recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح أيمن حمدى الحداد

إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح 



أيمن حمدى الحداد

 

الحمد لله رب العالمين هو الأول فلا شىء قبله وهو الآخر فلا شىء بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين،

وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: إن الوقت هو رأس مال الإنسان في هذه الحياة.

والوقت أنفس ما يملكه الإنسان وكل مفقود عسى أن يسترجعه إلا الوقت فإنه إذا ما ضاع لم يتعلق بعودته أمل.

فأعقل الناس من علم قيمة الوقت وأدرك خطورة فوات الزمن وأخذ من ذلك العبرة؛ قال تعالى: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾(النور: ٤٤)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾(يونس: ٦)، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾(الفرقان: ٦٢)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ» متّفق عليه.

ولقد جعل الله عزّ وجل الصلوات الخمس تكتنف اليوم كله، حيث نزل جبريل عليه السلام فبين ذلك لسيدنا رسول الله ﷺ في نظام دقيق محكم رتب فيه حياة المسلم من مطلع الفجر إلى نهاية اليوم فجعل الحياة مملوءة بالذكر والعبادة؛ قال تعالى ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾(الروم: ١٧-١٨)،

فيجب على العبد أن يعلم أن مدة حياته محدودة وأن أنفاسه معدودة فكل نفس يتنفسه الإنسان يدنيه من أجله فيتزود بالطاعة والعمل الصالح؛ فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك» رواه الحاكم.

أولاً: علو الهمة فى المحافظة على الأوقات؛ لقد فقه أسلافنا الكرام رضي الله عنهم حقيقة الأمر فعلت همهم في الحرص على الأوقات واستغلالها في عمل الصالحات عملاً بأمر الله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾(الشرح: ٧-٨)، ومن أمثلة ذلك؛

قال العباس بن عبدالمطلب رضى الله عنه: «كنت جاراً لعمر بن الخطاب فما رأيت أحداً من الناس كان أفضل من عمر: إن ليله صلاة وإن نهاره صيام وفى حاجات الناس» حلية الأولياء للأصفهاني.

وروى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يصلى من الليل ما شاء الله حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة الصلاة ثم يتلو هذه الآية ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾، هذه عبادة الفاروق وانتفاعه رضى الله عنه بأوقاته.

فمن يجارى أبا حفص وسيرته

            أو من يحاول للفاروق تشبيها

وكان عثمان بن عفان رضى الله عنه: «يصوم النهار ويقوم الليل إلا من هجعة من أوله» الزهد لأحمد.

ولله در أبا موسى الأشعري كان يزين أوقاته بتلاوة القرآن الكريم؛ لقد مر سيدنا رسول الله ﷺ ذات ليلة وأبو موسى يقرأ القرآن في بيته ومع النبي ﷺ عائشة رضى الله عنها - فقاما فاستمعا لقراءته ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقى أبو موسى النبي ﷺ فقال: «يا أبا موسى مررت بك البارحة ومعي عائشة وأنت تقرأ في بيتك فقمنا فاستمعنا لقراءتك»، فقال أبو موسى رضي الله عنه: «يا نبي الله أما إني لو علمت بمكانك لحبرت لك القرآن تحبيراً» حلية الأولياء.

وعن أبى ذر رضى الله عنه أنه قال: «يا أيها الناس صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور وصوموا النهار لحر يوم النشور وتصدقوا مخافة يوم عسير يا أيها الناس إني لكم ناصح أمين إني عليكم شفيق» الزهد لأحمد.

وكان أبو الدرداء رضى الله عنه يقول: «لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً الظمأ لله بالهواجر والسجود لله في جوف الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر».

وسئل نافع: ما كان عبدالله بن عمر يفعل في منزله؟ قال: «الوضوء لكل صلاة والمصحف فيما بينهما».

وكان بن عمر رضى الله عنهما إذا فاتته صلاة الجماعة صام يوماً وأحيا ليله وأعتق رقبة.

قال الحسن البصرى: «ما مر يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم إني يوم جديد وعلى ما تعمل في شهيد وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك فقدم ما شئت تجده ببن يديك وأخر ما شئت فلن يعود إليك أبداً».

وكتب أحد الصالحين إلى أخ له: «أعلم يا أخي أنه يخيل إليك أنك مقيم وأنت دائب السير تساق سوقاً حثيثاً والموت متوجه إليك والدنيا تطوى من ورائك وما مضى من عمرك فلن يرجع إليك».

ودخل أبو بكرة على معاوية بن أبى سفيان فقال: «اتق الله يا معاوية واعلم أنك في كل يوم يخرج عنك وفى كل ليلة تأتى عليك لا تزداد من الدنيا إلا بعداً ومن الآخرة إلا قرباً».

وقال مورق العجلى: «يا ابن آدم نودى كل يوم برزقك وأنت تحزن وينقص عمرك وأنت لا تحزن». وصدق القائل:

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه

           وأراه أسهل ما عليك يضيع

ولقد أوصى بعض السلف أصحابه فقال: «إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعل أحدكم يقرأ القرآن الكريم في طريقه ومتى اجتمعتم تحدثوا واعلموا أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة فإن في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه من قال: «سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة» رواه الترمذي.

فتأمل يرحمك الله كيف كان حرصهم على أوقاتهم – وهذا داوود الطائي رضى الله عنه كان يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز فلما سئل ألا تشتهى الخبز؟! قال: «إن ما بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين أية» صفة الصفوة.

وقال حماد بن سلمة: ما أتينا (سليمان التيمي) في ساعة إلا ووجدناه في طاعة إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئاً أو عائداً مريضاً أو مشيعاً جنازة أو قاعداً في المسجد.

قال: فكنا نرى أنه لا يُحسن أن يعصى الله عزّ وجل.

 وهذا حماد بن سلمة ما رأى إلا مشغولاً بنفسه إما أن يحدث بحديث رسول الله ﷺ وإما أن يقرأ وإما أن يسبح وإما أن يصلى كان قد قسم النهار على هذه الأعمال.

وكانت رابعة العدوية تملأ أوقاتها بالأعمال الصالحة وتقول: «يا ابن آدم إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل».

تؤمل في الدنيا طويلاً ولا تدرى

            إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر 

فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ

      وكم من مريضٍ عاش حيناً من الدهر

فينبغى للعاقل أن يحرص على أن يكون وقته طاعة لله عز وجل؛ فعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال جاءَ أعرابيَّانِ إلى رسولِ اللهِ ﷺ فقال أحدُهما: «يا رسولَ اللهِ! أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال: طُوبَى لمن طالَ عُمُرُه، وحَسُنَ عملُه، وقال الآخرُ: أيُّ العملِ خيرٌ؟ قال: أن تُفارِقَ الدنيا ولِسانُكَ رَطْبٌ من ذِكْرِ اللهِ» رواه الترمذي.

ثانياً: الحسنات المضاعفات؛ إن الحياة محدودة والعمر مهما طال فهو قصير؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «أعمارُ أمتي ما بين الستينَ إلى السبعينَ وأقلُّهم مَنْ يَجُوزُ ذلك» رواه الترمذي وحسنه.

لكن الإنسان يستطيع أن يبارك له في عمره وذلك من خلال كسب مزيد من الحسنات المضاعفات في الأجر والثواب من ذلك على سبيل المثال؛

تصحيح النية: فالنية الصالحة تبلغ بصاحبها ما لا يبلغه بعمله؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾(البينة: ٥)، وعن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا شَيْءَ لَهُ» فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا شَيْءَ لَهُ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ» رواه النسائي.

ولقد أخبر سيدنا رسول الله ﷺ أصحابه بأن بالمدينة أقواماً أخذوا أجر المجاهدين في سبيل الله عزّ وجل بصدق نواياهم حبسهم العذر؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال كُنَّا مع النَّبيِّ ﷺ في غَزَاةٍ، فَقالَ: «إنَّ بالمَدِينَةِ لَرِجَالًا ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إلَّا كَانُوا معكُمْ؛ حَبَسَهُمُ المَرَضُ. وفي رواية: إلَّا شَرِكُوكُمْ في الأجْرِ» رواه مسلم.

وكذلك تعدد النوايا في الأعمال فلو عاد الإنسان مريضاً من ذوى الرحم وجمع بين نية عيادة المريض ونية صلة الرحم لحصل بذلك خيراً كثيراً ولو أن امرأة جمعت بين  نية رضا الله تعالى ورضا الزوج لأنه من رضا الله عزّ وجل لحصلت بذلك الخير الكثير.

