
فتَرَاحَمُوا
وبناء الأسرة في الإسلام
الدعائمَ التي أقَرَّهَا الإسلامُ لبناءِ البيوتِ الصحيةِ السليمةِ
الرحمة و تحقيق السكن والمودة بين الزوجين.
حسن العشرة والمودة بين الزوجين
المحافظة على أسرار الحياة الزوجية
حفظ التدين في الأسرة
الحمد لله رب العالمين وأشهد ان لاإله إلاالله وحده لاشريك له أنزل
الشريعة هدي للناس ورحمة وجعلها طريقاً واضحاً لسعادة الدارين في الدنيا والآخرة
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله القائل:" خيرُكُم خَيرُكُم
لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي"(الترمذي).
اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلي آلك وصحبك وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فياعباد الله يقولُ اللهُ تعالًى:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً"( الروم /21).
الدعائمَ التي أقَرَّهَا الإسلامُ لبناءِ البيوتِ الصحيةِ السليمةِ
أيُّها الأحبابُ يقولُ اللهُ تعالًى:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً"( الروم /21).
حسن العشرة والمودة بين الزوجين
وذلك مصداقاً لقوله سبحانه:" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون"(الروم/21).
وقوله تعالى :" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"(النساء/19).
هي: المودةُ، والرحمةُ، والسكينةُ.
يتفاعلُ بعضُهَا مع بعض، المودةُ والرحمةُ متلازمتانِ؛ينتج عنهما السكينة والسكن والاستقراروحسن العشرة لأنَّ وجودَ الرحمةِ يجعلُ أحدَ الزوجينِ يغضُّ الطرفَ عن مساوئ وعيوبِ الآخرِ، ويجعلُ القدرةَ على التحمُّلِ وقتَ مواجهةِ الصعوباتِ والمشاكلِ أكبر، والسكينةُ هي حصيلةُ المودةِ والرحمةِ.
فالرحمةُ تُليِّنُ القلبَ، وتنظرُ إلى الضعيفِ أو المخطئِ بعطفٍ ورقةٍ، وتُمكِّنُ صاحبهَا مِن التروِّي والتفكيرِ قبلَ اتخاذِ أيِّ موقفٍ أو تصرُّفٍ، وتعطي قدرةً أكثرَ على معالجةِ الموقفِ، فمِن الرحمةِ التغاضِي عن بعضِ الأخطاءِ والهفواتِ، والتركيزُ على الإيجابياتِ التي يتمتعُ بها الآخرُ، والتغافلُ عن الأخطاءِ، ففي الصحيحينِ عن النبيِّ ﷺ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه، قال ﷺ:"واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا "(متفق عليه).،
وفي الحديثِ عن حكيمِ بنِ معاويةَ عن أبيهِ قال:"قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوْ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ"(أبو داود)
أهميةُ الرحمةِ في الحياةِ الزوجيةِ.
عباد الله:" يقول الله تعالي:"فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ"(النساء/34).
الرحمةُ بينَ الزوجينِ هي جوهرُ العلاقةِ الزوجيةِ الناجحةِ، وهي التي تجعلُ الحياةَ بينهما مليئةً بالمودةِ والتفاهمِ والتسامحِ، فالرحمةُ ليست مجردَ شعورٍ، بل هي سلوكٌ يوميٌّ يعكسُ الاحترامَ والتقديرَ المتبادلَ، ويظهرُ في المواقفِ المختلفةِ التي يمرُّ بهَا الزوجانِ، والرحمةُ بينَ الزوجينِ لهَا فوائد:
1-تعزيزُ الاستقرارِ العاطفِي: عندمَا يكونُ الزوجانِ رحيمينِ ببعضهِمَا، يشعرُ كلٌّ منهمَا بالأمانِ والراحةِ النفسيةِ.
2-التغلبُ على الصعوباتِ: الرحمةُ تساعدُ في تجاوزِ المشكلاتِ والخلافاتِ بطريقةٍ هادئةٍ وبناءةٍ.
3-تقويةُ الروابطِ الأسريةِ: عندمَا يرَى الأبناءُ نموذجًا مِن الرحمةِ بينَ والديهِم، يتعلمونَ قيمَ الحبِّ والتسامحِ.
أيُّها الأزواجُ وأيّتُها الزوجةُ كلُّ واحدٍ لهُ حقوقٌ وعليهِ واجباتٌ، فليعرفْ كلُّ واحدٍ منكُم حقوقَهُ وواجباتِهِ، جاء في الحديثِ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: "أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهُم خُلقًا وخيارُكُم خيارُكُم لأهلِهِ"( أحمد).
