recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة من دروس الإسراء والمعراج الفرج بعد الشدة جمع وترتيب / ثروت سويف / امام وخطيب ومدرس

 من دروس الإسراء والمعراج الفرج بعد الشدة 

جمع وترتيب / ثروت سويف 

 امام وخطيب ومدرس

اقرأ في هذه الخطبة 

أولا : الاسراء والمعراج تخفيفا وجبرا لقلب الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم 

ثانياً : الفرج بعد الشدة رسالة الاسراء والمعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم

ثالثاً : من وسائل تفريج الكروب

رابعاً :من أحوال الفرج بعد الشدة .

الخطبة الاولي 

الحمدُ للهِ الذي أسرَى بعبدِهِ ورسولِه المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، وأراهُ مِنْ آياتِه الكبرى ما يزدادُ به الإيمانُ ويقوَى به اليقين

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، الذي فضَّلَ نبيَّنا محمداً على جميعِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وجعلَ دينَه ظاهِراً علَى كلِّ دينٍ يقول في كتابه ( وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ (٢) وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ (٣) إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ (٤) عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ (٥) النجم

وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمداً سيد المرسلين وحبيب رب العالمين ارسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في القرآن والتوراة والإنجيل، المعلم الجليل، والهادي النبيل صاحب التاج والمعراج والتنزيل 

سيدى يا رسول الله 

أسري بك الله إذ ملائكه والرسل    في المسجد الأقصى علي قدم 

لما خطرت بهم التفوا بسيدهم    كالشهب بالبدر أو كالجندى بالعلم 

صلي وراءك منهم كل ذى خطر    ومن يفز بحبيب الله يأتمم

اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً 

اما بعد 

فقد اقتضت حكمة الله سبحانه إرسال الأنبياء مؤيَّدين بمعجزات لتكون تصديقًا لهم فيما يبلغون من رسالاته، فأعطي سيدنا محمد المعجزات الخالدات، ‏وكرمه برحلة لم يسبق لبشرٍ أن قام بها وذكر الله في كتابه الإسراء والمعراج 

أولا : الإسراء والمعراج تخفيفا وجبرا لقلب المصطفى صلى الله عليه وسلم 

يقول الله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}... الإسراء{1}

شاء الله الذي لا راد لأمره أن يسري ويمن علي الحبيب المصطفى برحلتي الإسراء والمعراج وأن يأم الأنبياء والمرسلين 

يقول البوصيري في بردته

يا خير مـن يمـم العافـون ساحتـه    سعياً وفوق متـون الأينـق الرسـم

ومـن هـو الآيـة الكبـرى لمعتـبـرٍ    ومن هـو النعمـةُ العظمـى لمغتنـم

سريت مـن حـرمٍ ليـلاً إلـى حـرمٍ     كما سرى البدر في داجٍ من الظلم

وبـت ترقـى إلـى أن نلـت منـزلـةً    من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم

وقدمـتـك جـمـيـع الأنـبـيـاء بـهــا    والرسل تقديـم مخـدومٍ علـى خـدم

وأنت تخترق السبـع الطبـاق بهـم    في مركب كنت فيه صاحب العلم

إن رحلة الإسراء والمعراج هي من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذا النجم الإنساني العظيم؛ وهو النور المتجسد لهداية العالم في حيرة ظلماته النفسية وجاهليته المتغطرسة 

روي الطبراني في الأوسط عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " سَأَلْتُ رَبِّي مَسْأَلَةً وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ، قُلْتُ: يَا رَبِّ ‌كَانَتْ ‌قَبْلِي ‌رُسُلٌ، مِنْهُمْ مَنْ سَخَّرْتَ لَهُمُ الرِّيَاحَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، قَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فآوَيْتُكَ؟ أَلَمْ أَجِدْكَ ضَالًّا فَهَدَيْتُكَ ؟ أَلَمْ أَجِدْكَ عَائِلًا فَأَغْنَيْتُكَ ؟ أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ " الطبراني في المعجم الاوسط والكبير وقال حديث حسن