وكذلك تعدد النوايا في صلاة وصيام النوافل، وهكذا الحال في كل ميادين الحياة لو أن العبد أخلص القصد لتحولت عاداته إلى عبادة وبذلك يكون قد أحسن استثمار وقته مع الله؛

فالطبيب المحسن في عمله لو قصد بعمله تخفيف آلام المرضى وإدخال السرور عليهم ابتغاء وجه الله تعالى لكان عمله هذا في ميزان حسناته ولربح من ورائه أجر كبيراً.

وكذلك المعلم والصانع والتاجر والموظف والعامل كل واحد منهم يستطيع أن يجعل ساعات عمله عبادة يؤجر عليها بإخلاص النية وتصحيح القصد.

ومن تلك الأعمال الصالحة المضاعفة للأجر والثواب الصدقة الجارية كالمساهمة في إنشاء المساجد أو المستشفيات والمدارس ودور الأيتام ونشر العلم النافع في المجتمع؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له» رواه مسلم.

وكذلك حسن الخلق من أهم ما يدرك به العبد ما فاته ويحصل به الأجور العظيمة ويكون بذلك قد أحسن استثمار عمره وزمانه؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال رسول الله ﷺ: «إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ» رواه أبو داود.

ومن حُسن الخلق أن يبر والديه لاسيما حال الضعف والكبر؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» رواه البخارى.

وكذلك المداومة على ذكر الله تعالى فإن من أهم ما ينبغي أن تستثمر فيه الأوقات المداومة على ذكر الله وتسبيحه فيكتب العبد من الذاكرين؛ قال تعالى ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾(الأحزاب: ٣٥)، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾(الأحزاب: ٤١- ٤٢)،

وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «سبَق المُفرِّدونَ سبَق المُفرِّدونَ»، قالوا: يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ؟ قال: ﴿الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ﴾» رواه مسلم.

بركة البكور فيبدأ الإنسان يومه من صلاة الفجر ليحصل البركة فى الوقت والرزق والحفظ والمذاكرة وتحصيل الكسب الحلال؛ فعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»، قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، قَالَ: وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ» رواه ابن ماجه.

فاتقوا الله عباد الله: واجعلوا أيامكم كلها في طاعة الله عزّ وجل واستثمروا أوقاتكم في مرضاته.

أقول قولي هذا واستغفر الله لى ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفي وصلاةً وسلاماً علي عباده الذين اصطفى، أما بعد؛ فيا عباد الله: لقد كان الصالحون أحرص الناس على أوقاتهم حتى قيل: كان أحدهم كان أضن بوقته من أحدكم بدراهمه ودنانيره.

إن للزمن قيمة جليلة وفضل عظيم لذلك أقسم به الله عز وجل فى كتابه العزيز؛ قال تعالى: ﴿وَٱلۡفَجۡرِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَٱلضُّحَىٰ﴾، وقال تعالى: ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ﴾(الليل: ١-٢)، وقال تعالى: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ (العصر: ١-٣)،

ثالثاً: إياك إياك والتسويف؛ إن التسويف من أشر الأمراض التي تفتك بالقلب، وتعوق سير الإنسان إلى ربه ومولاه، لأنَّهُ إيحاءٌ مُضِلٌ مِنْ إيحاءاتِ الشيطانِ، وهو جند من جنود إبليس، لذلك كان لزاماً على كل مسلم أن يحذر التسويف وإليكم بعض أقوال الصالحين فى التحذير من خطورة التسويف من ذلك؛

عبدالله بن مسعود رضى الله عنه كان يقول: «ما ندمت على شىء ندمى على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملي».

وقال لقمان لابنه: يا بنى إنك استدبرت الدنيا من يوم نزلتها واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقترب منها أقرب إلى دار تتباعد عنها٠

يا من له في بطن الأرض حفرة

              أتأنس بالدنيا وأنت غريب 

وما الدهر إلا كر يوم وليلة

             وما الموت إلا نازل وقريب 

فلا يظن الإنسان أنه وجد في هذه الحياة الدنيا عبثاً؛ قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾(المؤمنون: ١١٥)،

وقديماً قالوا: الوقت من ذهب والحق أن الوقت أغلى من الذهب فالذهب إن ضاع يمكن أن يعوض لكن الوقت يستحيل أن يعوض.

وقيل أيضاً في فضل الوقت: الوقت كالسيف فإذا لم تقطعه قطعك.

وكان مالك بن دينار يقول لنفسه: ويحك، بادري قبل أن يأتيك الأمر، ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر. حتى كرر ذلك ستين مرة.

ولست بمدرك ما فات مني

  بـ "سوف" ولا بـ "ليت" ولا "لو اني"

المبادرة بالأعمال الصالحة والتوبة الصادقة وعدم التأجيل؛ قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾(آل عمران: ١٣٣)، وقال تعالى: ﴿سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾(الحديد: ٢١), وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبي ﷺ قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تُنْظَرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» رواه الترمذي.

والإنسان مسؤول أمام الله عزّ وجل عن وقته ما صنع فيه؛ فعن أبى برزة الأسلمى رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟» رواه الترمذي.

لذلك أغلى الإسلام من قيمة الوقت فعندما مر سيدنا رسول الله ﷺ على جماعة من الناس يتلهون بأشياء تافهة ويلعبون بأشياء غير مفيدة وهم يضحكون ويتصايحون فنهاهم عن إهدار الوقت فيما لا يُفيد؛ فعن أبى ذر الغفارى رضي الله عنه قال  رسول الله ﷺ: «واللهِ لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا وما تلذَّذتم بالنساءِ على الفُرُشِ ولخرجتم إلى الصُّعداتِ تجأرونَ إلى اللهِ لوددتُ أني كنتُ شجرةً تُعْضَدُ» رواه الترمذي وابن ماجه. ويُستفاد من هذا أن العاقل يجب عليه أن يغتنم أوقاته في ما يفيد ويترك الكسل والخمول فالزمن لا يجامل ولا يحابى أحد والذى لا يرحم نفسه لا ترحمه الأيام ومن ضيع وقته فقد قتل نفسه ومن أمضى يومه في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد أثله أو خير أسسه أو حمد حصله أو أقتبسه فقد عق يومه وظلمه فكل عمل يعمله صغيراً كان أو كبيراً سوف يتحمل نتائجه؛ قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾(الإسراء: ١٣-١٤)،

وهذه رسالة إلى الذين يسوفون التوبة ويأخرونها إلى متى تسوفون؟!

لقد دخل إبراهيم بن أدهم على أخ له في الله يعوده في مرضه فجعل الرجل يتنفس ويتأسف؟ فقال: «ما تأسفي على البقاء في الدنيا ولكن تأسفي على ليلة نمتها ويوم أفطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر الله!!

فما أكثر الذين يسوفون حتى إذا تقطعت الآمال وانقضت الآجال ندموا!!

ولقد سأل الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى رجلاً: كم أتت عليك من السنين؟ قال: ستون سنة. قال الفضيل: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ؟ فقال الرجل: ﴿إنا لله وانا إليه راجعون﴾

قال الفضيل: أتعرف تفسير ﴿إنا لله وانا اليه راجعون﴾،

 فمن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول ومن علم أنه مسؤول فليعد للسؤل جواباً.

 قال الرجل: فما الحيلة؟

قال: يسيرة.

 قال ما هي؟

قال تحسن فيما بقى يغفر لك ما مضى فإنك إن أسأت فيما بقى أخذت بما مضى وما بقى.

فاتقوا الله عباد الله: واحسنوا استغلال أوقاتكم تفوزوا برضوان ربكم جل وعلا، ولا تكونوا من الذين غرهم طول الأمل فيندمون حين لا ينفع الندم؛ قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(المؤمنون: ٩٩- ١٠٠)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «ما مِن أحدٍ يَموتُ إلَّا نَدِم، قالوا: وما نَدامتُه يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إنْ كان مُحسِنًا نَدِمَ ألَّا يكونَ ازدادَ، وإنْ كان مُسِيئًا نَدِم ألَّا يكونَ نَزَعَ» رواه الترمذي.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه واغفر لنا ما مضى واعصمنا فيما بقى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وأقم الصلاة.

 

google-playkhamsatmostaqltradent