يَقِينِي بالله يَقِينِي
ماذا تعني "يقيني بالله يقيني؟
من هم أهل اليقين؟
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، "يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن
يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا"، وبعد،
فإن من أكبر نعم الله تعالى على عبده المؤمن هو أن يرزقه نعمة "اليقين" والذي هو: "طُمأنينة القَلْب، على حقيقة الشيءِ وتحقيق التصديق بالغَيْب، بإزالة كلِّ شكٍّ ورَيْب" (كما ذكر الجرجانيُّ في تعريفاته ١/ ٨٥).
عباد الله :"
ماذا تعني "يقيني بالله يقيني"
تعني أن الثقة والإيمان العميق بالله يؤدي إلى حماية الله ووقايته، فالكلمة الأولى (يقيني) تشير إلى الثقة، بينما الثانية تعني الحماية أو العطاء
إنها عبارة تبعث على الأمل والتفاؤل، وترسخ الإيمان بأن الله كافٍ لعبده، ولا يضيع عمل من أحسن الظن به
اليقين الأول (يقيني): هو الإيمان الراسخ والثقة التامة بأن الله موجود ويدبر الأمور.
اليقين الثاني (يقيني): هو ما ينتج عن اليقين الأول، أي أن الله سيحميني، سيحميني من الشر، ويحميني من الضياع، ويحميني من أي سوء
من بلاغة اللغة العربية:
هذه العبارة هي مثال على الجناس التام، حيث تتشابه الكلمتان في النطق والحروف، لكن لكل منهما معنى مختلف.
ففي المرة الأولى، "يقيني" بمعنى ثقتي، وفي المرة الثانية، "يقيني" تعني بمعنى "الحماية".
الأهمية والمعنى العميق:
مصدر للقوة: العبارة تُعطي شعوراً داخلياً بالقوة والرضا في الأوقات الصعبة، لأنها تُبنى على حسن الظن بالله.
تأثير إيجابي: التفكير في هذه الكلمات يجدد الأمل والتفاؤل، ويعطي دفعة روحية تدفع الشخص نحو تحقيق أهدافه.
بث الفرح والأمان: اليقين بالله يطفئ الأحزان ويمنح شعورًا بالراحة والأمان، لأنه يعطي الإنسان شعوراً بأن الله لن يتركه
قال تعالي:"فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا
لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
ويقول تعالي:" إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ"(النحل - 128)
" يقيني بالله يقيني "
قال تعالي:" وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"(الطلاق:2-3).
وهذا الوعد بالمخرج والرزق من غير وجه الاحتساب، يحتمل أن يكون متعلقا بشأن الأزواج خاصة، ويحتمل أن يكون عاما في كل شؤون أهل التقوى.حيث يُبين الله تعالى أن من يتقي الله ويخشاه يجعل له مخرجاً من الضيق وينصره، ويرزقه رزقاً من حيث لا يحتسب. هذه الآية تشير إلى أن التقوى سببٌ للفرج والنصر والرزق
" يقيني بالله يقيني "
كلمتين :
الأولى تعني :" أن ثقتي وايماني واعتقادي بالله ،يؤدي بي إلى
الثانية وهي أن أنال حماية الله ووقايته .. نعم انه اليقين انه المحرك الذي يلهب قلوبنا ،ويحركها في تلك الحياة ..
يقين بأن الله لن يضيعنا
يقين بأن الله سيعيننا
يقين بأن الله لن يخيب ظنوننا
قال رب العزه في الحديث القدسي :" انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء " ..
فقط أحسنوا الظن بربكم وإن إشتد كربكم
إن اليقين أعلى مراتب الإيمان، يهنأ
أصحابُه ببَرَدِهِ، وينعمون بطمأنينته، ويسعدون بحياته الطيبة، ويأمُلون نعيمه
الخالد في الآخرة؛ قال تعالى:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بالله
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"(الحجرات: ١٥).
قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر ثم بكى، فقال: (قام رسول الله ﷺ عام الأول على المنبر، ثم بكى، فقال: سَلُوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقين خيرًا من العافية"(الترمذي).
