شدة الحر من فيح جهنم
أم نسبة رطوبة عالية؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ."(البخاري ومسلم ).
قال ابن عبد البر في الاستذكار: وأما قوله: اشتكت النار.....، فإن أهل العلم اختلفوا في ذلك.. فحمله بعضهم على الحقيقة وحمله منهم جماعة على المجاز، فالذين حملوه على الحقيقة قالوا: أنطقها الله الذي أنطق كل شيء.....
وأما الذين حملوا ذلك كله وما كان مثله على المجاز قالوا: قول
النبي صلى الله عليه وسلم "اشتكت النار إلى ربها" من باب قول عنترة:
وشكا إلى بعيره وتحمحم
وقول الآخر:
شكا إلي جملي طول السرى
صبراً
جميلاً فكلانا مبتلى
وكقول الحارثي
يريد الرمح صدر أبي براء
ويرغب عن
دماء بني عقيل
ثم قال ابن عبد البر: القول الأول
يعضده عموم الخطاب وظاهر الكتاب وهو أولى بالصواب. والله أعلم. انتهى من الاستذكار
وقال النووي في شرح مسلم: قال القاضي:
اختلف العلماء في معناه.. فقال بعضهم: هو على ظاهره واشتكت حقيقة، وشدة الحر -الذي
نجده في الصيف- من وهجها وفيحها، وجعل الله تعالى فيها إدراكاً وتمييزاً بحيث تكلمت
بهذا.
قال القاضي عياض: وقيل ليس هو على
ظاهره بل هو على وجه التشبيه والاستعارة والتقريب، وتقديره: إن شدة الحر يشبه نار
جهنم فاحذروه واجتنبوا حروره. قال: والأول أظهر، قلت - النووي -: والصواب الأول
لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته فوجب الحكم بأنه على ظاهره. والله
أعلم. انتهى
وجاء في تحفة الأحوذي: قال الحافظ في
الفتح: قد اختلف في هذه الشكوى هل هي بلسان القال أو بلسان الحال؟ واختار كلاً
طائفة. وقال ابن عبد البر: لكلا القولين وجه ونظائر والأول أرجح.... ورجح البيضاوي
حمله على المجاز فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكلها بعضها بعضاً مجاز عن ازدحام
أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها، وقال الزين ابن المنير: المختار حمله
على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك، ولأن استعارة الكلام للحال وإن عهدت وسمعت لكن
الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن والقبول والتنفس وقصره على اثنين فقط بعيد عن
المجاز خارج عما ألف من استعماله. انتهى.
وقال ابن عبد البر: وأحسن ما قيل في
معنى الحديث ما ورد عن الحسن البصري قال: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل
بعضي بعضاً فخفف عني، قال: فخفف عنها وجعل لها كل عام نفسين، فما كان من برد يهلك
شيئاً فهو من زمهريرها، وما كان من سموم يهلك شيئاً فهو من حرها، فقوله: من زمهرير
يهلك شيئاً وحر يهلك شيئاً يفسر ما أشكل من ذلك لكل ذي فهم، ومعلوم أن نفسها في
الشتاء غير الشتاء، ونفسها في الصيف غير الصيف لقوله نفس في الشتاء ونفس في الصيف.
الاستذكار 1/102
والذي نراه هو أنه ينبغي أن لا يستريب
بصير محقق في أن المراد من اللفظ هو ظاهره، وأنها قد اشتكت بكلام واضح ككلا منا:
وذلك لسببين:
الأول: أنه يجب حمل اللفظ على المعنى
الظاهر فلا يعدل عن ذلك إلا لدليل صارف ولا دليل يصرف هنا.
الثاني: أنه لا إشكال في هذا الحمل على
الظاهر، وليس هنالك ما يدعو إلى الاستشهاد ببيت عنترة أو غيره، والاستشهاد به هنا
ينظر من طرف خفي إلى استشهاد المؤولة والمعطلين ببيت الأخطل - قطع الله دابر كل
مبتدع - وبيت الأخطل هو قوله:
قداستوى بشر على العراق
من غير سيف
ودم مهراق
.
