هل يحاسب الله الطيور والحيوانات يوم القيامة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم
أن الدواب والطيور تحشر يوم القيامة، فقال سبحانه: :"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ"(الأنعام:38).
ذكر ابن كثير قال مجاهد : أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها . وقال قتادة : الطير أمة
، والإنس أمة ، والجن أمة . وقال السدي :"إلا أمم أمثالكم "أي : خلق أمثالكم .
عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال :"لولا أن الكلاب أمة لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بهيم " .
وقيل : أمم أمثالكم : يفقه بعضهم عن بعض ، وقيل : أمم أمثالكم في الخلق والموت والبعث ،
وقال عطاء : أمم أمثالكم في
التوحيد والمعرفة ، قال ابن قتيبة : أمم أمثالكم في الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي
المهالك .
ويقول القرطبي:"إلا أمم أمثالكم أي : هم جماعات مثلكم في أن الله عز وجل خلقهم ، وتكفل بأرزاقهم ، وعدل عليهم ، فلا ينبغي أن تظلموهم ، ولا تجاوزوا فيهم ما أمرتم به . و ( دابة ) تقع على جميع ما دب ; وخص بالذكر ما في الأرض دون السماء لأنه الذي يعرفونه ويعاينونه .
وقيل : هي أمثال لنا في التسبيح والدلالة ; والمعنى : وما من دابة ولا طائر إلا وهو يسبح الله تعالى ، ويدل على وحدانيته لو تأمل الكفار .
وقال أبو هريرة : هي أمثال لنا على معنى أنه يحشر البهائم غدا ويقتص للجماء من القرناء ، ثم يقول الله لها : كوني ترابا . وهذا اختيار الزجاج فإنه قال : إلا أمم أمثالكم في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص ، وقد دخل فيه معنى القول الأول أيضا .
وقال سفيان بن عيينة : أي : ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه ; فمنهم من يعدو كالأسد ، ومنهم من يشره كالخنزير ، ومنهم من يعوي كالكلب ، ومنهم من يزهو كالطاوس ; فهذا معنى المماثلة . واستحسن الخطابي هذا وقال : فإنك تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك .
وقال مجاهد في قوله عز وجل : إلا أمم أمثالكم قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون . وقيل غير هذا مما لا يصح من أنها مثلنا في المعرفة ، وأنها تحشر وتنعم في الجنة ، وتعوض من الآلام التي حلت بها في الدنيا وأن أهل الجنة يستأنسون بصورهم ;
والصحيح إلا أمم أمثالكم في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة من جهته ، كما أن رزقكم على الله . وقول سفيان أيضا حسن ; فإنه تشبيه واقع في الوجود"(تفسير القرطبي).
وذكرالطبري:"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المعرضين عنك، المكذبين بآيات الله: أيها القوم, لا تحسبُنَّ الله غافلا عما تعملون, أو أنه غير مجازيكم على ما تكسبون! وكيف يغفل عن أعمالكم، أو يترك مجازاتكم عليها، وهو غير غافل عن عمل شيء دبَّ على الأرض صغيرٍ أو كبيرٍ، ولا عمل طائر طار بجناحيه في الهواء، بل جعل ذلك كله أجناسًا مجنَّسة وأصنافًا مصنفة, تعرف كما تعرفون، وتتصرف فيما سُخِّرت له كما تتصرفون, ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها, ومُثْبَت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب, ثم إنه تعالى ذكره مميتها ثم منشرها ومجازيها يوم القيامة جزاءَ أعمالها. يقول: فالرب الذي لم يضيِّع حفظَ أعمال البهائم والدوابّ في الأرض، والطير في الهواء، حتى حفظ عليها حركاتها وأفعالها، وأثبت ذلك منها في أم الكتاب، وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء, أحرى أن لا يُضيع أعمالكم، ولا يُفَرِّط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها، أيها الناس، حتى يحشركم فيجازيكم على جميعها, إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا, إذ كان قد خصكم من نعمه، وبسط عليكم من فضله، ما لم يعمَّ به غيركم في الدنيا, وكنتم بشكره أحقَّ، وبمعرفة واجبه عليكم أولى، لما أعطاكم من العقل الذي به بين الأشياء تميِّزون، والفهم الذي لم يعطه البهائم والطيرَ، الذي به بين مصالحكم ومضارِّكم تفرِّقون"(تفسير الطبري).
