نظافة الظاهر والباطن
الإسلام دين الجمال والطهارة والنظافة .
الأمر بنظافة المظهر .
الحث علي نظافة وطهارة الجوهر .
الْحَمْدُ للهِ الذِي حَثَّ عِبَادَهُ
عَلَى الطُّهْرِ وَالنَّقَاءِ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّجَمُّلِ وَالصَّـفَاءِ،
وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ
النَّظَافَةَ مِنْ صِفَاتِ أَولِيَائِهِ المُؤمِنِينَ، وَكَتَبَ مَحَبَّـتَهُ
لِلتَّوَّابِينَ وَالمُتَطَهِّرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيَّدَنَا مُحَمَّدًا
عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، أَنْظَفُ
النَّاسِ فِي جَسَدِهِ وَثِيَابِهِ، وَأَطْيَبُهُمْ رِيْحًا بَيْنَ أَهلِهِ
وَأَصْحَابِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ تَمَسُّـكًا بِتَعالِيمِ الدِّينِ وَآدَابِهِ، -صلى
الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
طَاهِرِي المَظْهَرِ وَالمَخْبَرِ، وَعَلَى أَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ البَعْـثِ
وَالمَحْـشَرِ.
أما بعد أيها المسلمون : فإن دين الإسلام دين الجمال
والنظافة والطهارة ، ولقد اِمتَنَّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى عِبَادِهِ بِمَا
جَعَلَ لَهُمْ مِنَ اللباس وَالرِّيَاشِ؛ فاللباس لستر العورات وهي السوءات، وَالرِّيَاشُ
أَوَ الرِّيشُ: مَا يُتَجَمَّلُ بِهِ ظَاهِرًا، فَالْأَوَّلُ مِنَ
الضَّرُورِيَّاتِ، وَالرِّيشُ مِنَ التَّكَمُّلَاتِ وَالزِّيَادَاتِ؛ فقال: (يَا
بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ
وَرِيشاً)[الأعراف:26]، وحث المسلم على الظهور بالمظهر الطيب الجميل في ملبسه
ومسكنه وهندامه أمام الآخرين
.
وفي سنن الترمذي: (إِنَّ اللَّهَ
طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ
الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أُرَاهُ قَالَ أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ
تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ)،
وعَنْ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَنَا قَشِفُ الْهَيْئَةِ، أو قال: فِي ثَوْبٍ دُونٍ، وفي رواية:
"فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْعَثَ
أَغْبَرَ فِي هَيْئَةِ أَعْرَابِيٍّ" فَقَالُ: "هَلْ لَكَ مِنْ
مَالٍ؟"، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "مِنْ أَيِّ مَالٍ؟" قُلْتُ:
مِنْ كُلٍّ قَدْ آتَانِيَ اللَّهُ؛ مِنَ الْإِبِلِ وَالرَّقِيقِ وَالْغَنَمِ
وَالْخَيْلِ، قَالَ: "إِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ
اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ"، وفي رواية: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا
أَنْعَمَ عَلَى الْعَبْدِ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ تُرَى بِهِ"(رواه ابن حبان
أبو داود والنسائي صححه الألباني).
وَعَنْ السيدة عَائِشَةَ -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ
النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ -جمع نمرة
وهي بردة يلبسها الأعراب-؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ
ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ"(رواه ابن ماجه وصححه
الألباني).
ويظهر من هذا التوجيه النبوي مشروعيةُ
تخصيصِ بعضِ الملابس للخروج للصلاة، وبعضِها للعمل، وأهميةُ الحفاظِ على نظافة
الملابس التي يلبسها للمسجد؛ لأن العملَ يؤثرُ على الملابس، ويدخل في ذلك استحباب
تخصيص بعضِ الملابس للزيارة والمناسبات الاجتماعية العامة. وأن يهتم المسلم بنظافة
ملابسه؛ فقد رَأَى َسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا
عَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: "أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً
يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ"(رواه أبو داود عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وصححه الألباني .
وقدجعل النبي صلى الله عليه وسلم
الطهارة شطرَ الإيمان، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان)، ومن
هنا ندرك مدى أهمية الطهارة والنظافة، وعِظم درجتها، وعلوِّ مرتبتها في شريعة
الإسلام
.
- النظافة والطهارة تجلب محبة الله
تعالى- وتقرِّب صاحبها إلى الله زلفى، وهي تساوي التوبة التي هي سبب صفاء النفوس،
ونقائها من أرجاس المعاصي، وأدران الذنوب؛ يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]،
والنبي صلى الله عليه وسلم جعل النظافة
والطهارة تزيد المؤمن إيمانًا ، ففي موطإ مالك : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- قَالَ « اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْمَلُوا وَخَيْرُ
أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ »،
والنظافة والطهارة كفارة للذنوب، وسبب
لمُضاعَفة الأجور، ومَنهاة عن الفسق والفجور، ونور وضياء لصاحبها يوم العرض
والنشور؛
ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ
الْمُسْلِمُ – أَوِ الْمُؤْمِنُ – فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ
خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ – أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ
الْمَاءِ – فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ
بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ – أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ – فَإِذَا
غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ –
أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ – حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ ».
***
حث الإسلام، أتباعه علي طهارة الأبدان
والأجساد من الأنجاس والأرجاس، ونظافة الأمكنة والأثواب من الأوساخ والأقذار،
تحصينًا لصحَّتهم، وتوفيرًا للأمن لهم والخلاص من جميع الأذى والمضار، ووقاية لهم
من جميع الأمراض والأسقام والأخطار
.
- أوجب الإسلام الغسل بعد الجماع، وبعد
الحيض، والنفاس، وغير ذلك من المواطن. وندب الإسلام إلى الغسل في يوم الجمعة، والعيدين
،وغسل اليدين قبل الأكل وبعده. وبعد الاستيقاظ من النوم، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ((حقٌّ على كل مسلم أن يغتسل
في كل سبعة أيام يومًا، يغسل فيه رأسه وجسده))؛ متفق عليه
وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ
الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْغُسْلُ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ » ،وفي صحيح البخاري : (عَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله
عليه وسلم – كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ،
ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ
فِي الْمَاءِ ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ
ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ)،
- وشرع الوضوءوجعله شَعيرةً من شعائر
الدين، وركيزة من ركائزه، وفريضة من فرائضه،
وشرطًا من شروط صحة الصلاة، فقال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ (المائدة : 6)،
وفي الحديث المُتَّفَقِ عَلَيْهِ عن
أَبي هريرةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يقول: "أرَأيْتُمْ
لَوْ أنَّ نَهْرَاً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ
مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنهِ شَيْءٌ". قالوا: لا يَبْقَى مِنْ
دَرَنهِ شَيْءٌ، قَالَ: "فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ
بِهِنَّ الخَطَايَا".
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا
يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟))، قَالُوا: بَلَى
يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ علَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ
الْخُطَا إِلَى الْمَسْاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ
الرِّبَاطُ، فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الطَّهُورُ
شَطْرُ الْإِيمَانِ))؛ رواه مسلم.
والوضوءُ دواءٌ للقلوبِ والجوارِح؛ قال
- عليه الصلاة والسلام -: «إذا توضَّأ العبدُ المُسلمُ أو المؤمنُ فغسلَ وجههُ، خرجَ
من وجهه كلُّ خطيئةٍ نظرَ إليها بعينِه مع الماءِ أو مع آخر قطرِ الماء، فإذا غسلَ
يديه خرجَ من يديه كلُّ خطيئةٍ كان بطَشَتها يداه مع الماءِ أو مع آخر قطرِ
الماءِ، فإذا غسلَ رجلَيْه خرجَت كلُّ خطيئةٍ مشَتها رِجلاه مع الماءِ أو مع آخر
قطرِ الماءِ، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب»؛ متفق عليه.
