الماءأرخص موجود وأغلى مفقود
الماء نبع الحياة
وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ
الماء أعزُّ مفقود، وأهونُ
موجود
لا تسرفوا في الماء سنة نبيكم
صلي الله عليه وسلم
الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ
الماءَ والثَّرى، وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل
في الليل إِذَا سَرى، ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في
السَّماء، ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ
وَأَخْفَى ﴾ [طه: 6 - 8]
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له خَلَقَ آدَمَ فابتلاه ثم اجْتَبَاهُ فتاب عليه وهَدَى، وبَعَثَ نُوحاً فصنَع
الفُلْكَ بأمر الله وجَرَى، ونَجَّى الخَليلَ من النَّارِ فصار حَرُّها بَرْداً
وسلاماً فاعتَبِرُوا بِمَا جَرَى، وآتَى مُوسى تسعَ آياتٍ فَمَا ادَّكَرَ
فِرْعَوْنُ وما ارْعَوَى، وأيَّدَ عيسى بآياتٍ تَبْهَرُ الوَرى، وأنْزلَ الكتابَ
على محمد فيه البيَّناتُ والهُدَى، أحْمَدُه على نعمه التي لا تَزَالُ تَتْرَى
واشهد أن سيدنا محمدا رسول الله
المبْعُوثِ في أُمِ القُرَى، صلَّى الله عليه وعلى صاحِبِهِ في الْغارِ أبي بكرٍ
بلا مِرَا، وعلى عُمَرَ الْمُلْهَمِ في رأيه فهُو بِنُورِ الله يَرَى، وعلى عثمانَ
زوجِ ابْنَتَيْهِ ما كان حديثاً يُفْتَرَى، وعلى ابن عمِّهِ عليٍّ بَحْرِ العلومِ
وأسَدِ الشَّرى، وعلى بَقيَةِ آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَىَ،
وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد
فقد ورد لفظ الماء بمشتقاتها في كتاب
الله أكثر من مائة وستين مرة؛ تنزل من السماء، وتخرج من الأرض وتتشقق منها الجبال
وتتصدع منها الحجارة، طالما تلذذ بذكرها الأدباء، وتغنى بسلسبيل نظمها الشعراء..
تصورها يرطب القلوب، وذكرها يهز النفوس، بل إنها -بإذن الله- حياة الروح والبدن..
تلكم هي: هذا السائل المبارك الطهور، إنه الماء، واقرءوا إن شئتم في كتاب الله:
(وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)[الأنبياء:30].. (وَاللَّهُ خَلَقَ
كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)[النور:45]
أولا : وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ
كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ
فالماء أصل لكل الأحياء وسر الحياة فالماء
آية من آيات الله الكونية والماء وسيلة من وسائل الثواب والعقاب .
ذكر الإمام القرطبي عند تفسير قوله
تعالى ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30] ثلاثة
تأويلات:
أحدها: أنه خلق كل شيء من الماء؛ قاله
قتادة.
الثاني: حفظ حياة كل شيء بالماء.
الثالث: وجعلنا من ماء الصلب كل شيء
حي؛ قاله قطرب وجعلنا بمعنى خلقنا
.
وروى السديُّ بأسانيد متعددة عن جماعة
من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إنَّ الله لم يخلق شيئًا
مما خلقَ قبل الماء" فيتبين بذلك أن الماءَ هو أصل جميع المخلوقات وهو أول
الخلق، فمن الماء خلق اللهُ العالمَ
قال ابن حجر - رحمه الله - روى أحمد
والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقلي مرفوعا إن الماء خلق قبل العرش
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: يا
نبيّ الله إذا رأيتك قرّت عيني وطابت نفسي فأخبرنا عن كل شيء: قال -صلى الله عليه
وسلم-: «كل شيء خلق من ماء»).
وفي صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو
بن العاص قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله قدر مقادير
الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء "
وقال الربيع بن أنس : ( وكان عرشه على
الماء ) فلما خلق السموات والأرض ، قسم ذلك الماء قسمين ، فجعل نصفا تحت العرش ،
وهو البحر المسجور
.
ثانياً : الماء أعزُّ مفقود، وأهونُ
موجود
عباد الله إن الماء أعز مفقود واغلي
مفقود لكننا نتعامل معه بانه أهون موجود ومن هوانه علينا أننا نُسرِفُ فيه إسرافًا
عجيبًا، سواء كان ماءً غيرَ صالح للشرب، نسرف فيه في الغَسْل والتغسيل، غسل النفس،
وتغسيل السيارات والبيوت، ومسحها ونحو ذلك، ونُسرِف فيه في أمور أخرى إذا كان
عذْبًا، فالعالم في هذا الزمان يُعاني من هذا، ولنرجع إلى قول الله عزَّ وجلَّ في
مصدر هذا الماء.
الماء من أعظم ما امتن الله به على
عباده: (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ
مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً
فَلَوْلا تَشْكُرُونَ)[الواقعة:68-70]، وقال تعالى: (فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى
طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً
* فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً *وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً *
وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ)
[عبس:24-32].
مصدرُ هذا الماء سواء كان في الأنهار
أو في الآبار، أو في العيون، مصدره من السماء، قال سبحانه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ
بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ
لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ
مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 18
- 20]
ماذا لو فقدنا الماء
عباد الله : وهناك سؤال ماذا لو فقدنا
الماء العذب ؟
الاجابة مباشرة تموت الحياة علي ظهر
الكوكب ولولا الماء لأصبحت الأرض ميته لا يعيش فيها حيوان أو نبات
قال تعالى: « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ » سورة الملك
–الآية 30.