عباد الله : إن ليلة الإسراء والمعراج ليلة غُسلت فيها أحزان الحبيب ﷺ بعد عام الحزن ، اللهم كما جعلتها ليلة دخول الفرح والسرور على قلبه الشريف ﷺ بعد أن طال حزنه فَاجعلها ليلة فرح وسرور على أُمته ، وأجعلها نهاية لكل حزن وألم يسكُن قلوبنا وبداية لجبر خواطرنا بانتصار لأهل غزة والمسلمين بعد طول انتظار يارب العالمين 

في ليلة الإسراء والمعراج غسل قلبه الطاهر من علائقة الشيطان ذكر أهل السير أن جبريل لما استخرج قلب سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وغسله بماء زمزم نزع ما كان به من أذى ، وفي رواية : أنه أخرج من قلبه علقة سوداء ، وقال هذه حظ الشيطان منك ، قال الشيخ الدردير :أي محل وسوسته منك وتسلطه ، لوكان له عليه سبيل .

ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "‌فُرِجَ ‌سَقْفُ ‌بَيْتِي وَأَنَا بمكة. فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم. فَفَرَجَ صَدْرِي. ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا. فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي. ثُمَّ أَطْبَقَهُ. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ … » مسلم 

ومما يؤكد أن هذه العملية قد تمت في ليلة الإسراء وأن ذلك كان إعدادا له لتحمل الرحلة، وهى تظهر في عدم تأثر جسمه صلى الله عليه وسلم بشق الصدر وإخراج القلب وغسله، مما يشير إلى تأمينه من جميع المخاطر. 

إن هذه الأمور الخارقة لقوانين الحياة البشرية والعادة وما جرى التعارف عليه هى أمور وقعت، ويجب التسليم بها وعدم صرفها عن حقيقتها الثابتة، وهي إنفاذ لإرادة الله تعالى وقدرته التي لا يستحيل عليها شيء 

ثانياً : الفرج بعد الشدة رسالة الاسراء والمعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم

وقعت حادثة ‌الإسراء والمعراج بعد هذه الغمرة من المآسي والأحزان والشدائد المتلاحقة، فكان ذلك تسرية عن نفس النبي صلى الله عليه وسلم ومواساة له وتكريما وتثبيتا. 

وقد وقع ذلك في السنة العاشرة من المبعث، بعد وفاة عمه أبي طالب، وقبل هجرته إلى المدينة بأكثر قليلا من السنة

لقد جاءت رحلة الإسراء والمعراج فرجا بعد الشدة حيث كان عام الحزن لوفاة زوجته ام المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد وعمه أبي طالب 

أما زوجته ام المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد فكانت تواسيه بالمال والمؤازرة والتصديق في بدأ الدعوة 

"كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".

بهذه الكلمات العظيمة تثبت أم المؤمنين خديجة قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حدثها بشأن المَلك الذي نزل عليه بغار حراء، حيث قال لها معبرًا عن خشيته: "لقد خشيتُ على نفسي".

أما عمه أبي طالب فهو كان بمثابة درع حام من اذي المشركين في مكة لأنه كان يحبه رغم بقاءه علي دين قريش كان سدا منيعا في وجه الأعداء