والتخليل بين الأصابع والمبالغة في
الاستنشاق من آكد الأمور في الوضوء؛ ففي سنن الترمذي: (أن عَاصِمَ بْنَ لَقِيطِ
بْن صَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ
الْوُضُوءِ. قَالَ « أَسْبِغِ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ وَبَالِغْ
فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا »،
ومن السنة كذلك إصلاح وتجميل شعر
اللحية والرأس؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-
قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَى
رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: "أَمَا كَانَ يَجِدُ
هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ"(رواه أبو داود وصححه الألباني).
ومما جاءت به الشريعة الإسلامية
المحافظة على خصال الفطرة، وفيها من النظافة والطهارة لمن حافظ عليها، من صحة
الأبدان والعقول ما لا يُحصى ذكرُه، وفضلًا عما يكسبه من الأجور في الدنيا والآخرة.
روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي
الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ
الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ،
وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَحَلْقُ
الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ))، قَالَ زَكَريَّاءُ، قَالَ مُصْعَبٌ:
وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ، زَادَ قُتَيْبَةُ:
قَالَ وَكِيعٌ: انْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِي: الاسْتِنْجَاءَ."
وكان عليه الصلاة والسلام يَتَسَوَّكُ
عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَصَلاةٍ، وَعِنْدَ دُخُولِ المَنْزِلِ، وَإذَا اسْتَيْقَظَ
مِنَ النَّوْمِ، وَكَانَ إِذَا عَطَسَ، غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ،
وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ"؛ رواه أبو داود والترمذي،
وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ – وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَلَى أُمَّتِي – لأَمَرْتُهُمْ
بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ
».
- وحث ديننا علي نظافة الثياب فقد وردت
النصوص الشرعية في ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4]، قال
محمد بن سيرين: أي اغسلها بالماء،
وروى مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن
مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي
قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ))، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ
أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنة، قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ
جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ)).
وروى أبو داود في سننه : "مَا
عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ، أَوْ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ، أَنْ
يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ".
- وحث الإسلام علي نظافة الأماكن والبيئة
التي نعيش فيها كالمساجد، والبيوت، والطرقات، والحدائق، والمنتزَّهات، والأماكن
العامة،وغيرها؛
-
قال الله تعالى: ﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾
[البقرة: 125]
.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله أوحينا
إليهما وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك والكفر والمعاصي ومن الرجس والنجاسات
والأقذار
.
و أمر النبي عليه الصلاة والسلام
بنظافة المساجد وأن تطيب وتجنب الأقذار والروائح الكريهة؛ روى الإمام أحمد في
مسنده من حديث عائشة قالت:"أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ"،
وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ
النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ أَعْمَالُ أُمَّتِى
حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ
عَنِ الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِى أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي
الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ ». وفي الصحيحين: (أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَالَ
النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ،
وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا»، وفي رواية :« التَّفْلُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ
وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا
»،
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه
صلى الله عليه وسلم: "عرضت عليَّ أجور أمَّتي حتَّى القذاة يخرجها الرَّجل من
المسجد، وعرضت عليَّ ذنوب أمَّتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آيةٍ
أوتيها رجلٌ ثمَّ نسيها"[رواه أبو داود والترمذي].
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه: أَنَّ امرَأَةً سَودَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسجِدَ، فَفَقَدَهَا
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عَنهَا؟ فَقَالُوا: مَاتَتْ،
فَقَالَ: ((أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي))، قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا
أَمْرَهَا، فَقَالَ: ((دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا))، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى
عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى
أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاتِي عَلَيْهِمْ))،
وفي رواية: "كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ، وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ".
- وحثَّ على تنظيف البيوت وتطهيرها؛ فعن سعد بن أبي وقاص رفعه : "إن الله طيب
يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم،
ولا تشبَّهوا باليهود"[رواه الترمذي].
