
خطبة عيد الأضحي المبارك
الحمد لله رب العالمين الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر كبيراً والحمدلله كثيرا وسبحان الله بحمده بكرة وأصيلاً
وأشهدأن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة وسلاماً علىك ياسيدي يا رسول الله، أما بعد فياعباد الله
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي
العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ
المَكارِمُ
حديثنا إليكم في يوم عيد التضحية والفداء عن صاحب الفضل والذكري عن خليل الله إبراهيم عليه السلام فهو رجل استحق أن يكون من أولي العزم من الرسل بسبب ثباته وقوته في مواجهة الباطل، وتحمله للأذى والابتلاءات، وتطبيقه للأمر الإلهي بذبح ابنه إسماعيل، مع أن ذلك كان من أصعب الأمور عليه وأشقها .
عباد الله :"
لو مضينا نبحث في فضل إبراهيم وتكريم الله له فسوف نمتلئ بالدهشة.
نحن أمام بشر جاء ربه بقلب سليم. "إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ "(الصافات/84).
نبي إنسان لم يكد الله يقول له أسلم حتى :" إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ "(البقرة/131).
نبي جعله الله إماما للناس. وجعل في ذريته النبوة والكتاب. :" وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ"(البقرة/124).
نبي أمرنا الله ان نتخذ مقامه مصلي وفيه يصلي :" وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (البقرة/125).
نبي دعا لذريته بالأمن والأمان لمن تمسك منهم بالإيمان :"وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ"(البقرة/126)
نبي رفع قواعد البيت الحرام بأمر من الواحد العلام:" وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "(البقرة/127).
نبي أسس لأمم من ذريته قواعد الإسلام الحنيف : " رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "(البقرة/128)
نبي دعا للبشرية بنبي خاتم يعلمها الكتاب والحكمة ويزكيهم :" رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز الْحَكِيمُ"(البقرة/129)
نبي جعل الله ملته هي السمحاء ومن يرغب عنها فهومن السفهاء:" وَمَن يَرْغَبُ عَن
مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ "(البقرة/130)
نبي أسلم ووصي بها بنيه ألايموتوا علي غير الإسلام "وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "(البقرة/132).
نبي اصطفاه الله وذريته ليكون جداً وأبا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده.:" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" ﴿٣٣ آل عمران﴾.
نبي أتي الله ذريته الحكمة والملك العظيم فحسدهم اليهود علي ذلك قال تعالي :"أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا "(النساء/54).
نبي كرمه الله تبارك وتعالى تكريماًخاصاً، فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب. وجعل العقل في جانب الذين يتبعون دينه.:"
نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب.:"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ "(هود/75)
نبي هو أول من سمانا المسلمين. :"وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ" (الحج/78).
وأمر سبحانه عبادَه جميعهم بذلك الاتباع لتلك الملَّة إتباعه في قوله:"قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ"(آل عمران/ 95 ).
وقال تعالي:"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ
مِنَ الْمُشْرِكِين"(الأنعام/161).
نبي ثبت في مواجهة الباطل: ولم يتراجع عن دعوته إلى الله حتى وإن واجهته صعوبات كبيرة فنصره الله علي كل ظالم نمرود ومتنمرد:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ
الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُفَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ
فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٢٥٨ البقرة﴾
نبي حطم الأصنام بيده ولم يستطيع أحد منهم أن يناله بسوء
قال تعالي :"قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ"(الأنبياء/68-70)
وقال تعالي:" فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ((91- -98)
نبي سخي كريم أول من ضيف الضيفان كان يُكنى بأبا الضيفان، لأنه كان مضيافاً كثير الكرم لمن استضافه، وقد جاءه أضياف من الملائكة وهو لا يعرف أنهم ملائكة، فذهب إلى بيته وجاءهم بعجل حنيذ، وكان الملائكة ثلاثة، وعلى قلة عددهم كان يكفيهم القليل من اللحم، إلا أن إبراهيم يذهب إلى بيته ويجيء بعجل حنيذ، ثم يقبل عليهم : "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ . إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًاً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ . فَرَاغَ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ . فَقَرَّبَهُ إلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ"(الذاريات/ 24 – 27 ).
