الْيَـقِيـنُ
الحمد لله رب العالمين نحمده حمد الذاكرين الشاكرين الموقنين بقضاء الله وقدره
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، له في كل شيء آية، تدل على أنه الواحد،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُالله ورسوله، لم
تُزعزعه المواقف والبلايا، ولا نالت من يقينه المصائب والشدائد،القائل :"
اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وبعد فيقول الله تعالي:"وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"([الحجر:99).
وردتْ مادة (يَقِنَ) في القرآن الكريم في عِشرين آية باشتقاقات مختلِفة، موزَّعة على أرْبعَ عشرةَ سورة [محمد صدقي العطار، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم].
ومادة (يَقَن) ومشتقاتها وردت في القرآن في ثمانية وعشرين موضعاً
جاءت بصيغة الفعل في أربعة عشر موضعًا، من ذلك قوله سبحانه:"وبالآخرة هم يوقنون} (البقرة:٤)
وجاءت بصيغة الاسم في أربعة عشر موضعاً كذلك، من ذلك قوله عز وجل: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} (الحجر:٩٩).
ومادة (يَقَن) ومشتقاتها وردت في القرآن على أربعة معان، هي:
١- الأول: اليقين بمعنى الصدق والتصديق، العِلم الجازم الذي لا يَقبل التشكيك
من ذلك ما حكاه القرآن على لسان ملكة سبأ: {وجئتك من سبإ بنبإ يقين} (النمل:٢٢) يعني بخبر صِدْق. ومنه أيضاً قول الحق تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون} (البقرة:٤) يعني يصدقون بوجود الآخرة والبعث. وأكثر ما ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم وفق هذا المعنى.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة: ٩٥]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الحاقة: ٥١]،
فآيةُ الواقعة جاءتْ تذييلًا لجميع ما اشتملتْ عليه السورةُ مِن المعاني المثبتة مِن "عظيم صفاته، وبديع صُنْعه، وحِكْمته وعدله، وتبشيره النبيَّ ﷺ وأمَّتَه بمراتبَ مِن الشَّرَف والسلامة، على مقادير درجاتهم وإيمانهم الجازم، وبنِعْمة النجاة مما يَصير إليه المشرِكون مِن سوء العاقبة" [الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير ١٥/ ٣٧٤].
وآية الحاقَّة: تحقيقٌ وتأكيد منه تعالى: أنَّ هذا القرآن الكريم هو الحقُّ اليقين، الذي لا شكَّ فيه أنَّه مِن عند الله، لم يتقوَّلْه محمد ﷺ، بل هو ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ليس بشِعْر ولا كَهَانة، و ﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ﴿وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ المكذِّبين
٢- اليقين: الموت؛ قال سبحانه: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ يقوله تعالى ذِكْرُه لنبيِّه ﷺ: واعبُدْ ربَّك حتى يأتيك الموت، وهكذا قال مجاهد، والحسن، وقتادة، وعبد الرحمن بن زَيْد بن أسلمَ، وغيرُه [الطبري ١٧/ ١٣].
وفي الصحيح مِن حديثِ الزُّهريِّ، عن خارجةَ بن زَيْد بن ثابت: أنَّ أمَّ العلاء - امرأة ِمن الأنصار بايعتِ النبيَّ ﷺ أخبرتْه أنه اقتسم المهاجِرون قُرعة، فطار لنا عثمانُ بن مظْعون، فأنْزلْناه في أبياتنا، فوجع وجعَهُ الذي تُوفِّي فيه، فلمَّا تُوفي، وغُسِّل وكُفِّن في أثوابه، دخَل رسولُ الله ﷺ فقلتُ: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك: لقدْ أكرمكَ الله، فقال النبي ﷺ: (وما يُدريكِ أنَّ الله قد أكرَمه؟) فقلتُ: بأبي أنتَ يا رسولَ الله، فمَن يُكرمه الله؟ فقال: (أمَّا هو فقد جاءَه اليقينُ، واللهِ إني لأرجو له الخيرَ) [البخاري].
والدليل على أنَّ اليقين في الآية هو الموت: قوله تعالى إخبارًا عن أهْل النار أنَّهم قالوا: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ [المدثر: ٤٣ - ٤٧]. والجمْع بيْن الآيتين حُجَّة على:
أنَّ العبادة كالصلاة ونحوها واجبةٌ على الإنسان ما دام عاقلًا ثابتًا.