، وعن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ – رضي اللهُ تعالَى عنهَا – قالت: قال رسولُ اللهِ ﷺ:"خيرُكُم خيرُكُم لِأهْلِهِ، وَأَنَا خيرُكُم لِأَهْلِي"(الترمذي).
فالزّوجان، الذّكرُ والأنثَى، مردّهُمَا إلى نفسٍ واحدةٍ، ومرجعهُمَا إلى أصـلٍ واحدٍ، يكملُ بعضُهُمَا بعضًا، وقد خلقهُمَا اللهُ بهذهِ الصّـفةِ ليكونَ لهمَا الغايةُ الّتي أرادَهَا لهمَا سبحانَهُ إذ يقولُ: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، فيفضِي كلٌّ منهمَا إلى الآخرِ، ليجدَ فيهِ السّكنَى والرّاحةَ والطّمأنينةَ، فالرّجلُ يجدُ في زوجتهِ مؤنسًا لوحشتهِ، ومواسيًا في كربتِهِ، وراحةً مِن تعبهِ ومشقّتهِ، والمرأةُ تجدُ في زوجِهَا الرّاعيَ الحانيَ، والحافظَ الحاميَ، فيكونَ لطمأنينتِهَا وراحتِهَا معينًا.
حيثُ يقولُ عزَّ وجلَّ بعدَ ذلكَ: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة)، هذه المودّةُ والرحمةُ مبعثُهَا اتّصالُ النّفوسِ، واختلاطُ الأرواحِ، والاجتماعُ لبناءِ عشِّ الزّوجيّةِ على أسسٍ قويمةٍ، ومبادئَ كريمةٍ
بالإضافة إلي إنّ المودّةَ في حدِّ ذاتِهَا تقومُ عليهَا الصّداقةُ والصّحبةُ والأخوّةُ، والرّحمةُ تقومُ عليهَا روابطٌ كريمةٌ كالأبوّةِ والبنوّةِ، فما ظنُّكُم بعلاقةٍ اجتمعت فيها المودةُ والرحمةُ، قالَ عزَّ وجلَّ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
المحافظة على أسرار الحياة الزوجية
المحافظة على أسرار الحياة الزوجية تتطلب بناء ثقة متبادلة، تواصل فعال، احترام حدود، وتقدير للخصوصية. من المهم أيضاً الحفاظ على التواصل المفتوح، والتعبير عن المشاعر بوضوح، وتجنب مشاركة التفاصيل الشخصية مع الآخرين
يحرم على كل من الزوجين أن ينشر الأسرار المتعلقة بما يجري بينهما من أمور المعاشرة الزوجية، بل هو من شر الأمور، يقول النبي صلي الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها" أخرجه مسلم في صحيحه.
وكل
هذه الآداب الراقية، والتوجيهات النبوية السامية، تهدف إلى تحقيق علاقة عادلة،
يتحقق بها المودة بين الزوجين، والسكن والاطمئنان بينهما، فهذا مقصد من مقاصد
الشريعة في تكوين الأسرة، وإقامة بنيانها على أساس محكم، حتى تتمكن من القيام
بمهمة التربية والتنشئة في ظلال من الطمأنينة والأمان.
فما أجملَ الحياةَ عندما تكونُ لكَ زوجةٌ صالحةٌ، تنتظرُ قدومَكَ بفارغِ الصَّبرِ، ولسانُ حالِهَا يقولُ:
شوقِي إليكَ وأنتَ تَدخُلُ عُشَّنَا *** شوقٌ يَدومُ على مَدَى الآمادِ
قلبِي الذي يُملِي السُّطورَ بنبضِهِ *** والروحُ قد سَعِدتْ بذَا التِّردادِ
بالشَّوقِ والحُبِّ الذي فاضتْ بهِ *** صارتْ تُبينُ عن الهوى الوقَّادِ
علي العكس من ذلك تخيَّلْ لو أنَّ
رجلاً رجعَ إلى بيتِه وقد أنهكَهُ العملُ، فلم يجدْ بيتَهُ فجلسَ في العَراءِ، فلا
مأوىَ ولا راحةَ ولا أمانَ، كيفَ يكونُ حالُهُ؟! ومتى يذهبُ تعبُهُ؟! .. وكذلكَ
مَن رجعَ إلى بيتِهِ فلم يجدْ زوجتَهُ، فجلسَ في العراءِ النَّفسي؛ فلا حُبَّ ولا
عطفَ ولا حنانَ، فهذا أعظمُ خسارةً، وأشدُّ تَعباً، لذلكَ فإنَّ مَن دعَا إلى
إخراجِ المرأةِ مِن بيتِهَا حال غضب زوجها منها، فقد ارتكبَ جريمةً كبيرةً في حقِّ
الأزواجِ والأبناءِ؛ فالبيت بيتها، وإذا غصب زوجها فليخرج هو، فهي عمادُ البيتِ
الذي يسكنُ إليهِ الزَّوجُ، ويأويِ إليهِ الأولادُ؛ فكيفَ سيكونُ البيتُ لو
أُخرِجَ العِمادُ.
