلُ الآياتُ من العزيزِ الرَّحمانِ، لِتُظهرَ صورةَ الجمالِ لأهلِ الإيمانِ، :"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ   إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ   وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ"(آل عمران:139-141).

أُلقيَ إبراهيمُ -عليه السَّلامُ- وهو فتىً في نارِ المُشركينَ، ثُمَّ أصبحَ خليلَ الرَّحمنِ وأبو الأنبياءِ والمُرسلينَ، وأُلقيَ يوسفُ في الجُبِّ وهو صغيرٌ، ثُمَّ أصبحَ عزيزَ مصرَ الذي له القدرُ الكبيرُ، وألقيَ موسى في اليَمِّ وهو رضيعٌ، ثُمَّ أصبحَ كليمَ اللهِ الذي له الجاهُ الرَّفيعُ، وأُلقي يونسُ في البحرِ والتقمَهُ النُّونِ، ثُمَّ آمنَ على يديهِ مائةُ ألفٍ أو يزيدونَ، بل قد طُعنُ حبيبنا محمداً   في عِرضِ أطهرِ البَشرِ شهراً كاملاً، فأتاهُ الوحيُ بقولِه: "لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ"(النور:11)، لا إلهَ إلا اللهُ، حتى في أحلكِ الأوقاتِ، خيرٌ وجمالٌ وبَركاتٌ.

الخطبة الثانية

الجمال في الجيرة:

عباد الله :" من أعظم صور الجمال التي دعا إليها الإسلام جمال التعامل مع الجيران، فقد جعل النبي ﷺ حسن الجوار من كمال الإيمان، وربط بينه وبين محبة الله ورسوله. 

قرن القرآن عبادة الله بحق الجار:

 قال تعالى:  ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ"(النساء: 36)، الآية الكريمة تضع حق الجار في سياق عظيم مع حقوق الوالدين والأقارب، مما يدل على مكانة الجيرة في الإسلام. 

حق الجيرة وصية النبي:

قال النبي ﷺ:"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"(البخاري ومسلم). 

 وقال ﷺ:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"(البخاري ومسلم). 

 وقال ﷺ:"خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره"(الترمذي).   

 روى عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك باباً». 

حق الجيرة سبب في دخول الجنة أو النار:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  قيل: يا رسول الله، إن فلانة تُكثر من صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله ﷺ: «هي في النار"( أحمد والنسائي بسند صحيح ).

وقيل: إن فلانة تُصلي المكتوبات وتُتصدق بأثوار من الأقط (أي قطع من اللبن المجفف)، ولا تؤذي أحداً. فقال رسول الله ﷺ: «هي في الجنة».

حسن الجيرة درجة من درجات الإحسان:

 ربط النبي ﷺ بين حسن الجوار وكمال الإيمان، قال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ متى أكونُ مُحسِنًا ؟ قال:" إذا قال جيرانُك: أنتَ مُحسِنٌ فأنتَ مُحسِنٌ وإذا قالوا: إنَّك مُسيءٌ فأنتَ مُسيءٌ "

جمال الجيرة من حياة الصحابة:

عن  عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "إنّي لأُهدي إلى جاري اليهودي"(البخاري) وكان يُكثر من إرسال الهدايا لجاره اليهودي، فقيل له في ذلك، فقال: «إن رسول الله ﷺ كان يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». 

   جمال الجيرة:

كان لأبي حنيفة جار إسكافي يعمل نهاره، فإذا رجع إلى بيته ليلاً تعشّى ثم شرب الخمر، فإذا دبّ الشراب فيه أخذ يغني ويكرر البيت المشهور: 

  «أضاعوني وأي فتى أضاعوا … ليوم كريهة وسداد ثغر». 

- وكان أبو حنيفة يسمع صوته كل ليلة، ويصبر على أذاه، ويواصل قيام الليل. 

- وفي ليلة فقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه فقيل: إن العسس (شرطة الليل) أخذوه وأودعوه السجن. 

- فلما صلى أبو حنيفة الفجر، ركب بغلته وذهب إلى دار الأمير، فاستأذن عليه، فأكرمه الأمير وأجلسه بجانبه، وقال: ما حاجتك يا أبا حنيفة؟ 

- قال: "لي جار أضاعوه، فأطلقوه، فأمر الأمير بإطلاقه، بل وأطلق كل من أُخذ في تلك الليلة إكرامًا لأبي حنيفة. 

- فلما خرج أبو حنيفة مع جاره،   

فركب أَبُو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، فَلَمَّا نزل أَبُو حنيفة مضى إِلَيْهِ، فَقَالَ: يا فتى،

أضعناك؟ فَقَالَ لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار ورعاية الحق،

وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان.

google-playkhamsatmostaqltradent