نبي اتخذه الله خليلاً :"وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا "﴿١٢٥ النساء﴾
ولكنه لم يختص إبراهيم عليه السلام بخُلَّة الرحمن سبحانه وتعالى ، بل شاركه فيها نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم . فعن جُنْدَب بنِ عَبْدِ الله البَجَلي رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ :"إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ
لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا ، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا
مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا"( مسلم ) .
نبي ضرب لنا أروع الأمثلة في الأدب مع الأب وكيفية التحدث
معه :" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي
أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا "(مريم/(41- 45).
نبي كان جزاؤه من جنس عمله فلما ابتلاه ربه بذبح ولده كان رد ولده عليه
بنفس الخطاب الذي تحدث به مع ربه :" فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ"(الصافات: 102).
.نبي قد ابتلاه الله ببلاء مبين. بلاء فوق قدرة البشر وطاقة
الأعصاب. ورغم حدة الشدة، وعنت البلاء.. وفي مع الله بما
أرسله به فهو من أولي العزم أخذ الله عليه ميثاقًا غليظًا، فثبت
ووفي بالعهد الذي قطعه مع الله فكان إبراهيم هو العبد الذي وفى.
وزاد على الوفاء بالإحسان. :"وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ "(النجم/37)
وإبراهيم الذي وفى . قالوا : وفى جميع ما أمر به . وقام بجميع خصال الإيمان وشعبه ، وكان لا يشغله مراعاة الأمر الجليل عن القيام بمصلحة الأمر القليل ، ولا ينسيه القيام بأعباء المصالح الكبار عن الصغار
نبي براءة الله من الشرك والمشركين ": قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وممَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ
وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ .."( الممتحنة/ 4).
نبي حقق التوحيد ، وتبراء من الشرك والمشركين ، حتى نسب الدين والملَّة إليه عليه السلام ، ولذا فلا عجب إِنْ عَلِمْنَا أن الله تعالى أمر نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم أن يتبع هذه الملَّة في قوله تعالى :"ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"(النحل/ 123 )،
نبي أمر الله سبحانه عبادَه جميعهم باتباع ملَّته :"قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ"(آل عمران/ 95 ).
نبي كان أمة بأسرها اجتباه الله وهداه وجعله في الأخرة من
الصالحين :"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ
اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
"( النحل/ 120، 122) .
والأمّة هو الإمام الجامع لخصال الخير الذي يُقتدى به . والقانت هو الخاشع المطيع لربه دائماً . والحنيف هو المنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد ، ولهذا قال : (وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) و (شَاكِراً لأَنْعُمِهِ) أي : قائماً بشكر نعمة ربه عليه . فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن (اجْتَبَاهُ) ربه واختصه بخلته وجعله من صفوة خلقه ، وخيار عباده المقربين "(تفسير ابن كثير ، وتفسير السعدي) .
نبي هو أحد أولي العزم من الرسل الخمسة الكبار الذين اخذ الله منهم ميثاقاًغليظاً عظم صبره ، قال الله تعالى : "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ"( الأحقاف/ 35 ،
:" وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ
وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا "(الأحزاب/7).
:"شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ
وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ"( الشورى/13 ).
نبي هو أشرف أولي العزم بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو
الذي وجده عليه السلام في السماء السابعة مسندا ظهره بالبيت المعمور الذي يدخله كل
يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم ،
نبي بلغ أمة محمد السلام ووصف لهم الجنة والسبيل لدخولها
ففي الحديث عن ابن مسعود قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"لَقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْريَ بي فقالَ : يا محمَّدُ ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ ، وأنَّها قيعانٌ ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ "(الترمذي).
نبي أول من يكسي يوم القيامة والناس عراة حفاة غرلاً:"
عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس حفاة عراة غرلا فأول من
يكسى إبراهيم عليه السلام . ثم قرأ كما بدأنا أول خلق نعيده . فأخرجاه في الصحيحين
من حديث عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس به .
