recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة وذروا ظاهرالاثم وباطنه لفضيلة الشيخ عبدالناصر بليح


خطبة الجمعة وذروا ظاهرالاثم وباطنه

 لفضيلة الشيخ عبدالناصر بليح

عناصرالموضوع
  • الأمر بترك المعاصي الظاهرة والباطنة
  • ماهي المعاصي والذنوب الظاهرة والباطنة
  • عاقبة اقتراف المعصية وخيمة 
  • تكريم الإسلام للمرأة

تحميل الخطبة word

تحميل الخطبة pdf


الخطبة الأولى

الحمدلله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده َ رسولهَح اللهم  صلاة وسلاما عليك ياسيدي يارسول الله وسلم تسليما كثيرا أما بعد فياعباد الله

حديثنا إليكم اليوم عن الذنوب والاثام والمعاصي ماظهر منها ومابطن فقد أمرنا الله بتركها فقال تعالى "و ذروا ظاهرالاثم وباطنه"

أي اتركوا أيها الناس- جميع المعاصي، ما كان منها علانية وما كان سرًّا. إن الذين يفعلون المعاصي سيعاقبهم ربهم؛ بسبب ما كانوا يعملونه من السيئات. : وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ"

والمراد بالإثم: جميع المعاصي، التي تؤثم العبد، أي: توقعه في الإثم، والحرج، من الأشياء المتعلقة بحقوق الله، وحقوق عباده. فنهى الله عباده، عن اقتراف الإثم الظاهر والباطن، أي: السر والعلانية، المتعلقة بالبدن والجوارح، والمتعلقة بالقلب، ولا يتم للعبد، ترك المعاصي الظاهرة والباطنة، إلا بعد معرفتها، والبحث عنها، فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن، والعلمُ بذلك واجبا متعينا على المكلف. وكثير من الناس، تخفى عليه كثير من المعاصي، خصوصا معاصي القلب، كالكبر والعجب والرياء، ونحو ذلك، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم، وعدم البصيرة. ثم أخبر تعالى، أن الذين يكسبون الإثم الظاهر والباطن، سيجزون على حسب كسبهم، وعلى قدر ذنوبهم، قلَّت أو كثرت، وهذا الجزاء يكون في الآخرة، وقد يكون في الدنيا، يعاقب العبد، فيخفف عنه بذلك من سيئاته.

 أمر الله عباده أن يتركوا ما ظهر من الآثام وما استتر فقال:

وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ أى اتركوا جميع المعاصي ما كان منها سرا وما كان منها علانية، أو ما كان منها بالجوارح وما كان منها بالقلوب، لأن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء.

ثم بين- سبحانه- عاقبة المرتكبين للآثام فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ أى: إن الذين يعملون المعاصي ويرتكبون القبائح الظاهرة والباطنة لن ينجو من المحاسبة والمؤاخذة بل سيجزون بما يستحقونه من عقوبات بسبب اجتراحهم للسيئات.

عبا الله "وفي تفسير البغوى : وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ

" وذروا ظاهر الإثم وباطنه" يعني : الذنوب كلها لأنها لا تخلو من هذين الوجهين ، قال قتادة : علانيته وسره ، وقال مجاهد : ظاهر الإثم ما يعمله بالجوارح من الذنوب ، وباطنه ما ينويه ويقصده بقلبه كالمصر على الذنب القاصد له .

وقال الكلبي : ظاهره الزنا وباطنه المخالة ، وأكثر المفسرين على أن ظاهر الإثم الإعلان بالزنا ، وهم أصحاب الروايات ، وباطنه الاستسرار به ، وذلك أن العرب كانوا يحبون الزنا فكان الشريف منهم يتشرف ، فيسر به ، وغير الشريف لا يبالي به فيظهره ، فحرمهما الله عز وجل ، وقال سعيد بن جبير : ظاهر الإثم نكاح المحارم وباطنه الزنا .

وقال ابن زيد : ظاهر الإثم التجرد من الثياب والتعري في  الطواف  والباطن الزنا ،

 وروى حبان عن الكلبي : ظاهر الإثم طواف الرجال بالبيت نهارا عراة ، وباطنه طواف النساء بالليل عراة ،"إن الذين يكسبون الإثم سيجزون"في الآخرة ،"بما كانوا يقترفون" يكتسبون في الدنيا  .

عباد الله ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالي :"وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ"

قال مجاهد :"وذروا ظاهر الإثم وباطنه" معصيته في السر والعلانية - وفي رواية عنه قال هو ما ينوي مما هو عامل .

وقال : قتادة :" وذروا ظاهر الإثم وباطنه" أي : قليله وكثيره ، سره وعلانيته .

وقال السدي : ظاهره : الزنا مع البغايا ذوات الرايات ، وباطنه : الزنا مع الخليلة والصدائق والأخدان .

وقال عكرمة : ظاهره : نكاح ذوات المحارم .

والصحيح أن الآية عامة في ذلك كله ، وهي كقوله تعالى " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا"(الأعراف : 33)

 ولهذا قال تعالى " إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون" أي : سواء كان ظاهرا أو خفيا ، فإن الله سيجزيهم عليه .

