recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

 

 والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم 

                                      فضل ومكانة ُالشهيدِ عندَ اللهِ جل وعلا.

                                             أمثلةُ في التضحيةِ والفداءِ

 الحمدُ للهِ رب العالمين وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ كما في حديثِ عبدِاللهِ بن عباسٍ رضى الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ :"عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله"( الترمذي وحسنه). اللهُمَّ صلِّاة وسلامْاً عليك ياسيدي يارسول الله  وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلي يومِ الدينِ .أمَّا بعدُ 

فياعبادَ اللهِ : حديثنا إليكم اليوم عن "وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ"  

 فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقَلِيلٌ، قالوا: فمَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في الطَّاعُونِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في البَطْنِ فَهو شَهِيدٌ)) – لعلمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الناسَ يُحبونَ الدنيَا ويخافونَ مِن الموتِ، ثم يأتي حديثٌ آخرٌ عن المرأةِ النفساءِ التي تموتُ في نفاسِهَا فهي شهيدةٌ، والحريقُ شهيدٌ والغريقُ شهيدٌ، وصاحبُ الهدمِ الذي يقعُ عليه الهدمُ شهيدٌ، فعنْ أبي هُرَيْرةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ– ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه (متفقٌ عليه). المقتولُ دونَ مظلمتِهِ: عن سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّن ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ((مَن قُتل دونَ مَظلمتهِ، فهو شهيدٌ)) (رواه النسائي))

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن للشهيد فضائل كثيرة، منها: ما صح عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنسانًا من أهل بيته. رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يجد الشهيد من مس القتل، إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة. قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.

قال المناوي: الشهيد لا يجد ألم القتل، إلا كما يجد أحدكم مس القرصة. بمعنى أنه تعالى يهون عليه الموت، ويكفيه سكراته وكربه. انتهى.

وأما القصة التي روى أبو هريرة، فصاحبها كافر، وقد قتل نفسه؛ ففي صحيح البخاري: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل ممن يدّعي الإسلام: «هذا من أهل النار»، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالًا شديدًا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلت له: إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالًا شديدًا وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى النار»، قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينما هم على ذلك، إذ قيل: إنه لم يمت، ولكنَّ به جراحًا شديدًا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله»، ثم أمر بلالًا، فنادى بالناس: «إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر».

قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: هذه القصة جرت يوم أحد، وهذا الرجل اسمه: قزمان، وهو معدود في جملة المنافقين، وكان قد تخلف يوم أحد، فعيّره النساء، وقلن له: قد خرج الرجال، ما أنت إلا امرأة، فخرج لما أحفظنه، فصار في الصف الأول، وكان أول من رمى بهم، وجعل يرسل نبلًا كالرماح، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه، وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، يا للأوس، قاتلوا على الأحساب، وجعل يدخل وسط المشركين حتى يقال: قد قتل، ثم يخرج ويقول: أنا الغلام الظفري، حتى قتل سبعة، وأصابته جراحة، فمر به قتادة بن النعمان، فقال: هنيئا لك الشهادة. فقال: إني -والله- ما قاتلت على دين، ما قاتلت إلا على الحفاظ، ألا تسير قريش إليها حتى تطأ سعفتنا، ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر". اهـ.

وأما عمر -رضي الله عنه- فهو معدود في الشهداء؛ لما رواه البخاري عن قتادة، أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان. اهـ.

والشهيدان المقصودان في هذا الحديث هما: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان.

وأما عن رؤيته لمنزله في الجنة حين استشهد، فليس هناك ما يمنع من حصوله، وعلم ذلك عند الله تعالى.

وأما القصة التي أشرت إليها في شأن من قطع أصابعه، فلعلك تقصد ما رواه مالك في الموطأ، وأحمد، ومسلم في صحيحه، عن عبد الله أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيًا يديه! فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: ما لي أراك مغطيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر...

وهذا الرجل ليس شهيدًا، بل هو قاتل النفس، ولكن الله غفر له وأدخله الجنة.

