حكمة زواج المسلم بأربع نسوة
لم يكن
النبي صلي الله عليه وسلم –عندما أمر المسلمين بألا يجمعوا بين أكثر من أربع زوجات
إلا مبلغاً عن ربه :
لأنه صلي الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوي :"وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى "(النجم/ 3، 4).
فهو لا ينطق في تشريعاته جميعها – ومنها
بالطبع تشريعه عدم زيادة الزوجات علي أربع –عن هواه ,إنما هو بوحي من الله عز وجل
.. كما في قوله تعالى :"فَانكِحُوا
مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"(النساء: آية
3)،
وثمة أحاديث كثيرة ينهي فيها النبي صلي الله عليه وسلم –أصحابه عن أن يجمعوا بين أكثر من أربع زوجات ,ويأمرهم بأن يمسكوا أربعاً فقط ويفارقوا الأخريات .
ومن ذلك قوله صلي الله عليه وسلم لرجل من ثقيف أسلم وعنده
عشر نسوة :"أمسك أربعاً وفارق سائرهن"(الترمذي).
لقد
استدل مثيرو الشبهة بهذه الأحاديث التي يأمر النبي صلي الله عليه وسلم فيها أصحابه
بألا يزيدوا علي أربع زوجات , في مقابل ما شاع عنه صلي الله عليه وسلم من أنه تزوج
أكثر من أربع زوجات –علي أنه كان مزواجاً محباً للنساء .والذي أوقعهم في هذا الزعم
الخاطئ جهلهم بخصيصة من الخصائص التي اختصه الله عزوجل بها دون من عداه من أفراد
أمته وهذه الخصيصة هي:"زواجه بأكثر من أربع نسوة ".
لقد أرسل
الله عزوجل نبيه ليبين للناس مانزل إليهم من ربهم ولما أرسل كان التعدد موجوداً
عند العرب وثابتاً حتي عند الأنبياء السابقين لكن الله عزوجل أراد أن يحدد هذا
التعدد تحديداً يمتص الزائد من النساء ,ولا يجعله مباحاً في كل عدد فأمر رسوله أن
يقول لأمته من كان عنده أكثر من أربع فليمسك أربعاً ويفارق من زاد عنهن في حين كان
عنده صلي الله عليه وسلم تسع زوجات ..
فلو أن
الحكم شمله فأمسك أربعاً وسرح خمساً لأصابهن ضرر كبير ولصرن معلقات لأنهن زوجات
رسول الله صلي الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين وليس لأحد أن يتزوج إحداهن بعد رسول
الله .ولا يحل له صلي الله عليه وسلم أن يتزوج فوق هذا العدد لأنه أمر من الله
الذي قال له :" لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا
أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا
مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا " (الأحزاب/
52).
أي : لا
يحل لك الزواج بعد اليوم بغير من هن فى عصمتك ، كما لا يحل لك - أيضا - أن تطلق واحدة
منهن وتتزوج بأخرى سواها ، حتى ولو أعجبك جمال من تريد زواجها من غير نسائك اللائى
فى عصمتك عند نزول هذه الآية .
فالآية
الكريمة قد اشتملت على حكمين :
أحدهما : حرمة الزواج بغير التسع اللائى كن فى
عصمته عند نزولها.
والثاني
: حرمة تطليق واحدة منهن ، للزواج بأخرى بدلها .
وقوله:"
بَعْدُ " ظرف مبنى على الضم لحذف المضاف إليه . أي : من بعد اليوم . و "
أَزْوَاجٍ" مفعول به ، و " مِنْ " مزيدة لاستغراق الجنس . اى : ولا
أن تبدل بهن أزواجاً أخريات مهما كان شأن هؤلاء الأخريات .
وجملة :"
وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ " في موضع الحال من الفاعل وهو الضمير فى "
تَبَدَّلَ " . أي : لا يحل لك الزيادة عليهن ، ولا أن تتبدل بهن أزواجا غيرهن فى
آية حالة من الأحوال ، حتى ولو فى حال إجابك بغيرهن ويصح أن تكون هذه الجملة شرطية
، وقد حذف جوابها لفهمه من الكلام ، ويكون المعنى : ولو أعجبك حسنهن لا يحل لك
نكاحهن .
وقوله :"
إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " استثناء من هذا الحكم . أي : لا يحل لك
الزيادة عليهن ، ولا استبدال غيرهن بهن ، ولكن يحل لك أن تضيف إليهن ما شئت من
النساء اللائى تملكهن عن طريق السبى .
وهذا الذي
سرنا عليه من أن الآية الكريمة فى شأن أزواجه صلى الله عليه وسلم هو الذي سار عليه
جمهور المفسرين .
قال ابن
كثير : ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغيرهم - أن هذه
الآية الكريمة نزلت مجازاة لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم ورضا الله عنهن على
حسبن صنيعين ، فى اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، لما خيرهن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما تقدم ، فلما اخترن رسول الله ، كان جزاؤهن أن قصره عليهن ، وحم
عليه أن يتزوج بغيرهن ، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ، ولو أعجبه حسنهن ، إلا
الإِماء والسرائر ، فلا حجر عليه فيهن .
ثم إنه -
سبحانه - رفع عنه الحجر فى ذلك ، ونسخ حكم هذه الآية ، وأباح له التزوج ، ولكنه لم
يقع منه بعد ذلك زواج لغيرهن ، لتكون المنة للرسول صلى الله عليه وسلم عليهن . روى
الإِمام أحمد عن عائشة قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله
له النساء .
ومن
العلماء من يرى أن قوله - تعالى – " مِن بَعْدُ" المراد به : من بعد من
أحللنا لك الزواج بهن ، وهن الأصناف الأربعة اللائى سبق الحديث عنهن فى قوله -
تعالى - : " ياأيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي
آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ
وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ . . . ".
وهذا الرأي
الثاني وإن كان أشمل من سابقه ، إلا أننا نرجح أن الآية الكريمة مسوقة لتكريم
أمهات المؤمنين اللائى اخترنا الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا
وزينتها .
هذا ، والنساء
التسع اللائى حرم الله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم الزيادة عليهن ،
والاستبدال بهن ، هن : عائشة بنت أبى بكر ، وحفصة بنت عمر ، وأم حبيبة بنت أبى
سفيان ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة بنت أبى أمية ، وصفية بنت حيى بن أخطب ،
وميمونة بنت الحارث ، وزينب بنت جحش ، وجويرية بنت الحارث "(الوسيط لسيد طنطاوي).
النبي
غير مستثني في العدد
لم
يستثني النبي في العدد ولكنه استثني في المعدود حيث وقف عند هؤلاء التسع بذواتهن
وليس له أن يتزوج بغيرهن أو أن يستبدلهن بأخريات , أما غيره من أمته فله أن يتزوج
ضعف أضعاف هذا العدد شريطة ألا يزيد علي أربع في وقت واحد ..
إنه كان
النبي صلي عليه وسلم – من أقل الناس حظاً في التعدد ’,لأن قصر عدد زوجاته علي رقم
معين حدده له الشرع لا يتجاوزه !
إذ لا تحل له النساء من بعد ولا أن يبدل بهن من أزواج يجعل في إمكان أي مسلم أن يعدد أكثر منه , علي الرغم من وجوب اقتصار المسلم العادي علي أربع زوجات وذلك أنه يستطيع تطليقهن جميعاً أو بعضهن والبناء بزوجات جديدات دون حد.( مرجع سابق).