صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ أمـا بـعد
ظَاهِرَةُ الغِشِّ فِي الِامْتِحَانَات.
ظَاهِرَةُ تَخْرِيبِ المُمتَلَكَاتِ العَامَّةِ.
ظَاهِرَةُ
الخِلَافَاتِ الأُسْرِيَّةِ وَكَوْنُهَا سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاق.
الأدلة من القرآن والسنة :-
1) إِنَّ
ظاهِرَةَ الغِشِّ فِي التَّعلِيمِ لَهَا أَثَرُهَا السَّيِّئُ عَلَى تَقَدُّمِ
الأُمَمِ؛ فَالغِشُّ بَلاءٌ ابتُلِيَ بِهِ طُلّابُ العِلمِ صِغارًا وَكِبارًا،
فَهُوَ لَيسَ عَلَى مُستَوَى المَراحِلِ الِابتِدائِيَّةِ فَحَسبُ، بَل
تَجاوَزَهَا إِلَى الثَّانَوِيَّةِ وَالجَامِعَةِ وَالدِّراسَاتِ العُليا، فَكَم
مِن طالِبٍ قَدَّمَ بَحثًا لَيسَ لَهُ فِيهِ إِلَّا أَنَّ اسمَهُ عَلَى غِلافِهِ!!
وَكَم مِن طالِبٍ قَدَّمَ مَشروعًا وَلَا يَعرِفُ عَمَّا فِيهِ شَيئًا!! وَكَم مِن
طالِبٍ حَصَلَ عَلَى مَجموعٍ عالٍ فِي الشَّهادَةِ الثَّانَوِيَّةِ عَن طَرِيقِ
الغِشِّ وَهُوَ لَا يُحسِنُ القِراءَةَ وَالكِتابَةَ!!
تَرى كَثِيرًا مِنهُم يُحاوِلُ أَن
يَغُشَّ فِي الامتِحانَاتِ، وَهُوَ قَد قَرَأَ حَديثَ الرَّسُولِ ﷺ الَّذِي
تَبَرَّأَ فِيهِ مِن الغِشّاشِ قائِلًا: “مَن غَشَّ فَلَيسَ مِنِّي” (مُسلِمٌ)،
بَل رُبَّمَا يَقرَأُهُ عَلَى وَرَقَةِ الأَسئِلَةِ، وَلَكِن ذَلِكَ لَا يُحَرِّكُ
فِيهِ سَاكِنًا؛ لِأَنَّهُ قَدِ استَقَرَّ فِي ذِهنِهِ أَنَّهُ لَا عَلاقَةَ بَينَ
العِلمِ الَّذِي يَتَعَلَّمُهُ وَبَينَ العَمَلِ الَّذِي يَجِبُ أَن يَأتِيَ بِهِ
بَعدَ هَذا العِلمِ، ولقد حَرَّمَ الإِسلامُ كُلَّ صُوَرِ الغِشِّ، وَتَبَرَّأَ
الرَّسُولُ ﷺ مِن كُلِّ الغِشَّاشِين.
إِنَّ الَّذِي يَغُشُّ قَدِ ارتَكَبَ
عِدَّةَ مُخالَفاتٍ –إِضافَةً إِلَى جَريمَةِ الغِشِّ– مِنهَا السَّرِقَةُ،
وَالخِداعُ، وَالكَذِبُ، وَأَعظَمُهَا الِاستِهانَةُ بِاللهِ، وَتَركُ الإِخلاصِ،
وَتَركُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ …إِلخ.
وأخطرُ ما يُصيبُ الأجيالَ أن ينشئوا
على مفهومٍ خاطئٍ يُزيّنُ لهم أنَّ "الغشَّ مهارةٌ" أو "حيلةٌ
للنجاحِ" أو "طريقٌ للترقّي".
ولذلك جاءَ النبيُّ ﷺ ليصوِّب هذا
المفهومَ من جذورهِ فقال قولتَهُ الصارخةَ الخالدةَ:"مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ
مِنَّا» (صحيح مسلم 101).
لم يقل: "فقد أذنب" أو
"فعلَ صغيرةً"، بل نفاهُ عن أمةِ الإسلامِ، كأنهُ خَلعَ نفسَهُ من
دائرةِ الإيمانِ الصادقِ.
الغِشُّ هَدْمٌ لِلأَمَانَةِالتي هي
عِمادُ الدّينِ والحياةِ. فإذا تربَّى الطالبُ على الغشِّ في الامتحانِ، كَبُرَ
ليكونَ موظفًا يغشُّ في عملهِ، وتاجرًا يغشُّ في سلعتهِ، ومهندسًا يغشُّ في بناءٍ
قد ينهارُ على رؤوسِ الأبرياءِ.
قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَأَوْفُوا
الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 85]. فَجَعَلَ
الغشَّ مِن أعظمِ أسبابِ الفسادِ في الأرض.
مرَّ النبيُّ ﷺ على صُبرةِ طعامٍ
فأدخلَ يدَهُ فيها، فإذا هي مبتلَّة، فقال: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟»
قال: أصابته السماءُ. قال: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ
النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (صحيح مسلم 102).
هنا يربطُ النبيُّ ﷺ بين غشٍّ صغيرٍ في
الطعام، وبين خيانةٍ تُسقطُ صاحِبَها من شرفِ الانتماءِ إلى الأمة.
فَعَلَينَا جَمِيعًا أَن نَتَعَاوَنَ
فِي مُقاوَمَةِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ، كُلٌّ بِحَسَبِ استِطاعَتِهِ وَجُهدِهِ،
فَالأَبُّ فِي بَيتِهِ، وَالمُعَلِّمُ وَالمُرشِدُ فِي المَدرَسَةِ وَالجَامِعَةِ
كُلٌّ يَقُومُ بِالوَعظِ وَالإِرشادِ، وَكَذَلِكَ الدَّاعِيَةُ فِي خُطَبِهِ
وَدُرُوسِهِ، وَالإِعلامُ بِوَسائِلِهِ المُختَلِفَةِ.
2) إنَّ الأمرَ جدُّ خطيرٍ، إياكم إياكم
من التعدي على المالِ العامِّ بجميعِ صورِ التعدي، فنقول لكلِّ من أخذَ المالَ
العامَّ واستحلَّهُ، أنَّهُ يأتي بهِ حاملًا على رقبتِه يومَ القيامةِ، يقولُ
تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى
كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. (آل عمرانَ: 161). وروى
الشيخانِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ قالَ: "قام فينا النبيُّ ﷺ فذكرَ
الغلولَ، فعظمَهُ وعظمَ أمرَهُ، قال: لا ألفينَّ أحدَكم يومَ القيامةِ على رقبتِه
شاةٌ لها ثغاءٌ، على رقبتِه فرسٌ له حمحمةٌ، يقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغثني،
فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا؛ قد أبلغتُك، وعلى رقبتِه بعيرٌ له رغاءٌ، يقولُ: يا
رسولَ اللهِ، أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا؛ قد أبلغتُك، وعلى رقبتِه صامتٌ،
فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا؛ قد أبلغتُك، أو على
رقبتِه رقاعٌ تخفقُ، فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا؛
قد أبلغتُك".
فمن غلَّ شاةً جيءَ بها يومَ القيامةِ
تيعرُ وهي على كتفِه، ومن غلَّ بعيرًا جاءَ يحملُهُ يومَ القيامةِ ولهُ رغاءٌ
يسمعُهُ أهلُ الموقفِ على كتفِه، ومن غلَّ فرسًا جاءَ يحملُهُ يومَ القيامةِ ولهُ
حمحمةٌ، ومن غلَّ شيئًا قليلًا أو كثيرًا إلا جُعلَ ناطقًا أمامَهُ، حتى الذهبِ
والفضةِ، من غلَّ صامتًا، أي ذهبًا أو فضةً جاءَ بهِ يومَ القيامةِ يحملُهُ!!
إنَّ الكثيرَ منا قد تساهلَ في أمرِ
المالِ العامِّ تساهلًا عظيمًا في هذا الزمانِ:
أحدُهم يضعُ هاتفَهُ الجوالَ جانبًا ثم
يتكلمُ من هاتفِ العملِ في أمورِه الشخصيةِ!! وآخرُ يستخدمُ سيارةَ العملِ في
قضاءِ حاجياتِه وحاجةِ أولادِه!! وثالثٌ لا يأبهُ من الخروجِ مبكرًا من العملِ
بحجةِ أنَّهُ لا يوجدُ تقديرٌ للموظفِ من حيثُ الراتبِ أو العلاواتِ فهو ينتقمُ
بطريقتِه الخاصةِ!! ورابعٌ يستخدمُ حاسوبَ العملِ في طباعةِ أوراقِه الخاصةِ!!
وخامسٌ يستخدمُ فاكسَ الدائرةِ الحكوميةِ في إرسالِ سيرتِه الذاتيةِ هنا وهناك!!
وسادسٌ يحملُ معهُ أقلامَ وأدواتِ العملِ إلى البيتِ ليوزعَها على أطفالِه!! وغيرُ
ذلك من صورِ التعدي على المالِ العامِّ!! فأينَ نحنُ جميعًا من منهجِ سلفِنا
الصالحِ في أعمالِهم وورعِهم وتقواهُم؟!!
