recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة الْيَقِينُ للشيخ ثروت سويف

   الْيَقِينُ  



"أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ"

   الكون يدل على وجود الله

  الآيات الكونية في القرآن الكريم لزيادة اليقين ومحاربة الإلحاد

 

الحمد لله الكريم الجواد، خلق الإنسان من نطفة وجعل له السمع والبصر والفؤاد أنزل الغيث مباركًا فأحيا به البلاد، وأخرج به نبات كل شيء رزقًا للعباد نحمده تبارك وتعالى حمد الطائعين العبَّاد، ونتوكل عليه توكل المخبتين الزهاد ونعوذ بنور وجهه الكريم من الوعيد بسوء المهاد ونرجوه تحقيق الأمل في الوعد والمعاد ونسأله النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد

وأشهد أن لا إله إلا الله حق ويقين فهو المضل الهاد المنزه الذات عن الأشباه والأنداد الفعال لما يريد ولا يقع في ملكه إلا ما أراد خلق سبع سموات طباقًا بغير عماد ومن الأرض مثلهن وأرسى الجبال كالأوتاد سبقت كلمته أن من أطاعه عز في الأرض وساد، ومن كفر أمهله وهو له بالمرصاد

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد الأسياد سيد الأولين والآخرين من حاضرٍ وبادٍ، خير من دعا وهدى وبالخير العظيم جاد المبعوث رحمة فينا وبشفاعته يغاث العباد المبشر بالأخوة والمحبة ونبذ الغل والأحقاد أشجع الناس قاطبة إذا دعا داعي الجهاد بُعث والقوم في ذل الشرك قد ساد فيهم الأوغاد ودعاهم إلى الهدى فلم يجِد منهم إلا العناد أراد بهم خيرًا وتربصوا به الدوائر على كل جبل وواد وحين خضعت أعناقهم بفتح مكة وأصبحوا كالرماد اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه حيث الصلاة عليه لنا خير زاد ما نادى للصلاة مناد، وكلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون إلى يوم التناد...

أما بعد

فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة؛ إذ يفتك بالإيمان، ويعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا ويجعل الشك مكان اليقين .

ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدين، وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.

و‌اليقين عرفه ابن منظور فقال : اليقين هو العلم وإزاحة الشّكّ وتحقيق الأمر فلا إيمان إلا به، ومن شك فلا إيمان له (أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ)

وهذا يكفي وقيل الصّبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كلّه

قال أبو مسلم الخولاني : ليسَ الزَّهادةُ في الدُّنيا بتَحريمِ الحلالِ، ولا في إضاعةِ المالِ ، ولَكِنِ الزَّهادةُ في الدُّنيا أن لا تَكونَ بما في يَدَيكَ أوثقَ منكَ بما في يدِ اللَّهِ، وأن تَكونَ في ثوابِ المُصيبةِ، إذا أُصِبتَ بِها، أرغبَ منكَ فيها، لَو أنَّها أُبْقيَت لَكَ

أولا : الكون يدل على وجود الله

إن معرفة الله حاجة فطرية في نفس الإنسان، وأن الإنسان مُعد للإقرار بوجود خالق له عقلا ونقلا والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل، وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية، قال الله تعالي (وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ 87 )الزخرف وقال الله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ { الطور:35}.

يقول الشعراوي - رحمه الله -: (وفَرْق بين التعقل والتصور، والذي أتعب الفلاسفة أنهم خلطوا بينهما؛ فالتعقل أن أنظر في آيات الكون، وأرى أن لها موجدًا، أما التصور فبأنْ أتصور هذا الموجِد: شكله، اسمه، صفاته..إلخ، وهذه لا تتأتى بالعقل، إنما بالرسول الذي يأتي من قِبَل الإله الموجِد.

والدليل العقلي هو الكون والنظام: فالعقل السليم إذا تأمل الكون بما فيه من نظام ودقة وتناسق، أدرك بداهةً أن هذا النظام لا بد له من مُنظِّم وخالق عظيم [وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ 61 ) العنكبوت

في أحد البلاد التي يكفر أهلها بالله ؛ وفيها أقلية مسلمة ، أراد أحد معلمي الكفر والضلال ان يبذر في الصغار بذرة الكفر البغيضة ، فقال للأطفال:هل ترون السبورة؟ قالوا: نعم ، قال: إذاً السبورة موجودة.

فقال: هل ترون المقاعد؟ قالوا: نعم.