أقول: قد استشهدوا به على نفي صفة
الاستواء عن الله فحرفوا الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به.
وبالجملة فليس هنالك ما يدعو إلى
التأويل في المسألة المسؤول عنها هنا، ولا إشكال في كون النار تتكلم، فقد ذكر الله
أنها ستتكلم يوم القيامة فقال تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ
وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [قّ:30].
وما الذي يدعو إلى استشكال نطقها، وقد أنطقها الله الذي أنطق كل شيء، فهو الذي سيختم على أفواه العصاة يوم القيامة، ويستنطق الجلود وغيرها يوم القيامة: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21].
إِذَا كانَ الحَرُّ، فأبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ وَذَكَرَ أنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إلى رَبِّهَا، فأذِنَ لَهَا في كُلِّ عَامٍ بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ"( مسلم).
مظاهرُ السَّماحةِ والسُّهولةِ في
الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ كثيرةٌ، مِن ذلكَ التيسيرُ في تَأخيرِ الصَّلاةِ؛ دفعًا
للحَرجِ والمشقَّةِ، كما في هذا الحديثِ؛ حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّم: إذا كانَ الحرُّ فأَبْرِدوا عن الصَّلاةِ. أي إذا وُجِدَ الحرُّ واشتدَّ،
فأبرِدُوا عن الصَّلاةِ، والإبرادُ: هو الوقتُ الذي تَنكسِرُ فيه شدَّةُ الحرِّ،
والمعنى: أخِّروا الصَّلاةَ عنْ أوَّلِ وقتِها، واجْعَلوها في هذا الوقتِ، حتَّى
تزولَ شدَّةُ الهاجرةِ؛ لأنَّ في الوقتِ سَعَةً، لا أنْ تُؤخِّروها إلى آخرِ بردِ
النَّهارِ، والصَّلاةُ المقصودةُ هنا هي صلاةُ الظُّهرِ؛ لأنَّ الحرَّ يشتدُّ في
أوَّلِ وقتِها، والعلَّةُ في هذا الأمرِ واضحةٌ مِنْ قولِه: "فإنَّ شدَّةَ
الحرِّ مِنْ فَيْحِ جهنَّمَ"، فالحِكمةُ هي دفْعُ المشقَّةِ عنِ النَّاسِ؛
لأنَّ شدَّةَ الحرِّ تَذهَبُ بالخُشوعِ، و"فيحُ جهنَّمَ": شدَّةُ
حرارتِها وسعةُ انتشارِها وتنفُّسِها.
ثمَّ ذكرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّم أنَّ النَّارَ اشتكَتْ إلى ربِّها، فكانَت شِدَّةُ الحُرِّ مِنْ وهَجِها
وفَيْحِها، وجعلَ اللهُ فيها بقُدرتِه إدراكًا حتَّى تَكلَّمَتْ، فأذِنَ لها في
كلِّ عامٍ بنفَسَينِ، والنَّفَسُ هو ما يخرجُ منَ الجَوفِ ويدخلَ فيه مِنَ
الهواءِ؛ نفَسٍ في الشتاءِ، ونفَسٍ في الصَّيفِ. وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ عذابَ
النَّارِ منه ما هو حَرٌّ، ومنه ما هو بَرْدٌ.
وفي الحديثِ: أنَّ هذا الدِّينَ يُسرٌ؛
ومن ذلك: الإبرادُ بالصَّلاةِ عنِ اشتدادِ الحرِّ.
وفيه: الرَّدُ على زعمِ المعتزلةِ
بأنَّ النَّارَ لا تُخلَقُ إلَّا يومَ القيامةِ..
أبرِدوا بالظُّهرِ في الحَرِّ فإنَّ حَرَّها مِن فَيحِ جَهنَّمَ.
إِذَا كانَ الحَرُّ، فأبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ وَذَكَرَ أنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إلى رَبِّهَا، فأذِنَ لَهَا في كُلِّ عَامٍ بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ"( مسلم).