ألا فبادرْ بالتوبةِ، فبابُ التوبةِ
مفتوحٌ لكلِّ من أخذَ مالًا خاصًا من أخيهِ، أو عامًّا من الدولةِ، أنْ يردَّ ما
أخذَ من مظالمِ أهلِها، قبلَ أنْ يحملَ مظلمتَهُ على رقبتِه في الآخرةِ، ويُفضحَ
بها على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ.
3) لقد اهتمَّ الإسلامُ بالأسرةِ اهتمامًا
كبيرًا؛ لأنَّ الأسرةَ هي قوامُ المجتمعِ، وجعلَ الزواجَ بناءَ هذه الأسرةِ،
وأحاطَهُ بسياجِ السكنِ والمودةِ والرحمةِ، وأخذَ الميثاقَ الغليظَ على الزوجينِ
في استمراريةِ العلاقةِ الزوجيةِ، فقالَ تعالَى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا
غَلِيظًا} (النساء: 21)، يقولُ القاسميُّ: ” وَأَخَذْنَ مِنكُم ميثَاقاً غَلِيظاً
” أي : عهداً وثيقاً مؤكداً مزيدَ تأكيدٍ، يعسرُ معَهُ نقضُهُ، كالثوبِ الغليظِ يعسرُ
شقُّهُ. وقالَ الزمخشريُّ: الميثاقُ الغليظُ حقُّ الصحبةِ والمضاجعةِ، ووصفَهُ بالغلظِ
لقوتِهِ وعظمِهِ “. ( محاسن التأويل).
وَنَظَرًا لِضُغُوطِ الْحَيَاةِ
وَالْمَسْئُولِيَّةِ الْمُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ
الزَّوْجَيْنِ يَعْتَقِدَانِ أَنَّ إِنْهَاءَ الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ
بِالطَّلَاقِ، هُوَ الْمَلَاذُ الْآمِنُ وَنِهَايَةُ الْمَطَافِ بِالْحَيَاةِ
الْمُسْتَقْبَلَةِ الْجَدِيدَةِ السَّعِيدَةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ
اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ (النِّسَاء: 130). وَهَذَا فَهْمٌ خَاطِئٌ، لِأَنَّ
الطَّلَاقَ لَهُ آثَارُهُ الْمُدَمِّرَةُ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، فَهُوَ
مُشْكِلَةٌ أُسْرِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، بِسَبَبِهَا تَفَرَّقَتِ الْأُسَرُ،
وَتَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَضَاعَتِ الذُّرِّيَّةُ وَتَأَخَّرُوا فِي
التَّعْلِيمِ وَالدِّرَاسَةِ، وَقُطِعَتِ الْأَرْحَامُ وَالصِّلَاتُ، وَكَثُرَتِ
الْآثَامُ، وَانْعَدَمَتِ الرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ
الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَانْتَشَرَتِ الْجَرَائِمُ فِي الْمُجْتَمَعِ،
وَكَثُرَتِ الْأَمْرَاضُ النَّفْسِيَّةُ عِنْدَ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ
وَالْأُمَّهَاتِ، وَتَزَعْزَعَ الْأَمْنُ وَالِاسْتِقْرَارُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ
الْمَخَاطِرِ وَالْآثَارِ السَّيِّئَةِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ.
لِهَذَا فَإِنَّ إِبْلِيسَ يَبْعَثُ
جُنُودَهُ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُ الْجُنْدِيَّ الْبَارِعَ – الَّذِي فَرَّقَ
بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهَدَمَ الْأُسْرَةَ – أَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً.
فَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ
عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ
مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا
وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ
فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ،
قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ». قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ
قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ» (مسلم). فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَنَبَّهَ لِذَلِكَ، وَأَنْ
نَتَذَكَّرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ
كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ
خَيْرًا كَثِيرًا﴾. وَقَوْلَ الرَّسُولِ ﷺ: «لَا يَفْرَكْ [أَيْ لَا يُبْغِضْ]
مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (مسلم).
