recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة سمات وميزات للهوية الإسلامية مؤثرة في صناعة الحضارة لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

   سمات وميزات للهوية الإسلامية

مؤثرة في صناعة الحضارة

                    بعض الأمور التي تعززالهوية

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المؤسلين وبعد 

فمن سمات وميزات الهوية الإسلامية 

السلام الكوني مع جميع البشر والمخلوقات،

وهذا أهم ما يتميز به المسلم، وقلّ أن تجده في المجتمعات الغير مسلمة، فالمسلم يعيش في سلام كوني مع نفسه ومع الأخرين، لا يؤذي أحدًا، ولا يتسبب في إيذائه، والسلام الكوني يتلخص في أمرين: (أولهما): إعطاء كل ذي حقٍ حقه، فذلك أدعى لقطع النزاعات، ونشر السلام، والشدّ من أواصر الألفة والمحبة بين الأفراد والمجتمعات والأوطان، والأمم، قال سيدنا سلمان الفارسي لسيدنا أبي الدرداء رضي الله عنهما:"إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ".

 قال النبي صلى الله عليه وسلم معقبًا على ذلك: "صَدَقَ سَلْمَانُ"(البخاري).

 محبة الخير للغير، والسعي له،

وبغض الشرّ، والكفّ عنه، قال صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ" (ابن ماجه).

 ومنها: الأمر بعمارة الكون، وجعله أحد المهام والوظائف التي خلقنا الله (عزّ وجلّ) من أجلها فقال تعالى على لسان نبيه صالح (عليه السلام):"يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ"(هود:61)، والشاهد قوله تعالى: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، أي: طلب منكم عمارتها باستخراج ثرواتها، وخيراتها، وكنوزها بالزراعة، والصناعة، والتجارة، وإحياء مواتها، وتشييد معالم الحضارة عليها.

ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم):"الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"( مسلم).

فهذا الحديث يشير إشارة غير مباشرة ويرشد إلى صناعة الحضارة، والشاهد هنا قوله (صلى الله عليه وسلم): (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ) فالمؤمن القوي في الإيمان، في الأخلاق، في العلم والتعلم، في الاقتصاد، في السياسة، في الاجتماع، في الإدارة والقيادة، في كافة المجالات خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في كل ذلك، ومن الممكن أن نستأنس لذلك أيضًا بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى...) (متفق عليه)، اليد المتعففة المكتفية بما عندها المكتفية بمواردها خير من اليد السائلة، كما أن قوله (صلى الله عليه وسلم): (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ) هو عين الاستثمار والتنمية والصناعة الحضارية.

ومنها: إرساء مبدأ الإخاء الإنساني بين جميع البشر: فعلاقة الإسلام بغيره علاقة تعارفية، تعاونية، تكاملية، وليست علاقةً إقصائية إزاحية كما يدعي الجاهلون، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:13]،ويقول الحق سبحانه وتعالى أيضًا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]، فهذه دعوة لجميع شعوب الأرض للتعارف، والتآلف، والتعاون، وآية الحجرات فيها بيانٌ للناس أنهم جميعًا خلقوا من أصل واحد، وهذا من أعظم مظاهر احترام البشرية، ومدعاة للألفة والتقارب بينهم، وليس الإقصاء والإزاحة.

وعن أبي نضرة، المنذر بن مالك بن قطعة العبدي (تابعي جليل) قال: حدثني من سمع خطبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في وسط أيام التشريق، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ؟). قالوا: بلغ رسول الله. (رواه أحمد)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ (أخوة لأب)، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) (رواه البخاري).

ومنها: الأمر بالإصلاح، والنهي عن الفساد، والأمر بمجابهة الفساد، والمفسدين، فقال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:56]، أي: لا تعملوا فيها بالمعاصي والشِّرك بعدما جاءتكم الرّسل بالإيمان والطاعة والعبادة، وقال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:77].

فقد جاءت الشريعة الإسلامية بحديثٍ وافٍ مفصلٍ عن الفساد وأنواعه، وأسبابه، وكيفية معالجته وإزالته، وكيفية الوقوف أمامه ومجابهته، فعلى سبيل المثال ذكرت كلمة (فسد) بمادتها ومشتقاتها ذُكرت (50) خمسين مرة في القرآن الكريم، وكثرة ذكر الشيء تدل على العناية بأمره إثباتًا أو إزالة.

عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.......

(الخطبة الثانية)

بعض الأمور التي تعززالهوية

الحمد لله رب العالمين،  والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:

أيها الأحبة الكرام: عشنا مع تعريف الهوية، وبيان بعض أنواعها، وعشنا مع أهم سمات وميزات وخصائص الهوية الإسلامية المؤثرة في صناعة الحضارة العالمية الإنسانية بقي لنا في تلك الجمعة المباركة أن نتعرف على بعض الأمور التي نعزز بها من هويتنا الإسلامية والعربية، فأقول، وبالله التوفيق: من هذه الأمور:

 الاهتمام باللغة العربية وعلومها تعليمًا وتعلمًا، فلولا اللغة العربية؛ ولكونها لغة القرآن الكريم لاندثرت حضارة العرب والمسلمين، وزالوا وزال لسانهم من الوجود، وذابت ثقافتهم وهويتهم في الأمم الباقية، فوجود الأمم مرتبطٌ بوجود لغتها، فالأمم التي انقرضت لغتها زالت من الوجود، وذابت ثقافاتها في ثقافات الأمم الأخرى.

ومن المؤسف حقًا اليوم: أن اللغة العامية أصبحت لغة الكتابة اليوم في العلوم والآداب والجرائد والمجلات والروايات، وباتت لغة المدارس والمعاهد والجامعات، ورسائل الماجستير والدكتوراه، وانتشرت في البرامج التليفزيونية والإذاعية، وانتشر التحدث بها بين الأفراد والمجتمعات، ورأينا المحلات والمؤسسات والمدارس والمعاهد بل والجامعات تتباهي في كتابة أسمائها باللغات الأجنبية ضاربة باللغة العربية عُرضَ الحائط.

 ومنها: العمل على إزالة الفوارق والعصبيات، والقوميات، والتوحد والتحزب تحت راية واحدة، ألا وهي راية الإسلام أولا والعروبة ثانيا، فقد ارتضت الشعوبُ العربيةُ الإسلامَ دينًا لها، وارتضى المسلمون اللغة العربية لسانًا لهم؛ لأنها لغة قرآنهم، وصدق الله إذ يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].

لقد كان من ثمرة هذا التوحد أن يبرز من بين الشعوب غير العربية، من يثري الشريعة الإسلامية تأليفًا في شتى المعارف والفنون. بل إننا ليأخذنا العجب حين نرى أن أعظم علماء العربية هو سيبويه الفارسي، وحين نرى أعظم شيوخ الحديث النبوي الشريف الإمام البخاري، والترمذي، والنسائي، وكلهم من أصول غير عربية ومن بلاد شديدة البعد عن شبه الجزيرة العربية.

ومنها المحافظة على قيمنا، ومبادئنا، وأخلاقنا الإسلامية، ولقد فطن أعداء الإسلام لذلك فعملوا على انسلاخ المسلمين من أخلاقهم وقيمهم بادعاء نسبيتها تارة، وبالطعن في مصدرها تارة أخرى وما أمر منكري السنة منّا ببعيد، وبالتلاعب في مفاهيم ومصطلحات القيم والأخلاق مرة ثالثة، وبإغراق شباب الأمة في مستنقع الشهوات والقاذورات الأخلاقية مرة رابعة، فهم يدبرون لنا بليل ونحن نيامٌ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه

google-playkhamsatmostaqltradent