قال: إذن. فالمقاعد موجودة.

قال: فهل ترون الله؟ قالوا: لا.

قال: فالله إذن غير موجود.

فقام أحد الصغار المؤمنين يقول: هل رأيتم الأستاذ؟ قالوا: نعم.

قال: فالأستاذ إذن موجود.

ثم قال: فهل رأيتم عقل الأستاذ؟

قالوا: لا.

قال:فعقل الأستاذ إذن غير موجود!!

**إذن الرؤية ليست دليلاً على الوجود ، فنحن لا نرى الكهرباء ، ولا نرى ذبذبات الإرسال ، ومع ذلك فنحن نؤمن بوجودهما ، فكيف لا نؤمن بالله سبحانه ، وقد قام الدليل على وجوده عزّ وجلّ.*** من كتاب: مائة قصة من قصص الصالحين

ولله در القائل

كل العجائب صنعة العقل الذي

هو صنعة الله الذي سواكا

والعقل ليس بمدرك شيئاً اذا

مالله لم يكتب له الإدراكا

أيها الإخوة: دخل رجل على الشافعي فقال له: يا إمام! ما الدليل على وجود الله؟ قال: ورقة التوت، تأكلها الشاة فتخرجها بعراً، وتأكلها البقرة فتخرجها روثاً، وتأكلها النحلة فتخرجها شهداً، وتأكلها الدودة -دودة القز- فتخرجها حريراً، وتأكلها الغزالة فتخرجها مسكاً، من الذي وحد الأصل وعدد المخارج؟ فانظر ما هو المدخل وما هو المخرج، فقد قيل: تفكر ساعة خير من عبادة سنة.

استحالة نشوء الوجود من العدم: يرى الفلاسفة والعلماء أن شيئًا لا يوجد من العدم، وأن كل شيء له سبب، وأن وجود الكون نفسه يُشير إلى وجود سبب أول لا بداية له وهو الله

أيها الناس: إن آيات الله في الكون تترى؛ لتدل على قدرة الله تعالى، وهيمنته على هذا الكون.

إن النظريات الغربية والشيوعية الملحدة، التي قررت أن الطبيعة هي التي أحدثت وأبدعت وصورت هذا الكون، قد أعلنت إفلاسها، وثبت فشلها، وذهبت إلى غير رجعة.

سقط دارون اليهودي ونظريته التي سماها بالتطور وهي أن الانسان أصله قرد  وتطور فلماذا لم يتطور اخوة دارون من القرود

فلا خالق، ولا رازق، ولا مصور، ولا مُبدع إلا الله الواحد الأحد إن التأمّل في مطلع الشمس ومغيبها، التأمّل في الظلّ الممدود ينقص بلطف ويزيد، التأمل في الخضمّ الزاخر والعين الوافرة الفوّارة والنبع الرويّ، التأمّل في النبتة النامية والبرعم الناعم والزهرة المتفتّحة والحصيد الهشيم، التأمّل في الطائر السابح في الفضاء والسمك السابح في الماء والدود السارب والنمل الدائب، التأمل في صبح أو مساء في هدأة الليل أو في حركة النهار، إن التأمل في كل ذلك يحرّك القلبَ لهذا الخلق العجيب، ويشعر العبدَ بعظمة الخالق تبارك وتعالى، قال جل وعلا: وَمِنْ ءايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ [الشورى:29]، تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:61، 62].

يروى عن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة الملحدين سألوه عن وجود الباري تعالى فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبِرت عنه، ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة ـ أي: مملوءة ـ فيها أنواع من البضائع وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد، فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل! فقال: ويحكم، هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت من الأشياء المحكمة ليس لها صانع! فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه.

قيل لابن عباس: بماذا عرفت ربك؟ فقال: من طلب دينه بالقياس لم يزل دهره في التباس، خارجاً عن المنهاج ظاعنا في الاعوجاج، عرفته بما عرَّف به نفسه، ووصفته بما وصف به نفسه، فأخبر أن معرفة القلب حصلت بتعريف الله وهو نور الإيمان، وأن وصف اللسان حصل بكلام الله وهو نور القرآن.