ومن صور النظافة في الإسلام: تطهير الإناء
إذا ولغ الكلب فيه سبع مرات بالماء؛ فقد روى مسلم
في صحيحه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- « إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ
لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ
».
- وحث على نظافة الطريق وإماطة الأذى
عنها وجعل ذلك من شعب وخصائل الايمان، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "الإيمان بضع وسبعون أو
بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق،
والحياء شعبة من الإيمان"[مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].
وحذر من إيذا الناس في طريقهم ، عن أبي
هريرة رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
قال: "اتقوا اللاعنين" قالوا: وما اللاعنان؟ قال: "الذي يتخلى في
طريق الناس أو في ظلهم"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: ((عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا،
فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنْ الطَّرِيقِ)).
وجعل إماطة الأذى عن الطريق من
الصدقات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وتميط الأذى عن الطريق صدقة".
وبشَّر النبي صلى الله عليه وسلم
بالثواب الكبير والأجر الجزيل لمن أماط الأذى عن الطريق؛ ففي صحيح مسلم : (عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَقَدْ رَأَيْتُ
رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِى الْجَنَّةِ فِى شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ
الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِى النَّاسَ ».
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي
ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على
توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله،
وبعد:
إخوة الإيمان والإسلام :
كما أوجب علينا ديننا نظافة وطهارة
الأبدان من الأنجاس والأقذار، أوجب علينا طهارة القلوب من الأضغان والأحقاد؛
لِيتطابقَ المَظهَرُ معَ الجَوهَرِ , ونقاءَ القَلْبِ من الغِلِّ والحقدِ، والبغي
والحسدِ من علاماتِ كمالِ الإيمانِ، وممَّا دعانا إليهِ رَبُّنا في مُحكمِ القرآنِ
وربَّانا عليه النَّبيُّ العَدنَانُ، فلا نجاةَ يوم القيامة إلاَّ لِمَنْ سَلِمَ
قَلبُهُ من الشِّركِ وطهَّرهُ من الغلِّ، يقول -جلَّ من قائل-: (يَوْمَ لاَ
يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
فعلي المسلم أن يسعي لتزكية نفسه وصلاح
قلبه ، يقول الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ
دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]،
وفي صحيح مسلم : (أَبَا هُرَيْرَةَ
يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ
إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ
». وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ .
وحين قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ: أَيُّ
النَّاسِ أَفْضَلُ؟! قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ
اللِّسَانِ"، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ
الْقَلْبِ؟! قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لاَ إِثْمَ فِيهِ، وَلاَ
بَغْيَ، وَلاَ غِلَّ، وَلاَ حَسَدَ". صححَّهُ الألبانيُّ.
وحدَّثَ رَسُولُ اللهِ يوماً أصحابَهُ
فَقَال: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ"، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ
وَضُوئِهِ، قَدْ عَلَّقَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَسَلَّمَ، فَلَمَّا
كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ
مِثْلَ مَرَّتِهِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ
النَّبِيُّ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ
حَالِهِ الأُولَى، فَتَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَبَاتَ
مَعَهُ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ بِكَثِيرِ عَمَلٍ! فَسَأَلَهُ: مَا
الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ؟! فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ إِلا
مَا رَأَيْتَ من عَمَلٍ، غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ فِي نَفْسِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ،
قَالَ: فَهَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لا تُطَاقُ" رواه
الإمامُ أحمدُ بإسناد صحيح.
فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وحافظوا
واحرصوا علي نظافة وطهارة ظاهركم وباطنكم .
اللَّهُمَّ إِنِي أَسْأَلُكَ الهُدَى،
وَالتُّقَى، وَالعفَافَ، والغنَى
.
اللهم إنا نسألك الفوز عند القضاء،
ونزل الشهداء، وعيش السعداء، ومُرافقة الأنبياء، والنصر على الأعداء .
اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صرِّفْ
قُلوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ
.