من هم أهل اليقين؟
وأهل اليقين -عباد الله-
هم أرفع الناس منزلةً بعد الأنبياء؛ لكمال يقينهم، فالموقنون هم المنتفعون بالنظر في الآيات والبراهين؛ قال تعالى:"وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ"(الذاريات: ٢٠).
إن ألزم ما يجب على المؤمن تفقده وتعاهده أثناء معاصيف الفتن وتجهّم البلاء مدى يقين قلبه بالحق الذي قامت شواهد صدقه وبات مطمئناً به؛ إذ من شأن تلك الخطوب والفتن امتحان ذلك اليقين، وبلوُ خبره، وزعزعة ثباته؛:"لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة"، ويبينَ الصدق من الزيف؛ فذاك من أجلّ مقاصد الابتلاء، ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾. هذا وإن توارد الشبهات من أشد مواطن امتحان اليقين بثوابت أحكام الشرع المطهر، وشموله، وصلاحيته، ونصوصه المعصومة، وحملته الأمناء؛ مما يثيره الشيطان في النفوس، أو ينفثه أولياؤه من شياطين الإنس والجن، سيما في هذا العصر الذي سهل فيه التواصل مع العالم، وذابت فيه كثير من القيود، وضعف فيه الرسوخ العلمي، وكثر فيه رؤوس الجهل والمفتونون وعليمو اللسان؛ فإن شُبَهَ هؤلاء فتنةٌ أيما فتنة للقلوب إن كان فيها مرض الشك أو داء القسوة، بخلاف قلوب أهل العلم والإيمان،
كما قال تعالى :"لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم"(الحج /53-54).
وكذلك فإن
من مواطن امتحان اليقين بالثقة بوعد الله ونصره وحكمته حالَ ظهور أهل الباطل
وانكسار أهل الحق، وعند حصول القدر المؤلم ووقوع المصائب، وعند تفاوت الأرزاق.
إن اليقين بَرْدُ نعيمٍ؛ يعمر قلب من
أكرمه الله به؛ فهو الزاد المغذي لذلك القلب بالإيمان والعمل الصالح، يقول الحسن
البصري: "صدق الله ورسوله! باليقين طُلِبت الجنة، وباليقين هُرب من النار،
وباليقين أديت الفرائض، وباليقين صُبِر على الحق".
إنَّ عماد تعريف (اليقين) هو: العِلْم المستودَع في القلْب، الذي يُعارِض اللَّبْسَ والتشكيك والرَّيب، وهو مِن الإيمان الجازم بمنزلة الرُّوح مِن الجسد، فقد أخرج الطبراني مِن طريق عبد الله بن مسعود، عن النبيِّ ﷺ قال:"إِنَّ الله تَعالى بِقِسْطِه وَعَدْلِه جَعَلَ الرَّوْحَ والْفَرحَ في الرِّضا وَالْيَقِين"(الطبراني في المعجم الكبير ١٠/ ٢١٥، والبيهقي في شُعب الإيمان )
وفي اليقين لابن أبي الدُّنيا من طِريق العلاء بن عُتْبة: أنَّ النبي ﷺ قال:"اللهمَّ إني أسألك
إيمانًا تباشِر به قلْبي، ويَقينًا حتى أعلمَ أنه لا يمنعني رِزقًا قسمتَه لي، ورِضًا من المعيشة
بما قسمتَ لي"( ابن أبي الدنيا، اليقين ص: 25.).
ما أعدَّه الله للموقنين في القرآن:
خصَّ عزَّ وجلَّ المتقين بالانتفاع
بالآيات والبراهين، فقال:"وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ"(الأنعام: 75).
وخصَّ أهل اليقين بالهُدى والفلاح، فقال:"وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ" (البقرة: 4، 5).
وإذا تزاوج الصبرُ باليقين وُلِدت
بينهما الإمامةُ في الدِّين؛ قال تعالى:"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"(السجدة: 24)، يَهْدُون أتباعهم وأهل القَبول منهم بإِذْن الله لهم بذلك، وتقويته
إيَّاهم عليه.