فعن ‌عَقِيلُ ‌بْنُ ‌أَبِي ‌طَالِبٍ، قَالَ: جَاءَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يُؤْذِينَا فِي نَادِينَا وَفِي مَجْلِسِنَا، فَانْهَهُ عَنْ إِيذَائِنَا، فَقَالَ لِي: يَا عَقِيلُ، ائْتِ مُحَمَّدًا فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ فَأَخْرَجْتُهُ مِنْ كِبْسٍ - قَالَ طَلْحَةُ: بَيْتٌ صَغِيرٌ - فَجَاءَ فِي الظُّهْرِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، فَجَعَلَ يَطْلُبُ الْفَيْءَ يَمْشِي فِيهِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الرَّمْضَاءِ فَأَتَيْنَاهُمْ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّ بَنِي عَمِّكَ زَعَمُوا أَنَّكَ تُؤْذِيهِمْ فِي نَادِيهِمْ وَفِي مَجْلِسِهِمْ، فَانْتَهِ عَنْ ذَلِكَ، فَحَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «مَا تَرَوْنَ هَذَا الشَّمْسَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِأَقْدَرَ أَنْ أَدَعَ ذَلِكَ مِنْكُمْ أَنْ تُشْعِلُوا مِنْهَا شُعْلَةً» ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: مَا كَذَبَنَا ابْنُ أَخِي قَطُّ فَارْجِعُوا. رواه الطبراني وأبو يعلى وحسّنه ابن حجر

وجاء عند أهل السير فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ ‌وَضَعُوا ‌الشمسَ فِي يَمِينِي، والقمرَ فِي يَسَارِي2 عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظهره اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَكَى ثُمَّ قَامَ؛ فَلَمَّا وَلَّى ناداه أبو طالب، فقال: أقبلْ يابن أَخِي؛ قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: اذهبْ يابن أَخِي، فقلْ مَا أحببتَ، فَوَاَللَّهِ لَا أسْلمك لشيء أبدًا . السيرة النبوية لابن هشام

قال أبو طالب : ما كَذَبنَا ابنُ أخي قط (أبدا)، فَارْجِعوا وقال قولته المشهورة 

 وَاللَهِ لَن يَصِلوا إِلَيكَ بِجَمعِهِم.       حَتّى أُوَسَّدَ في التُرابِ دَفينا

فَاِصدَع بِأَمرِكَ ما عَلَيكَ غَضاضَةٌ.   وَاِبشِر بِذاكَ وَقَرَّ مِنهُ عُيونا

وَدَعَوتَني وَزَعَمتَ أَنَّكَ ناصِحٌ.       وَلَقَد صَدَقتَ وَكُنتَ ثَمَّ أَمينا

وَعَرَضتَ ديناً قَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ.         مِن خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دينا

لَولا المَلامَةُ أَو حِذاري سُبَّةً.         لَوَجَدتَني سَمحاً بِذاكَ مُبينا

لقد كان لفقد الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه وزوجته، وما قاساه بعدهما من اشتداد أذى قريش وما أسفرت عنه محاولته إلى الطائف من مشاق ونتائج أليمة، ثم ما لقيه من قريش عند عودته إلى مكة من عنت وصلف بدت آثارها على النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأينا كيف أنه توجه إلى الله تعالى شاكيا همومه ومعاناته، ملتمسا النصر، مجددا العزم على المضي قدما في تحمل مسئوليته في نشر الدعوة، مستهينا بكل الصعاب مادام الله راضيا عنه

يذهب الحبيب وقد اشتد إيذاء المشركين له وأصحابه الي أهل الطائف عله يجد من يصدق دعوته لعله يجد في ثقيف من يتبعه ولكنهم اغروا به سفهاءهم حتى قذفوه بالحجارة وادموا قدمه الشريف وجلس متعبا يناجي ربه في تلك الشدة قائلا

«اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ‌ضَعْفَ ‌قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي، إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي أَوْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ أَوْ تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ» السيرة النبوية لابن هشام 1/ 420]

يبرأ النبي من حوله وقوته فيأتيه الجواب من السماء إن كان الله الأرض لم يعرفوا قدرك فإن أهل السماء قد عرفوك 

فيجيء إليه ملك الجبال ليعرض عليه تدميرهم ولكنه كان رحيماً فيقول قولته المشهورة بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً 

أخرج البخاري عن عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَتْهُ: أَنَّها قالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ ما لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي على ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنا مَهْمُومٌ على وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأسِي، فَإِذا أَنا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذا فيها جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَما رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ، لِتَأْمُرَهُ بِما شِئْتَ فِيهِمْ. فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ. فَقالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ ‌الأَخْشَبَيْنِ. فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» أخرجاه في الصحيحين. 

