تدبر الآية: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا مَن خلقك هو صاحب الحقِّ الأوَّل عليك في الطاعة، فلا يُطاع امرؤٌ في معصيته، حتى مَن ولدك وربَّاك.
الاختلاف في العقيدة بين الابن ووالديه لا يُسقط حقَّهما في البِرِّ
وحسن المعاملة.
كلُّ مَن ادَّعى الألوهيَّة فلا حُجَّة له، ولا علم معه، ولا برهان
لديه، بخلاف ألوهيَّة الله تعالى التي تظاهرت الأدلَّة عليها، حتى غدا العلم بها
محتَّمًا، والإيمان بها واجبًا.
كم مشى قبلك في طريق الحق والبر والإنابة من الصالحين والأولياء حتى انتهت بهم إلى رحمة الله تعالى، فلا تستوحش فيه من قلة سالكيه!وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) أي : بالمعروف ، وهو البر والصلة والعشرة الجميلة
قوله تعالى : وصاحبهما في الدنيا معروفا نعت لمصدر محذوف ; أي مصاحبا
معروفا ; يقال صاحبته مصاحبة ومصاحبا . و ( معروفا ) أي ما يحسن
.
والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين ، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق . وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي عليه الصلاة والسلام وقد قدمت عليها خالتها . وقيل أمها من الرضاعة فقالت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : نعم . وراغبة قيل معناه : عن الإسلام . قال ابن عطية : والظاهر عندي أنها راغبة في الصلة ، وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها . ووالدة أسماء هي قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسد . وأم عائشة وعبد الرحمن هي أم رومان قديمة الإسلام .
أى: إن حملاك على الشرك.
فلا تطعهما، ومع ذلك فصاحبهما في
الأمور الدنيوية التي لا تتعلق بالدين مصاحبة كريمة حسنة، يرتضيها الشرع، وتقتضيها
مكارم الأخلاق.
وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق
للنبي عليه الصلاة والسلام وقد قدمت عليها خالتها .
وقيل أمها من الرضاعة فقالت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : نعم ..
معاشرة الزوجةقال الله تعالى:" وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"(النساء: ١٩).
 وَقَوْلُهُ تَعَالَى :"{وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ"أَمْرٌ لِلْأَزْوَاجِ بِعِشْرَةِ نِسَائِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ ،
وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ يُوفِّيَهَا حَقَّهَا مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ
وَالْقَسْمِ وَتَرْكُ أَذَاهَا بِالْكَلَامِ الْغَلِيظِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا
وَالْمَيْلِ إِلَى غَيْرِهَا وَتَرْكُ الْعُبُوسِ وَالْقُطُوبِ فِي وَجْهِهَا
بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى :"فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ".
ويقول الرازي في تفسيره: " مِنَ
التَّكَالِيفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَحْوَالِ النِّسَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى :" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ "
وَكَانَ الْقَوْمُ يُسِيئُونَ
مُعَاشَرَةَ النِّسَاءِ فَقِيلَ لَهُمْ : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : هُوَ النَّصَفَةُ فِي الْمَبِيتِ وَالنَّفَقَةِ ، وَالْإِجْمَالُ
فِي الْقَوْلِ . 
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( فَإِنْ
كَرِهْتُمُوهُنَّ ) أَيْ كَرِهْتُمْ عِشْرَتَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَصُحْبَتَهُنَّ
، وَآثَرْتُمْ فِرَاقَهُنَّ {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ
فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : " فِيهِ " إِلَى
مَاذَا يَعُودُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : 
الْأَوَّلُ : الْمَعْنَى أَنَّكُمْ
إِنْ كَرِهْتُمْ صُحْبَتَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ
فِي صُحْبَتِهِنَّ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ
فَتَارَةً فَسَّرَ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ بِوَلَدٍ يَحْصُلُ فَتَنْقَلِبُ
الْكَرَاهَةُ مَحَبَّةً ، وَالنَّفْرَةُ رَغْبَةً ، وَتَارَةً بِأَنَّهُ لَمَّا
كَرِهَ صُحْبَتَهَا ثُمَّ إِنَّهُ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ الْمَكْرُوهَ طَلَبًا
لِثَوَابِ اللَّهِ ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا وَأَحْسَنَ إِلَيْهَا عَلَى خِلَافِ
الطَّبْعِ ، اسْتَحَقَّ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ فِي الْعُقْبَى وَالثَّنَاءَ
الْجَمِيلَ فِي الدُّنْيَا . 
