لِله دَرُّكَ يَا اِبْنِ عَبَّاسٍ
عبدالله بن عباس حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ,
لله درك يا بن عباس من قاوما ئلها ومعناها ؟
سبب قربه من عمر بن الخطاب وثناء عمر عليه
رد الجميل الذي فعله أبوأيوب الأنصاري بالنبي عند الهجرة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله أما بعد
فحديثنا إليكم اليوم عن ترجمان القرأن عن الفقيه الذي دعا له رسول الله صلي الله عليه وسلم اللهم فقه في الدين
عبدالله بن عباس حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ, أبو العباس عَبْدِ اللهِ, ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ، القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ المَكِّيُّ, وأحد العبادلة الأربعة، عبدالله ين عمربن الخطاب وعبدالله بن عمربن العاص وعبد الله بن الزبير..
هوترجمان القرأن
دعا له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله:"اللهم فقِّهْهُ في الدينِ وعلِّمْهُ التأويلَ".
وضمّه النبي إلى صدره وقال:"اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ".
الذي امتدحه عمربن الخطاب بقوله :"لِله دَرُّكَ يا ابن عباس" وقال أيضاً:"هذا فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول".و كان عمر يقول: "غُص غوَّاصُ، غُص غواص".
ويذكر ابن عباس أنه رأى جبريل مرتين في بيت النبي، فيقول: "رأيت جبريل مرتين، ودعا لي بالحكمة مرتين".
ويروي ابن عباس قصة رؤيته لجبريل فيقول:
عبد الله بن عباس كنت مع أبي عند النبي ﷺ وعنده رجل يناجيه، فقال العباس: ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني؟ فقلت: إنه كان عنده رجل يناجيه. قال: أوكان عنده أحد؟ قلت: نعم. فرجع إليه، فقال: يا رسول الله هل كان عندك أحد; فإن عبد الله أخبرني أنه كان عندك رجل تناجيه؟ قال: هل رأيته يا عبد الله؟ قلت: نعم. قال: ذاك جبريل عليه السلام.
وكان ابن عباس ملازمًا للنبي محمد في مرضه واحتضاره ووفاته، ووصف الأيام الأخيرة للنبي، وخروج النبي من مرضه إلى الصلاة وخطبته، وصفة وفاة النبي وكيفية غسله والصلاة عليه، وما دار بعد وفاة النبي بين الصحابة. وقد تُوفي النبي وعمر ابن عباس ثلاث عشرة سنة، وقيل عشرة، وقيل خمس عشرة -لاختلاف المصادر في سنة مولده-، لكن أجمعت المصادر على أنه كان قد خُتِنَ وبَلغ الحُلم."(البخاري و مسلم ).
«فَقَدْ دَعَا لَهُ بِعِلْمِ التَّأْوِيلِ مُطْلَقًا وَابْنُ عَبَّاسٍ فَسَّرَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ قَالَ مُجَاهِدٌ: عَرَضْت الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا مِنْ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ.
وَأَيْضًا
فَالنُّقُولُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ
تَكَلَّمَ فِي جَمِيعِ مَعَانِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ فَلَهُ
مِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ
وَالْقَصَصِ وَمِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْأَحْكَامِ مَا
يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي جَمِيعِ مَعَانِي الْقُرْآنِ."(مجموع
الفتاوى» (١٧/ 402)
من وصايا النبى ﷺ لعبد الله بن عباس :
هذه الوصايا لعبد الله بن عباس والأمة جميعاً من ورائه منها مثلاً :
مبشرات النبوة :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"(مسلم).
كيف تنال الحفظ من الله تعالى ؟
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ:"يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ"(الترمذي)
الدعاء الجامع :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو: " رَبِّ أَعِنِّي وَلا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا، لَكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي "(أحمد).
لله درك يا بن عباس من قائلها ومعناها ؟
أمير المؤمنين عمر بن الْخطاب:«أخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد أَن ابْن عَبَّاس قَرَأَ هَذِه الْآيَة عِنْد عمر بن الْخطاب فَقَالَ: اقتتل الرّجلَانِ فَقَالَ لَهُ عمر: مَاذَا قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أرى هَهُنَا من إِذا أَمر بتقوى الله أَخَذته الْعِزَّة بالإِثم وَأرى من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضاة الله يقوم هَذَا فيأمر هَذَا بتقوى الله فَإِذا لم يقبل مِنْهُ وأخذته الْعِزَّة بالإثم قَالَ لهَذَا: وَأَنا أشري نفسي فاقتتل الرّجلَانِ فَقَالَ عمر: لله دَرك يَا ابْن عَبَّاس"(الدر المنثور في التفسير بالمأثور» (١/ 578)
معنى "لله درك":لله
دَرُّكَ" هي كلمة مدح وإعجاب، وتعني حرفيًا "للهِ دَرُّكَ" أي
"للهِ مَعدِنُكَ أو حَصيلَتُكَ"، بمعنى أن صفاتك الحميدة ومكارم أخلاقك
هي من سَعَة فضل الله وعطائه.وتُقال للإشادة بشخصٍ ما، كأن يُقال: "ما أروعك!
