أربعٌ من السعادةِ .. وأربعٌ من الشَّقاءِ
عن سعد بن أبي
وقاص - رضِي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"أربعٌ من
السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسِع، والجارُ الصالح، والمَرْكَب الهنيء،
وأربعٌ من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيِّق"
وأخرَجَه كذلك أحمد مُختَصَرًا"( ابنُ حبَّان في "صحيحه"، والحاكمُ في "المستدرك"، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والبيهقيُّ في "الشُّعَب"، وغيرُهم).
وهذا الخبر النبوي الكريم قد تضمَّن
جُمَلاً من الفوائد والمعارف، كما حثَّ على بعض الأمور الجالِبَة للفرح والسعادة،
وحذَّر من أضدادها المقتضِيَة للمَتاعِب والشَّقاوَة.
• وقوله - صلى الله عليه وسلم :"أربعٌ من السعادة"؛ أي: كلُّ أمرٍ من هذه الأمور الأربعة فيه سعادةٌ لصاحبه، وسرُّ هذه السعادة أنَّ كلَّ أمرٍ من هذه الأمور الأربعة مُلازِم للإنسان؛ فلا يُفارِقه الإنسان تقريبًا إلا ويَعُود إليه مرَّة أخرى، فصُحبة الزوجة أو المسكن، أو الجار أو المركب، صُحبة حياة وملازمة دائمة.
وهذه السعادة وإن كانت سعادة دنيويَّة
وثمرتها عاجلة، إلاَّ أنَّ أسبابها ووجودها من أعظم ما يُعِين العبدَ على أمرِ
دينه وآخرته.
• وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"المرأة الصالحة": فالمرأة الصالحة خيرُ مَتاع الدنيا، كما قال - صلى الله عليه وسلم -:"الدنيا كلُّها مَتاع، وخير مَتاع الدنيا المرأة الصالحة"(مسلم وغيره).
وفي رواية النسائي وابن ماجه:"إنما الدنيا
مَتاع، وليس من مَتاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة "(صحيح الجامع).
فمع كون المرأة الصالحة مَتاعًا دنيويًّا بما تُدخِله على زوجها من سُرُور وبهجة، وبما تحمل معه من هُمُوم ومَشاكِل، فهي كذلك تُعِين زوجَها على أمر الآخرة.
وفي رواية الحاكم - رحمه الله تعالى - لهذا الحديث وصَفَها - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"فمن السعادة: المرأة الصالحة، تراها فتُعجِبك، وتَغِيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك"(الحاكم، وحسَّنه).
ووصَفَها - صلى الله عليه وسلم - في حديثٍ آخر بقوله:"خير النساء التي تسرُّه إذا نظر، وتُطِيعه إذا أمر، ولا تُخالِفه في نفسها ولا مالها بما يكره"( أحمد والنسائي والحاكم ).
ووَصَفَها - صلى الله عليه وسلم - كذلك بقوله:"تزوَّجوا الوَدودَ الوَلودَ؛ فإنِّي مُكاثِرٌ بكم"(أبو داود والنسائي ).
فخيرُ النِّساء التي تسرُّ زوجَها بهيئتها الجميلة إذا نظر إليها، وتُطِيعه إذا أمَرَها بشيء غير محرَّم، ولا تُخالِفه في نفسها - بل ولا في مالها - بما يكره، وهي الوَدُود التي تُكثِر التودُّد والتحبُّب لزوجها، هي تلك المرأة التي قال فيها - صلى الله عليه وسلم -: "ألاَ أُخبِركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الوَدُود الوَلُود العؤود، التي إذا ظُلِمت قالت: هذه يدي في يدك، لا أذوق غَمْضًا حتى ترضى"( الدارقطني في "الأفراد"، والطبراني).
وكذلك من سعادة المرأة المسلمة الزوج
الصالح، وهو الذي يَكفِي امرأتَه مُؤَنَ الحياة، ويُعِينها على أمر دينها.
المسكن الواسِع
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والمسكن الواسِع)): زادَ في رواية الحاكم:"والدار تكون واسعة كثيرة المَرافِق"، فالمسكن الواسِع أبهج للنفوس وأحبُّ إليها؛ لأنَّ في السعة عامَّة راحةً نفسيَّة، كما أن الدار الواسِعَة أجمع لحاجات أصحابها.
"والمَسكَنُ الواسِعُ" الذي يَكفي لِسَكَنِ أهلِه، ويَكونُ بَراحًا عليهم وعلى ضَيفِهم، كَثيرَ المَرافِقِ بالنِّسبةِ لِساكِنِه، وتَختَلِفُ السَّعةُ باختِلافِ الأشخاصِ السَّاكِنينَ فيه، "والجارُ الصَّالِحُ"، وهو الجارُ المُسلِمُ الذي لا يُؤذي جارَه، ويُوَصِّلُ المَنافِعَ إلى جيرانِه، "والمَركَبُ الهَنيءُ"، وهو كُلُّ ما يُركَبُ مِن دابَّةٍ أو سَيَّارةٍ أو غَيرِ ذلك، ومِن هَناءَتِها السُّرعةُ والرَّاحةُ وعَدَمُ الجُموحِ؛ فلا يَخافُ منها السُّقوطَ وانزِعاجَ الأعضاءِ وتَشويشَ البَدَنِ.
الجار الصالح
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"والجار الصالح": فهو الذي يكفُّ أذاه عن جِيرانه، ويُحسِن إليهم في مَعاشِهم وآخرتهم، وقد وصَّانا ربُّنا - تبارك وتعالى - بالجار فقال: " وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ "(النساء: 36).
وفي الصحيحين من حديث عائشة وعبدالله
بن عمر - رضي الله عنهم جميعًا - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما زال
جبريل يُوصِيني بالجار حتى ظننت أنَّه سيُورِّثه))، وبالَغ - صلى الله عليه وسلم -
في حقوق الجار فقال: ((ما آمَن بي مَن بات شبعان وجارُه جائِع إلى جنبه وهو يعلم
به))؛ أخرجه البزَّار والطبراني، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع".
المركب الهَنِيء
وقوله - صلى الله عليه وسلم :"والمركب الهَنِيء" في رواية الحاكم تفسير له: "والدابَّة تكون وَطِيئة فتُلحِقك بأصحابك "، وفي زماننا هذا اختلفت المراكب، لكن منها كذلك ما هو هَنِيء مُرِيح لصاحبه، ومنها ما هو سيِّئ مُتعب.
والمركب الهَنِيء عادة لا يُؤَخِّر
صاحبه عن مقصده وحاجته، كما لا يلحق به مَتاعِب الطريق المعوج غير المُذَلَّل،
واليوم المركب الهَنِيء لا يشعر صاحبه بِمَتاعِب الجوِّ، سواء أكان الجوُّ حارًّا
أم باردًا، كما يكون سهلاً في قيادته، وكلُّ هذا لا شكَّ من السعادة الدنيويَّة
ومن راحة الإنسان في هذه الحياة الدنيا.
وأربعٌ من الشَّقَاء
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"وأربعٌ من الشَّقَاء": وهي بضدِّ الأولى، والشَّقاء هنا هو المشقَّة والتَّعَب، وهذا الشقاء يَكُون للمؤمن الديِّن بلاء واختبارًا من الله - عزَّ وجلَّ - يرفع به درجته، ويحطُّ به خطيئته، ولغير المؤمن جزاء وعقابًا.
المَرأةُ السُّوءُ
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"المرأة السوء": وفي رواية الحاكم وصفٌ لها بأنها: "تراها فتَسُوك" وتحمل لسانها عليك، وإن غبتَ عنها لم تأمنها على نفسها ومالك" فمنظرها عند زوجها قبيح، ولسانها عليه حادٌّ، ولنفسها وماله غير حافظة. وهي الزَّوجةُ السَّيِّئةُ غَيرُ الصَّالِحةِ، التي تُؤذي زَوجَها بأيِّ نَوعٍ مِن أنواعِ الأذى، مِثلَ عَدَمِ الطَّاعةِ، وعَدَمِ حِفظِ المالِ والعيالِ.. ونَحوِ ذلك،
وصِفة واحدة من هذه الصفات في المرأة
مُؤذِنة بكراهية زوجها لها وشقائه بها، فكيف إذا جمعت هذه الصفات كلها أو زادت
عليها؟!