حفظ التدين في الأسرة
اعتنت السنة النبوية الشريفة بإبراز هذا المقصد في مجال الأسرة، ولفتت الأنظار إلى أهمية التدين في الأسرة، ومسؤولية رب الأسرة عن العناية بذلك، ومن أجل تحقيق هذا المقصد دعت السنة النبوية إلى ما يأتي:
أولا: الدعوة إلى اختيار المرأة ذات الدين، وتقديم ذلك على المال والنسب والحسب والجمال، فقد أرشد النبي صلي الله عليه وسلم إلى الصفات التي ينبغي أن يطلبها الرجل في المرأة التي يريد الزواج بها، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك " أخرجه البخاري في صحيحه.
ثانيا:
أمر الأبوين بتنشئة الأولاد على العقيدة الصحيحة السليمة، واجتناب ما يهدمها أو
يضعفها، كما ورد في حديث عن أبي هريرةَ
رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد
على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل
ترى فيها جدعاء" أخرجه البخاري في
صحيحه.
ثالثا: دعوة الزوج إلى تعليم الزوجة والأولاد أحكام دينهم، وتربيتهم على الأخلاق الفاضلة، عن عبد الله بن عُمَرَ رضيَ الله عنهما أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته. ..."، الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، وفي سنن الترمذي عن أيوب بن موسى، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نحل والدٌ ولداً من نَحْل أفضل من أدب حسن".
فالأسرة إذن هي النواة الأولى لتنشئة الإنسان على الإسلام عقيدة وعملا وسلوكا، وحفظ التدين في الأسرة يعد من الضروريات وذلك لما يترتب على فقدانه في البيئة الأسرية من فساد وتفكك وسوء تربية الأجيال التي ستحمل مسؤولية المستقبل، ولذلك لحظ العلماء هذا المقصد من خلال النصوص النبوية التي سبقت، وغيرها مما لم يذكر.
الخطبة الثانية
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فلازلنا بصدد الحديث عن فتَرَاحَمُوا
وبناء الأسرة في الإسلام
حفظ النسل (النوع ) وتكثيره .
عباد الله :" يعد حفظ النسل المقصد الأصلي للزواج، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في (إحياء علوم الدين): " إن للزواج خمس فوائد: الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة، ومجاهدة النفس بالقيام بشؤون الزوجات، وإن الولد هو الأصل المقصود، وله وُضِع النكاح، والمقصود بقاء النسل، وأن لا يخلو العالم عن جنس الإنس " انتهى.
وذلك
من خلال: الترغيب بالنكاح كما سبق، النهي عن التبتل والاختصاء، قال سعد بن أبي
وقاص رضي الله عنه: "رد رسول الله صلي الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون
التبتل، ولو أذن له لا ختصينا"( البخاري).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "كنا نغزو مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وليس لنا شيء فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك" أخرجه البخاري في صحيحه.
هذه أهم مقاصد النكاح في الشريعة عموما، وقد أبرزتها النصوص النبوية على وجه الخصوص، ولو تأملنا النصوص النبوية فيما يتعلق بالأسرة لبرزت مقاصد كثيرة، وذلك لأن الشريعة اهتمت بهذه المنظومة اهتماما ظاهرا، في الأصول والفروع، ووجهت البشرية إلى نظام الارتباط بين الرجل والمرأة بشكل تفصيلي، ولذلك ظلت قوانين الأسرة، أو ما يسمى (قوانين الأحوال الشخصية) عصية على التدخلات البشرية في كثير من بلدان المسلمين، لإحاطة الشريعة لها بالنصوص الشرعية الوافرة.