قال الإمام النووي: أما أحكام الحديث: ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه، أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة، فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة. وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله، الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار. اهـ

والشهادةُ الحقيقيةُ ما كانتْ خالصةً لوجهِ اللهِ الكريمِ كما في حديثِ أبي موسَى الأشعرِي رضى اللهُ عنه قال: قالَ أَعْرَابِيٌّ للنبيِّ

ﷺ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، ويُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، مَن في سَبيلِ اللَّهِ؟ فَقال: مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا، فَهو في سَبيلِ الله) صحيح البخاري.لذا مَن سألَ اللهَ الشهادةَ بنيةٍ صافيةٍ كان مِن أهلِها وإنْ ماتَ على فراشِهِ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديث سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضى اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ « مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ ،وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ » صحيح مسلم(( والدفاعُ عن الوطنِ مطلبٌ شرعيٌّ، وواجبٌ وطنيٌّ والموتُ في سبيلهِ عزةٌ وكرامةٌ وشهامةٌ وشجاعةٌ وشهادةٌ.

والشهادةُ مِن أعظمِ الرتبِ، وأعلاهَا، وأشرفِهَا ومِن أنفسِ المقاماتِ، وأحسنِهَا، وأبهاهَا؛ لِمَا لأهلِهَا عندَ اللهِ جلَّ وعلا مِن الأجرِ العظيمِ، والثوابِ الجزيلِ، والدرجةِ العاليةِ، والشهادةُ في سبيلِ اللهِ اصطفاءٌ مِن اللهِ جلَّ جلالهُ وتقدستْ أسماؤهُ واجتباءٌ ليستْ لجميع البشرِ، فالشهادةُ منحةٌ ربانيةٌ وغنيمةٌ إلهيةٌ يختصُ اللهُ بها مَن يشاءُ مِن عبادهِ قال جلَّ وعلا: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾(آل عمران: 140)

والشهداءُ في المرتبةِ الثالثةِ بعدَ النبيينَ والصديقينَ كما قالَ ربُّنَا: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (النساء:69

 والشهادةُ في سبيلِ اللهِ تجارةٌ رابحةٌ لن تبورَ ، ولمَ لا ؟! وقد علّقَ اللهُ عليها مغفرةَ الذنوبِ ، والنصرَ في الدنيا والنجاةَ مِن النارِ والفوزَ بالجنةِ في الآخرةِ قالَ جلَّ وعلا:{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ ((سورة التوبة: 111 لمّا سمعَ أعرابيٌّ هذه الآيةَ ، قال: كلامُ مَن هذا؟ فقالوا: كلامُ اللهِ فقالَ: على مَن نزلَ؟ فقالوا: على مُحمدٍ بنِ عبدِ اللهِ

ﷺ فقال الأعرابيُّ: اذهبُوا بِي إليهِ، فذهبُوا بهِ إلى المختارِ ﷺ فقال: يا رسولَ اللهِ إنْ بعتُ نفسِي ومالي أدخلُ الجنةَ ؟فقال النبيُّ ﷺ: نعم، إنْ قُتلتَ في سبيلِ اللهِ وأنتَ صابرٌ، محتسبٌ مقبلٌ غير مدبرٍ فنادَي منادِيَ الجهادِ أنْ يا خيلَ اللهِ اركبِي، فالتحقَ بجيشِ المسلمين، وجاهدَ في سبيلِ اللهِ، وانتصرَ الجيشُ، وجاء دورُ الغنائمِ، انتبهُوا يا مسلمون فلمَّا أُوتِي لهُ بنصيبِهِ مِن الغنائِم قال: ما هذا ؟ قالوا: نصيبكَ، فقال الرجلُ: ومَن الذي أرسلكُم بهِ؟

فقالوا: رسولُ اللهِ ﷺ، فقال: اذهبوا بي إليه، فلما مَثُلَ بين يدي النبيِّ المختارِ ﷺ وضعَ نصيبَهُ أمامَهُ، وقال: يا رسولَ اللهِ ما على هذا اتبعتُك ؟ فقالَ لهُ النبيُّ المختارُ ﷺ علامَ اتبعتنِي ؟ فقال الرجلُ :على أن أُرْمَي بسهمٍ هاهنا فيخرجُ مِن هاهنا فأقتلُ في سبيلِ اللهِ .فقال النبيُّ المختارُ ﷺ: ( إن صدقتَ اللهَ صدقَك )فنادي منادِ الجهادِ أنْ يا خيلَ اللهِ اركبِي فنزلَ الرجلُ المعركةَ، فضُربَ بسهمٍ في المكان الذي أشارَ إليه بيدهِ للمصطفَي ﷺ فسألَ النبيُّ ﷺ عنه فقالَ أهو هو ؟ فقالوا نعم فقالَ النبيُّ المختارُ ﷺ اللهُمّ أنّي أشهدُكَ أنّهُ ماتَ شهيدًا وحملَهُ النبيُّ ﷺ بين يديهِ، ثم قال صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ)) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا "(الأحزاب: 23 ).

