recent
أخبار عاجلة

مبالغة الوهابية في أمر اللحية


 مُبَالَغَةُ الْوَهَّابِيَّةِ فِي أَمْرِ اللِّحْيَةِ

بقلم: خادم الجناب النبوي الشريف

د/محمد إبراهيم العشماوي

                أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد 

فقد طرح الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم العشماوي سؤالاً هاماً علي صفحته الشخصية وأجاب عليه باستفاضة نادرة وقال بأنها محاولة للتحليل النفسي لهذه الظاهرة 

والسؤال:"

لماذا يبالغ الوهابية في الاهتمام بأمر اللحية، وينصبون المعارك حولها، دون غيرها من سنن الفطرة؟!

محاولة للتحليل النفسي لهذه الظاهرة!

يقولون: ورد في اللحية أكثر من سبعة عشر حديثا، فهي دليل على أهميتها!

أقول: ورد في السواك أكثر من مئة حديث!

قال العلامة سراج الدين ابن الملقِّن في [البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير] - كما نقله عنه الصنعاني في[سبل السلام شرح بلوغ المَرام] -: "قد ذُكر في السواك زيادة على مئة حديث، فواعجبًا لسنة تأتي فيها الأحاديث الكثيرة، ثم يهملها كثير من الناس، بل كثير من الفقهاء، فهذه خيبة عظيمة!". انتهى.

فإن كان الأمر بكثرة العدد؛ فالسواك أهم من اللحية!

وإن كان من حيث قوة الحكم؛ فقد اختلف في حكم اللحية على ثلاثة أقوال: 

الوجوب، والاستحباب، والإباحة، 

واختلف في السواك على قولين: 

الوجوب، والاستحباب، والقائل بالوجوب أمير المؤمنين في الحديث؛ إسحاق بن راهويه، وداود بن علي، شيخ الظاهرية!

فالأمر فيهما متساوٍ، بل لعله في السواك أقوى؛ لأنه لم يقل أحد فيه بالإباحة، كما قيل في اللحية!

فلماذا لا يهتمون بأمر السواك، ويشنعون على تاركه، كما يفعلون في اللحية؟!

بل لماذا لا يفعلون ذلك في سائر خصال الفطرة؟

 التي ذُكرت مقرونة باللحية، كقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وتقليم الأظافر، والختان، وبعضها ليس فيه إلا القول بالوجوب، خلافا للحية التي اختلف في حكمها؟!

هل لذلك من سر يعرفه أحد؟!

هل لأنهم يهتمون بالأمور الظاهرة الدائمة التي هي محل نظر الناس، دون الخفية المؤقتة البعيدة عن النظر؛ لأن الدين عندهم عبارة عن مظهر لافت ومميز عن الآخرين؟! أم ماذا؟!

الله أعلم بحقيقة الحال!

وقد عهدنا أن الاهتمام البالغ بتزيين الظاهر؛ يصاحبه - غالبا - قبح في الباطن؛ فكأنه تعويض عن هذا القبح!

بل لماذا يخالفون هديه الظاهر صلى الله عليه وسلم، ولا يلبسون العمامة كما كان يلبسها، ويلبسون لباس الأعراب؟!

وأمر آخر أحب أن أنبه عليه، وقد طالما شنعوا به على من يحلقون لحاهم، وهو أن حلق اللحية فيه تشبه بالنساء، وقد قصدوا بذلك عيب تارك اللحية، وما علموا أن من خصائص أهل الجنة - جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه -" أنهم يدخلون الجنة جُرْدًا مُرْدًا: "جردا: بلا شعر في أجسادهم، ومردا: بلا لحى"- كما رواه (أحمد والطبراني والبيهقي)، وهو حديث صحيح أو حسن بشواهده - 

وأن هذا من تمام النعيم، وكمال الخلقة، ولو كان عيبا أو نقصا؛ لما جعله الله من خصائص أهل الجنة، وهم أهل الكمال، خلقهم الله تعالى على أحسن الأحوال!

فإن قالوا: إن الآخرة دار جزاء، لا دار تكليف!

