أَذَلَّ الْحِرْصُ وَالطَّمَعُ
الرّقَابَا
معنى الطمع في اللغة والاصطلاح
عواقب الطمع في الدنيا وأنواعه
كيفية علاج الطمع
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أمابعدفياعباد الله
يقول الله تعالي :"وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"(النساء32)،
عباد الله:" حذرنا المولي عز وجل من الحرص والطمع
معنى الطمع في اللغة والاصطلاح:"
الطمع في اللغة من طَمِعَ طَمَعاً فهو طامِعٌ، وأطْمعَهُ غيره، وإنّه لطَمِعٌ: أي بمعنى حريصٌ،
واصطلاحًا؛ ورد في معنى الطمع عدّة أقوالٍ، وهي كما يلي: قال الرّاغب: "نزوع النّفس إلى الشّيء شهوةً له". قال المناويّ: "الطّمع تعلّق البال بالشّيء من غير تقديم سببٍ له". قال العضد: "الطّمع ذلّ ينشأ من الحرص والبطالة والجهل بحكمة الباري".
والتمني تصور ما لَا حقيقة له وطلب ما
لم تتخذ الأسباب لتحصيله، ويتضمن معنى الطمع فيما في يد الغير، والحسد له، وإن ذلك
يؤدي إلى شقاء النفس وفساد الخلق والدين، ومعنى الآية القرآنية لا تتمنوا ولا
تطمعوا وتتطلعوا إلى ما زاد الله به بعضكم على بعض في المال وغيره، فهذا يؤدي
بالإنسان إلى الاضطراب والقلق المستمر لطمعه وعدم رضاه بما قسمه الله له.
عباد الله:" إنّ من الأمور التي تجرُّ الإنسانَ إلى الهاوية وتُلقي بهِ في غياهب الجبّ: الطمع فهو آفةٌ من آفات النفس التي تبحثُ عن الدُّنيا وعن كنز الذهب والفضة وغيرها من الأمور الفانية، وإنّ للطمعِ عواقِبَ وخيمة لمن لم يُسيطر عليه، ويكبح جماحه، ويربّي نفسهُ على القناعة،
ومنها ما يأتي: العمل الدؤوب والانشغال الدائم، مع التعب المُضني.
الطمع والبركة لا يجتمعان، فهو يمحقها ويبعدها. يجعل الناس ينظرون لمن أصابه الطمعُ نظرةً دونيّةً، ونظرة استحقار.
الطمع ملازمٌ للذلّة وانعدام الكرامة، فيقدّم من أصابه هذا الداء الكثير من التنازلات في سبيل تحصيل الفُتات.
يورث في النفس شعورًا بالفقرِ والحاجة، مهما جمع من مال الدنيا.
يتعارض مع مبادئ التوكل على الله، وحسن الظنّ بالله.
الطمع يتعارض مع مبادئ التضحية والإيثار ومساعدة الغير. يعمي الإنسان عن الطريق المستقيم. يعود على من أصابه المرض بالخسران في الدنيا والآخرة. الطمع يفكك المجتمع وينشر البغضاء والعداوة، وعدم الثقة بين أفراده. الطمع يقلل من مكانة وقيمة الإنسان مهما جمع من مالٍ. يُسهم في نشر الفوضى والملمّات بين الناس.
الطمع بوابةٌ للظلم والفساد إن كان في منصبٍ من مناصب الدولة.
الطمع يؤدّي إلى الكذب، والغش، والخداع، وانعدام المصداقيّة.
الطمع طريقٌ إلى العُجب، والرياء، والسمعة السيئة.
الطمع يؤدّي إلى مفاسد اقتصاديَّةٍ لما فيه من احتكارٍ للسلع والمعدات والبضائع. يورثُ الطمع عدم الراحة والطمأنينة، ويؤدّي إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي والمنكرات.
أنواع الطمع
عباد الله :" إنّ الطمع على ضربين وهما كما يأتي:
الطمع المحمود: وهو النوع الذي يجب أن يكون متوافرًا في نفس كلّ مسلمٍ؛ لأنّه يدفعهُ إلى كلّ خيرٍ، ومن هذا الخير الطمع في طلب مغفرة الله للإنسان والطمع في دخول الجنّة والطمع في كرم الله.