الجار السوء
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"والجار السوء": فهو السيِّئ الأخلاق، الذي لا يكفُّ أذاه عن جارِه، ولا يَعرِف حقوقَه عليه، وفي حديث فَضالَة بن عبيد عند الطبراني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ثلاثة من الفواقر"، وذكر منها:"وجار إن رأى خيرًا دفَنَه، وإن رأى شرًّا أشاعَه"( الجامع).
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:"تعوَّذوا بالله من جار السوء في دار المقام، فإن الجار البادِي يَتحوَّل عنك"( النسائي ).
المَركَبُ السُّوءُ
وقوله - صلى الله عليه وسلم :"والمركب السوء" في رواية الحاكم: "والدابَّة تكون قَطوفًا؛ فإن ضربتها أتعبَتْك، وإن تركتها لم تُلحقك بأصحابك" أي: تكون بطيئة السير، والسيارة السيِّئة في أيامنا نحن، إن تركتها على ما هي عليه أتعبَتْك، وإن حاوَلتَ إصلاحها كلَّفَتْك المال والجهد، ولم تستَقِم لك كما تريد.
المَسكَنُ الضَّيِّقُ
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"والمسكن الضيِّق" في رواية الحاكم:"قليلة المَرافِق"، وشقاؤه في أنَّه لا يسع أهله ولا يَفِي بأغراضهم.
فمما ورد في صفة مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روى البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح عن داود بن قيس قال: رأيت الحجرات من جريد النخل، مغشاة من خارج بمسوح الشعر، وأظن عرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحواً من ست أو سبع أذرع، وأحزر البيت الداخل عشرة أذرع وأظن سمكه بين الثمان والسبع نحو ذلك ووقفت عند باب عائشة فإذا هو مستقبل المغرب. وهذا يدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم.
وأما السعي في تحصيل هذه الأمور المذكورة في الحديث من طريق مباح فلا حرج فيه -إن شاء الله- وينبغي أن يعلم أن الإيمان والعمل الصالح أساس السعادة المطلقة أي سعادة الدنيا والآخرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ذلك الحال من الزهد ومع ذلك كان أسعد الناس في حياته.
ولِهذِه الأشياءِ أهميَّةٌ عُظمَى،
ولها أثَرٌ كَبيرٌ في حَياةِ الإنسانِ، فإنْ كانتِ المَرأةُ مُلائِمةً لِزَوجِها
خُلُقًا، مُتَفاهِمةً معه، مُخلِصةً له، مُطِيعةً وَفِيَّةً، وكانتِ الدَّارُ
صِحِّيَّةً واسِعةً مُناسِبةً له ولِأُسرتِه، وكانتِ الفَرَسُ أوِ السَّيَّارةُ
التي يَركَبُها قَوِيَّةً مُرِيحَةً؛ وكان الجارُ صالِحًا، ارتَاحَ الإنسانُ في
حياتِه، وشَعَرَ بالسَّعادةِ، وأحَسَّ بالاطمِئنانِ والاستِقرارِ النَّفْسِيِّ،
وأمَّا إذا كانتِ الزَّوجةُ غَيرَ صالِحةٍ، أوِ الدَّارُ غَيرَ مُناسِبةٍ، أو
الفَرَسُ أوِ السَّيَّارَةُ غَيرَ مُريحةٍ؛ والجارُ غَيرَ صالِحٍ، فإنَّ الإنسانَ
يَشعُرُ بالتَّعاسَةِ والقَلَقِ، ويَتعَبُ تَعَبًا جِسمِيًّا ونَفْسِيًّا معًا .