قلنا: نعم، وأيضا يخلق الله أهل الجنة على أحسن الأحوال، بلا عيب ولا نقص؛ لأن الجنة دار الكمال، فلو كان ترك اللحية عيباً أو نقصاًفي خلقة الرجل؛ لم يجعل الله أهل الجنة بلا لحى ولا شعور في وجوههم وأجسادهم!

بقي أن أقول: 

إنني لست ضد اللحية ولا أي سنة من السنن، ولكنني ضد التنطع وحصر الدين في هيئة من هيئات الجسد، وجعله مقياسا يقاس به الرجل في تسننه أو عدم تسننه؛ لأن السنن النبوية لا تنحصر في اللحية، وهناك سنن أشد منها تأكيدا، ومنها حسن الظن بالمسلمين، والرفق بهم عند النصيحة، ولزوم الأدب معهم، وترك التجاوز في حقهم، وعدم تزكية النفس، وترك احتقار المقصرين، والحكم عليهم، واتهامهم في دينهم وفي مروءتهم، وكل هذه آفات تلازم كل من يتكلم في أمر اللحية من هؤلاء، هدانا الله وإياهم!وبالله التوفيق.

الإنصاف في حل مسائل الخلاف 

تعليق :"

إضافة لماذكره الأستاذ الدكتور نقول بأن الفقهاء تحدثوا في هذا الأمر القدامي والمعاصرين وإليكم :"

تفصيل أقوال الفقهاء:

حرمة حلق اللحية:

جمهور الفقهاء: يرى الحنفية والمالكية والحنابلة، بالإضافة إلى قول في مذهب الشافعية، أن حلق اللحية حرام، لأن فيه مخالفة للأمر النبوي بإعفاءها.

الدليل: يستند هؤلاء الفقهاء إلى الأحاديث التي توجِّب إعفاء اللحية ومخالفة المشركين.

مثال: ما رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحى، وأحْفُوا الشَّوارِبَ".

كراهة حلق اللحية:

الأصح في مذهب الشافعية: يعتبر الأصح في مذهب الشافعية أن حلق اللحية مكروه.

تفسير: يرى بعض العلماء أن النهي عن حلق اللحية جاء في عدد من النصوص الصريحة الواضحة التي لا خلاف فيها، وأن النهي ليس على سبيل الوجوب بل على سبيل الاستحباب.

فلا يكفر من قال بكراهة حلق اللحية، فقد قال به جمع من أهل العلم، وهو مذهب الشافعية المعتمد عندهم، كما نصّ عليه الشيخان: الرافعي والنووي، وتابعهم الغزالي، وشراح المنهاج، وأصحاب الحواشي، وغيرهم من المتأخرين.

جاء في حاشية الشرواني: المعتمد عند الغزالي، وشيخ الإسلام، وابن حجر في التحفة، والرملي، والخطيب وغيرهم: الكراهة.... اهـ.

إباحة حلق اللحية:

بعض العلماء المعاصرين: يرى بعض العلماء أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية هو على سبيل الاستحباب وليس الوجوب، وبالتالي لا مانع من حلقها.

تفسير: يرى هؤلاء العلماء أن هذا الأمر من الأفعال العادية للنبي صلى الله عليه وسلم وليست من الأمور التعبدية الشرعية، وبالتالي يمكن حلق اللحية دون إثم.

الضرورة:

عند جميع المذاهب: إذا كان هناك خوف على دين المسلم أو ماله أو نفسه أو عرضه، فإن حلق اللحية يكون جائزًا لضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.

تفسير: في مثل هذه الحالات، يكون حلق اللحية جائزًا لتجنب ما قد يترتب عليه من ضرر على المسلم.

الخلاصة والإنصاف :

أكثرية الفقهاء يميلون إلى حرمة حلق اللحية، بناءً على الأحاديث التي تأمر بإعفاءها، ولكن بعض العلماء يرى أن هذا الأمر على الاستحباب وليس الوجوب، وبالتالي لا مانع من حلقها. كما أن حلق اللحية جائز في حالة الضرورة.

ملاحظة: في حالة الخلاف بين الفقهاء، فالقاعدة هي "لا إنكار في مسائل الخلاف"، ويجوز للمسلم أن يقلد من أجاز له.

وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم 

google-playkhamsatmostaqltradent