فإذا صار الماء غائراً وذاهباً في أعماق
الأرض الى مكان بعيد بحيث لا تناله الدلاء ولا يستطيع أحد إخراجه بالفؤوس ولا
بالسواعد الشداد، فالغائر عكس النابع فإن الغائر ذاهبٌ في أعماق الأرض، وأن النابع
سائح جار على وجه الأرض
عباد الله: من الذي يخرجه لنا عيونا
ليصبح جارياً نابعاً على وجه الأرض سهل المنال... هل يأتيكم غير الله به؟
كلا والف كلا ليس غير الله يغثنا
اذا لم تمطر السماء واجدبت الأرض
والعياذ بالله من ذلك من الذي ينزل الغيث وينشر رحمته ؟
إنه الله غياث المستغيثن
إن قل الماء اطلبوة برحمة الله وفضله
فلن يستطيع أحد أن يأتي به إلا الله وحده ولذلك شرعت صلاة الاستسقاء طلبا لرحمة
الله وإغاثة عباده
.
قال الله تبارك وتعالى« أَفَرَأَيْتُمُ
الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ*أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ
نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ» سورة الواقعة-الآيتان68و69.
تليت هذه الآية الكريمة عند بعض العلمانيين
فقال أحدهم: «نأتي بالفؤوس والمعاول فذهب ماء عينه أي عمي». كتاب صفوة البيان-
الآية738.
فنعوذ بالله من الجرأة على الله وعلى
آياته تبارك وتعالى
أفلا نشكر الله على جريان الماء وقد
قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يشرب الماء «الحمد لله الذي سقانا
عذباً فراتاً برحمته ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا» أخرجه أبو نعيم في الحلية
وذكره السيوطي في الدرّ وأبو حاتم وغيرهم
إن خف كان سحاباً، وإن ثقل كان غيثاً
ثجاجاً، وإن سخن كان بخاراً، وإن برد كان ندى وثلجاً وبرداً. تجري به الجداول
والأنهار، وتتفجر منه العيون والآبار، وتختزنه تجاويف الأرض والبحار: ﴿
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر:22] وقال تعالى:
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ ﴾
[المؤمنون:18].
الماء تثبيت للاقدام وطهارة للأبدان
وإزالة لرجز الشيطان
الماء ليس ملكا لاحد: اعلم - علمني
الله تعالى و إياك -أن الماء ليس ملكاً لأحد بل هو منة وعطية للخالق -عز وجل-
للناس جميعاً فيقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك صراحة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ،
وَثَمَنُهُ حَرَامٌ " قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «يَعْنِي الْمَاءَ الْجَارِيَ»
هو ماء الحياة لكل الأحياء على هذه
الأرض بقدرة الله، ماء فرات وماء ثجاجٌ، تحيون به أنفسكم وتروون به عطشكم وتصنعون
طعامكم، تطهرون أجسادكم، وتغسلون متاعكم، ماء مبارك طهور، يسقي الحرث وينبت الزرع،
ويشرب منه أنعام وأناس كثير: (وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً *
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً
وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى
أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً)[الفرقان:48-50]، وقال الله: (هُوَ الَّذِي
أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ
تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ
وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ)[النحل:10-11].
الماء لإغاثة الناس والدواب والبهائم
روي أن نبي الله سليمان - عليه السلام - "خرج يستسقي، فرأى نملة مستلقية، وهي
تقول: اللهم إنَّا خلقٌ من خلقك، ليس بنا غنًى عن رزقك، فقال سليمان: ارجعوا فقد
سُقيتم بدعوة غيركم"
ثالثاً: لا تسرفوا في الماء سنة نبيكم
صلي الله عليه وسلم
عباد الله: تأملوا في سنة نبيكم محمد
-صلى الله عليه وسلم- فقد " كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد"(رواه أحمد
ومسلم وغيرهما). وفي رواية الصحيحين : "كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد،
ويتوضأ بالمد"، بل جاء عند مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنه-: "أنها
كانت تغتسل هي والنبي -صلى الله عليه وسلم- في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو
قريباً من ذلك"، وفي رواية عند أبي داود من حديث أم عمار : "أنه -عليه
الصلاة والسلام- توضأ بماء في إناء قدر ثلثي مد".
ولقد شدد أهل العلم -رحمهم الله- في
المنع من الإسراف بالماء ولو كان على شاطئ النهر أو البحر، يقول أبو الدرداء -رضي
الله عنه-: "اقتصد في الوضوء ولو كنت على شاطئ نهر".
وقال محارب بن دثار : "كان يقال:
من ضعف علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور".
وجاء رجل إلى ابن عباس -رضي الله
عنهما-، فقال: "يـابن عباس كم يكفيني من الوضوء؟ قال: مد، قال: كم يكفيني
لغسلي؟ قال: صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا أم
لك! قد كفى من هو خير منك، رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"(رواه أحمد
والبزار والطبراني بسند رجاله ثقات)
فيا من عصيت ربك عليك بالتوبة
والاستغفار حتى يكون ماءنا عذب مرار برحمة الرحيم الغفار : ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]
هذا وصلوا وسلموا تسليما كثيرا علي سيد
البشرية محمد وعلى اله وصحبه اجمعين