ما أبرعك! ما أحسن صنيعك!"، مع توجيه الثناء لله تعالى. باعتباره مصدر هذه
الفضائل.
سبب قربه من عمربن الخطاب وثناء عمر عليه؟
عباد الله :"
رآه البصير بالرجال، صاحب النظرة الثاقبة والعيون الناقدة، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فلما رأى نباهته وذكاءه وحرصه، صار يقرِّبه ويُدنيه، وهو لا يزال في السابعة عشرة من عمره، فتًى يبلغ سبعة عشر عامًا يكون جليسًا لعمر بن الخطاب، ومستشارًا له، يُدخِله في مجلس الشورى صحبة أهل بدر والأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
وكان هذا التقريب محل استغراب من بعض كبار الصحابة، فسألوا عمر عن سبب تقريب هذا دون غيره، ولنا أبناء في مثل سنِّه، فأراد عمر أن يثبت لهم: لماذا ابن عباس دون غيره؟
فسألهم عن قوله تعالى:"إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ"(النصر: 1). ما معناه؟
فشرَّقوا وغرَّبوا في تفسيرها، ثم التفت إلى ابن عباس وسأله: "ما تقول يا بن عباس؟ فقال: هي سورة أخبر الله فيها نبيه بقرب أجله، ونعى إليه نفسه، فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول، ثم قال كلمته المشهورة: هذا فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول".
وكان عمر إذا وقعت له مسألة صعبة دعا ابن عباس، وطلب رأيه فيها، فإذا صمت ابن عباس يفكر فيها، كان عمر يقول: "غُص غوَّاصُ، غُص غواص".
نصيحة العباس بن عبدالمطلب لابنه عبدالله
عباد الله:" ولما رأى العباس بن عبدالمطلب هذه المكانة لابنه في نفس عُمَرَ قال له: "يا بني، إني أرى أنك نزلت من نفس هذا الرجل بمنزلة عظيمة، فإن أردت ألَّا تفقد مكانك عنده، فاجتنب ثلاثًا: الأولى: لا يجرِّبن عليك كذبًا، والثانية: لا تغتابنَّ عنده أحدًا، والثالثة: لا تفشَينَّ له سرًّا".
ثلاث نصائح كالذهب لكل من يخالط الكبار وأصحاب الرأي والقرار، حتى وقعت حادثة هزَّت شيئًا من ثقة ابن عباس في مكانته، جاء رجل من أهل العراق إلى المدينة، فسأله عمر عن أحوال الناس وصلاتهم وقرآنهم، فقال الرجل: نعم لقد فشا حفظ القرآن وانتشر بين الناس، وحفِظه كثير منهم، فاستبشر الذين هم حول عمر فرحًا بما يسمعون، فقال ابن عباس: وددتُ لو أنهم لم يسارعوا فيه هذه المسارعة، فنظر إليه عمر بغضب وقال: مَهْ - يعني اسكت - فانكسرت نفس ابن عباس، وخرج من مجلس عمر إلى بيت أهله، وقد تغيرت حاله، حتى زاره نساء من بني هاشم يعتقِدْن أن المرض أصابه، وكان يقول في نفسه: لقد نزلت من هذا الرجل منزلًا عظيمًا، ولا أراني إلا سقطت من نفسه، وكانت أمه لامَتْهُ لماذا تحدثتَ في مجلس عمر!!
ثم كانت لحظات حتى جاءه من يخبره: أجِبْ أمير المؤمنين، فخرج فإذا به يجد عمر يقف أمام بيته فأخذ بيده وقال له: ما الذي دفعك إلى قول ما قلت أمام الرجل؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين، إنهم إن يسارعوا في حفظ القرآن دون فهمه والتفقُّه فيه، يختلفون فيه، فإذا اختلفوا تنازعوا، وإذا تنازعوا اقتتلوا، فقال عمر: لله أبوك، لقد كنتُ أكتمها الناسَ حتى جئت بها.
ومرِض ابن عباس مرضًا شديدًا فكان عمر يزوره ويقول له: "لقد أضر بنا مرضك يابن عباس".
كانت علاقة مميزة بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والفتى اليافع عبدالله بن عباس، أساسها الفقه والعلم ونفع المسلمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وإثم وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
من مناظرات حبر الأمة وترجمان القرآن
«مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَزَلَ
بَعْضُ أَصْحَابِ عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ وَخَذَلُوهُ فِي نِزَاعِهِ مَعَ
مُعَاوَيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ عَبْدُ اللهِ بن عَبَّاسٍ لِعَلِّي
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ائْذَنْ لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ آتِي الْقَوْمَ
وَأَكَلِمَهُمْ فَقَالَ: إِنِّي أَتَخَوَّفَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ فَقَالَ: كَلا إِنْ
شَاءَ اللهُ.ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَرَ قَوْماً أَشَدَّ اجْتِهَاداً
مِنْهُمْ فِي الْعِبَادَةِ فَقَالُوا: مَرْحَباً بِكَ يَا ابنَ عَبَّاسٍ مَا جَاءَ
بِكَ فَقَالَ: جِئْتُ أُحَدِّثُكُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا تُحَدِّثُوهُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: بَلْ نَسْمَعُ مِنْكَ.»
فَقَالَ أَخْبِرُونِي مَا تَنْقِمُونَ
عَلَى ابنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجِ
ابْنَتِهِ وَأَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ قَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْهِ ثَلاثَةَ أُمُورٍ
أَوَّلُهَا أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ وَثَانِيهَا أَنَّهُ قَاتَلَ عَائِشَةَ
وَمُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَأْخُذْ غَنَائِمَ وَلا سَبَايَا وَثَالِثُهَا أَنَّهُ
مَحَا عَنْ نَفْسِهِ لَقبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ
بَايَعُوهُ وَأَمَّرُوهُ.
فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ، إِنْ
أَسْمَعْتُكُمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ
مَالا تُنْكِرُونَهُ أَفَتَرْجُعُونَ عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: أَمَّا قَوْلُكُمْ أَنَّهُ حَكَمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللهِ فَاللهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ
وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا
قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} .
أَنْشُدُكُمْ اللَه أَفَحُكْمَ
الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ
أَحَقُّ أَمْ فِي أَرْنَب ثَمَنُهَا رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا: بَلْ فِي حَقْنِ
دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ. فَقَالَ: أَخَرَجْنَا مِنْ
هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّ عَلِيّاً قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ - أَيْ لَمْ يَأْخُذْ سَبَايَا كَمَا سَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَكُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْبُوا أُمَّكُمْ عَائِشَةَ كَمَا تُسْتَحَلُّ السَّبَايَا فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ كَفَرْتُمْ وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمِّكُمْ كَفَرْتُمْ أَيْضاً فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فَاخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمْ مَا شِئْتُمْ ثُمَّ قَالَ: أَخَرَجْنَا مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّ عَلِيّاً مَحَا عَنْ نَفْسِهِ
لَقَبَ إمْرَةَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ طَلَبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ
يَكْتُبُوا فِي الصُّلْحِ الذِي عَقَدَهُ مَعَهُمْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: لَوْ كُنَّا نُؤْمِنْ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ
مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنْ أُكْتُبْ مُحَمَّدُ بن
عَبْدِد
اللهِ فَنَزَلَ عِنْدَ طَلَبِهِمْ
وَهُوَ يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لِرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي فَهَلْ
خَرَجْنَا مِنْ هَذِهِ» ؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
وَكَانَ مِنْ ثَمَرَةِ هَذَا
اللَّقَاءِ وَمَا وَفَّقَ اللهُ فِيهِ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ مِنْ حِكْمَةٍ
وَحُجَّةٍ أَنْ عَادَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفاً إِلى صُفُوفِ عَلِي «موارد
الظمآن لدروس الزمان» (٦/ 296)
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، واتبع سنته إلى يوم الدين؛ أما بعد أيها المسلمون
ابن عباس يرد الجميل الذي فعله أبوأيوب الأنصاري بالنبي عند الهجرة
ففي زمن علي بن أبي طالب تولَّى عبدالله بن عباس إمارة مدينة البصرة، وصار الوالي والأمير بها، فنزل بها أبو أيوب الأنصاري قادمًا من المدينة، فخرج له ابن عباس وقال له: يا أبا أيوب، لأصنعَنَّ بك اليوم ما صنعت بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم نزل دارك بالمدينة، فخرج ابن عباس من بيته هو وأهله وأبناؤه، وأسكنه أبا أيوب الأنصاري وأعطاه إبلًا وغنمًا، وقضى عنه دينه أربعين ألف درهم.
جلس ابن عباس في موسم الحج يفسر للناس سورة البقرة، فقال أحدهم: لو سمِع هذا اليهودُ والنصارى لأسلموا، وكان المنادي ينادي: من أراد السؤال عن الفقه فليدخل، فإذا انقضوا نادى المنادي: من أراد السؤال عن القرآن فليدخل، فإذا انقضوا نادى المنادي: من أراد السؤال عن الشعر وأيام العرب فليدخل.
لقد قال ابن عباس كلمة ما قالها أحد من أهل العلم قبله، ولا يستطيع أحد بعده أن يقولها، لما جاء إلى تفسير قول الله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 7]؛ قال ابن عباس: "أنا من الراسخين في العلم"
مكث ابن عباس في مكَّةَ بعد رجوعه من البصرة، وأصابه العمى في آخر حياته، ثم اختلف مع ابن الزبير الأمير على مكة وما حولها، فخرج إلى الطائف وأقام بها، حتى أدركه الأجل في الطائف ومات بها، ورَوَتْ كتب التاريخ حادثةً تكاد تكون من الغرائب، ولولا تواتُرُها في كتب التاريخ لَما صدَّقها العقل، قالوا: لما حُمِلَ نعش ابن عباس إلى قبره، ووضع في لحده، فإذا طائر من السماء يأتي فيدخل في أكفان ابن عباس ولم يخرج منها، دخل في أكفان الرجل الذي فسَّر كتاب الله آية آية، ولما دُفِنَ كانت رائحة المسك تفوح من تراب قبره، حتى صار الناس يأتون ويأخذون من ترابه، حتى أمر أمير الطائف يومها بوضع الحراس على القبر يمنعون الناس من ذلك، وبقيت رائحة المسك شهرًا وهي تفوح من قبره رضي الله عنه.
عند تذكرة ليوم الخميس الذي اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوجع.
أخرج الشيخان في الصحيحين: عن سعيد بن جبير ، قال : قال ابن عباس ـ
رضي الله عنهما ـ:(يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى ، فقلت:
يابن عباس ، وما يوم الخميس؟ قال : اشتد برسول الله وجعه ، فقال:(ائتوني أكتب لكم
كتابا لا تضلوا بعدي) فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع ...) الخ...
بعد أن قطع اعتكافه ليقضي حاجة لمسلم ذاكرا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل ذلك على الاعتكاف وعن ابن عباس رضي الله عنهماـ:
أنه كان معتكفا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس ، فقال له ابن عباس : يافلان أراك مكتئبا حزينا ؟ قال نعم يا ابن عم رسول الله ، لفلان علي حق ولاء ، وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه . قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك، فقال: إن أحببت؟ قال فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد . فقال له الرجل : أنسيت ما كنت فيه ؟قال لا ولكني سمعت صاحب هذا القبر، والعهد به قريب فدمعت عيناه ، وهو يقول :(من مشى في حاجة أخيه ، و بلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين ، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين).
وفـاتـه:
عاش ابن عباس ، ينشر الدعوة ، ويشرح تعاليم الإسلام ، وكف بصره في
أواخر حياته ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله علية وسلم عن موسى عن ميسرة ، أن
العباس بعث ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله علية وسلم في حاجه ، فوجد عنده
رجلاً ، فرجع ولم يكلمه ، فلقي العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ،
فقال: أرسلت إليك ابني ، فوجد عندك رجلاً ، فلم يستطع أن يكلمك ، فقال: يا عم
أتدري من ذاك الرجل ؟ قال: لا قال: ذاك جبريل لقيني ولن يموت ابنك حتى يذهب بصره
ويؤتى علماً.
وفي سنة 68هـ توفي ابن عباس البحر ، وكان عمره 71هـ . وكان مرضه ثمانية أيام .
قال عفان بن مسلم الصفار: وكانوا يرون علمه وعمله، فلما وضع في اللحد تلا تالٍ لا يعرف من هو، وفي رواية: أنهم سمعوا من قبره:" يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي"( ذكر ذلك أحمد بن حنبل، والواقدي، وابن عساكر، وابن حجر العسقلاني).
هذه لمحات من سيرة صاحب القرآن وإمام المفسرين، ومثال عظيم يذكره الآباء لأبنائهم، وقدوة لجميع المسلمين في حفظ القرآن وتعلمه وتعليمه، واسم راسخ يقتدي به الصالحون ويتتبعون أخباره ومواقفه، خيرٌ ألف مرة من كل التفاهات التي تملأ الفضاء اليوم، ابن عباس وأمثاله هم قدوتنا، وهم من نتابع أخبارهم، وهم من يجب علينا معرفة سيرتهم وروايتها وبثها بين الناس، لكيلا نغرق في التفاهة، ولا يحاصرنا العدم، ويلبسنا التمزُّق.