تَخطِئة مَن ذَهَب مِن الملاحدة إلى أنَّ المراد باليقين المعرِفة، فمَتى وصل أحدُهم إلى المعرفة، سقَط عنه التكليفُ عندهم، وهذا كُفْر وضلال وجهل، فإنَّ الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلمَ الناسِ بالله، وأعرفَهم بحقوقه وصفاته، وما يستحقُّ من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبدَ الناس، وأكثرَ الناس عبادةً، ومواظبةً على فِعْل الخيرات إلى حين الوفاة [ابن كثير ٤/ ٥٥٤].
الثالث: اليقين بمعنى العِيان والمشاهدة، جاء على هذا المعنى قوله سبحانه: {كلا لو تعلمون علم اليقين} (التكاثر:٥) يعني علم العِيان والمشاهدة. ونحوه قوله عز وجل: {ثم لترونها عين اليقين} (التكاثر:٧) أي: عند المعاينة بعين الرأس، فتراها يقيناً، لا تغيب عن عينك.
الرابع: اليقين بمعنى العلم، من ذلك قوله تعالى في حق نبيه عيسى عليه السلام: {وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا} (النساء:١٥٧) المعنى كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما قتلوا ظنهم يقيناً، كقولك: قتلته علماً، إذا علمته علماً تامًّا، فـ (الهاء) = {قتلوه} عائدة على {الظن}. قال أبو عبيد: ولو كان المعنى: وما قتلوا عيسى يقيناً لقال: وما قتلوه فقط.
وقوله سبحانه: {وفي الأرض آيات للموقنين} (الذاريات:٢٠) قال الطبري: "وفي الأرض عِبَرٌ وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها". وقال القرطبي: "(الموقنون) هم العارفون المحققون وحدانية ربهم، وصدق نبوة نبيهم".
ومجمل القول، أن لفظ (يَقَن) بمشتقاته أكثر ما ورد في القرآن الكريم بمعنى (الصدق والتصديق)، وورد في مواضع قليلة بمعنى (المعاينة والمشاهدة)، وورد في موضعين فقط بمعنى (الموت)، وورد بمعنى (العلم).
قوله :"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " اليقين هو الموت كما قال البخاري : قال سالم : الموت وسالم هذا هو : سالم بن عبد الله بن عمر ، كما قال ابن جرير :
وهكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ،
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيره
والدليل على ذلك قوله تعالى إخباراً عن
أهل النار أنهم قالوا : " لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع
الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين "( المدثر : 43 - 47 ).
و عن أم العلاء - امرأة من الأنصار - أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - لما دخل على عثمان بن مظعون - وقد مات - قلت : رحمة الله عليك أبا السائب ،
فشهادتي عليك لقد أكرمك الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
وما يدريك أن الله أكرمه ؟ " فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، فمن ؟ فقال :
" أما هو فقد جاءه اليقين ، وإني لأرجو له الخير "
ويستدل من هذه الآية الكريمة وهي قوله
: ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) - على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على
الإنسان ما دام عقله ثابتا فيصلي بحسب حاله ، كما ثبت في صحيح البخاري ، عن عمران
بن حصين - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " صل
قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب "
ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة ، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم . وهذا كفر وضلال وجهل ، فإن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته ، وما يستحق من التعظيم ، وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة . وإنما المراد باليقين هاهنا الموت ، كما قدمناه . ولله الحمد والمنة ، والحمد لله على الهداية ، وعليه الاستعانة والتوكل ، وهو المسئول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها فإنه جواد كريم .."وحسبنا الله ونعم الوكيل "
وروي عن عمر رضي الله عنه قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تنطق به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظروا إلى هذا الذي قد نور الله قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطيب الطعام والشراب ، ولقد رأيت عليه حلة شراها ، أو شريت له بمائتي درهم ، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترونه " .
قيل له : الفائدة في هذا أنه لو قال :
واعبد ربك مطلقا ثم عبده مرة واحدة كان مطيعا ; وإذا قال حتى يأتيك اليقين كان
معناه لا تفارق هذا حتى تموت
.
فإن قيل : كيف قال سبحانه : واعبد ربك
حتى يأتيك اليقين ولم يقل أبدا ; فالجواب أن اليقين أبلغ من قوله : أبدا ; لاحتمال
لفظ الأبد للحظة الواحدة ولجميع الأبد .
