لِله دَرُّكَ يا ابن عباس
إعداد/صلاح عبدالخالق.
أولاً : من عبدالله بن عباس؟
ثانياً :دعاء النبى صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبدالله بن عباس.
ثالثاً : من القائل لله درك يا بن عباس
وما معناها ؟
رابعاً : من تفسير ابن عباس للقرآن
الكريم
.
خامساً : من مناظرات حبر الأمة وترجمان
القرآن
.
سادساً:من وصايا النبى ﷺ لعبد الله بن
عباس
الخطبة الأولى
:
الحمد لله على نعمة الإسلام ونشهد أن
لاإله إلا الله الملك العلام ونشهد أن محمد ﷺ سيد الأنام وبعد فحديثى معكم بحول
الله الواحد الديان تحت عنوان لِله
دَرُّكَ يا ابن عباس
أولاً : من عبدالله بن عباس ؟
(1)«حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ
العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ, أبو العباس عَبْدِ اللهِ, ابْنُ عَمِّ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ
المُطَّلِبِ شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ، القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ المَكِّيُّ, الأَمِيْرُ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.مَوْلِدُهُ بِشِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ
بِثَلَاثِ سِنِيْنَ.صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَحْواً مِنْ ثَلَاثينَ شَهْراً, وحدَّث عَنْهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ»
وَأُمُّهُ: هِيَ أُمُّ الفَضْلِ
لُبَابَةُ بِنْتُ الحَارِثِ بنِ حَزْنِ بنِ بُجَيْرٍ الهِلَالِيَّةُ، مِنْ هِلَالِ
بنِ عَامِرٍ.وَكَانَ وَسِيماً جَمِيْلاً، مَدِيدَ القَامَةِ، مَهِيباً, كَامِلَ
العَقْلِ, ذَكِيَّ النَّفْسِ, مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ«سير أعلام النبلاء ط الحديث»
(٤/ 380)
(2)عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ابن
عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحد
العبادلة الأربعة، بلغ الذروة في التفسير والفقه والأحكام، مع صغر سنه، استجابة
لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم حتى عُرف بحَبْر الأمة، وكان من الستة المكثرين
من الرواية، وُلدَ رضي الله عنه قبل الهجرة بثلاث سنوات، وكان بهيّ الصورة، جميل
الطلعة، سمح المحيا، حتى قال عطاء: ما رأيت البدر ليلة الرابع عشر إلاّ ذكرت وجه
ابن عباس رضي الله عنهما، وكان عمر رضي الله عنه يعظمه كثيراً ويستشيره، ويستفتيه،
توفي بها سنة ثمانٍ وستين من الهجرة، وله من العمر واحد وسبعون عاماً، روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم ألفاً وستمائة
وستين حديثاً، ولما مات صلّى عليه محمد بن الحنفية ابن عمه، وقال:اليوم مات رباني
هذه الأمة.(منا القارى (1/50)
ثانياً :دعاء النبى صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبدالله بن عباس:
(1)«عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الخَلَاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا
قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي
الدِّينِ»«صحيح البخاري» (١٤٣)صحيح مسلم (2477).
«قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم في بن
عَبَّاسٍ (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ) فِيهِ فَضِيلَةُ الْفِقْهِ وَاسْتِحْبَابُ
الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ وَاسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِمَنْ عَمِلَ عَمَلًا
خَيِّرًا مَعَ الْإِنْسَانِ وَفِيهِ إِجَابَةُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم لَهُ فَكَانَ مِنَ الْفِقْهِ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى»«شرح النووي على مسلم»
(16/ 37).