نبي فضله رسول الله محمد عليه مع انه خير البرية قال رجل للنبي صلى
الله عليه وسلم : يا خير البرية فقال : " ذاك إبراهيم " .(مسلم).
نبي هو أفضل الرسل وأولي العزم بعد نبينا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أمرنا أن نصلي عليه في صلاتنا
كما ثبت في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة ، وغيره قال : قلنا : يا رسول الله هذا
السلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على
محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد "
هذه الفعلة العظيمة، فيها من الدروس والعبر ما يهون على النفس مصائب الدنيا، ويملء النفوس بالإيمان، ويستصغر العبد كل المصائب مع هذه الواقعة، وكيف يستقبل العبد المنح والعطايا،عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟قَالَ:"سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ".
قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟قَالَ:"بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ"قَالُوا: فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: "بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ"( أحمد والحاكم وابن ماجه ).
نبي بلغ من العمر ما بلغ دون أن يرزق بولد،ولما سأل ربه رزقه الغلام الحليم :" وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ "(الصافات/99-101)
فلما جاءه على بحر من الأشواق، وطول انتظار واشتياق، فما أن
بلغ معه السعي، وكان له سندًا، ورافقه في المشي، وكان عونًا له
على العمل، جاء الأمر من الله بالذبح،فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات/102)
فاستسلم الخليل، وشاور الصغير فما تقاعس أو تردد، بل قال بلسان الواثق من أمر ربه: قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ "(الصافات/102)
فلما خلصت النوايا، واستسلم القلب والجوارح في استقبال البلايا، أخلف الله عليه بالفداء، وحول الحزن فرحًا، وسار الفداء نسكًا لأمة الإسلام،
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ" (الصافات/103-113)
نبي اتخذه كل مبتل قدوة وأسوة :"قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ"(الممتحنة/4).
حينما يتذكر كل مبتل ما مر به إبراهيم عليه السلام فيستصغر مصابه، ويتيقن أنَّه مهما عظم البلاء فإن لطف الله واقع لا محالة، وأصبح جزاء الصبر فرحًا وعيدا للمسلمين على مر العصور والأزمان، وليتذكر كل مَن لم يستطعْ الوقوفَ مع الحجيج في عرفة، فليقف عند حدود الله الذي عرفه، ومَن لم يستطعْ الوصولَ لبيتِ اللهِ الحرام؛ لأنَّهُ بعيدٌ فليقصدْ ربَّ البيتِ، فإنَّهُ أقربُ إليهِ مِن حبلِ الوريدِ، وليغتنم فضل هذا النسك، ويساهم في إسعاد إخوانه من الفقراء والمحتاجين.
وهذا هو السر الذي لأجله - والله أعلم - أُمر الخليل بذبح ولده ، وثمرة فؤاده ، وفلذة كبده ؛ لأنه لما سأل الولدَ فأعطيه : تعلقت به شعبة من قلبه ، والخلة منصب لا يقبل الشِّركة ، والقسمة ، فغار الخليلُ على خليله أن يكون في قلبه موضع لغيره ، فأمره بذبح الولد ؛ ليُخرج المزاحم من قلبه ، فلما وطن نفسه على ذلك ، وعزم عليه عزماً جازماً : حصل مقصود الأمر ، فلم يبق في إزهاق نفس الولد مصلحة ، فحال بينه وبينه ، وفداه بالذبح العظيم ، وقيل له :"يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا" ، أي : عملت عمل المصدق .
"إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" نجزي من بادر إلى طاعتنا ، فنقر عينه ، كما أقررنا عينك بامتثال أوامرنا ، وإبقاء الولد ، وسلامته .
"إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ" وهو اختبار المحبوب لمحبه ، وامتحانه إياه ليؤثر مرضاته ، فيتم عليه نعمَه ، فهو بلاء ، محنة ومنحة عليه معاً" انتهى (مدارج السالكين" (3/30 ، 31) .