
حكم ترويع الآمنين
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم وبعد
فإن الإسلام قد حرم الاعتداء على الآمنين بالسب أو بالضرب أو بالقتل أو بكل نوع من أنواع الإيذاء والترويع فعن أبي هُرَيْرَة عَنْ رَسُولِ اللَّه ﷺ قَال: لاَ يشِرْ أحَدُكُمْ إلَى أخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعَ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ"(متفقٌ عليهِ).
وفي رِوَايةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أبُو الْقَاسِمِ ﷺ: مَنْ أشارَ إلَى أخيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإنَّ المَلائِكةَ تَلْعنُهُ حتَّى يَنْزِعَ، وإنْ كَان أخَاهُ لأبِيهِ وأُمِّهِ".
قَوْلُهُ ﷺ: يَنْزِع ضُبِطَ بالْعَيْنِ المُهْمَلَةِ مَعَ كَسْرِ الزَّاي، وبالْغَيْنِ المُعْجَمَةِ مع فتحِها، ومعناهما مُتَقَارِبٌ، مَعَنْاهُ بِالمهْمَلَةِ يَرْمِي، وبالمُعجمَةِ أيْضًا يَرْمِي وَيُفْسِدُ، وَأَصْلُ النَّزْعِ: الطَّعنُ وَالْفَسَادُ.
وَعَنْ جابرٍ قَالَ: "نَهَى رسُولُ اللَّه ﷺ أنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا". (أَبُو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسَنٌ).
فالحديث الأول والثاني: يدلان على تحريم تعاطي ما يسبب شرًا على أخيك المسلم، لا بالسلاح ولا بعصا ولا بغيرهما، وأن الواجب احترام المسلم والحذر من إيصال الشر إليه بالفعل أو القول، ومن ذلك الإشارة بالحديدة أو بالسلاح، ولو مازحًا، لا يجوز لأن الشيطان قد ينزغ بيده ويزين له ضرب أخيه، أو ينزع السلاح من يده فيقع من غير اختياره فيضر أخاه، ويروى ينزغ وينزع، والمعنى أنه قد يفعل الشيطان ما يسبب سقوطها من يده حتى تقع على أخيه.
وفي الحديث الأخير من أشار بالسلاح إلى أخيه بالحديدة فهو ملعون لعنته الملائكة، هذا يفيد الحذر من هذا، وأن الواجب الحذر، وأن هذه من الكبائر، وما ذاك إلا لحرمة أخيه، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه المسلم محترم حرمته عظيمة فلا يجوز ظلمه لا بقول ولا بفعل، ولا التعرض للشيء الذي يسبب شرًا عليه كالإشارة بالسلاح أو بالحديدة أو بشيء مثقل، أو محاولة على سبيل العبث طرحه من سطح أو من جدار أو ما أشبه ذلك أو من نخلة، كل هذا يسبب شرًا عليه ولو كان مازحًا، فقد يقع بالمزاح شر كبير.
وهكذا الحديث الثاني: أنه ﷺ نهى عن تعاطي السيف مسلولًا، إذا أراد يناوله أخاه يحطه في جفيره ثم يناوله إياه، لأنه قد يناوله إياه ويسقط بينهما، يسقط من هذا أو من هذا فيضر أحدهما، فإذا أراد يناوله إياه يجفره ثم يعطيه إياه، وهكذا أشباهها مما يضر.
قال الإمام النووى رحمه الله:"فى الحديث تأكيد على حرمة المسلم، والنهى الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه.
وقوله صلى الله عليه وسلم:"وإن كان أخاه لأبيه وأمه" مبالغة فى إيضاح عموم النهى فى كل أحد، سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعباً أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال، ولأنه قد يسبقه السلاح.
وفي سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا".
هذا في مجرد الإشارة والترويع، فمابالنا بمن يقتل أخاه ويسفك دمه ويهتك حرمته ويفزعه في بيته إن الذي يفعل هذه الأفعال يحارب الله ورسوله ويفسد في الأرض ويستحق عقاب البغاة في الدنيا والعذاب في الآخرة،"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"(المائدة:33).
وفي خطبة الوداع يؤكد رسولنا صلى الله عليه وسلم على الحرمات ليحفظ على الناس استقرارهم وأمنهم فقال كما أخرج البخاري في صحيحه:"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت"(البخاري).
ومن يحمل علينا السلاح بقصد التخويف أو القتل أو إدخال الرعب علينا فليس متبعًا لطريقتنا أو سنتنا كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من حمل علينا السلاح فليس منا"(متفق عليه).
لذلك ينبغي علينا أن نبتعد عن كل أشكال العنف والتطرف والترويع والتخويف وأن ننبذ كل من يمارس هذه الأفعال التي نهى عنها الشرع الحنيف ونضرب على يده بيد من حديد حتى نُطّهر مجتمعنا من كل فاسد وباغٍ،
والشريعة الإسلامية أمرت بالمحافظة على الضرورات الخمس التي أجمعت كل الملل على وجوب المحافظة عليها، وهي: الدين، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال، فالأصل في الدماء أنها معصومة، والأصل في النفوس أنها محفوظة مُكرَّمة، وإن قتل نفس بريئة واحدة كقتل الناس جميعًا، فقد قال تعالى :"مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"(المائدة/32).
ولا يصح شرعًا أن توصف مثل هذه الأعمال العدوانية بالجهاد، فالجهاد في الإسلام قد شُرع لرفع الطغيان ودفع العدوان،:"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"(البقرة:190).
والإسلام الحنيف قد كفل للجميع مسلمين وغير مسلمين الحرية في ممارسة شعائرهم، واحترام المقدسات ودور العبادة فهو برئ من كل اعتداء ينسب إليه زورًا وبهتانًا، ويجب على الجميع أن يعلم أن كل هذه الأحداث الإرهابية لا تريد إلا الخراب والدمار وإشعال الفتنة بين الناس لذلك يجب علينا جميعًا أن نقف صفًا واحدًا في التصدي بكل قوة لهؤلاء البغاة، حفظ الله مصر وشعبها، ورد كيد المعتدين..