عباد الله :"وللشهيدِ عند اللهِ منزلةٌ عظيمةٌ وله فضائلُ كثيرةٌ وعديدةٌ لا يتسعُ الوقتُ لذكرِها منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ:

الشهداءُ أحياءٌ عندَ خيرِ جوارٍ فأيُّ نعيمٍ بعدَ هذا النعيمِ ، أحياءٌ وليسوا أمواتًا قال ربُّنَا:" وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ "(البقرة: 154).

بل الشهداءُ هم أصحابُ الأجورِ الوفيرةِ العظيمةِ، والنورِ التامِ يومَ القيامة قال جل وعلا:﴿ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾(الحديد:19 ).

لذا تمنَّى نبيُّنَا

ﷺ أنْ يكونَ شهيدًا، وأنْ يُقتلَ في سبيلِ اللهِ مراتٍ ومراتٍ: لفضلِ ولمكانةِ الشهيدِ عند اللهِ جل وعلا فعن أبي هريرةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال:"والذي نفسي بيده، وددتُ أنِّي أُقاتلُ في سبيل الله فأُقتلُ، ثم أُحيا ثم أُقتلُ، ثم أُحيا ثمَّ أُقتلُ"(متفق عليه).

 لذا كان الشهيدُ وحدهُ هو الذي يحبُّ أنْ يرجعَ إلى الدنيا، فيُقتلُ في سبيلِ اللهِ مراتٍ ومراتٍ. يقولُ النبيُّ ﷺ: «ما أحَدٌ يدخلُ الجنَّةَ، يحبُّ أنْ يرجِعَ إلى الدُّنيا ولَهُ ما علَى الأرضِ مِن شيءٍ إلَّا الشَّهيدُ يتمنَّى أنْ يرجعَ إلى الدُّنيا فيُقتلَ عَشرَ مرَّاتٍ ، لما يَرى مِنَ الكَرامةِ» رواه البخاري..وفي سننِ الترمذيِّ بسندٍ حسنٍ ( أنّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لِي : « يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ ». قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِى قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ: « أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا“ فَقَالَ يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ. قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً.

وللشهيدِ في الجنةِ مائةُ درجةٍ بين كلِّ درجةٍ كما بينَ السماءِ والأرضِ، فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: ((إنَّ في الجنةِ مائةَ درجةٍ أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِ اللهِ، ما بينَ الدَّرجتينِ كما بينَ السماءِ والأرضِ))، رواه البخاري.

وعن سهلِ بنِ سعدٍ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: ((رِباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها))، وعندَ مسلمٍ: ((لَغدوةٌ في سبيل اللهِ خيرٌ من الدنيا وما عليها))، رواه البخاري.

ومِن فضائلِ الشهادةِ في سبيلِ اللهِ: أنّ الشهيدَ يُغفرُ له ذنوبُه ورائحةُ دمهِ مسكٌ يومَ القيامةِ:

 عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ"(الترمذيٌّ).

ومِن فضائلِ الشهادةِ أيُّها السادةُ: أنّ الشهيدَ لا يفتنُ في قبرهِ فعَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلاَّ الشَّهِيد قَالَ :“ كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً"(لنسائي).

ومِن فضائلِ الشهادةِ في سبيلِ اللهِ : أنَّ الشهيدَ لا يشعرُ بالألمِ عندَ موتهِ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلاَّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ "(الترمذي) .

والشهيدُ الحقُّ مَن ماتَ في سبيلِ اللهِ دفاعَا عن وطنهِ ودفاعَا عن عرضهِ أو دفاعَا عن مالهِ فعن سعيدِ بنِ زيدٍ رضى اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ :"مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ"(الترمذي وحسنه)

. أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبةُ الثانيــةُ:

الحمدُ للهِ والصلاة والسلام علي رسول الله  وبعدُ

  أمثلةُ في التضحيةِ والفداءِ.

