لماذاخص الرسول العرب "ويل للعرب من شرقد اقترب"
وماهي الشرورالتي قصدها؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فقد جاءت عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وعيد وتحذير للعرب من شرورٍ قد اقتربت منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب"
فماذا خصَّ الرسول صلي الله عليه وسلم العرب؟
لأنهم أول من دخل في دين الإسلام، ولأنهم حملة الرسالة،
قال الإمام القسطلاني رحمه الله تعالى: خصَّ العرب بالذكر؛ لأنهم أول من دخل في الإسلام...
وكذلك خصَّ العرب بذلك؛ لأنهم حملة الرسالة، وإلى ديارهم ترجع الرسالة، فإن الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها.
الشرور التي حذر الرسول صلي الله عليه وسلم منها
ومن الشرور التي حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب منها:
نقص العلم، وكثرة القتل،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، ينقص العلم، ويكثر الهرج"، قلت: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: "القتل"(أحمد).
ونقص العلم يكون بموت العلماء، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا"(متفق عليه).
يأجوج ومأجوج،
ومن الشرور التي حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم العرب منها: فتح ردم يأجوج ومأجوج، فعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمرًّا وجهه وهو يقول: "ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه"، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثُر الخبثُ"(متفق عليه).
يَأجوجُ ومَأجوجُ همُ القَوْمانِ اللَّذانِ بَنى عليهما ذو القَرنينِ السَّدَّ المذكورَ في قولِه تعالَى: "فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا"(الكهف: 95)، وخُروجُهما مِن هذا السَّدِّ عَلامةٌ مِن العَلاماتِ الكُبرى ليومِ القِيامةِ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أمُّ المؤمنينَ زَينبُ بِنتُ جَحشٍ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ عليها فزِعًا يَظهَرُ عليه عَلاماتُ الخوفِ، وهو يقولُ: «لا إلهَ إلَّا اللهُ»، إيذانًا بتَوقُّعِ أمْرٍ مَكروهٍ يَحدُثُ، ولا نَجاةَ منه إلَّا بالالْتجاءِ إلى اللهِ سُبحانَه والاستجارةِ بِسُلطانِه، وفي رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ:"أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَيقَظَ مِن نَومِه مُحْمَرًّا وَجْهُه، وهُو يَقولُ.."، فيُجمَعُ بيْنهما أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخَلَ عليها بعْدَ أنِ استَيقَظَ فَزِعًا، وكانتْ حُمرةُ وَجْهِه مِن ذلك الفزَعِ، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:"وَيلٌ لِلعَربِ مِن شَرٍّ قدِ اقتَرَب" وُقوعُه،
والوَيلُ كَلِمةٌ تُقال لمَن وَقَعَ في هَلَكةٍ، وتُقالُ للحُزْنِ، والمشقَّةِ مِن العَذابِ، وقد خَصَّ العرَبَ بالذِّكرِ إشارةً إلى ما وَقَعَ مِن قتْلِ عُثمانَ منهم، أو أرادَ ما يَقَعُ مِن مَفسَدةِ يَأجوجَ ومَأجوجَ، أو خَصَّ العرَبَ بالذِّكرِ؛ لأنَّهم أوَّلُ مَن دَخَلَ في الإسلامِ، وللإنذارِ بأنَّ الفِتنَ إذا وَقَعَتْ كان الهلاكُ إليهم أسرَعَ.
ثمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَببَ هذا الشَّرِّ بأنَّه قدْ "فُتحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأجوجَ ومَأجوجَ» -وهو السَّدُّ الَّذي بَناه ذُو القَرنينِ بيْننا وبيْنهم-"مِثلُ هذه. وحلَّقَ بِإصبعِه الإبهامِ والَّتي تَلِيها"، يعني: جَعَلَ الإصبعَ السَّبَّابةَ في أصلِ الإبهامِ وضَمَّها حتَّى لم يَبْقَ بيْنهما إلَّا خَللٌ يَسيرٌ، والمرادُ بالتَّمثيلِ التَّقريبُ لا حَقيقةُ التَّحديدِ، والمعنى أنَّه لم يَبْقَ لِمَجيءِ الشَّرِّ إلَّا اليسيرُ مِنَ الزَّمنِ، فلمَّا سَمِعَتْ زَينبُ بنتُ جَحْشٍ رَضيَ اللهُ عنها ذلك، قالت:"يا رَسولَ الله، أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالحونَ؟"، أي: كيف يُسلِّطُ اللهُ علينا الهلاكَ وفِينا المؤمنونَ الصَّالِحون؟ وكأنَّها أخَذَت ذلك مِن قولِه تعالَى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"(الأنفال: 33).،
فقال لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:"نَعَمْ، إذا كَثُرَ الخَبَثُ"، والخَبَثُ: هو الفُسوقُ والفجورُ والمعاصي، مِن نَحوِ الزِّنا، والخُمورِ، وغَيرِها، وإذا كَثُرَ المُجترِئونَ على مَعاصي اللهِ دونَ رادعٍ ولا وازعٍ؛ عَمَّ الهلاكُ الجَميعَ، ثُمَّ يُبعَثُ كلٌّ على نيَّتِه. وقيل: إذا عزَّ الأشرارُ وذلَّ الصَّالِحون، فيَهلِكُ العامَّةُ بفَسادِ الخاصَّةِ ولو كان فيهم الصَّالِحون، إذا انتَشَرَت الفواحشُ، وفَشَت المنكَراتُ، ولم يُنكِرْها أحدٌ، كما قال تعالَى:"وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً" (الأنفال: 25).
وفي الحديثِ: إنذارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن اقتِرابِ ظُهورِ عَلاماتِ السَّاعةِ الكُبْرى.
وفيه: إثباتُ وُجودِ يَأجوجَ ومَأجوجَ.
وفيه: إذا كثُرَ الخبَثُ عمَّ العِقابُ الصَّالحَ والطَّالحَ
وفتح ردم يأجوج ومأجوج يحتمل أنه فُتِحَ فتحًا حسِّيًّا، ويحتمل أنه فُتِح فتحًا معنويًّا،
يحتمل أنه فتح حسِّي، وأن هذا الردم بدأ ينهار، والردمُ بناه ذو القرنين، ويحتمل أنه فُتِحَ فتحًا معنويًّا لا حسيًّا، وأنه في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم بدأ يتسلل إلى الناس من تلك الجهة ليفتنوا الناس في دينهم.
الفتن العظيمة في أخر الزمان
ومن الشُّرور التي حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب منها: الفتن العظيمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا، المتمسك يومئذٍ بدينه كالقابض على الجمر، أو قال: على الشوك"؛ (أحمد، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، دون قوله: المتمسك يومئذٍ بدينه...إلخ، فحسن لغيره).
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، من فتنة عمياء صماء بكماء، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، وويل للساعي فيها من الله يوم القيامة"( ابن حبان في صحيحه)..
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم:"إنها سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ، قَتْلاهَا فِي النَّار، اللِّسانُ فيها أشدُّ من وقعِ السَّيفِ"(أبو داود، والترمذي).، قال العلامة السهارنفوري رحمه الله:"إنها سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ"؛ أي: تستوعبهم هلاكًا، "قَتْلاهَا فِي النَّار" لقتالهم على الدنيا واتباعهم الشيطان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، أظَلَّت ورب الكعبة، أظَلَّت ورب الكعبة، والله لهي أسرع إليهم من الفرس المضمر السريع...الفتنة، الفتنة العمياء الصماء المشبهة، يصبح الرجل فيها على أمر، ويمسي على أمر، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ولو أحدثكم بكل الذي أعلم لقطعتم عنقي من ههنا، وأشار إلى قفاه، ويقول: اللهم لا تدرك أبا هريرة إمرة الصبيان"( ابن أبي شيبة).
وخصَّ النبي صلى الله عليه وسلم العرب بالإنذار والتحذير من الفتن؛ لأنهم من أسرع الناس هلاكًا فيها إذا وقعت، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب" إنما خصَّ العرب بالذكر...للإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم.