وقد تقدم هذا المعنى .
والمراد استمرار العبادة مدة حياته ، كما قال العبد الصالح : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا .
وقد روى جبير بن نفير عن أبي مسلم
الخولاني أنه سمعه يقول إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما أوحي إلي أن
أجمع المال وأكون من التاجرين لكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد
ربك حتى يأتيك اليقين
.
عبادالله:
إعلموا جيدًا أن الرحلة من اليقين إلى
الشك إلى اليقين مرة أخرى، هي رحلة إن زُحْزِحَت عن الخُسْران، فهي عودة بنقصان.
فلا يصح مطلقًا أن يخاطر المرء بنفسه
وبدينه ويحوم حول الضلال والشبهات، ويترك الحق القائم الراسخ في قلبه، ويهوي إلى
ظلمات قد لا يستطيع الخروج منها.
ايهاالاخوة
مر رجل على بحيرة بها تماسيح فقالوا له
لا تقترب فإن بها تماسيح
فجلس وهو ينظر إلى الماء فرأى بعينه
تمساحا يسبح
وبينما هو يمد رجله الى الماء انقض
عليه تمساح وقضم رجله
وذاك هو الفرق بين علم اليقين وعين
اليقين وحق اليقين
وهذا أشبه بمن يسمع منادياًعلى جنازة
هو يعلم صاحبها ، فيسرع لتشييعها ، وإذ به يكون مكانها يوما ....
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قال:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم:"ما أوحى الله إِلَيَّ أَنْ
أَجْمَعَ الْمَالَ وَأَكُونَ مِنَ التَّاجِرِينَ وَلَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ
سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى
يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ".
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
"اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ".
وصاحب اليقين لا تُزعزِعُه المصائب،
ولا تفُلُّ عزيمتَه الفواجِع، ولا تُضعِفُ إيمانَه الحوادث،
عباد الله:"
لما خرج الفخر الرازي من بيته وخلفه تلاميذه مائة أو أكثر وقفت عجوز عند بابها
فسألت: من هذا؟
فقيل لها: هذا الفخر الرازي من أكابر
العلماء وعنده ألف دليل على وجود الله.
قالت: وهل وجد في قلبه ألف شك حتى
يستدل على وجود الله بألف دليل
..
فقال حين بلغه مقالتها: ” اللهم ارزقنا
إيمانًا كإيمان العوام
“.
فاليقين هو الذى يطفىء نار الشكوى من
الأقدار بقول الحمد لله
اليقين هو من يستنطق اللسان بـ قل ما عند الله خير
اليقين هو الرضا بما قسم الله باستشعار
كل شىء خلقناه بقدر
اليقين هو الثقة فى موعود الله من رزق
ونصر وإجابة دعاء
اليقين هو النظر للآخرة أمام مصائب
الدنيا بعين عجبا لأمر المؤمن
اليقين هو مقابلة المنع والعطاء
بمنهجية قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ
اليقين هو إنا لله وإنا إليه راجعون
بثبات كل نفس ذائقة الموت
اليقين هو حُسن الظن بالله
فـــــ ما ظنكم برب العالمين؟
ما ظنكم برب رحيم حليم كريم أرحم بك من
رحمة أمك بك
في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن المصطفي صلي الله عليه وسلم - رأي أمرأة بالسبي تبحث عن رضيع لها فقدته وفي رواية إذا بهذه المرأه تجد صبيا فألصقته ببطنها وألقمته ثديها وأرضعته فتأثر الرؤوف الرحيم محمد صلي الله عليه وسلم بهذا المشهد الرقراق الحاني فقال لأصحابه سائلا : أترون هذه الام طارحة ولدها في النار قالوا لا يا رسول الله - اسمع - فقال الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم : ل لله ارحم بعباده من رحمة الام بولدها .
فاقتنص احد الصالحين هذا المعني وقال لربه في مناجاة : إلهي وسيدي ومولاي
اللهم إنك تعلم أن أمي هي أرحم الناس بي وأنا أعلم يا سيدي أنك أرحم بي من أمي
وأمي لا ترضي لي العذاب والهلاك أفترضاه لي أنت وأنت أرحم الراحمين ؟
وإني لأدعو الله أطلب عفوه … وأعلم أن
الله يعفو ويغفر
لئن أعظم الناس الذنوب فإنها … بجوار
رحمة الله تصغر.