وحرصُ الإنسان على تربيةُ النفس والنشء على عدم الطمع عامّةً وإلزامها الرّضا بما قسمه الله، مع اتخاذ الأسباب لزيادة الرزق وسعة الخير، أمرٌ محمود بل واجب حيث يقول ربنا سبحانه " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، لأن الطمع يدفع الإنسان إلى حب المال وعدم الرضا بما قسمه الله، ويكون دائم السخط، قال تعالى:"قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" ، ووجه الدلالة من هذه الآية أن الطامع لم يصل إلى ما وصل إليه إلا لأن المال تمكّن من قلبه وأصبح خاويًا من التوكل على الله ولم يتحقق له معنى الإيمان الصحيح، وهنا وعيدٌ شديدٌ وتهديدٌ له بحلول العقوبة عليه لخروجه عن طاعة الله، يقول الرزاي: "إن كانت رعاية هذه المصالح الدنيوية أولى من طاعة الله وطاعة رسوله ومن المجاهدة في سبيل الله - ومن المعاني التي تُحمل عليها المجاهدة هنا مجاهدة النفس وعدم تلبية كلّ ما تطلّع إليه وترغب فيه - فتربصوا بما تحبون حتى يأتي الله بأمره، أي بعقوبة عاجلة أو آجلة، والمقصود منه الوعيد.
الطمع المذموم: وهو الطمع الذي يورثُ في النفس ذلةً ومهانةً وهوانًا بين الناس، فيجب أن يحرص المسلمُ على التخلّص منه، ويكون في الطمع في طلب الدنيا وجمع المال، والطمع في سلطةٍ أو منصبٍ، والطمع في المأكل والمشرب والملذات.
وكما ورد في سنّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُبيّنُ حسنَ عاقبة المتعفف حين قال: "وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ"(البخاري).
وَرد في سنّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصوصٌ كثيرةٌ تحذرنا من الطمع ومن الوقوع فيه، لأنّ الطمع يؤدّي بصاحبه إلى عاقبة نعوذ بالله منها، فقد جاء في الحديث:"وأهل النار خمسة.... وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ"(مسلم).
بل كان من هديه صلى الله عليه وسلم الاستعاذة بالله منه، وكان من دعاءه:"اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا"(مسلم ).
وقال صلى الله عليه وسلم:"لو أنَّ ابن آدم سأل واديًا من مال فأعطيه، لسأل ثانيًا، ولو سأل ثانيًا فأعطيه، لسأل ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب"(الترمذي).
كيفية علاج الطمع
هناك العديد من الجوانب التي تعين على التخلص من هذا الداء نذكر منها ما يلي:
أولًا: التوكل على الله مع ضرورة السعي لتحصيل الخير وكسب الرزق
فالتوكل على الله من علامات إيمان المرء، وهو آكد في الرزق وتحصيله، والاعتقاد بأن الله تعالى قد قسم الأرزاق بين خلقه، وقدر ذلك لهم، وأن يقطع العلائق في تحصيل رزقه بينه وبين غير الله تعالى، والاعتماد على الله تعالى، مع الأخذ بالأسباب وتحصيلها ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا"(الترمذي).
ثانيًا: الرضا والقناعة
الرضا والقبول بما قسمه الله وقدّره، ليكون الإنسان في سعادة وراحة بال واطمئنان، وعيش مستقر دون التفات إلى غيره وولا يسير تبعًا لهواه، قال صلى الله عليه وسلم مبينًا ثمرة الرضا: (وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ"(الترمذي)،
أمّا عدم الرضا فيجعل الإنسان يعيش دائم التعب والسخط والضيق والضجر، وذلك بسبب طمعه ونظره إلى ما عند غيره.
ثالثًا: الانشغال بالعبادة وذكر الله
لا شك أن ذكر الله سبحانه وتعالى يدفع الإنسان إلى الرضا والتوكل على الله لما يحدثه في النفس من الطمأنينة، فعندما يكون الإنسان دائم الذكر لربه فهذا يعني أنه في معية الله، فلا يشغله ما عند غيره ولا يلتفت إليه، ويزيل ما عنده من هم وغم، قال تعالى:"الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "(الرعد: 28).
فذكر الله تعالى فيه تفريج للكربات، وتيسير للأمور، وتحقيق للسعادة في الدنيا والآخرة.
رابعًا : كثرة الاستغفار
لما له من
عظيم الأثر في سعة رزق العباد، قال تعالى:"فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ
رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارا يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارا وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰل
وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّٰت وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرا"(نوح/10-١٢) .