
مامعني لا إكراه في الدين ؟ ومتي يدافع المسلم عن دينه ؟
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فالإسلام لا يجبر الشخص على الدخول فيه قال الله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "( البقرة256.).
قال ابن كثير رحمه الله: "أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح جلي في دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، فأكثر الكفار دخلوا في دين الإسلام بالاقتناع، وليس بالقوة، وكانت الحرب عندما يرفض الكفار تسليم بلدانهم للمسلمين، كان المسلمون يريدون البلدان لإقامة شرع الله فيها، وتحكيم الإسلام فيها، ودعوة الناس بالحسنى، فإذا قام ملك دون ملكه وسلطان دون سلطانه وكفار يمنعون المسلمين من الدخول لتحيكم الإسلام كان القتال يقوم، من أجل أن يُقام الدين،:" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه "(الأنفال39 ).
وهكذا
كانت راية الإسلام تعلو في البلدان المختلفة، إن دعوة الإسلام إلى المسامحة شيء
معروف لكنه ليس ذلاً ولا تنازلاً عن شيء من الدين، والكفار لا يُعاملون في الشريعة
معاملة واحدة، لأنها قائمة على العدل، فهم أنواع، فمنهم كفار محاربون وكفار
مسالمون، فالكفار المحاربون لا يجوز أن يُفعل لهم معروف، ولا نوع من البر، ولا
الصلة، ما داموا قائمين بالحرب، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ
أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ"(الممتحنة9).
إذاً هؤلاء لا يمكن عمل المعروف معهم، ما داموا قد حملوا
السلاح على المسلمين، يريدون أن يطفئوا نور الله، وكفار آخرون مسالمون، يقولون
للمسلمين هذه بلادنا ادخلوها وأقيموا فيها دينكم ونحن لا نريد حرباً ولا قتالاً
ولا أن نرفع عليكم سلاحاً، هؤلاء الذين يرغبون في التعامل مع المسلمين على أساس
السلم والاحترام المتبادل وأن تكون الهيمنة للإسلام والحكم للإسلام، والشريعة
المطبقة في البلد الإسلام لا يجوز الاعتداء عليهم بأي نوع من الاعتداء البتة.
أمثلة من تعامل النبي صلي الله عليه وسلم ،والصحابة مع غير المسلمين
و كان النبي صلي الله عليه وسلم يقوم بدعوة أهل الكتاب ويزور مرضاهم طاعة لله،
ولا ينهى البنت المسلمة أن تبر أمها المشركة ما دامت جاءت راغبة في الصلة غير
رافعة للسلاح على المسلمين، والكافر إذا كان معاهداً أو ذمياً فلا يجوز خرق عهد
الأمان معه ولا الاعتداء عليه، وقال النبي صلي الله عليه وسلم :"ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه
فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"( أبو داود
). النبي صلي الله عليه وسلم قال :"
من قتل معاهداً له ذمة الله، وذمة رسوله؛ حرّم الله عليه ريح الجنة، وإن ريحها
لتوجد من مسيرة سبعين خريفا"(البخاري).
*وكان صلي الله عليه وسلم يغشى مخالفيه في دورهم فعن أبي هريرة رضي الله
عنه قال : بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال :" انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى
جئناهم فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم
فناداهم فقال : " يا معشر يهود أسلموا تسلموا " فقالوا : قد بلغت
يا أبا القاسم . . الحديث . وعاد صلي الله عليه وسلم يهودياً ، كما في البخاري عن أنس رضى الله عنه
أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلي الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلي الله عليه وسلم يعوده فقال : ( أسلم ) فأسلم .
وكان صلي الله عليه وسلم يعامل مخالفيه من غير المسلمين في البيع
والشراء والأخذ والعطاء ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت :" توفي النبي صلي
الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي
بثلاثين . يعني : صاعا من شعير .
وكان صلي الله عليه وسلم يأمر بصلة القريب وإن كان غير مسلم فقال لأسماء
بنت أبي بكر رضي الله عنهما : صلي أمك .
وفي المدينة حيث تأسس المجتمع الإسلامي الأول وعاش في
كنفه اليهود بعهد مع المسلمين وكان صلي الله عليه وسلم غاية في الحلم معهم والسماحة في معاملتهم حتى
نقضوا العهد وخانوا رسول الله صلي الله عليه وسلم
، أما من يعيشون بين المسلمين يحترمون قيمهم ومجتمعهم فلهم الضمان النبوي ،
فقد ضمن صلى الله عليه وسلم لمن عاش بين ظهراني المسلمين بعهد وبقي على عهده أن
يحظى بمحاجة النبي صلي الله عليه وسلم لمن
ظلمه فقال صلي الله عليه وسلم : ألا من
ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه
يوم القيامة . تلك صور من سماحة النبي صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين وهو ما سار عليه الصحابة رضي
الله عنهم والتابعون من بعدهم ..
عباد الله: لقد جاء النهي عن قتل النساء، والصبيان في
الحروب فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وجدت امرأة مقتول في بعض مغازي رسول
الله صلي الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان"( البخاري ومسلم).
فإذا لم يحملوا السلاح أي النساء، والصبيان ولم يعينوا على المسلمين لم يجز مسهم
بسوء ولم يجز قتلهم ولا إعمال السلاح فيهم، وقام أئمة الإسلام بالدفاع عن أهل
الذمة في البلدان التي كانت تحكم بالشريعة عندما يتعرضون للظلم، فقام الأوزاعي رحمه
الله يشكو والي جبل لبنان من أقرباء الخليفة إلى الخليفة لأنه أجلى جماعة من أهل
الذمة لخروج نفر منهم على عامل الخراج، فقال: "لا تزر وازرة وزر أخرى"،
فلا يؤخذ البرئ بجريرة المذنب، ولما عمد الوليد بن يزيد إلى إجلاء الذميين من قبرص
إلى الشام تحسباً لحملة رومية اعترض الفقهاء على مسلكه، وشيخ الإسلام بن تيمية
رحمه الله رحمه أن يطلق التتر أسرى المسلمين دون أهل الذمة، فأصر شيخ الإسلام على
التتر أن يطلقوا أهل الذمة مع المسلمين، لأن التتر أخذوا من الجميع أسرى، صلاح
الدين الأيوبي رحمه الله لما جاءته المرأة من الكفار النصارى وهم أعداؤه تطلب منه
طلباً خاصاً أن يرد إليها ولدها الصغير، أمر بالبحث عنه فوجده قد بيع مع السبي
وهذا حق للمسلمين إذا حاربوا الكفار وحاربهم الكفار أن يؤخذ نساء الكفار وأولادهم
سبياً يتربون عند المسلمين فيتأثروا بالإسلام فينشئوا عليه، وكان في ذلك فائدة
كبيرة بدلاً من أن ينشئوا عند آبائهم الكفار، فلما وجد صلاح الدين الولد قد بيع
اشتراه بماله الخاص، ووهبه لتلك المرأة، ولما أراد بعض خلفاء المسلمين أن يبادل
الأسرى مع الكفار وقف المسلمون على طرف النهر والكفار على الطرف الآخر وبينهما جسر
وصار يعبر واحد من أسرى المسلمين من طرف الكفار وواحد من أسرى الكفار من طرف
المسلمين مبادلة الأسرى واحد بواحد، وهكذا حصلت المبادلة فانتهى المسلمون الأسرى
وبقي أسرى من الكفار في يد الخليفة فرأى إظهاراً لمنة الإسلام على الكفار وكسباً
للموقف أن يطلق البقية الباقية بدون مقابل، ولذلك كان حكم الشريعة في الأسرى
الكفار المأخوذين إما أن يقتلوا وإما أن يسترقوا وإما أن يفادوا بالمال وإما أن
يُمن عليهم بلا مقابل، ليس بحسب الهوى، لكن بحسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية، فإن
كانوا من أهل الخبرة في القتال ولو رجعوا للكفار كانوا وبالاً على أهل الإسلام
يقتلون ولا يتركون، ولو كان في أخذهم سبياً مصلحة لهم وللمسلمين يؤخذون سبياً، ولو
كان من المصلحة تحصيل مال مقابل لهم من أجل حاجة للمسلمين كان الفداء بالمال، وإن
كان عند الكفار أسرى في المقابل من المسلمين تكون المبادلة الأسرى بالأسرى، وإن
كانت المنة هي المصلحة الشرعية كسباً للموقف وتأثيراً دعوياً في الكفار يطلق
الأسرى بلا مقابل، بحسب ما تقتضيه الشريعة.
وحين رأى صلي الله عليه وسلم عمَّه حمزة وقد بُقرت بطنه، ومُثّل به أشنع تمثيل هو وبعض الصحابة، بكى وغضب وأقسم أن ينتقم ويُمثل بسبعين منهم إن مكّنّه الله منهم، فنزلت الآيات: " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ "(النحل/ 126). فآثر النبي وأصحابه الصبر الجميل، وعفوا عما سلف من تمثيل بقتلاهم، فما كان للمؤمنين أن ينزلقوا إلى تلك الهوة العميقة من جرائم الحقد الأسود، ولا أن يجرهم عدوهم إلى مثل هذه الميادين القذرة من التعامل ولو في الحرب، وهكذا لم يرُدَّ المسلمون الإساءة القبيحة بمثلها وإن كان المسيئون كفارًا، فكيف بنا الآن مع من أخطأوا في حقنا، أو أساءوا إلينا، وربما كانوا أقاربًا أو أحبابًا أو أصدقاء.
أمرت أن اقاتل الناس:"
بقي
علينا أن ننظر إلي حديث نبوي شريف وفيه يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم
:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أن يستقبلوا قبلتنا و يأكلوا
ذبيحتنا و أن يصلوا صلاتنا ، فإذا فعلوا ذلك " فقد " حرمت علينا دماؤهم
و أموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين ".(السلسلة
الصحيحة (1/ 302) أبو داود والترمذي).
وفي
رواية أخري :" أمرت أن أقاتل الناس
حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله و نفسه
إلا بحقه ، و حسابه على الله " السلسلة الصحيحة (1/ 406).
والسؤال
لماذا ذلك كذلك ؟ ولما هذا التخصيص في المعاملة ؟ وهل يعد هذا إكراه في الدين ؟
والإجابة علي هذا – فإن المراد بالناس هنا ليس علي إطلاقهم , كما يتبادر إلي الأذهان وإنما هو خاص بعبدة الأوثان من العرب ..
إن الإسلام كما وردت آياته لايكره أحداً علي الدخول في دعوته لأنه :" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "(البقرة: 256).
وإنما المراد كما قال تعالي :" قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ".(الكافرون).
علي أن هذا مشروط بأن يترك المشركون من هجر عبادة الأوثان وأمن بالله رب العالمين يتركوه ولا يفتنوه عن دينه ..أما يوم أن يصبح الأمر كذلك فإن قتالهم يكون واجباً درءً للفتنة ..ولكن هؤلاء ظنوا واهمين أنهم في مقدورهم أن يقضوا علي الدين الجديد , وأن يطمسوا آثاره من الوجود .
فكان لابد والحالة هذه من مواجهتهم في ميادين القتال ,فإما أن تبقي الوثنية ,وإما أن يبقي الإسلام . وشاءت إرادة المولي عز وجل أن يبقي الإسلام وينتشر , وأن تتوطد أركانه , وتثبت دعائمه ,أليس يسجل القرآن علي هؤلاء خبث نواياهم , وسوء مقصدهم عندما يقول :" إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ "(الممتحنة/2).
ويقول
تعالي:" كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا
وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ
وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ "(التوبة/8).
والسؤال
: فهل أمام المسلمين بعد هذا إلا أن يحملوا السلاح , كي يحموا دعوتهم , ويخلصوا
مجتمعهم من شرور هؤلاء وآثامهم ؟.