وكما قالَ الشاعرُ: إِذَا أَنْتَ لَمْ
تَصْبِرْ مِرَارًا عَلَى الْقَذَى …… ظَمِئْتَ وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو
مَشَارِبُهْ
وأخيرًا: نداءٌ ورسالةٌ إلى الزوجينِ:
فأقولُ للزوجِ: أيُّها الزوجُ، يا مَن
تريدُ طلاقَ زوجَتِكِ، كيفُ هي حياتُكَ بعدَهَا؟ وكيف سيكونُ أبناؤُكَ وبناتُكَ؟
وإلى أيِّ مآلٍ ستتجهُ حياتُكَ واهتماماتُكَ؟ فاللهَ اللهَ في الحكمةِ والصبر،
والتدرجِ في معالجةِ الأمورِ، وجَرِّبِ النُّصْحَ لِزَوْجِكَ، وامتثلْ قولَهُ
تعالى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ
سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا }.(النساء: ) وَحَاوِلِ الصُّلْحَ
بِحَكَمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمٍ مِنْ أَهْلِكَ. { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ
بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ
يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
خَبِيرًا }.(النساء: ). وكنْ لزوجِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” خَيْرُكُمْ
خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي” .(الترمذي وحسنه). واحذرْ من
الغفلةِ والغضبِ التي توردُكَ مواردَ الندمِ والحسرةِ.
وأقولُ للزوجةِ: أيّتُها الزوجةُ، يا
مَن تريدينَ الطلاقَ، استشعرِي ما هو حالُكِ بعدَ أنْ تفقدِي نعمةَ الزوجِ، سيئولُ
للعنوسةِ والوحدةِ والانطواءِ، وحملِ لقبٍ منبوذٍ في المجتمعِ (مطلقة)، وقد لا
يقدرُ اللهُ لكِ زواجًا آخرَ، واصبرِي على علّاتِ زوجِكِ، واحتسبِي الأجرَ على
ذلك، وانظرِي إلى مواطنِ الإيجابيةِ فيه، واعلمِي أنّ طاعتكِ لزوجكِ وخدمتكِ
لأولادكِ طريقٌ إلى الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خُمُسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ
فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
شَاءَتْ».( ابن حبان وصححه الأرنؤوط)، واحذرِي أنْ تطلُبِي منهُ الطلاقَ من غيرِ
سببٍ واضحٍ، فذلك ذنبٌ عظيمٌ وعقوبتُهُ عظيمةٌ. فعَنْ ثَوْبَانَ رضي اللهُ عنه
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا
الطَّلاَقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ “(ابن
ماجة بسند صحيح).
فما أجملَ أنْ يعيشَ الزوجانِ في عشِّ
الزوجيةِ تحتَ ظلالِ الحبِّ والسكنِ والمودةِ والرحمةِ، حتى يسودَ الأمنُ
والاستقرارُ بينَ الأسرِ وأفرادِ المجتمعِ.
فعليكُم التحملَ والصبرَ والرضا،
فالميثاقُ الغليظُ الذي بين الزوجينِ يقتضِي أنْ يتحملَ كلٌّ منهما هفواتِ الآخر،
يقولُ أبو الدرداءِ -رضي اللهُ عنه- لزوجتِهِ أمِّ الدرداء: ” إذا رأيتنِي غاضبًا
فرضِّينِي، وإذا رأيتُكِ غضبَى رضَّيتُكِ. وإلّا لم نصطحبْ”. فبالودِّ والمسامحةِ
والمحبةِ تدومُ العشرةُ، وبدونِهَا لا توجدُ ألفةٌ ولا عشرةٌ.
ولو أنّ كِلَا الزوجينِ وقفَ عندَ
هفواتِ الآخرِ، ما استمرتْ الحياةُ، بل صارتْ إلى هدمٍ وزوالٍ، وما صارَ أحدٌ مع
زوجتِهِ في المجتمعِ كلِّه، فلابدَّ لكلٍّ منهُمَا أنْ يتحملَ صاحبَهُ، حتى
تستقرَّ الأسرُ والمجتمعُ.
ما المستفاد ؟ إذا أردنا أن نبحثَ عن
جذرٍ من جذور الانهيار الاجتماعي، فلن نجدَ أعظمَ من تفكك الأسرة. فالأسرةُ هي
اللَّبنةُ الأولى التي يقومُ عليها بناءُ الأمة، فإذا انكسرتْ هذه اللبنةُ،
تَصدَّع البناءُ كله.
ولهذا جاء الإسلامُ بالتأكيدِ على
حُرمةِ الروابط الأسرية، وجعلها عبادةً يتقرّبُ بها العبدُ إلى اللهِ. قال تعالى:
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾ [النساء: 36].
وقالَ النبيُّ ﷺ: "خَيْرُكُمْ
خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (صحيح الترمذي 3895).
فدلّ ذلك على أنَّ معيارَ الخيريةِ
الحقيقيةِ لا يكونُ في السوقِ أو الميدانِ أو المجلسِ، وإنما في البيتِ، حيثُ
تُختبَرُ الأخلاقُ والطباعُ
عملياً:- قالَ اللهُ تعالى:
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف:
85]. فَجَعَلَ الغشَّ مِن أعظمِ أسبابِ الفسادِ في الأرض.