ثالثاً : من وسائل تفريج الكروب

اولا : حسن الظن بالله

 يا أمة محمد ﷺ إذا طرقت أحدَنا مصيبة أو بلية فليحسن الظن بالله, روى الطبراني والمنذري من حديث وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " قَالَ اللهُ عز وجل: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، ‌إِنْ ‌ظَنَّ ‌خَيْرًا، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا " المعجم الكبير

قَالَ بعض الصَّالِحين: "اسْتعْمِل فِي كل بلية تطرقك حسن الظَّن بِاللَّه عز وَجل فِي كشفها، فَإِن ذَلِك أقربُ بك إِلى الْفرج"

ذكر التنوخي في كتابه (الفرج بعد الشدة) عن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: لما حُبستُ الحبسة الْمَشْهُورَة، أُدخلت السجْن، فأُنزلت على أنَاس فِي قيد وَاحِد، وَمَكَان ضيق، لَا يجد الرجل إِلَّا مَوضِع مَجْلِسه، وَفِيه يَأْكُلُون، وَفِيه يَتَغَوَّطُونَ، وَفِيه يُصلُّونَ.

قَالَ: فجيء بِرَجُل من أهل الْبَحْرين، فَأدْخل علينا، فَلم نجد مَكَانًا، فَجعلُوا يتبرمون بِهِ، فَقَالَ: اصْبِرُوا، فَإِنَّمَا هِيَ اللَّيْلَة.

فَلَمَّا دخل اللَّيْل، قَامَ يُصَلِّي، فَقَالَ: يَا رب، مَننتَ عَليّ بِدينِك، وعلمتني كتابك، ثمَّ سلطت عَليّ شَرّ خلقك، يَا رب، اللَّيْلَة، اللَّيْلَة، لَا أُصبح فِيهِ.

فَمَا أصبحنا حَتَّى ضُرِبت أَبْوَاب السجْن: أَيْن البحراني، أَيْن البحراني؟ فَقَالَ كل منا: مَا دعِي السَّاعَة، إِلَّا ليقْتل، فإذا هو قد خُلِّي سَبيلُه.

فجَاء، فَقَامَ على بَاب السجْن، فَسلَّم علينا، وَقَالَ: أطِيعُوا الله لَا يضيعكم.

قال تعالي (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].

ثانيا : طاعة الله والتوبة إليه ودعاؤه.. من أعظم ما يُحَصَّلُ به الفرج بعد الشدة

كان رسول الله ﷺ قد علمنا أدعية إذا نزل بنا الكرب، واشتدت الأمور، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، علمنا ماذا نقول، كما في الصحيحين البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ نبيَّ اللهِ ﷺ كان يدعو بهذه الكلمات عِندَ الكربِ: "لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السماواتِ وربُّ الأرض رب العرشِ الكريمِ".

روى ابن أبي الدنيا قال: أُتي زياد برجل فأمر به ليُقتَل, فلما أحس الرجل بالموت قال: ائذنوا لي أتوضأ وأصلي ركعتين فأموتُ على توبة, لعلي أنجو من عذاب الله, فقال زياد: دعوه فليتوضأ وليُصلِّ ما بدا له, قال: فتوضأ وصلى كأحسن ما يكون, فلما قضى صلاته أتي به ليُقتل, فقال له زياد: هل استقبلت التوبة ؟ قال: أي, والذي لا إله غيره, فخلى سبيله.