والفتن إذا وقعت ينبغي كفُّ اليد عنها، وعدم السعي فيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، أفلح من كفَّ يده"( أبو داود).. و:"أفلح"؛ أي: نجا،"من كف يده"؛ أي: عن القتال والأذى.
ولخطورة الفتن على العرب فقد روي حديث بأن الموت خير من مباشرتها، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن بطال: قد جاء في حديث أبي هريرة رفعه:"ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، موتوا إن استطعتم"، قال: وهذا غاية في التحذير من الفتن والخوض فيها، حيث جعل الموت خيرًا من مباشرتها، وأخبر... بوقوع الفتن... ليتأهبوا لها، فلا يخوضوا فيها، ويسألوا الله الصبر، والنجاة من شرها.
والفتن إذا ظهرت تكون مظلمة كسواد الليل البهيم، لا يتبين فيها الحق من الباطل؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا"(أبو داود).
المعنى: أن الغربة في الإسلام تشتد حتى يصبح المؤمن مسلمًا، ثم يمسي كافرًا، وبالعكس يمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا، وذلك بأن يتكلم بالكفر، أو يعمل به من أجل الدنيا، فيصبح مؤمنًا ويأتيه من يقول له: تسب الله تسب الرسول، تدع الصلاة ونعطيك كذا وكذا، تستحل الزنا، تستحل الخمر، ونعطيك كذا وكذا، فيبيع دينه بعرض من الدنيا، ويصبح كافرًا أو يمسي كذلك، أو يقولوا: لا تكن مع المؤمن ونعطيك كذا وكذا لتكون مع الكافرين، فيغريه بأن يكون مع الكافرين، وفي حزب الكافرين، وفي أنصارهم، حتى يعطيه المال الكثير فيكون وليًا للكافرين وعدوًا للمؤمنين.
وأنواع الردة كثيرة جدًا، وغالبًا ما يكون ذلك بسبب الدنيا، حب الدنيا وإيثارها على الآخرة؛ لهذا قال: يبيع دينه بعرض من الدنيا، وفي لفظ آخر: بادروا بالأعمال الصالحة، هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا أو غنى مطغيًا، أو موتًا مجهزًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفنّدًا، أو الدجال، فالدجال شر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر"(الترمذي).
والفتن تذهل فيها العقول، نسأل الله السلامة والثبات على الدين؛ ولذا فإن السعيد من جُنِّب الفِتَن؛ فعن الْمِقْداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّب الْفِتَن، إنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّب الْفِتَن، إنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّب الْفِتَن، وَلَمَن ابْتُلِيَ فَصَبَرَ، فَوَاهًا"(أبو داود).
وكلما قرب الزمان من الساعة كثرت الفتن، وعظمت، والفتن إذا وقعت لا يسلم منها إلا من عصمه الله، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الفتنة إذا وقعت لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله".
والنجاة من الفتن يكون بأمور ذكرها العلماء، :"
قال الإمام الآجري رحمه الله:" الفتن على وجوه كثيرة...فمن أراد الله تعالى به خيرًا فتح له باب الدعاء، والتجأ إلى مولاه الكريم، وخاف على دينه، وحفظ لسانه، وعرف زمانه، ولزم الحجة الواضحة والسواد الأعظم، ولم يتلوَّن في دينه، وعبد ربه عز وجل، فترك الخوض في الفتنة.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: من فرَّ بدينه من الفتن سَلَّمه الله منها، وأن من حرص على العافية عافاه الله، ومن أوى إلى الله آواه الله. إذا وقعت الفتنة فالزم جوف بيتك، وفِرَّ من جوار الفتنة.
فطريق النجاة من صنوف الفتن هو التمسُّك بكتاب الله وبسنة رسوله صلي الله عليه وسلم كل أنواع الفتن...لا سبيل إلى التخلص منها، والنجاة من شرها إلا بالتفقه في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك سبيلهم من أئمة الإسلام ودعاة الهدى.
اللهم إنا نسألك أن تحفظنا وجميع المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما
بطن.