وقد قيل لعلي رضي الله عنه: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني نفسه، لا يشبه صورة ولا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس

ولله در القائل

لله في الآفاق آيات لعلّ ……أقلَّها هو ما إليه هداكا

ولعلّ ما في النفس من آياته……عجب عجاب لو ترى عيناكا

والكون مشحون بأسرار إذا ……حاولت تفسيرًا لها أعياكا

قل للطبيب تخطفته يد الردى…ياشافي الأمراض من أرداك ؟

قل للمريض نجى وعوفي بعد ما …عجزت فنون الطب من عافاك؟

قل للصحيح مات لا من علة…من يا صحيح بالمنايا دهاك ؟

بل سل الأعمى خطاً وسط الزحام…بلا صدام من ياأعمى يقود خطاك؟

بل سل البصير كان يحذر حفرةً …فهوى بها من ذا الذي أهواك ؟

وسل الجنين يعيش معزولاً بلا…راع ولا مرعى من ذا الذي يرعاك ؟

وسل الوليد أجهش بالبكاء لدى …الولادة من الذي أبكاك ؟

وإذا ترى الثعبان ينفث سمه…فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟

واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا…وهذا السم يملأ فاك ؟

واسأل بطون النحل كيف تقاطرت…شهداً وقل للشهد من حلاك ؟

إنه الله.. إنه الله.

واذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: أعرفه بآياته ومخلوقاته، قال تعالي (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة

ولله در القائل

وإذا رأيت النخل مشقوق النوى…فاسأله من يا نَخل شقَّ نواك؟!

وإذا رأيت النار شبَّ لَهيبها…فاسأل لهيب النار من أوراك؟!

وإذا ترى الجبل الأشَمَّ مناطحًا…قِمم السَّحاب فسَلْه من أرساك

وإذا ترى صخرًا تفجر بالْمياه…فسله من بالماء شقَّ صَفَاك؟!!

وإذا رأيت النهر بالعذب الزُّلال…جرى فسَلْه من الذي أجراك؟!

وإذا رأيت البحر بالملح الأُجاج…طغى فسَلْه من الذي أطغاك؟!!

فكم لله من حكم في خلق السماوات والارض ومن فيهن فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، هل يستطيع أحد في العالم، هل يستطيع كيان، أو منظمة، أو مؤسسة، أو هيئة علمية، أن تدعي وتزعم أنها هي التي أعطت كل شيء خلقه ثم هدَت ؟. لا، وألف لا، إن الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى هو الله.

ردّ بهذا الرد سيدنا موسى كليم الله عليه السلام على فرعون عدو الله، لما سأله فرعون: من ربكما، ما تعريفه، ما ترجمته، ما آثاره، ما هي الدلائل القائمة على وحدانيته، ما هي البراهين الساطعة على ألوهيته.

فقال موسى ( ربُّنا الذي أَعْطى كلَّ شيء خَلْقه ثم هدى [طه:50] وهذه الآية تشمل عالم النبات، وعالم الحيوان، وعالم الإنسان، وعالم البر، وعالم البحر، وعالم الجو، فالله يتجلى في عصر العلم، كلما مرَّ يوم، وكلما اكتشف اكتشاف، دلنا على الله وعلى قدرته ووحدانيته.

وفي كل شيء له آيةٌ ……تدلُّ على أنه واحدُ

والله يقول: والسماء بنيناها بأيْدٍ وإنّا لموسعون [الذاريات:47]. يقول العلماء: إن الله، عزّ وجلّ، أوسع الكون، وجعله فسيحًا، بصحاريه، وفيافيه، وبحاره، ومحيطاته، ثم تطور علم الإنسان إلى أن وصل إلى قضية مذهلة؛ وهي أن الكون يتسع كل يوم كما يتسع البالون إذا مُلئ بالهواء تماماً !!, يوسع الله الكون، نعم هذه قدرته وهذا سلطانه ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ  [الأنفال:22].

ويقول جلّ ذكره وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ  [الحجر:22].

مَن ما يدري معنى لواقح، وكيف تلقح الرياح، وما فائدة تلقيح الرياح، وما المادة التي تلقحها الرياح بإذن الله.

وفي التنزيل ( وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا  [النازعات:32].

أين أرساها؟ ولماذا أرساها؟ وكيف أرساها؟ أرساها في الأرض، قال أهل العلم: طول الجبل في باطن الأرض ضعف طوله فوق سطح الأرض، فكل جبل من الجبال، لم يخرج منه على سطح الأرض إلا الثلث، وبقي الثلثان في بطن الأرض، أوتد الله الأرض بالجبال، ثم وزّعها على القارات والجزر، حتى لا تهتزّ الأرض، ولو جمعها في منطقة واحدة لاضطرب حال الأرض، ولتقلّبت، ولانتهت كل الكائنات الحية الموجودة على سطحها، هذا خَلْقُ الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلالٍ مبين [لقمان:11].

وخلق الله عالم الحيوان، والحديث عنه طويل، قال علماء الحيوان: جعل الله في خياشيم الكلب مادة شامّة، يَعرف بها من بعيد صديقه من عدوه، ولا يصيب الكلب عرق، فإذا أراد أن يتنفس من المسام، لهث في الليل والنهار قال تعالي (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) [الأعراف:176]. فمن الذي خلق.. ومن الذي صوّر.. ومن الذي أبدع.

ولنا في النملة آيات وعبر فقد روى الحاكم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خرج نبي الأنبياء يستسقي، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء، فقال: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شأن هذه النملة ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي

في رواية احمد ان الذي خرج نبي الله سليمان عليه السلام يستسقي بالناس، فمرّ في الطريق بنملة، وإذا هي قد انقلبت على ظهرها ورفعت يديها إلى الحي القيوم تقول: يا حي يا قيوم أغثنا برحمتك. لا إله إلا الله، من الذي أخبر النملة أن الله خلَقها؟! من الذي أخبر النملة أن الذي يحيي ويميت ويضر وينفع هو الله؟! إنه الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. بكى نبي الله سليمان وقال لقومه: عودوا فقد سقيتم بدعاء غيركم.

بل ان الناس سترى الآيات روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ قَالَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ. فَقَالَ: يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ. فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ، يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ. قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي: أَخْبِرْهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي، بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَ .

 قال الذئب للرجل لما تعجّب من تكليمه إياه: أعجب من ذلك رجل بين الحرتين، يوحى إليه صباح مساء

يقول: أعجب من تكليمي لك، رجل وهو النبي عليه الصلاة والسلام، يأتيه الوحي من السماء، لا يقرأ، ولا يكتب، وما تعلّم، وما درس، ومع ذلك أتى بشريعة ربانية، وبوَحيٍ سماوي، وبمنهج خالد.

لما سمع جبير بن مطعم رسول الله يقرأ سورة الطور في صلاة المغرب فبلغ هذه الآيات: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:35-37]، وكان جبير يومئذ مشركا قال: (كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي) أخرجه البخاري. فلا بد أن يُعمِل الإنسان عقله في المخلوقات وفي الظواهر الكونية التي تحيط به، ويعلم أن وراءها مدبرا عظيما قاهرا.

فلا بد أن يكون الإيمان في مكان آمن مصون من قلب الإنسان، ولكي يكون كذلك فلا بد أن يتعهد الإنسان إيمانه بالأعمال الصالحة وبالذكر والتدبر حتى يثبت هذا الإيمان ثبات الجبال الرواسي، لهذا كان رسول الله يستحضر معاني الإيمان في ذكره ودعائه وعبادته

جاء أمية بن خلف -والعياذ بالله- ببعض عظام من مقابر في مكة قد بليت، وأخذها بيده وطحنها ونفخ بها في الهواء، وقال: (يا محمد! هل يستطيع ربك أن يعيد هذه مرة أخرى؟)، فينزل جبريل الأمين بآخر سورة ياسين، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]، ثم بعد ذلك التنظير يقول سبحانه: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:80]، فالشجر الأخضر يحمل أوراقاً فيها التمثيل الضوئي وفيها مادة البلاستيد الخضراء وفيها ما نستخدمه من طاقة، قال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:80 - 83].

فانظر إلى بساطه هذه الآيات وسهولتها وكيف يضرب الله مثلاً على مسألة الخلقة.

ويذكر أن أعرابياً جلس تحت ظل شجرة، فنظر إلى جمله وقد بعر بعراً ورجلاه على الرمال، ونظر إلى البحر من بعيد فقال: البعرة تدل على البعير وأقدام السير تدل على المسير، فأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير، وهل يعقل المرء هذا كله ويقول: أين الله

البعرة تدل على البعير: يعتمد هذا الاستدلال على الملاحظة الحسية، فكما أن البعرة تدل على وجود البعير، فكذلك الكون وما فيه من دلائل يشير إلى وجود خالق له.

يقول لبيد بن ربيعة

فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ      أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ

وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ            تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ

وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ              وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ

ثانيا : الآيات الكونية في القرآن الكريم لزيادة اليقين ومحاربة الإلحاد

ايها الاخوة ان الآيات الكونية هي : الآيات المنسوبة إلى الكون الذي هو الخلق الذي كونه الله تعالى فكان، وذلك: السماوات والأرض والجبال والسهول والأنهار والشمس والقمر والنبات والحيوان والجماد، وخلق الإنسان، وآيات الله عز وجل في الآفاق، وما فيهما وما بينهما من سائر المخلوقات وكلها تدعونا للتفيكر والايمان واليقين

قَالَ الله تَعَالى { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت وقد ذكر الامام  القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن لهذه الاية ايْ دَلَائِلَ قُدْرَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ  فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ

وقال تعالي (وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ 19 وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ 20 ) الذاريات أَيْ: فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَةِ عَلَى عَظَمَةِ خَالِقِهَا وَقُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ، مِمَّا قَدْ ذَرَأَ فِيهَا مِنْ صُنُوفِ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ، وَالْمِهَادِ وَالْجِبَالِ، وَالْقِفَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ، وَاخْتِلَافِ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَأَلْوَانِهِمْ، وَمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ وَالْقُوَى، وَمَا بَيْنَهُمْ مِنَ التَّفَاوُتِ فِي الْعُقُولِ وَالْفُهُومِ وَالْحَرَكَاتِ، وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَمَا فِي تَرْكِيبِهِمْ مِنَ الْحِكَمِ فِي وَضْعِ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِمْ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} : قَالَ قَتَادَةُ: مَنْ تَفَكَّرَ فِي خَلْقِ نَفْسِهِ عَرَفَ أَنَّهُ إِنَّمَا خُلِقَ وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ لِلْعِبَادَةِ كَمَا أَنْشَدَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِهِ "التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ"، عَنْ شَيْخِهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقُرَشِيِّ:

وَإذَا نَظَرْتَ تُريدُ مُعْتَبَرا ... فَانظُرْ إليْكَ فَفِيكَ مُعْتَبَرُ ...

أنتَ الَّذِي يُمْسِي وَيُصْبحُ فِي ... الدُّنْيَا وكُلّ أمُوره عبَرُ ..

وقال تعالي ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) الذاريات

يروي عن الأصمعي انه قال: أقبلت ذات يوم من المسجد الجامع بالبصرة فبينا أنا في بعض سككها إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلد سيفه وبيده قوس فدنا وسلم وقال لي: ممن الرجل؟ قلت: من بني الأصمع قال: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم.

قال: ومن أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن قال: وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟! قلت: نعم.

قال: اتل علي شيئا منه فقلت له: انزل عن قعودك فنزل وابتدأت بسورة الذاريات.

فلما انتهيت إلى قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] قال: يا أصمعي هذا كلام الرحمن؟ قلت: إي والذي بعث محمدا بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم! فقال لي: حسبك! ثم قام إلى ناقته فنحرها وقطعها بجلدها وقال: أعني على تفريقها ففرقناها على من أقبل وأدبر.

ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وجعلهما تحت الرحل وولى مدبرا نحو البادية وهو يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] .

فأقبلت على نفسي باللوم وقلت: لم تنتبه لما انتبه له الأعرابي فلما حججت مع الرشيد دخلت مكة فبينا أنا أطوف بالكعبة إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق فالتفت فإذا أنا بالأعرابي نحيلا مصفارا فسلم علي وأخذ بيدي وأجلسني من وراء المقام وقال لي: اتل كلام الرحمن فأخذت في سورة الذاريات فلما انتهيت إلى قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] . صاح الأعرابي: وجدنا ما وعدنا ربنا حقا. ً

ثم قال: وهل غير هذا؟ قلت: نعم يقول الله - عز وجل - {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23] . فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟! ألم يصدقوه حتى ألجؤوه إلى اليمين؟! قالها ثلاثا وخرجت فيها روحه. كتاب التوابين لابن قدامة

ثم يلفت القران الكريم نظرنا إلى آياته في السماوات وفي الأرض لنتذكر بذلك قرب النهاية فنستعد للرحيل ونترك التسويف ونعلم قصر الدنيا مهما طالت وقرب الآخرة بانتهاء الأجل أو بقيام الساعة وإذا مات الإنسان فقد قامت قيامته حيث لا عمل ولا استدراك إنما هو الحساب في دار البرزخ ثم دار القرار ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الاعراف