ما ظنكم برب حليم كريم يتودد الى جميع
خلقه وعباده مناديا لكل مخلوق على وجه الارض
يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"( الترمذي).
ﻗﻴﻞ ﻷﻋﺮﺍﺑﻲّ:
ﻫﻞ ﺗﺤﺪّﺙ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨّﺔ؟ ﻗﺎﻝ : ﻭﺍﻟﻠﻪ
ﻣﺎ ﺷﻜﻜﺖ ﻗﻂّ
ﺃﻧّﻲ ﺳﻮﻑ ﺃﺧﻄﻮ ﻓﻲ ﺭﻳﺎﺿﻬﺎ، ﻭﺃﺷﺮﺏ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺿﻬﺎ،
ﻭﺃﺳﺘﻈﻞّ ﺑﺄﺷﺠﺎﺭﻫﺎ،
ﻭﺁﻛﻞ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭﻫﺎ، ﻭﺃﺗﻔﻴّﺄ ﺑﻈﻼﻟﻬﺎ، ﻭﺃﺗﺮﺷّﻒ
ﻣﻦ ﻗﻼﻟﻬﺎ، ﻭﺃﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻮﺭﻫﺎ
ﻓﻲ ﻏﺮﻓﻬﺎ ﻭﻗﺼﻮﺭﻫﺎ، ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: ﺃﻓﺒﺤﺴﻨﺔٍ ﻗﺪّﻣﺘﻬﺎ
ﺃﻡ ﺑﺼﺎﻟﺤﺔٍ ﺃﺳﻠﻔﺘﻬﺎ؟
ﻗﺎﻝ : ﻭﺃﻱّ ﺣﺴﻨﺔٍ ﺃﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﺎً، ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺧﻄﺮﺍً
ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ،
ﻭﺟﺤﻮﺩﻱ ﻟﻜﻞّ ﻣﻌﺒﻮﺩٍ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ،
ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: ﺃﻓﻼ ﺗﺨﺸﻰ
ﺍﻟﺬّﻧﻮﺏ؟ ﻗﺎﻝ : جعل ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻟﻠﺬﻧﻮﺏ،
ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻠﺨﻄﺄ، ﻭﺍﻟﻌﻔﻮ
ﻟﻠﺠﺮﻡ، ﻭﻫﻮ ﺃﻛﺮﻡ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺬّﺏ ﻣﺤﺒّﻴﻪ ﻓﻲ
ﻧﺎﺭ ﺟﻬﻨّﻢ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ
ﻣﺴﺠﺪ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻟﻘﺪ ﺣﺴﻦ ﻇﻦّ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲّ
ﺑﺮﺑّﻪ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻻ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﺇﻻ ّﺍﻧﺠﻠﺖ ﻏﻤﺎﻣﺔ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻋﻨﻬﻢ، ﻭﻏﻠﺐ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮّﺟﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ.
فأحسنوا الظن بربكم ولاتقنطوا من رحمة الله، فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم
الكافرون.
عباد الله:"
روي عن حاتم الأصم تلميذ شقيق البلخي رضي الله تعالى عنهما أنه قال له شقيق: منذ كم صحبتني؟قال حاتم: منذ ثلاث وثلاثين سنة.قال: فما تعلمت مني في هذه المدة؟
قال: ثماني مسائل. قال شفيق له: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب عمري معك ولم تتعلم إلا ثماني مسائل!
قال: يا أستاذ لم أتعلم غيرها وإني لا
أحب أن أكذب.
فقال له: هات هذه المسائل حتى أسمعها. قال حاتم:
أما الأولى :"فإنى نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يحب محبوباً فهو محب به إلى القبر فإذا وصل إلى القبر فارقه، فجعلت محبوبي الحسنات فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي. فقال: أحسنت يا حاتم،
فما الثانية؟
قال: فنظرت في قول الله تعالى:"وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى".
فعلمت أن قوله سبحانه وتعالى هو الحق
فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى.
والثالثة:
أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من
معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه ثم نظرت إلى قوله تعالى:"مَا عِندَكُمْ
يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم
بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ".
فكلما وقع في يدي شيء له قيمة ومقدار
وجهته إلى الله تعالى ليبقى عنده محفوظاً.