وقال تعالى: "وَإِذَا الْوُحُوشُ
حُشِرَتْ"(التكوير:5).
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه
يقضى بينها يوم القيامة: فقال: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة
الجلحاء -التي بدون قرون- من الشاة القرناء"(مسلم).
وقال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: "وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً "(النبأ/ 40).
وقيل: إنما يود ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا يجور، حتى إنه ليقتص للشاة الجماء من القرناء، فإذا فرغ من الحكم بينها قال لها: كوني تراباً فتصير تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: ياليتني كنت تراباً أي كنت حيواناً فأرجع إلى التراب، وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور، وورد فيه آثار عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهما.
لتؤدُّنَّ الحُقوقَ إلى أَهلِها ، حتَّى يقادَ الشَّاةُ الجلحاءُ منَ الشَّاةِ القرناء"( مسلم).
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الحقوقَ ستُؤدَّى إلى أهلِها يومَ القيامةِ، فقال:"لَتُؤَدُنَّ الحقوقَ" اللَّامُ واقعةٌ في جَوابِ قسَمٍ مُقدَّرٍ، أي: واللهِ
لَيُؤدِّيَنَّ كلُّ واحدٍ منكم حُقوقَ الآخَرينَ يومَ القيامةِ، والخطابُ
للخلائقِ. والحقوقُ: جمعُ حقٍّ، وهو ما يَحِقُّ على الإنسانِ أنْ يُؤدِّيَه، وهو
يَعُمُّ حُقوقَ الأبدانِ، والأموالِ، والأعراضِ، وصَغيرَ ذلك وكَبيرَه.
حتَّى يُقادَ يومَ القيامةِ ويُقتَصَّ لِلشَّاةِ الجَلحاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرناءِ، أي: حتَّى إنَّه يُقْتَصُّ لِلشَّاةِ الَّتي لَيسَ لها قرْنٌ مِنَ الشَّاةِ الْقَرنَاءِ الَّتي لها قَرْنٌ وضَرَبت أُختَها بقُرونِها،
والغالِبُ أنَّ الَّتي لها أَقْرُنٌ إذا نَاطَحَتِ
الْجَلْحَاءَ الَّتي ليس لها قَرْنٌ تُؤذِيها أكثرَ، فإذا كان يومُ القيامةِ قَضى
اللهُ بيْنَ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ، واقْتصَّ بيْنهما؛ هذا وهي بَهائِمُ لا
يَعقِلْنَ ولا يَفْهمْنَ؛ لكنَّ اللهَ عزّ وجلّ حَكَمٌ عَدْلٌ.
والمقصودُ مِن هذا الحديثِ إبرازُ
القِصاصِ في صُورةِ التَّأكيدِ، والمبالَغةُ في كَمالِ العدالةِ بيْن كافَّةِ
المكلَّفِين، وإعلامُ العبادِ بأنَّ الحقوقَ لا تَضيعُ، بلْ يُقتَصُّ حقُّ
المظلومِ مِن الظَّالمِ؛ لأنَّه إذا حصَلَ القصاصُ بيْن الحيواناتِ الخارجةِ عن
التَّكليفِ، حَصَل بيْن المكلَّفِين مِن بابِ أَولى.
وفي الحديثِ: دليلٌ على أنَّ البهائمَ
تُحشرُ يومَ القيامةِ، وتُحشرُ الدَّوابُّ، وكلُّ ما فيه رُوحٌ يُحْشَرُ يومَ
القيامةِ.