(2)عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:ضَمَّنِي
إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ
الْكِتَابَ) «صحيح البخاري» (6842).«عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي ثُمَّ قَالَ:
" اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ
"»«مسند أحمد» (٢٣٩٧)، السلسلة
الصَّحِيحَة(2589)
«فَقَدْ دَعَا لَهُ بِعِلْمِ
التَّأْوِيلِ مُطْلَقًا وَابْنُ عَبَّاسٍ فَسَّرَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ قَالَ
مُجَاهِدٌ: عَرَضْت الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ
أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا مِنْ
الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ. وَأَيْضًا
فَالنُّقُولُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ
تَكَلَّمَ فِي جَمِيعِ مَعَانِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ فَلَهُ
مِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ
وَالْقَصَصِ وَمِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْأَحْكَامِ مَا
يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي جَمِيعِ مَعَانِي الْقُرْآنِ.»«مجموع
الفتاوى» (١٧/ 402)
ثالثاً : من القائل لله درك يا بن عباس
وما معناها ؟
(1)القائل هو أمير المؤمنين عمر بن
الْخطاب:«أخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد أَن ابْن عَبَّاس قَرَأَ هَذِه الْآيَة
عِنْد عمر بن الْخطاب فَقَالَ: اقتتل الرّجلَانِ فَقَالَ لَهُ عمر: مَاذَا قَالَ:
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أرى هَهُنَا من إِذا أَمر بتقوى الله أَخَذته الْعِزَّة
بالإِثم وَأرى من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضاة الله يقوم هَذَا فيأمر هَذَا بتقوى
الله فَإِذا لم يقبل مِنْهُ وأخذته الْعِزَّة بالإثم قَالَ لهَذَا: وَأَنا أشري
نَفسِي فقاتله فاققتل الرّجلَانِ فَقَالَ عمر: لله دَرك يَا ابْن عَبَّاس»
«الدر المنثور في التفسير بالمأثور» (١/
578)
(2) معنى "لله درك":لله
دَرُّكَ" هي كلمة مدح وإعجاب، وتعني حرفيًا "للهِ دَرُّكَ" أي
"للهِ مَعدِنُكَ أو حَصيلَتُكَ"، بمعنى أن صفاتك الحميدة ومكارم أخلاقك
هي من سَعَة فضل الله وعطائه.وتُقال للإشادة بشخصٍ ما، كأن يُقال: "ما أروعك!
ما أبرعك! ما أحسن صنيعك!"، مع توجيه الثناء لله تعالى. باعتباره مصدر هذه
الفضائل.
(أ) "لله دَرُّكَ" من حيث
اللغة:- كلمة "دَرّ تعني المعدن أوالمَنجم (مصدر الشيء الأصلي) فكأنها تشير إلى أن الممدوح نفسه كنز من
الفضائل.جاء في "لسان العرب" لابن منظور: "الدَّرُّ: المَعدِنُ،
يُقال: لِله دَرُّكَ، أي لِله ما أَنت مِن كَرَمٍ وحُسنٍ".
(ب) "لله دَرُّكَ" من حيث
الاستخدام في السنة والأدب:-لم ترد في القرآن الكريم، لكنها شائعة في اللغة
العربية الفصيحة وكلام العرب.وردت في الشعر القديم، مثل قول الشاعر:لِله دَرُّ
الغَانِياتِ المُدَّهِ سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِن تَأَلُّهِي(حيث يُمدحُ جمالُ
النساءِ وخُلُقُهنَّ)
(ج) "لله دَرُّكَ" في
الأحاديث:لم تثبت عن النبي ﷺ بصيغة "لله درك"، لكن وردت مشتقاتها في مدح
الصحابة، مثل قوله ﷺ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "دَرُّكَ أَبُو
بَكْرٍ" (أي: ما أَفضله!). رواه الترمذي وحسَّنه الألباني.
رابعاً : من تفسير ابن عباس للقرآن
الكريم
:
«عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟
فَقَالَ: «إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ» قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ
وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا
لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا حَتَّى
خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ
وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا
نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ،
أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ: إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ:
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قَالَ
عُمَرُ: «مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ»صحيح البخارى (٤٢٩٤)
خامساً : من مناظرات حبر الأمة وترجمان
القرآن مثلاً
:
«مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَزَلَ
بَعْضُ أَصْحَابِ عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ وَخَذَلُوهُ فِي نِزَاعِهِ مَعَ
مُعَاوَيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ عَبْدُ اللهِ بن عَبَّاسٍ لِعَلِّي
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ائْذَنْ لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ آتِي الْقَوْمَ
وَأَكَلِمَهُمْ فَقَالَ: إِنِّي أَتَخَوَّفَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ فَقَالَ: كَلا إِنْ
شَاءَ اللهُ.ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَرَ قَوْماً أَشَدَّ اجْتِهَاداً
مِنْهُمْ فِي الْعِبَادَةِ فَقَالُوا: مَرْحَباً بِكَ يَا ابنَ عَبَّاسٍ مَا جَاءَ
بِكَ فَقَالَ: جِئْتُ أُحَدِّثُكُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا تُحَدِّثُوهُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: بَلْ نَسْمَعُ مِنْكَ.»