قال أبو الحاكم السجستاني رحمه الله:

إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق بنا به الصدر الرحيب

وأوطأت المكارم واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب

ولم تر لانكشاف الضر وجهاً ولا أغنى بحيلته الأريب

أتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب

وكل الحادثات إذا تلاهت فموصول بها فرج قريب

ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين في الدعاء عن الحسن قال : كان رجل من أصحاب النبي ﷺ من الأنصار يكنى أبا معلق ، وكان تاجرًا، يتّجر بمال له ولغيره، يضرب به في الآفاق، وكان ناسكًا ورِعًا. فخرج مرةً، فلقيه لصّ مقنَّع في السلاح، فقال له: ضَعْ ما معك، فإني قاتلك. قال: ما تريد إلى دمي؟ شأنك بالمال. قال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك. قال: أمّا إذ أبيتَ، فذرني أصلي أربع ركعات. قال صلِّ ما بدا لك. فتوضأ، ثم صلّى أربع ركعات. فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالُ لما يريد، أسألك بعزّك الذي لا يُرام، ومُلكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركانَ عرشك: أن تكفيَني شرَّ هذا اللصّ. يا مغيثُ أغِثنْي، يا مغيثُ أغِثْني ثلاث مرات. فإذا هو بفارس قد أقبل، بيده حَرْبة، قد وضعها بين أذنَي فرسِه. فلمّا بصُر به اللصُّ أقبل نحوَه، فطعنه، فقتله. ثم أقبل إليه، فقال: قم، فقال: من أنت، بأبي أنت وأمّي؟ فقد أغاثني الله بك اليوم. فقال: أنا ملَك من أهل السماء الرابعة، دعوتَ بدعائك الأول، فسمعتُ لأبواب السماء قعقعةً، ثم دعوتَ بدعائك الثاني، فسمعتُ لأهل السماء ضجّةً. ثم دعوتَ بدعائك الثالث، فقيل لي: دعاء مكروب. فسألتُ الله أن يُولّيني قتلَه.

قال الحسن: فمن توضأ، وصلّى أربع ركعات، ودعا بهذا الدعاء، استجيب له، مكروبًا كان أو غير مكروب " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " الداء والدواء

ثالثاً : عباد الله اكثروا من قول لا حول ولا قوة الا بالله فإنها من كنوز الجنة وإن الله يفرج كروبكم بقولها فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ دَوَاءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ دَاءً، أَيْسَرُهَا الْهَمُّ» الحاكم في المستدرك

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى رَسُولِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوا ابْنِي وَإِنَّهُمْ يُكَلِّفُونَهُ مِنَ الْفِدَاءِ مَا لَا نُطِيقُ، قَالَ: " ابْعَثْ إِلَى ابْنِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " قَالَ: فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ فَقَالَهَا، فَغَفَلَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ، فَاسْتَاقَ خَمْسِينَ بَعِيرًا مِنْ إِبِلِهِمْ فَقَعَدَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْهَا حَتَّى أَتَى بِهَا أَبَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3] الدعاء للطبراني

ولله در القائل 

دع المقاديرَ تَجْري في أعنَّتِها                    ولا تبيتَنَّ إلا خاليَ البالِ  

ما بين غَمضةِ عينٍ وانتباهتِها               يُغيِّرُ اللهُ مِن حالٍ إلى حالِ

أيها الإخوة: ومن لطائف أسرار إقتران الفرج بالكرب أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل.

رابعاً : عليكم بالاستغفار فإنه سبب لتفريج الكروب وإزالة الغموم، قال تعالى: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ [هود:61]. أَيِ: ارْجِعُوا إِلَيْهِ وَارْجِعُوا عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ، فَإِنَّهُ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ مَهْمَا كَانَتْ فِي الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ.

قَالَ ابْنُ صُبَيْحٍ: شَكَا رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ الْجُدُوبَةَ فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ. وَشَكَا آخَرُ إِلَيْهِ الْفَقْرَ فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ. وَقَالَ لَهُ آخَرُ. ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَدًا، فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ. وَشَكَا إِلَيْهِ آخَرُ جَفَافَ بُسْتَانِهِ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ. فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: مَا قُلْتُ مِنْ عِنْدِي شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي سُورَةِ" نُوحٍ": اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» [أبو داود].

اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم

google-playkhamsatmostaqltradent