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِنْ
كَرِهْتُمُوهُنَّ وَرَغِبْتُمْ فِي مُفَارَقَتِهِنَّ ، فَرُبَّمَا جَعَلَ اللَّهُ
فِي تِلْكَ الْمُفَارَقَةِ لَهُنَّ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَذَلِكَ بِأَنْ
تَتَخَلَّصَ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ وَتَجِدَ زَوْجًا خَيْرًا
مِنْهُ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ
سَعَتِهِ [ النِّسَاءِ : 130 ] ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ ،قَالَ
الْقَاضِي : وَهَذَا بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَثَّ بِمَا ذَكَرَ عَلَى
سَبِيلِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الصُّحْبَةِ ، فَكَيْفَ يُرِيدُ بِذَلِكَ
الْمُفَارَقَةَ ؟ ". 
ويقول القرطبي:قَوْلُهُ تَعَالَى :"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ": أَيْ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ حُسْنِ
الْمُعَاشَرَةِ .
 وَالْخِطَابُ لِلْجَمِيعِ ، إِذْ
لِكُلِّ أَحَدٍ عِشْرَةٌ ، زَوْجًا كَانَ أَوْ وَلِيًّا ؛ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ
بِهَذَا الْأَمْرِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَزْوَاجُ ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ
تَعَالَى : {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}، وَذَلِكَ تَوْفِيَةُ حَقِّهَا مِنَ
الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ، وَأَلَّا يَعْبَسَ فِي وَجْهِهَا بِغَيْرِ ذَنْبٍ ،
وَأَنْ يَكُونَ مُنْطَلِقًا فِي الْقَوْلِ لَا فَظًّا وَلَا غَلِيظًا وَلَا
مُظْهِرًا مَيْلًا إِلَى غَيْرِهَا .
 وَالْعِشْرَةُ : الْمُخَالَطَةُ
وَالْمُمَازَجَةُ . وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ :
فَلَئِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا مَرَّةً
لَعَلَى عَهْدِ حَبِيبٍ مُعْتَشِرْ
جَعَلَ الْحَبِيبَ جَمْعًا
كَالْخَلِيطِ وَالْغَرِيقِ .
 وَعَاشَرَهُ مُعَاشَرَةً ، وَتَعَاشَرَ
الْقَوْمُ وَاعْتَشَرُوا .
 فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ
صُحْبَةِ النِّسَاءِ إِذَا عَقَدُوا عَلَيْهِنَّ لِتَكُونَ أَدَمَةُ مَا
بَيْنَهُمْ وَصُحْبَتُهُمْ عَلَى الْكَمَالِ ؛ فَإِنَّهُ أَهْدَأُ لِلنَّفْسِ
وَأَهْنَأُ لِلْعَيْشِ .
 وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا
يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ .
 وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ أَنْ
يَتَصَنَّعَ لَهَا كَمَا تَتَصَنَّعُ لَهُ .
 قَالَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْحَنْظَلِيُّ : أَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَخَرَجَ إِلَيَّ فِي
مِلْحَفَةٍ حَمْرَاءَ وَلِحْيَتُهُ تَقْطُرُ مِنَ الْغَالِيَةِ ، فَقُلْتُ : مَا
هَذَا ؟ قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْمِلْحَفَةَ أَلْقَتْهَا عَلَيَّ امْرَأَتِي
وَدَهَنَتْنِي بِالطِّيبِ ، وَإِنَّهُنَّ يَشْتَهِينَ مِنَّا مَا نَشْتَهِيهِ
مِنْهُنَّ . 
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ :" إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِامْرَأَتِي كَمَا أُحِبُّ أَنْ
تَتَزَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِي ". وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ .
 قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : وَإِلَى
مَعْنَى الْآيَةِ يُنْظَرُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
:" فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ" أَيْ لَا يَكُنْ مِنْكَ سُوءُ
عِشْرَةٍ مَعَ اعْوِجَاجِهَا ؛ فَعَنْهَا تَنْشَأُ الْمُخَالَفَةُ وَبِهَا يَقَعُ
الشِّقَاقُ ، وَهُوَ سَبَبُ الْخُلْعِ .