الرابعة :
أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والنسب والشرف، فنظرت فيها فإذا هي لا شيء، ثم نظرت إلى قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". فعملت بالتقوى حتى أكون عند الله كريماً.
الخامسة:
أني نظرت إلى هذا الخلق وهم يطعن بعضهم
في بعض ويلعن بعضهم بعضاً، وأصل هذا كله الحسد، ثم نظرت إلى قوله تعالى:"نَحْنُ
قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" .
فتركت الحسد واجتنبت الخلق وعلمت أن
القسمة من عند الله تعالى فتركت عداوة الخلق عني.
السادسة:
نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض
ويقاتل بعضهم بعضاً، فرجعت إلى قول الله عز وجل:"إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ
عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ
أَصْحَابِ السَّعِيرِ" فعاديته وحده واجتهدت في أخذ حذري منه لأن الله سبحانه
وتعالى شهد عليه أنه عدو لي فتركت عداوة الخلق غيره.
السابعة:
نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم
يطلب هذه الكسرة، فينزل فيها نفسه ويدخل فيها لا يحل له، ثم نظرت إلى قوله تعالى:
(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ .
فعلمت إني واحد من هذه الدواب التي على
الله رزقها فاشتغلت بما لله تعالى علي وتركت مالي عنده.
الثامنة:
نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلهم
متوكلين على مخلوق هذا على ضيعته وهذا على تجارته وهذا على صناعته وهذا على صحة
بدنه وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله، فرجعت إلى قوله تعالى:"وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً" .
فتوكلت على الله عز وجل فهو حسبي.هذا هو اليقين....أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.
الخطبة الثانية
ثمرة هذه الخطبة تتمثل فى ذالكم الحديث الذى رواه الامام مسلم عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:لا يموتن احدكم الا وهو يحسن الظن بالله عزوجل ..فلا تظنن بربك ظن سوء - فإن الله أولى بالجميل
عباد الله :"
من هم أهل اليقين؟
أهل اليقين بالهُدى والفلاح،
عباد الله :" وقد خصَّ أهل اليقين بالهُدى والفلاح، فقال:"وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"(البقرة: ٤-٥).
واليقين نورٌ مشرقٌ يفتح للبصيرة رحابة الانتفاع بالقرآن وآيات الكون، كما قال تعالى: "هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُون"().، :"وفي الأرض آيات للموقنين".
أهل اليقين هم اهل الصبر
عباد الله:" وأهلُ اليقين هم أهل الصبر؛ " الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"(البقرة: ١٥٦-١٥٧).
وإذا تزاوج الصبرُ باليقين وُلِدت بينهما الإمامةُ في الدِّين؛ قال تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"(السجدة: ٢٤)، يَهْدُون أتباعهم وأهل القَبول منهم بإِذْن الله لهم بذلك، وتقويته إيَّاهم عليه.
واليقين مركبُ التوكل الذلولُ الذي يكون به الظفر بالبغية، ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾.
الذين يهنؤون بحكم الله وشرعه؛
عباد الله :" وأهل اليقين هم الذين يهنؤون بحكم الله وشرعه؛ قال تعالى:"أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"(المائدة: ٥٠). وجمال الشريعة وإتقان نظْمها لا يتبدّى إلا بمنظار اليقين،
وأهل اليقين -عباد الله
لا يترددون في بذل الْمُهَجِ في سبيل الله؛ قال تعالى: ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ والله عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٤٤].
وعلى عكس أولئك، أهل الرَّيب والشكِّ والتردد، لضعف إيمانهم وتذبذب تصديقهم، ومرض قلوبهم، ووساوس شياطينهم؛ قال عنهم جل وعلا: ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: ٤٥].
فهم في ريبٍ وشكٍّ، حتى في شأن الحياة بعد الموت والبعث، والنشور والحساب؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣٢].
ومن فتح على نفسه باب الشك والريبة والتردد، فإنه لا يأمن على نفسه أن يتشكَّكَ حتى في خالقه جل وعلا؛ قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله ﷺ: (يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه، فَلْيَسْتَعِذْ بالله ولْيَنْتَهِ) [مسلم].
ولقد ضرب الله تعالى لنا مثلًا بمن آتاه الله علمًا، ولكنه وقع في حبائل الشك والتردد، فأغواه الشيطان؛ فقال عنه جل وعلا: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٥].
عباد الله:" إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه،