الْيَـقِيـنُ
الشيخ/إبراهيم المغربى كبير آئمة بوزارة الأوقاف المصرية
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فمن اى الأبوابِ ندخُلُ مع حضراتِكُم
على هذا العنوان بداية لابُد ان نعلمَ بأن اليقين في الإسلام هو العلمُ الجازم المُطابق للواقع الذي يُزيلُ الشكَ
تماماً ، وهو حالةٌ من الطمأنينة القلبية العميقة والثبات في الإيمان بوجود الله
وصفاته،
وأن كُلَ شيء فى هذا الكونِ يسيرُ
بإرادتهِ تعالى
ولابُد ان نعرف ايضاً ان المعارفَ
اقسامٌ اربعة
علمٌ ،، وظنٌ ،، وشكٌ ،، ووهمٌ ،،
اما العلمُ :: فهو ادراكُ اليقين
الجازم
والظنُ :: هو ادركُ الطرف الراجح
والشكُ :: هو تساوى الطرفين
والوهمُ :: هو إدراكُ الطرفِ المرجوج
ولو اننا نظرنا إلى اليقين ومعناهُ
لغةً واصطلاحاً لوجدنا ان اليقين هو ::
لغةً: هو زوالُ الشك وتحقيق الأمر.
واصطلاحاً: هو العلمُ الجازم الثابت
الذي لا يقبلُ الشك أو الريب، وهو طُمأنينةُ النفس
والعلمُ نفسُهُ ينقسمُ إلى قسمين
علمُ اليقين ،، وعينُ اليقين ،،
وعينُ اليقينِ اقوى بكثيرٍ من علم
اليقين ونحنُ نعلمُ قصةَ الصحابى الذى
أرادَ ان يشهدَ امام رسولِ الله صلى اللهُ
عليه وسلم وكان الوقتُ وقتَ ظهيرة
فأخذهُ رسولُ الله بيدهِ وخرجَ به خارج
المسجد وقال لهُ اترى هذه الشمسَ قال نعم يارسول الله ،، فقال لهُ رسولُ الله على
مثلِها تشهد ،، يعنى إذا كُنتَ ترى الحقَ كما ترى الشمسَ الأن فاشهد ،،
فقال الصحابىُ لرسولِ الله عافينى من
الشهادةِ يارسول الله ،، وليس معنى ذلك ان الصحابىَ كان يُريدُ ان يشهدَ زوراً ((
لا )) ولكنهُ كان يُريدُ ان يشهدُ بعلمِ اليقين ،، ولكن رسولَ الله علمهُ ان لا
يشهدَ إلا بعينِ اليقين ،، اعلمتُم الأن لماذا كانت عينُ اليقين اقوى بكثيرٍ من
علمِ اليقين
فمثلاً لو انك شهدتَ بعلمِ اليقين ان إمرأةً تسلُكُ مسلكاً غيرَ سوىٍ ،،
فليسَ لك ان تشهدَ عليها بالإعوجاجِ
إلا بعينِ اليقين لا بعلمِ اليقين
وايضاً وبشهادةٍ اربعٍ رجالٍ شهودٍ عدول وإلا ادرجت نفسك تحتَ قول الله تعالى ((
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))
وقال اللهُ تعالى ايضاً :" وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ
وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ))
واليقينُ هو الذى جعلَ رسولَ الله
يقولُ لحارثة فى الحديثِ الذى رَوَاهُ الْبَيْهَقِي وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادَفَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ
يُسَمَّى حَارِثَةَ وَقال لَهُ: “كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ” قَالَ:
أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا
قَالَ: “انْظُرْ يَا حَارِثَةُ فَإِنَّ
لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ مَقَالِكَ؟” ماحقيقةُ ايمانِك
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَزَفْتُ
نَفْسِىَ عَنِ الدُّنْيَا فاستوىَ عِندى ذهبُها وترابُها
- وأَسْهَرْتُ لَيْلِى يعنى احييتُ ليلى
كنايةً عن القيام
- وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي كنايةً عن
الصيام
- وَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا
،، كناية عن اليقينِ التام
- وَكَأَنِّي بِأَهْلِ الْجَنَّةِ وهُم
يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا
- وَكَأَنِّي بِأَهْلِ النَّارِ وهُم
يُعذبونَ فِيهَا.
والمعنى
عَزَفْتُ نَفْسِى عَنِ الدُّنْيَا
مَعنَاهُ قَطَعْتُ نَفْسِي عَنِ
الدُّنْيَا أَي لا أُعْطِي نَفْسِي شَهَوَاتِهَا
لا أَتْرُكُهَا تَسْتَرْسِلُ فِي
مَلَذَّاتِهِا واستوى عِندى فيها كُلَ شيئ
وَكَأَنِّى بِعَرْشِ رَبِّى بَارِزًا
مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَارَ عِنْدِي مِنَ
الْيَقِينِ بِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ بِحَيْثُ كَأَنِّي
أُعَايِنُ الْعَرْشَ مُعَايَنَةً مَعَ بُعْدِ
مَسَافَتِهِ عَنَّا أَرَاهُ بَارِزًا،
وَصَارَ عِنْدِي مِنْ شِدَّةِ
الْيَقِينِ بِحَيثُ كَأَنِي أُشَاهِدُ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَهُمْ يَتَزَاوَرُونَ
فِيهَا يَجْلِسُونَ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ،
وَقَدْ وَصَلْتُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا
وَرَدَ عَنْ جَهَنَّمَ كَأَنِّي أُشَاهِدُهَا عِيَانًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَرَفْتَ فَالْزَمْ ثُم قال رسولُ الله
:: عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ الإِيـمَانَ
فِي قَلْبِهِ”.
أنواع اليقين
و اليقينُ انواعٌ مُختلفة
منها اليقينُ بالله تعالى ،
وهذا السؤلُ الذى وجههُ احدُ الناسِ
للإمامِ على إبن ابى طالب عندما سألهُ وقال لهُ ياأمام :: هل عرفت ربك بمُحمدٍ أم عرفت مُحمداً بربك ؟
قال الإمامُ علىٌ :: لو عرفتُ مُحمداً بربى إذا ماحتجتُ إلى رسولٍ
فإذا كان اللهُ يُكلمُنى فلماذا أحتاجُ إلى رسولٍ
ليُخبرنى اى مادمَ اللهُ يُكلمُنى أنا "
ولوعرفتُ ربى بمُحمدٍ لكان مُحمدٌ
أوثقَ عِندى من ربى لأنهُ هو الذى دلنى
عليه وهذا مُستحيل فأنا ثقتى فى الله كبيرة
،، ويقينى فى ربى اعظم ،،
قالوا لهُ إذاً فكيفَ عرفتَ ربك ياأمام
إذا كان الفرضان باطلان :: لقد قُلتَ
- لو عرفتُ مُحمداً بربى إذا ماحتجتُ إلى
رسولٍ فإذا كان اللهُ يُكلمُنى فلماذا أحتاجُ إلى رسولٍ مادمَ اللهُ يُكلمُنى أنا ))
- ولوعرفتُ ربى بمُحمدٍ لكان مُحمدٌ
أوثقَ عِندى من ربى لأنهُ هو الذى دلنى
عليه وهذا مُستحيل
- إذا فكيف عرفتَ ربك ياعلىُ قال :: عرفتُ ربى بربى ولولا ربى ماعرفتُ
ربى وجاءه مُحمدٌ فبلغى مُرادَ ربى منى ))
وبعد ذلك يأتى اليقينُ فى كلامِ رسولِ
الله وتعالوا بنا
- لما أُسرِيَ بالنبيِّ إلى المسجدِ
الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به، و صدَّقوه،
و سَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ،
فقالوا : ياأبابكرٍ او ما سمعتَ ماذا
قال صاحبُك
قال ابوبكرٍ لهُم وماذا قال ؟
قالوا لهُ يُزعمُ أنه أُسرِيَ به
الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ ؟ قال : أو قد قال ذلك ؟
قالوا : نعم،
قال : لئن كان قد قال ذلك فقد صدَقَ،
قالوا : أو تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ
إلى بيتِ المقدسِ و جاء قبل أن يُصبِحَ ؟
قال : نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو
أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه ، فلذلك سُمِّي
أبو بكٍر الصِّديقَ ،، وهذا هو اليقينُ فى كلامِ رسولِ الله
والنوعُ الثانى اليقينُ بالموت، وهو الذى وضحهُ اللهُ تعالى حيثُ قال ((
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ
السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ
يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )) واليقينُ هنا هو الموت
واليقينُ فى الموتِ يتدرجُ في مراتبهِ
ليُصبح علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين،
وهو أعلى درجات الإيمان وأشملها، ويؤدي
إلى الإيمان بالغيب والأعمال الصالحة.
ولقد وردت كلمةُ اليقين في القرآن
بمعانٍ عديدة ومختلفة، منها:
اولاً :: اليقينُ بمعنى العلم
والتصديق: هو الجزم بأمر
لا يُمكنُ الشكُ فيه، كما في قول الله
تعالى: "إنّ هذا لهو حق اليقين".
ثانياً اليقين بمعنى الموت: وهو المعنى
المقصود في الآية الكريمة "واعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ".
* والموتُ سهمٌ أُطلِقَ عليكَ وعُمرُك فى
هذه الحياة بقدر سفر السهم إليك" وهذه العبارةُ تُؤكدُ أن الموت سهمٌ قد أُطلق بالفعل عليك مُنذُ
اللحظة الأولى للحياة،
وأن عُمرَ الإنسانِ هو المسافةُ التي يقتطعُها هذا السهمُ للوصولِ إليه، إذاً فأن اليقين فى
الموت حتميٌ لا جدال فيه ابداً
* ثالثاً اليقين بمعنى المشاهدة
(العيان): وهو العلم الذي يُدركُ بالحواس والمشاهدة المباشرة، كما في قوله تعالى:
"لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ".
واليقين في حياة المؤمن هو ترسيخُ
الإيمان: واليقينُ هو أبلغُ درجات الإيمان
حيثُ تُقطعُ الشكوك ويُصبحُ التصديقُ
جازماً
لا يتزحزح.و تعالوا بنا لنرى يقينَ بلالٍ إبن رباح وقوةَ الإيمان الذى عندما كان يُعذبُ على رمالِ مكةَ فى شمسها
المُحرقة ومع ذلك كان يقولُ ::
أحدٌ أحد ،، فردٌ صمد ،،
لا والدٌ ولا والد ،، ربُ السماء
والفضاء والجبالِ والشجر ، ربى عزيزٌ قادرٌ لهُ جبينى قد سجد ،،
ماهذا اليقين وماهذه القوةُ إنها قوةُ
الإيمان
التى تكادُ ان تجعلَ من المُستحيلِ
مُمكنا
كان أُميةُ إبنُ خلفٍ الذى أذاقهُ
العذابَ الواناً يقولُ لهُ (( اتعصينى يابلالُ وانا سيدُك فكان يقولُ لهُ بلالٌ ((
إن أُكُنُ عصيتُك فقد اطعتُ الله عذبَ هذا الجسدَ ما شئت فإنهُ إلى فناء لكنك لن
تستطيعَ ان تُعذبَ الروحَ لأنها بيدى صاحبِ العزةِ والكبرياء )) ماهذه القوة إنها
قوةُ الإيمان إنهُ اليقينُ فى الله وفى كلامِ رسول الله
وصدقَ من قال ::
يا خادِمَ الجِسم كمْ تشقى بخِدْمَتهِ
لِتطلُبَ الرَّبحَ في ما فيه خُسْرانُ
أقبِلْ على النَّفسِ فاستكمِلْ
فضائلَها
فأنتَ بالنَّفسِ لا بالجِسمِ إنسانُ
واشدُدْ يديـكَ بحبـلِ الله مُعتَصِماً ::
فإنَّـهُ الرُّكنُ إن خانتْـكَ أركـانُ ::::
خُلا صةُ القول :"
اليقينُ هو الاستسلامُ
الكامل لله تعالى:وأن الله تعالى هو
المدبّرُ لهذا الكون، وما يحدث فيه من حدثٍ او كبيرٍ إلا بإرادته،
واكتفى بهذا القدرِ فى هذه الخُطبة
وارجوا من الله أن اكونَ قد وفقتُ معكُم
فى تخفيفِ تحضيرِ الخُطبة عليكُم ، وأن اكون قد وضعتُ بين ايديكُم المداخل
والمخارج التى تخرجون من خلالها وتدخُلون اثنا، الخُطبة ،، ليكونَ بها ما يُسمى
بالرياضياتِ ، وفن إثارة الجمهور لنصرفَ عن الناس
المللَ أثناء الخُطبة لأن التنوعَ يُعطى عدم الملل ،، ولا تنسونا من صالحِ
دُعائِكُم