مظاهرُ السَّماحةِ والسُّهولةِ في
الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ كثيرةٌ، مِن ذلكَ التيسيرُ في تَأخيرِ الصَّلاةِ؛ دفعًا
للحَرجِ والمشقَّةِ، كما في هذا الحديثِ؛ حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّم: إذا كانَ الحرُّ فأَبْرِدوا عن الصَّلاةِ. أي إذا وُجِدَ الحرُّ واشتدَّ،
فأبرِدُوا عن الصَّلاةِ، والإبرادُ: هو الوقتُ الذي تَنكسِرُ فيه شدَّةُ الحرِّ،
والمعنى: أخِّروا الصَّلاةَ عنْ أوَّلِ وقتِها، واجْعَلوها في هذا الوقتِ، حتَّى
تزولَ شدَّةُ الهاجرةِ؛ لأنَّ في الوقتِ سَعَةً، لا أنْ تُؤخِّروها إلى آخرِ بردِ
النَّهارِ، والصَّلاةُ المقصودةُ هنا هي صلاةُ الظُّهرِ؛ لأنَّ الحرَّ يشتدُّ في
أوَّلِ وقتِها، والعلَّةُ في هذا الأمرِ واضحةٌ مِنْ قولِه: "فإنَّ شدَّةَ
الحرِّ مِنْ فَيْحِ جهنَّمَ"، فالحِكمةُ هي دفْعُ المشقَّةِ عنِ النَّاسِ؛
لأنَّ شدَّةَ الحرِّ تَذهَبُ بالخُشوعِ، و"فيحُ جهنَّمَ": شدَّةُ
حرارتِها وسعةُ انتشارِها وتنفُّسِها.
ثمَّ ذكرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّم أنَّ النَّارَ اشتكَتْ إلى ربِّها، فكانَت شِدَّةُ الحُرِّ مِنْ وهَجِها
وفَيْحِها، وجعلَ اللهُ فيها بقُدرتِه إدراكًا حتَّى تَكلَّمَتْ، فأذِنَ لها في
كلِّ عامٍ بنفَسَينِ، والنَّفَسُ هو ما يخرجُ منَ الجَوفِ ويدخلَ فيه مِنَ
الهواءِ؛ نفَسٍ في الشتاءِ، ونفَسٍ في الصَّيفِ. وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ عذابَ
النَّارِ منه ما هو حَرٌّ، ومنه ما هو بَرْدٌ.
وفي الحديثِ: أنَّ هذا الدِّينَ يُسرٌ؛
ومن ذلك: الإبرادُ بالصَّلاةِ عنِ اشتدادِ الحرِّ.
وفيه: الرَّدُ على زعمِ المعتزلةِ
بأنَّ النَّارَ لا تُخلَقُ إلَّا يومَ القيامةِ..
(فكيف يتم التوفيق بينه وبين الحقائق العلمية المثبِتة أن مصدر الحرارة الشديدة من الشمس)؟ هذا الحديث صحيح، وجاء في الحديث أيضًا «اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضًا -يعني: من شدة الحر-، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير» [البخاري: 537]، وهذا لا يُنازِع فيه مَن في قلبه إيمان؛ لأن هذا الحديث صحيح، والمعنى متصوَّر، وعلى كل حال لا معارضة بينه وبين حرارة الشمس، نعم الشمس من مصادر الحرارة، والنار التي نوقدها من مصادر الحرارة، ومصادر الحرارة كثيرة وفيها كثْرَة، يعني لو أن السيارة شُغِّلَتْ في أي وقت من الأوقات لا تلبث أن تكون مصدرًا من مصادر الحرارة، فإذا فُتح غطاء مقدمتها كانت من مصادر الحرارة، والكهرباء من مصادر الحرارة، والمكيفات الحارة من مصادر الحرارة.
المقصود أنه لا تَنافي بين حرارة الشمس وبين ما جاء في هذا الحديث، فمصادر الحرارة كثيرة جدًّا، وتبقى أن النار فُضِّلتْ على نارنا بسبعين ضعفًا، كلها مثل حرِّها -مثل حرِّ نارنا