وفيه: أنَّ كلَّ شَيءٍ مَكتوبٌ، حتَّى
أعمالُ البهائمِ والحشراتِ مَكتوبةٌ في اللَّوحِ المحفوظِ.
وفيه: الحثُّ على أداءِ الحقوقِ إلى
أصحابِها.
وفيه: إثباتُ البعثِ والنُّشورِ فما هو المراد بهذه المماثلة بين الإنسان وبين ما بثه الله سبحانه من كائنات ومخلوقات غيره؟
معنى الأمة لغة؟
تذكر معاجم اللغة أن معنى (الأمة) لغة:
الجماعة. وقال ابن منظور في "لسان العرب": "الأمة: الجيل، والجنس
من كل حي".
أقوال المفسرين والعلماء في معنى قوله تعالى: {إلا أمم أمثالكم}
وقال الإمام الطبري في تفسيره لهذه
الآية: "جعلها أجناساً مجنسة، وأصنافاً مصنَّفة، تعرف كما تعرفون، وتتصرف
فيما سخرت له كما تتصرفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومثبت كل ذلك
من أعمالها في أم الكتاب".
وقال الإمام القرطبي في كتابه
"الجامع لأحكام القرآن": {إلا أمم أمثالكم} أي: هم جماعات مثلكم، خلقهم
الله، وتكفل بأرزاقهم، وعدل عليهم، فلا ينبغي أن تظلموهم، ولا تجاوزوا فيهم ما
أمرتم به". وقال الزجاج: {إلا أمم أمثالكم} قال: في الخلق، والرزق، والموت،
والبعث، والاقتصاص.
وقال السيوطي في تفسيره
"الجلالين": {إلا أمم أمثالكم} قال: "في تدبير خلقها، ورزقها،
وأحوالها".
ونقل الإمام ابن القيم في كتابه "شفاء العليل" عن الخطابي قوله: "ما أحسن ما تأول سفيان ابن عيينة هذه الآية، واستنبط منها هذه الحكمة، وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعاً لظاهره، وجب المصير إلى باطنه، وقد أخبر الله عن وجود المماثلة بين الإنسان، وبين كل طائر ودابة، وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة، وعدم من جهة النطق والمعرفة، فوجب أن يكون منصرفاً إلى المماثلة في الطباع والأخلاق". ثم علق ابن القيم على كلام الخطابي بقوله: "والله سبحانه قد جعل بعض الدواب كسوباً محتالاً، وبعضها متوكلاً غير محتال، وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنته، وبعضها يتكل على الثقة، بأن له في كل يوم قدر كفايته رزقاً مضموناً، وأمراً مقطوعاً، وبعضها لا يعرف ولده البتة، وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه، وبعضها تضيع ولدها، وتكفل ولد غيرها، وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها، وبعضها يدخر، وبعضها لا تكسب له، وبعض الذكور يعول ولده، وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف عليه. وجعل بعض الحيوانات يُتْمَها من قِبَل أمهاتها، وبعضها يُتْمَها من قِبَل آبائها، وبعضها لا يلتمس الولد، وبعضها يستفرغ الهم في طلبه، وبعضها يعرف الإحسان ويشكره، وبعضها ليس ذلك عنده شيئاً، وبعضها يُؤْثِر على نفسه، وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمة من جنسه، لم يدع أحداً يدنو منه، وبعضها يألف بني آدم، ويأنس به، وبعضها يستوحش منه، وينفر غاية النفار منه، وبعضها لا يأكل إلا الطيب، وبعضها لا يأكل إلا الخبائث، وبعضها يجمع بين الأمرين، وبعضها لا يؤذي إلا من بالغ في أذاها، وبعضها يؤذي من لا يؤذيها، وبعضهم حقود لا ينسى الإساءة، وبعضها لا يذكرها البتة، وبعضها لا يغضب، وبعضها يشتد غضبه، فلا يزال يُسترضى حتى يرضى، وبعضها عنده علم ومعرفة بأمور دقيقة، لا يهتدي إليها أكثر الناس، وبعضها لا معرفة له بشيء من ذلك البتة، وبعضها يستقبح القبيح وينفر منه، وبعضها الحسن والقبيح سواء عنده، وبعضها يقبل التعليم بسرعة، وبعضها مع الطول، وبعضها لا يقبل ذلك بحال". انتهى كلام ابن القيم.
خلاصة كلام المفسرين في قوله تعالى: "إلا أمم أمثالكم}
الطيور والدواب مثل بني البشر من حيث أن الله رازقهم، ومحييهم، ومميتهم، ومن حيث الطباع والسلوك والأخلاق، فمن الطيور من خُلُقه السرقة، ومنهم من طبعه الغدر، ومنهم الوفي، ومنهم المسالم، ومنهم الشرس، ومنهم الاستغلالي، ومنهم الوفي لزوجته، ومنهم الخائن لها، ومنهم النشيط ومنهم الكسول، ومنهم النؤوم ومنهم من لا يكاد ينام...الخ.
مثال على الغش عند الحيوانات
هناك سلوك يسميه العلماء بالتطفل وهو مثال صارخ عن الغش عند الحيوانات.
و(التطفل) كما يُعرِّفه علماء السلوك: هو سلوك تسلكه بعض أنواع من الطيور، حيث تضع بيوضها في أعشاش أنواع أخرى من طيور، ويقوم الزوج المستضيف بحضانة البيوض، وإطعام الفراخ حتى تبلغ مرحلة البلوغ. ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو تصرف طائر الوقواق الرمادي، الذي يتطفل على أعشاش بعض أنواع الطيور
وهناك مثال آخر، هو طائر السنونو ذات الرأس الأسود، والتي تضع بيوضها في أعشاش طيور النورس، وطيور البط، وكذلك يظهر هذا السلوك الطفيلي عند الأسماك، والحشرات.
كيفية وضع البيوض في أعشاش الطيور الأخرى
إن عملية وضع البيوض في أعشاش الطيور الأخرى تخبرنا أن الطيور التي قامت بذلك هي الأخرى تمت تربيتها بالطريقة نفسها؛ حيث وُضِعَت في أعشاش مضيفة، حتى وصلت إلى سن البلوغ، وقد طورت هذه الطيور أساليب لفعل ذلك؛ حيث غالباً ما تقوم أنثى الطير بهذه العملية في أقصى درجات السرية، وبعد مراقبة شديدة لمجموعة من الأعشاش المستهدفة، ويتدخل الذكر للتمويه، حيث يبدأ بالغناء بالقرب من العش الهدف، لإلهاء أصحاب العش، وتقوم الأنثى بوضع بيضها فيه. وبعض الطيور الأخرى تقوم بتحطيم إحدى البيوض، وتضع بيضتها مكانها، وهذا لإخفاء الزيادة في عدد البيوض التي من الممكن أن ينتبه إليها الطير المضيف، وتتم عملية الوضع في وقت وجيز، حيث لا تتعدى ثلاث ثوانٍ عند بعض الأنواع، في حين تأخذ العملية عدة دقائق في الحالة العادية عند الطيور. كما أن نمو فراخ الطيور المتطفلة يكون أسرع بكثير من نمو فراخ الطيور المضيفة، ما يؤثر في عملية التغذية؛ إذ إنها تحصل على النصيب الأكبر؛ لأنها أكبر من حيث الحجم، وأقوى من الفراخ الأخرى للطير جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي له شواهد وطرق كثيرة - قوله : ( يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم ، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء ، حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى قال الله : كونوا تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر : " يا ليتني كنت تراباً " .
- ( يقتص الخلق بعضهم من بعض ، حتى الجماء
من القرناء ، وحتى الذّرة من الذرة )
- عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً ، وشاتان تقترنان ، فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : ما يضحكك يا رسول الله ! قال : " عجبت لها ، والذي نفسي بيده ، ليقادنّ لها يوم القيامة " ( يا أبا ذر ! هل تدري فيم تنتطحان ؟ قال : لا ، قال : لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما )
قال النووي في شرح مسلم تحت حديث الترجمة :هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة ، وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين ، وكما يعاد الأطفال والمجانين ، ومن لم تبلغه الدعوة ، وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة ، قال الله تعالى : ( وإذا الوحوش حشرت ) ، وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع ، وجب حمله على ظاهره ، قال العلماء : وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب ، وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف ، إذ لا تكليف عليها ، بل هو قصاص مقابلة ، و( الجلحاء ) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها ، والله أعلم . انتهى .
ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاري في المرقاة ( 4/761 ) أنه قال :
فإن قيل : الشاة غير مكلفة ، فكيف يقتص منها ؟ قلنا : إن الله تعالى فعال لما يريد ، ولا يسأل عما يفعل ، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع ، بل يقتص حق المظلوم من الظالم ) .
قال القاري : ( وهو وجه حسن وتوجيه
مستحسن ... ، وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين
كافة المكلفين ، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف ، فكيف بذوي
العقول من الوضيع والشريف ، والقوي والضعيف ؟)المضيفي
الآخرةِ.
من الذي بلغ الدواب والطيوربهذا التكليف؟
الله تعالى هو من بلّغ وأبلغ الدواب والطيور وكلفها بمهمة الحساب يوم القيامة، وليس هناك من يبلغها أو يكلفها قبل ذلك. يوم القيامة، سيحشر الله كل شيء، بما في ذلك الدواب والطيور، ليحاسبها، {أَمْثَالُكُمْ}.
الحشر يوم القيامة:
في يوم القيامة، سيجمع الله كل
المخلوقات، بما في ذلك الحيوانات والطيور، لتقف أمامه للحساب.
{أَمْثَالُكُمْ}:
هذه الآية تشير إلى أن الحيوانات ستكون
في حالة مشابهة للإنسان من حيث الحشر والبعث، ولكن هذا لا يعني التكليف بنفس
الطريقة التي يُكلف بها الإنسان.
الحساب للحيوانات:
الحيوانات لا تُحاسب على الأفعال التي
تصدر منها بنفس الطريقة التي يحاسب بها الإنسان، ولكن الله تعالى سيقتص لبعضها من
بعض.
مثال:
في الحديث الشريف، ذُكر أن الله يقضي بين الأنعام المتناطحة، فيقتص للمظلوم من الظالم.
والحكمة من هذا الحساب هي إظهار عدل الله ورحمته بجميع مخلوقاته، حتى الحيوانات، "وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ"
هل إذا مات حيوان تربى عندنا فهل يحاسب مثلنا وسيشهد علينا يوم الحساب؟
فإن الحيوانات والبهائم ليست مثل الإنسان فيما يتعلق بالعقاب والثواب في الآخرة لأنها غير مكلفة أصلاً، وما ورد من أنها تعاد وتحشر يوم القيامة ويقتص لبعضها من بعض، فقد قال العلماء إن هذا القصاص ليس قصاص تكليف وإنما هو قصاص مقابلة، فقد ذكر النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم عند كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.. قال: هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد الأطفال والمجانين ومن لم تبلغه دعوة، وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ. وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره، قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب.
وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة والجلحاء بالمد هي الجماء التي لا قرن لها. والله أعلم. انتهى.
وروى ابن جرير أيضاً عن عبد الله ابن عمر قال: إذا كان يوم القيامة مد الأديم، وحشر الدواب والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدواب، يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بين الدواب، قال لها: كوني تراباً، قال: فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً. انتهى.
ثم إننا لم نطلع على ما يدل على شهادة الحيوانات على بني آدم يوم القيامة
والله أعلم