و عن النواس بن سمعان قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإثم فقال : " الإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع الناس عليه "

ويقول القرطبى : وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ

للعلماء فيه أقوال كثيرة وحاصلها راجع إلى أن الظاهر ما كان عملا بالبدن مما نهى الله عنه , وباطنه ما عقد بالقلب من مخالفة أمر الله فيما أمر ونهى ; وهذه المرتبة لا يبلغها إلا من اتقى وأحسن ; كما قال : " ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا " (المائدة : 93) .

 كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى, ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا, فحرّم الله السر منه والعلانية " ما ظهر منها "، يعني العلانية " وما بطن "، يعني: السر .

وعن مجاهد: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، قال: " ما ظهر منها "، الجمع بين الأختين, وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده " وما بطن "، الزنا

وقال آخرون: " الظاهر "، التعرّي والتجرد من الثياب، وما يستر العورة في الطواف والباطن "، الزنى 

غير أنه لو جاز أن يوجَّه ذلك إلى الخصوص بغير برهان, كان توجيهه إلى أنه عنى بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع، ما حرم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم, وما بيَّن الله تحريمه في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ إلى آخر الآية, أولى, إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى، وهذه في سياقها. ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك, وأدخل فيها الأمر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله, فخرج الأمر عامًا بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم" .

وظاهر الإثم ما يراه النّاس ، وباطنُه ما لا يطّلع عليه النّاس ويقع في السرّ عب هذا الأمر ترك جميع المعاصي . وقد كان كثير من العرب يراءون النّاس بعمل الخير ، فإذا خلوا ارتكبوا الآثام ، وفي بعضهم جاء قوله تعالى :" ومن النّاس مَن يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولَّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحبّ الفساد وإذا قيل له اتَّق الله أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد "(البقرة /204 ، 206).

الخطبة الثانية

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعدلقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال،وخير الناس خيرهم لأهله؛ فالمسلمة في طفولتها قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها. وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة. وقال صلى الله عليه واله وسلم: "لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فيتقي الله فيهن، ويحسن إليهن إلا دخل الجنة"

وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.

وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله-تعالى-وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض. قال-عز وجل-:"وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً  وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ( الإسراء/٢٤).

-جاء رجل إلى النبي-صلى الله عليه واله وسلم-فقال: "يا رسول الله من أولى الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك".

وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.

وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.

وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي. وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر ونحو ذلك.

وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.

بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، قال عز وجل: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة/٢٢٨).

ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.

ومن إكرام الإسلام لها: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها.

وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها ؛ لأنها إنسان مكرم داخل في قوله-تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" (الإسراء/٧٠).

وليس حسن المعاشرة أمراً اختيارياً متروكاً للزوج إن شاء فعله وإن شاء تركه، بل هو تكليف واجب.

وتعالوا لنرى  الرحيم الكريم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ قال عز وجل:" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً(الأحزاب/٣٥).

وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنيا، ورعاية زوجها، وبر أبنائها سواء في حال طفولتها، أو شبابها، أو هرمها، وفي حال فقرها أو غناها، أو صحتها أو مرضها.

وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلاد المسلمين أو من بعض المنتسبين إلى الإسلام-فإنما هو بسبب القصور والجهل، والبُعد عن تطبيق شرائع الدين، والوزر في ذلك على من أخطأ والدين براء من تبعة تلك النقائص ، وعلاج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية الإسلام وتعاليمه؛ لعلاج الخطأ.

هذه هي منزلة المرأة في الإسلام على سبيل الإجمال: عفة، وصيانة، ومودة، ورحمة، ورعاية، إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية.

أما الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئاً من تلك المعاني، وإنما تنظر للمرأة نظرة مادية بحتة، فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية، وأنها لابد أن تكون دمية يعبث بها كل ساقط؛ فذلك سر السعادة عندهم.

وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها. وإلا فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج والاختلاط وإظهار المفاتن، وإبداء الزينة، وكشف الصدور، والأفخاذ، وما هو أشد؟ !.

وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة؟ !.

ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في الإعلانات والدعايات؟ !

ولماذا لا تروج عندهم إلا الحسناء الجميلة، فإذا استنفذت السنوات جمالها وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت مدة صلاحيتها؟ !.

وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة؟ وما نصيب الأم المسنة، والجدة، والعجوز؟.

إن نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجىء، ودور العجزة والمسنين؛ حيث لا تُزار ولا يُسأل عنها.

وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد، أو نحوه، فتأكل منه حتى تموت؛ فلا رحم هناك، ولا صلة، ولا ولي حميم.

أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها، وعظم حقها، وتنافس أولادها وأقاربها على برها-كما سبق-لأنها أدَّت ما عليها، وبقي الذي لها عند أبنائها، وأحفادها، وأهلها، ومجتمعها.

اللهم إنانعوذ بك من شر ما خلق ربي ومن شر كل معصية وذنب..


google-playkhamsatmostaqltradent