recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة التحذير من أذية المسلمين لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

 التحذير من أذية المسلمين

كف الأذي عن الناس صدقة

أذية الناس تستوجب سخط الله ولغنته

أذية الناس ظلم وعواقبه وخيمة 

عفو الرسول صلي الله عليه وسلم عمن أذاه

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في سلطانه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه القائل :" المسلم من سلم الناس من لسانه ويده "والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين 

أما بعد: فيقول الله تعالى:" وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا "(الأحزاب:58).

عباد الله:" حديثنا إليكم اليوم  عن "كف الأذى عن الناس صدقة، وبيان خطورة أذية الناس، وبيان عقوبة من يؤذيهم في الدنيا والآخرة، ثم نطوف معكم على صور من الأذية المحرمة التي يقع فيها بعض الناس، ثم ننادي ونقول لمن نالهم الأذى: لا تقابلوا السيئة بالسيئة، ولكن اعفوا واصفحوا،"

كف الأذي عن الناس صدقة

عباد الله :" كف الأذى عن الناس صدقة، و خطورة أذية الناس، عقوبتها شديدة في الدنيا والآخرة،  وقد توعد الله عزوجل الوعيدالشديد لمن يؤذي المؤمنين لأن أذية المؤمنين والمؤمنات من كبائر الذنوب التي حذَّرنا منها المولي عزوجل فقال تعالى:" وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا "(الأحزاب:58).

في هذه الآية تحريم أذى المسلم إلا بوجه شرعي، كالمعاقبة على ذنب، ويدخل في الآية كل ما حرُم للإيذاء؛ كالبيع على بيع غيره، والسوم على سومه، والخطبة على خطبته،أوحرض ضده أوافتري عليه وبهته أوأخذ ماله وورثه  ..

ويقول الفضيل رحمه الله: "لا يحلّ لك أن تؤذيَ كلبًا أو خنـزيرًا بغير حقّ، فكيف بمن هو أكرم مخلوق؟!"، وقال قتادة رحمه الله: "إيّاكم وأذى المؤمن، فإنّ الله يحوطه ويغضب له".

وقال ابن رجب رحمه الله: "تضمّنت النّصوص أنّ المسلم لا يحلّ إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حقّ".

 قال أهل التفسير: "وهذا التّشديد لأنّه كان في المدينة يومذاك فريقٌ يتولّى هذا الكيدَ بالمؤمنين والمؤمِنات، بنشرِ قالةِ السّوء عنهم وتدبير المؤامرات لهم وإشاعة التّهَم ضدّهم، وهو ـ أي: هذا التحريم والتّشديد ـ عامّ في كلّ زمان وفي كلّ مكان، والمؤمنون والمؤمنات عُرضةٌ لمثل هذا الكيدِ في كلّ بيئة من الأشرارِ المنحرفين والمنافقين والذين في قلوبهم مرَض، والله جلّ وعلا يتولّى عنهم الردَّ على ذلك الكيدِ ويسِم أعداءَهم بالإثم والبُهتان وهو أصدق القائلين" انتهى.

ونبيّنا صلى الله عليه وسلم يحذّر من الأذى فيقول: "إيّاكم والجلوسَ في الطرقات"، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدّ في مجالسنا، نتحدّث فيها، فقال عليه الصلاة والسلام وهو الرحيم المشفِق: "إذا أبَيتم إلاّ المجلس فأعطُوا الطريقَ حقَّه"، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: "غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر" متفق عليه، ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا تسبّوا أمواتَنا فتؤذوا أحياءَنا"

(النسائيّ وسنده حسن)

أذية الناس تستوجب سخط الله ولغنته

عباد الله:"  أذيّة المؤمنين وإحداثُ ما فيه إضرارُهم سببٌ عظيم لسخط المولى جلّ وعلا ومقتِه وعذابه وغضبِه، قال صلي الله عليه وسلم : "إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجَى اثنان دون صاحبِهما، فإنّ ذلك يُحزِنه"، وفي رواية: "فإنّ ذلك يؤذي المؤمنَ، والله يكرَه أذَى المؤمن"(الترمذي وقال: "حديث صحيح).

وقال تعالي:" وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا" (النساء/112).

وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً "أي: ذنبا كبيراً" أَوْ إِثْمًا " ما دون ذلك. " ثُمَّ يَرْمِ بِهِ " أي يتهم بذنبه "بَرِيئًا "من ذلك الذنب، وإن كان مذنبا." فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" أي: فقد حمل فوق ظهره بهتا للبريء وإثمًا ظاهرًا بينًا، وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها، فإنه قد جمع عدة مفاسد: كسب الخطيئة والإثم، ثم رَمْي مَن لم يفعلها بفعلها، ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء، ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية، تندفع عمن وجبت عليه، وتقام على من لا يستحقها. ثم ما يترتب على ذلك أيضا من كلام الناس في البريء إلى غير ذلك من المفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر."

وإنما فرق بين " الخطيئة " و " الإثم "، لأن " الخطيئة "، قد تكون من قبل العَمْد وغير العمد، و" الإثم " لا يكون إلا من العَمْد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما فقال: ومن يأت " خطيئة " على غير عمد منه لها" أو إثمًا " على عمد منه.

وقد قال تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم . والبهتان من البهت ، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء . 

و عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ؛ قال : ذكرك أخاك بما يكره . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته"(مسلم).

وهذا نص ؛ فرمي البريء بهت له . يقال : بهته بهتا وبهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله .

أذية المؤمنين سبب من أسباب الإفلاس يوم القيامة:

 فيا مَن تجرأت على أذية المسلمين بغير حق تُب وأقلع، كُفَّ عن أذية المسلمين قبل أن يُقضَى بينك وبينهم يومَ لا ينفع مال ولا بنون، 

واحذروا عباد الله من الوقوع في الأذية، فإنها سبب من أسباب الإفلاس يوم القيامة؛ عن أبي هريرة أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "أتَدْرون ما المفلس؟، قالوا: المفلس فينا من لا دِرْهم له ولا متاع، فقال: "إنَّ المفلس مِن أُمَّتِي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكلَ مال هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فَنِيَت حسناتُه قبل أن يقضى ما عليه أُخِذ من خطاياهم، فطُرِحَت عليه، ثُمَّ طرح في النَّار"(مسلم والترمذي).

عقوبة أذية المؤمنين في الأخرة يصاب بالجرب 

قال مجاهد بن جبر رحمه الله : يُلقى على أهل النار الجرب فيحتكون حتى تبدو العظام، فيقولون: ربنا بم أصابنا هذا؟ فيقال:بأذاكم المؤمنين في الدنيا"(موسوعة ابن أبي الدنيا (٤٦٢/٣).

صور من الأذية المحرمة

من صور الأذى التجسس وتتبُّع عورات المسلمين؛ عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرَ، فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تُؤذوا المسلمين، ولا تُعيِّروهم، ولا تتَّبِعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبَّع عورةَ أخيه المسلم تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته يفضَحه ولو في جوف رحله"(الترمذي).

الإسلامُ دِينُ الأخلاقِ الحسَنةِ، وقد أمرَ بحفظِ الأعْراضِ مِن أنْ تُنتَهكَ بالقولِ أو الفعلِ؛ لأنَّه ممَّا يورِثُ العَداوةَ والبَغضاءَ بينَ المسلِمينَ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "يا مَعشرَ مَن آمَنَ بلِسانِه وَلم يَدخُلِ الإيمانُ قلبَه" وهذا نِداءٌ للتَّحذيرِ؛ لأنَّ الإيمانَ يجبُ أن يكونَ بالجَوارِحِ بعدَما يَصدُقُ ويستَقِرُّ في القلبِ، فتكونُ الأفعالُ والأعمالُ والاستِجابةُ للأوامرِ والنَّواهي دليلًا على هذا التَّصديقِ.

"لا تَغْتابوا المسلِمينَ"، أي: لا تَذكرُوهم في غَيبتِهم بما يَسوءُهم ويُحزِنُهم، "ولا تتبِعوا عَوراتِهم"، أي: ولا تتحرَّوْا تتبُّعَ سقَطاتِهم وزَلَّاتِهم، وكشْفَ ما يَسترُونَه عن النَّاسِ من القَبائحِ؛ "فإنَّه مَنِ اتَّبع عَوراتِهم يتَّبِعِ اللهُ عورتَه، ومَن يتَّبعِ اللهُ عوْرتَه يفضَحْه في بيتِه"، أي: يكونُ الجزاءُ مِن جِنس العَملِ، فكمَا تتبَّعوا سَقطاتِ المسلمينَ وزلَّاتهِم واغْتابوهم لفَضحِهم، سَخَّر اللهُ تَعالى له مَن يتَّبعُ عورتَه فيفضَحُه حتى وهو في بيتِه.

وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ الإيمانَ يكونُ بالقولِ والعَملِ والجوارحِ، وأنَّ المغْتابَ لم يَستقِرَّ الإيمانُ في قلبِه.

وفيهِ: التَّحذيرُ من الغِيبةِ، والترهيبُ الشَّديدُ مِن تتبُّعِ عوراتِ المسلمينَ.

ومن صور الأذى أذية الجيران والجارات:

إن إيذاء المسلمين سببٌ لدخول النار، وكف الأذى عنهم من أسباب دخول الجنة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِى جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاَتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ، وَلاَ تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ"(أحمد).

عَنِ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم قال:"مَن كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فلا يُؤذِ جَارَهُ، وَمَن كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فلْيُكرِم ضَيْفَهُ، وَمَن كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَو لِيَسْكُتْ"(البخاري ومسلم).

عباد الله:" ومن صور الأذى وضع القاذورات والأحجار وتضيق الطرقات على المسلمين والمسلمات

احذَروا من أذيّة إخوانِكم بأيّ نوعٍ من أنواع الأذى أو صورةٍ من صوَر الإضرَار، فذلكم وقوعٌ في شرّ عظيم، فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: "من آذى المسلمين في طرقِهم وجبت عليه لعنتُهم"

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان وأسباب دخول الجنان، وأنها من أنواع الصدقة والإحسان، وبالمقابل أن وضع الأذى في الطريق من الإساءة والعصيان ومن أسباب اللعنة والخذلان، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم: الإيمان بضع وستون ـ أو سبعون ـ شعبة، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"(مسلم والبخاري وغيرهما).

والأذى كل ما يؤذي المار كالحجر والشوكة والعظم والنحاسة والحديد والزجاج وغير ذلك، وإماطته: تنحيه وإزالته.

وعن أبي هريرة قال: قال النبي: "عُرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن"(مسلم).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله:" كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه شمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمل عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة"(البخاري ومسلم).

عباد الله:" ومن صور الأذى: التخلِّي في طرق الناس وأفنيتهم، وقضاء الحاجة في أماكن تنزُّههم، وجلوسهم، وتنجيسها، وتقذيرها بالأنجاس والمهملات، ومن ذلك أيضًا تسريب مياه الصَّرف الصحي فيها، فيتأذَّى الناس بالرائحة، إضافةً إلى تنجيسهم، وتأذِّي الناس بذلك أعظمُ من تأذِّيهم بقضاء الحاجة في الطَّريق،

 فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا اللعَّانَيْن"، قالوا: وما اللعَّانان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلَّى في طريق الناس، وظِلِّهم"(أحمدومسلم).

وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعَنَتُهُمْ" (الطبراني).

كف الأذى علامة من علامات الإسلام الصادق:

عن أبي ذر - رضي الله عنه - لَمَّا سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أيُّ المسلمين خيرٌ؟"، قال: "مَن سلم المسلمون من لسانه ويده"(البخاري ومسلم).

 قال الإمام ابنُ حجر رحمه الله: "فيقتضي حَصْر المسلم فيمن سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام الواجب؛ إذْ سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبةٌ، وأذى المسلم حرامٌ باللسان واليد"(فتح الباري)..

قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: "أفضلُ المسلمين: من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداءَ حقوق المسلمين، والكفَّ عن أعراضهم" 

واعلموا أن من أذى مؤمنًا فان الله تعالى توعده بالمحاربة:

ومن منَّا عباد الله يتحمل أن يحاربه الله تعالى؟ عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ قال: مَن عَادَى لي وَلِيًّا فَقد آذَنتُه بِالحَرْب"(البخاري)

فمن المخذول الذي يتصدَّى لحرب الله، وقد قال سبحانه:"إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ"(الحج: 38).

كف الأذى سبب من أسباب دخول الجنة:

 عباد الله:"و كف الأذى عن المسلمين وعن طرقاتهم، موجب من موجبات دخول الجنة؛ عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مرَّ رجلٌ بغصن شجرةٍ على ظهر طريقٍ، فقال: والله لأُنَحِّيَنَّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأُدخِلَ الجنَّة"(البخاري ومسلم).

وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، دُلَّني على عملٍ يُدخِلُني الجنة، قال: "اعزِلِ الأذَى عن طريق المسلمين"(مسلم وأحمد وابن خزيمه).

  الخطبة الثانية

الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد عباد الله 

فإن الأذية بالمسلمين ظلم:

يا مَن لا يزال على أذيّة المسلمين قائمًا ولإحداث الضّرر بهم ساعيًا، تذكّر أنّ معهم سلاحًا بتّارًا، تذكّر أنّ الأذيّة ظلمٌ والإضرار بالمؤمنين بغيٌ، والظلم كله حرام.

وليتذكّر من أوقع على المسلمين ظلما أنّ معهم سلاحًا بتّارًا، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "واتّق دعوةَ المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب"(مسلم).

دعا رجلٌ مِن السلف على امرأة أضرّته وأفسدَت عليه عِشرةَ امرأة له، فذهب بصرها في الحال، وكذَب رجلٌ على مطرّف بن عبد الله رحمه الله فقال له: "إن كنتَ كاذبًا فعجّلَ الله حتفَك"، فمات الرّجل مكانَه، وكان رجلٌ من الخوارج يغشَى مجلسَ الحسن البصري فيؤذيهم، فلمّا زاد في ذلك، قال الحسن: "اللهمّ قد علمتَ أذاه لنا فاكفِناه بما شئتَ"، فخرّ الرجل من قامتِه، فما حُمِل إلى أهله إلا ميتًا على سريره، ومع هذا فأكثرُ مَن كان مجابَ الدّعوة من السلف كان يصبِر على الأذى والبلاءِ ابتغاءَ الأجر والثّواب من الله جلّ وعلا

إخوةَ الإسلام، إنّ من يتولّى للمسلمين عملاً من أعمالهم أو وظيفة من الوظائف التي جُعلت لخدمتهم فهو أمين فما وُلِّي عليه، واجبٌ عليه بذلُ الجهد في تحقيق مصالحهم ورفع الضّرر والأذى عنهم، وحينئذ فمن آذى مسلمًا من خلال عملِه أو ألحَق به الضّررَ من منطلَق وظيفتِه فهو على إثم مبينٍ وفي خطَر كبير، فنبيّنا صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ضرَرَ ولا ضِرار، ومن ضارّ ضرّه الله، ومن شاقّ شقّ الله عليه" والحديث حسن، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضًا: "اللهمَّ من ولِي من أمر أمّتي شيئًا فشقّ عليهم فاشقُق عليه

قال الحسن البصري : "من اشد الناس صراخا يوم القيامة هو رجل رزقه الله بمنصب استعان به على ظلم الناس"

صور من عفو النبي صلى الله عليه وسلم عمن أذاه:

عباد الله :" ورسولنا صلي الله عليه وسلم ضرب لنا أروع الأمثلة في العفو والصفح عن الناس  أخبر أسامةُ بن زيد رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه رَضِيَ اللهُ عنهم   يَعْفُونَ عَنِ المُشْرِكِينَ وأَهْلِ الكِتَابِ كما أمَرَهُمُ اللَّهُ، ويَصْبِرُونَ علَى الأذَى؛ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: "وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا"(آل عمران/186).

ضرب أنبياء الله صلوات الله عليهم أروع الأمثلة في الصبر وتحمُّل الأذى من أجل الدعوة إلى الله، وقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاق في سبيل نشر الإسلام، وكان أهل قريش يرفضون دعوته للإسلام ويسبونه، ولا يستجيبون له، وكان جيرانه من المشركين يؤذونه ويلقون الأذى أمام بيته، فلا يقابل ذلك إلا بالصبر الجميل؛

 قَالَ عَبْدُاللَّهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"(البخاري).

موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة:

لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، دخل البيت، فصلى بين الساريتين، ثم وضع يديه على عضادتي الباب، فقال: لا إله إلا الله وحده ماذا تقولون، وماذا تظنون؟ قالوا: نقول خيرًا، ونظن خيرًا: أخ كريم، وابن أخ، وقد قدرت، قال: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف صلى الله عليه وسلم:"لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين"(يوسف:92)(الأرزقي وابن عساكر).


google-playkhamsatmostaqltradent