ثم ينعى على من لم يتعظ بالآيات المبثوثة بالآفاق في قوله جل وعلا: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) الاعراف وفي السورة الأخرى يقول جل وعلا ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  ) ثم ينعى على من لم يتعظ بهذه الآيات بقوله: ( وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) يونس

من الذي خلق السماء بغير عمد ترونها؟ انه الله

من الذي خلق الأرض وثبتتها بالجبال، وزينتها بالأشجار، وشقت فيها البحار والأنهار؟   انه الله

من الذي امتدت قدرته إلى حبة القمح فغلفتها بهذه الأغلفة، وجعلت في نهاية كل حبة شوكة طويلة؛ لأنه قد قدر أن تكون حبة القمح غذاء لك أيها الإنسان؟!   انه الله

من الذي امتدت يده إلى كوز الذرة فأخرجت هذه الحبات اللؤلؤية بهذا الجمال والإتقان والإبداع؟! من الذي امتدت يده إلى رأسك أيها الإنسان فجعلت ماء العين مالحا، وماء الأنف حامضاً، وماء الأذن مرّاً، وماء الفم حلواً وعذباً؟! مع أن أصل هذه المياه واحد، وهو رأسك أيها الإنسان؟ انه الله

من الذي نجي الخليل إبراهيم من النيران؟! يد من التي حفظت يوسف من غيابات الجب؟! يد من التي نجت يونس في بطن الحوت؟! انه الله من الذي نجي الحبيب المصطفى ليلة الهجرة! {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:22 - 24].

أحبتي في الله، إن الكون كتاب مفتوح جعله الله تبارك وتعالى ليُقرَأ بكل لغة وبكل لسان، ويدرك بكل الحواس وبأي وسيلة للوقوف على صنع الله الذي أتقن كلّ شيء، والذي أعطى كل شيء خلقة ثم هدى. هذا الإبداع الرباني الذي ينطق بعظمة الخالق جل وعلا؛ السماء وارتفاعها واتساعها وما فيها من مجرّات دائرة وكواكب نيرة ونجوم زاهرة، والأرض وانبساطها وانخفاضها وما فيها من جبال وبحار وثمار وأشجار وأنهار وإنسان وحيوان، تجعل القلب ينطق قبل اللّسان: أإله مع الله؟! قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ءَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ءَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ ءَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ءَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ءَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:59-64].

ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء أن علي بن أبي طالب سيف الله المنتضى والإمام المرتضى جلس تحت حائط يريد أن ينقض، يقضي بين رجلين فقال أحد المسلمين لـ علي: الحائط يريد أن ينقض عليك.

قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما قضى بين الرجلين وقام من مجلسه؛ انقض الحائط مكانه! قال علي رضي الله عنه في بيتين:

أي يومي من الموت أفر يوم لا يقدر أو يوم قدر

يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا يغني الحذر

ان أحد الشعراء كان مسرفًا على نفسه في الخطايا، ويسمي أبا نواس، وعندما توفي، رآه أحد علماء أهل السنة في المنام في هيئة حسنة، عليه ثياب بيض، جالس في بستان، قال: يا أبا نواس كيف حالك؟ قال: لقد أتيت إلى الكريم فغفر لي، قال: بماذا؟ قال: بقصيدتي في وردة النرجس:

تأمل في نبات الأرض وانظر …إلى آثار ما صنع المليكُ

عيون من لُجَين شاخصات …بأحداقٍ هي الذهبُ السبيكُ

على كُثُبِ الزَّبَرْجَد شاهداتٌ …بأن الله ليس له شريكُ

النخل.. الرمان.. الريحان.. كل نبت.. كل زهر، يشهد أن لا إله إلا الله إنها معالم الوحدانية، ودلائل الألوهية، وآيات الربوبية.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (‌يَقْبِضُ ‌اللَّهُ ‌الْأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ). رواه البخاري، وله عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرْضَ، ‌وَتَكُونُ ‌السماوات ‌بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ) أخرجه البخاري

وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول جَاءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَضَعُ السَّمَاءَ ‌عَلَى ‌إِصْبَعٍ، وَالْأَرْضَ ‌عَلَى ‌إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ ‌عَلَى ‌إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالْأَنْهَارَ ‌عَلَى ‌إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ ‌عَلَى ‌إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.

هذا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم
google-playkhamsatmostaqltradent