
وغلقت أبواب النار
وغُلّقت أبواب النار"تغلق أبواب النيران؛ وذلك لقلة المعاصي فيه من المؤمنين.
وغُلِّقت أَبوابُ جَهنَّمَ حَقيقةً؛ فإنَّ ذلك باعثٌ على تَرْكِ
الفواحشِ والبُعدِ عن المعاصِي،
فلم يرد في الكتاب أن أبواب النار تكون مغلقة في شهر رمضان، وإنما ورد ذلك في الحديث الشريف، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين. متفق عليه عن أبي هريرة.
وإغلاق أبواب النار في رمضان ليس معناه أن من مات في هذا الشهر من الكفار والعصاة لا يدخل النار، وإنما معناه أن المؤمنين يثابرون على العبادة في هذا الشهر ويبتعدون عن المعاصي، فيكونون بذلك مبتعدين عن النار. قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموما كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها، وكذلك تغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات.
وقال المناوي في فيض القدير: (وغلقت أبواب جهنم) كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الآثام وكبائر الذنوب العظام وتكون صغائره مكفرة ببركة الصيام...
وقال العيني في عمدة القاري: قوله «وغلقت أبواب جهنم» لأن الصوم جنة فتغلق أبوابها بما قطع عنهم من المعاصي وترك الأعمال السيئة المستوجبة للنار ولقلة ما يؤاخذ الله العباد بأعمالهم السيئة ليستنقذ منها ببركة الشهر ويهب المسيء للمحسن ويجاوز عن السيئات وهذا معنى الإغلاق...
وعليه، فمصير من يُتوفى في هذا الشهر وهو عاص هو مصير سائر العصاة الذين تُوفوا قبل التوبة من المعصية. فهم في مشيئة الله إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48].
وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يُبشِّر أصحابه بقدوم هذا الشهر الكريم، ويحثهم على الاجتهاد فيه، فقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبشِّر أصحابه: (قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها، فقد حُرِم).
فائدة: قال الإمام القرطبي رحمه الله: "فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعةٌ في رمضان كثيرًا فلو صُفّدت الشياطين لم يقع ذلك؟ فالجواب: أنها إنما تغل عن الصائمين، الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، أو المصفَّد بعض الشياطين، وهم المردة، لا كلهم، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس؛ فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسباباً غير الشياطين، كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية".