هل يجوز مناداة الوالدين باسميهما دون مناداته بأبي أو أمي؟
وهل يعتبر ذلك عقوقاً ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أمرنا الله بمخاطبة الوالدين
بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"(الإسراء:23،
24).
وقال الإمام البخاري رحمه الله في
"الأدب المفرد" (ص 26):
" بَابُ لَا يُسَمِّي الرَّجُلُ أَبَاهُ
وَلَا يَجْلِسُ قبله ولا يمشى أمامه "
ثم روى عن أبي هريرة رضي الله عنه :
" أنه أَبْصَرَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ: لِأَحَدِهِمَا مَا هَذَا مِنْكَ؟ ،
فَقَالَ أَبِي فَقَالَ:"لا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ، وَلَا تمش أمامه، ولا تجلس
قبله" .
وقال النووي رحمه الله :
" باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن
يُنادي أباه ومعلّمه وشيخه باسمه
" .
ثم روى عن عبيد الله بن زَحْر قال:
" يُقال من العقوق: أن تُسَمِّي أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامَه في طريق "
انتهى من "الأذكار" (ص 291) .
قال ابن علان في شرحه لأذكار النووي :
"وإنما نهي عن دعاء من ذكر باسمه : لأنه خالٍ عن التعظيم المطلوب منه مع من
ذكر" انتهى
.
وإذا كان الأب لا يكره من ابنه أن
يناديه بكنيته مثلا : فليس من العقوق ، لا سيما إن جرى عرف الناس في بلدهم عليه ؛
وإن كان الأكمل في الأدب والبر : أن يناديه بما يدل على التعظيم كـ "أبي
" ونحو ذلك
.
وليس من الأدب اللائق بالوالدين مناداة
أحدهما باسمه، أو سؤال الولد أمّه عن أبيه بقوله: أين زوجك؟ بل ينبغي اختيار
الألفاظ التي تشعر بالتوقير، قال القرطبي: وقل لهما قولا كريما.
أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه ويا أمّاه
من غير أن يسميهما ويكنيهما.
قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي:
قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما
قولا كريما.
ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب:
قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. الجامع لأحكام القرآن.
وقال أيضاً: فينبغي ـ بحكم هذه الآية ـ
أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله وسكناته ونظره. الجامع لأحكام
القرآن.
كما تدين تدان :
واعلم أنه ماكان منك سوف تجده
فلما كان خليل الله ابراهيم ينادي أباه
بلفظ ياأبتي حيث قال تعالي:" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ
إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ
مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي
قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا
سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ
لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ
الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا"(مريم/14-44).
فجاء الجزاء من جنس العمل كان النداء
من ولده إسماعيل موقراً :"فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا
بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ
قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ"(الصافات/102).
وعن وهب بن منبه قال : إن الله تعالى
قال: يا موسى! وقر والديك، فإنه من وقر والديه؛ مددت له في عمره عمرًا، ووهبت له
ولدًا يبره. ومن عق والديه؛ قصرت عمره، ووهبت له ولدًا يعقه"