عباد الله:"  لقد ضربَ لنا الصحابةُ الأطهارُ الأخيارُ -رضوانُ اللهِ عليهم – أروعَ الأمثلةِ في التضحيةِ دفاعًا عن دينهِم ونبيهِم ووطنهِم ؛ فهذا هو الفتى المدللٌ في قريش اشتهر مصعبُ بنُ عمير قبل الإسلامِ بجمالِه وارتدائه أفضلَ الملابسِ وأغلاها وتعطُّره بأجمل العطورِ، كما عُرِف بـ”أعطر أهل مكة”، وكان من زينة شباب قريش.

وعلموا أولادَكم أسماءَ أصحابِ محمدِ صلى الله عليه وسلم لا التافهين والتافهات لتسعدوا ولتنعموا بهم في الدنيا والآخرة مصعبُ بنُ عمير كانت أمُّه مِن أغنى أهل مكة، تكسوه أحسَن الثياب، وأجمل اللباس، وكان أعطرَ أهلِ مكة، فلما أسلم انخلعَ مِن ذلك كله، وأصابه مِن التعذيبِ والبلاءِ ما غيَّر لونُه، وأنهك جسمُه، حمل مصعبُ بنُ عمير اللواء يوم أحد, فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة وهو فارسٌ فضرب يده اليمنى فقطعها, ومصعبٌ يقول:"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"(آل عمران: 144).

وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها, فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144) ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعبُ وسقط اللواء, وسقط شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه

وهذا حنظلةُ بنُ أبي عامرٍ:ــ قُتلَ شهيدًا في ليلةِ عُرسهِ وسُمِّيَ بغَسِيلِ الملائكةِ. فعن هشاِم بنِ عروةَ عن أبيهِ أنَّ رسولَ اللهِ قال لامرأةِ حنظلةَ: “مَا كَانَ شَأْنُهُ؟” قالت: خرجَ وهو جُنُبٌ حينَ سمعَ الهاتفةَ، فقال رسولُ اللهِ: “لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ”. فقد خرجَ في صبيحةِ عرسهِ وهو جنبٌ، فلقيَ ربَّهُ شهيدًا.

وهذا عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ رضى اللهُ عنه في غزوةِ بدرٍ، سمعَ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: ” قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ” ، فيَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : ” مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ؟ ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ : ” فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ” ، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. ( مسلم )

وهذا أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ تَغَيَّبَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ وَقَالَ: تَغَيَّبْتُ عَنْ أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ النَّبِيّ ﷺ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ قِتَالًا لَيَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ: أَيْنَ؟! أَيْنَ؟! فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ قَالَ: فَحَمَلَ فَقَاتَلَ، فقُتِلَ فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَطَقْتُ ما أطاق فقالت أخته: والله ما عرفت أَخِي إِلَّا بِحُسْنِ بَنَانِهِ فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً ضَرْبَةُ سَيْفٍ وَرَمْيَةُ سَهْمٍ وَطَعْنَةُ رُمْحٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"( الأحزاب: 23"صحيح ابن حبان).

بل انظروا يا شبابٌ إلى أولادِ عمروِ بنِ الجموحِ الأعرجِ الأربعة، يومَ أحدٍ يقولونَ لأبيهِم: يا أبانَا إنَّ اللهَ قد عذرَكَ ونحنُ نكفيكَ، فيبكِي الرجلُ بكاءً شديدًا وذهبَ عمرُو إلى رسولِ اللهِ، يا رسولَ اللهِ أبنائِي يمنعونِي من الجهادِ فقالَ النبيُّ المختارُ صلى اللهُ عليه وسلم: يا عمرُو إنَّ اللهَ قد عذرَكَ ليس على الأعرجِ حرجٌ فقال عمرُو يا رسولَ اللهِ أريدُ أنْ أطأَ الجنةَ بعرجتِي فالتفَّ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم إلى أولادهِ قائلاً لهم: دعُوه لعلَّ اللهَ يرزقُه الشهادةَ، وينطلقُ عمرُو في المعركةِ وسطِ أولادهِ ليموتَ شهيدًا ليدخلَ وليطأَ الجنةَ  

اللهم كن لناولاتكن علينا وانصرنا ولاتخذلنا يارب العالمين 

google-playkhamsatmostaqltradent