فَقَالَ أَخْبِرُونِي مَا تَنْقِمُونَ
عَلَى ابنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجِ
ابْنَتِهِ وَأَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ قَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْهِ ثَلاثَةَ أُمُورٍ
أَوَّلُهَا أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ وَثَانِيهَا أَنَّهُ قَاتَلَ عَائِشَةَ
وَمُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَأْخُذْ غَنَائِمَ وَلا سَبَايَا وَثَالِثُهَا أَنَّهُ
مَحَا عَنْ نَفْسِهِ لَقبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ
بَايَعُوهُ وَأَمَّرُوهُ.
فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ، إِنْ
أَسْمَعْتُكُمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ
مَالا تُنْكِرُونَهُ أَفَتَرْجُعُونَ عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: أَمَّا قَوْلُكُمْ أَنَّهُ حَكَمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللهِ فَاللهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ
وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا
قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} .
أَنْشُدُكُمْ اللَه أَفَحُكْمَ
الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ
أَحَقُّ أَمْ فِي أَرْنَب ثَمَنُهَا رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا: بَلْ فِي حَقْنِ
دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ. فَقَالَ: أَخَرَجْنَا مِنْ
هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّ
عَلِيّاً قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ - أَيْ لَمْ يَأْخُذْ سَبَايَا كَمَا سَبَى
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَكُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ
تَسْبُوا أُمَّكُمْ عَائِشَةَ كَمَا تُسْتَحَلُّ السَّبَايَا فَإِنْ قُلْتُمْ:
نَعَمْ كَفَرْتُمْ وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمِّكُمْ كَفَرْتُمْ
أَيْضاً فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فَاخْتَارُوا
لأَنْفُسِكُمْ مَا شِئْتُمْ ثُمَّ قَالَ: أَخَرَجْنَا مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا:
اللَّهُمَّ نَعَمْ.قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّ عَلِيّاً مَحَا عَنْ نَفْسِهِ
لَقَبَ إمْرَةَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ طَلَبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ
يَكْتُبُوا فِي الصُّلْحِ الذِي عَقَدَهُ مَعَهُمْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: لَوْ كُنَّا نُؤْمِنْ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ
مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنْ أُكْتُبْ مُحَمَّدُ بن
عَبْدِد
اللهِ فَنَزَلَ عِنْدَ طَلَبِهِمْ
وَهُوَ يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لِرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي فَهَلْ
خَرَجْنَا مِنْ هَذِهِ» ؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
وَكَانَ مِنْ ثَمَرَةِ هَذَا
اللَّقَاءِ وَمَا وَفَّقَ اللهُ فِيهِ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ مِنْ حِكْمَةٍ
وَحُجَّةٍ أَنْ عَادَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفاً إِلى صُفُوفِ عَلِي «موارد
الظمآن لدروس الزمان» (٦/ 296)
سادساً:من وصايا النبى ﷺ لعبد الله بن
عباس
:
هذه الوصايا لعبد الله بن عباس والأمة
جميعاً من ورائه منها مثلاً
:
(1)مبشرات النبوة :«عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ
وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ
لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا
الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ
رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ
وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ
يُسْتَجَابَ لَكُمْ»«صحيح مسلم» (٤٧٩)«[شرح محمد فؤاد عبد الباقي] (الستارة) هي
الستر الذي يكون على باب البيت والدار (فقمن ومعناه حقيق وجدير]» «صحيح مسلم» (١/
348)
(2) كيف تنال الحفظ من الله تعالى :« عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ،
احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ
فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ
الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ
إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ
يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ
عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»«سنن الترمذي(٢٥١٦) وصحيح
الجامع (٧٩٥٧)
(3)الدعاء الجامع :«عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو: " رَبِّ
أَعِنِّي وَلا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي
وَلا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي
عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ
رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا، لَكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ
تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ
حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي
"»«مسند أحمد» (١٩٩٧)صححه شعيب الأرنؤوط