
التهجير القسري إرهاب وفتنة وقتل للنفس
خروج الإنسان من دياره قسراً مماثل لقتله
الخروج من الديارقسراً فتنة والفتنة أشد من القتل
معاناة المسلمين من التهجير والبطش والإبادة
سنة الله في عقوبة من أراد أن يخرج أحدًامن مسكنه قسراً
سنة الله في عقوبة الاستفزاز والإرهاب والتضيق
الحَمْدُ للهِ رب العالمين وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ عَظُمَ حِلْمُهُ عَلَى عِبَادِهِ فَأَمْهَلَهُمْ، وَاسْتَدْرَجَ المُجْرِمِينَ وَأَمْلَى لَهُمْ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُمْ لَمْ يُفْلِتْهُمُ،"سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ . وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ"(القلم:44-45)،
وأشهدأن سيدنا ونبينا محمداصرسول الله أُخِيفَ فِي اللهِ تَعَالَى وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَأُوذِيَ فِي ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَأُخْرِجَ مِنْ أَرْضِهِ، وَطُورِدَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَلْقَى نَظْرَةً عَلَى مَكَّةَ وَهُوَ يُفَارِقُهَا مُكْرَهًا، فَقَالَ:"ما أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ"، اللهم صلاة وسلاماًعليك ياسيدي يارسول الله إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ:
فيقول الله تعالي:"فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ الله وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ"(آل عمران:195)،
عباد الله:" حديثناإليكم اليوم عن التهجيري القسري وعقوبة المعتدين الظلمة علي الضعفاء المسالمين..
الخروج من الديار قسراًمماثل لقتل النفس
أيها الناس:" عد الإسلام خروج المرء من بيته قسراً كقتله سواء لأن الخروج من الديار أمرٌ صعبٌ على النفس البشرية حتى عدهُ القرآن مماثلاً لقتلِ النفس قال تعالي:"وَلَو أَنَا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُم أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنهُم وَلَوْ أَنَهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَد تَثْبِيتاً". كان الهدف المتحقق من الخروج عظيماً ومطلباً أساسيا، ولم يكن الرسول الكريم يطلب أمراً غير الحرية فقد كان يدعو الناس في موسم الحج "هل من رجل يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي" فمنع قريش له كان هو سبب الهجرة إلى المدينة سبقتها هجرات أخرى للحبشة حيث فيها "ملك لا يُظلَم عندَهُ أحد" ليتحقق شرط الحرية اللازم لنجاح الدعوة.
الخروج من الديارقسراً فتنة والفتنة أشد من القتل
أَيُّهَا النَّاسُ:بل عدالإسلام الخروج من الديار فتنة والفتنة أشد من القتل والفِتْنَةُ فِي الدِّينِ هِيَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الفِتَنِ، وَالابْتِلاَءُ عَلَيْهِ هُوَ أَقْسَى البَلاَءِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ هُوَ أَغْلَى مَا يَمْلِكُ الإِنْسَانُ، وَلَوْ فُتِنَ فِي غَيْرِهِ وَابْتُلِيَ لَأَمْكَنَهُ التَّنَازُلَ عَنْهُ؛ دَرْءًا لِلْفِتْنَةِ، وَتَخَفُّفًا مِنَ البَلاَءِ؛ وَلِذَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: "وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ"(البقرة:191)،
وَفِي آيَةٍ أُخْرَى:"وَالفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ"(البقرة:217)؛ أَيِ: الفِتْنَةُ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنَ القِتَالِ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ وَالبَلَدِ الحَرَامِ؛ وَلِذَا عَقَّبَ سُبْحَانَهُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانِ حَالِ الَّذِينَ يَفْتِنُونَ النَّاسَ عَنْ دِينِهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:"وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا"(البقرة:217).
وَمِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الفِتْنَةِ فِي الدِّينِ وَالابْتِلاءِ عَلَيْهِ مَا يُسَمَّى فِي الفِكْرِ السِّيَاسِيِّ المُعَاصِرِ: التَّهْجِيرُ القَسْرِيُّ، أَوِ التَّطْهِيرُ العِرْقِيُّ، وَهُوَ تَهْجِيرُ قَوْمٍ وَإِبَادَتُهُمْ؛ لِإِحْلاَلِ غَيْرِهِمْ مَحِلَّهُمْ، وَفِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الاعْتِدَاءِ عَلَى البَشَرِ، لاَ يُفَرِّقُ المُعْتَدِي فِي القَتْلِ بَيْنَ عَاجِزٍ وَقَادِرٍ، وَلاَ بَيْنَ مُقَاتِلٍ وَمُسَالِمٍ، وَلاَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَطِفْلٍ؛ لِأَنَّ المَقْصُودَ إِنْهَاءُ وُجُودِ هَذَا العُنْصُرِ البَشَرِيِّ مِنَ البَلَدِ المُسْتَهْدَفِ، وَتَطهِيرُ البُقْعَةِ مِنْهُ؛ وَلِذَا لاَ يُحْرَّمُ فِيهِ اسْتِخْدَامُ أَيِّ نَوْعٍ مِنَ الأَسْلِحَةِ مَهْمَا كَانَ فَتَّاكًا، وَلاَ قُيُودَ عَلَى القَتْلِ وَالسَّحْقِ وَالإِبَادَةِ، وَهَذِهِ القَسْوَةُ تَجْعَلُ مَنْ سَلِمُوا مِنَ الإِبَادَةِ وَالتَّطْهِيرِ يَفِرُّونَ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا لاَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، مَطْلَبُهُمُ النَّجَاةُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالانْعِتَاقُ مِنْ مَحْرَقَةِ الإِبَادَةِ وَالتَّطْهِيرِ إِلَى أَيِّ وِجْهَةٍ مَهْمَا كَانَتْ سَيِّئَةً، بَلْ وَإِلَى غَيْرِ وِجْهَةٍ.
وَأَعْظَمُ شَيْءٍ عَلَى النَّفْسِ مُفَارَقَةُ الدَّارِ المَسْكُونَةِ، وَالهِجْرَةُ مِنَ البَلْدَةِ المَأْلُوفَةِ، وَتَرْكُ الأَمْوَالِ المُكْتَسَبَةِ، وَالزُّهْدُ فِي الضِّيَاعِ المُثْمِرَةِ، وَالتَّخَفُّفُ مِنَ الأَمْتِعَةِ الثَّمِينَةِ، يَتْرُكُ المُهَجَّرُ مِنْ بَلَدِهِ كَدَّ عَشَرَاتِ السِّنِينَ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، فَيُصْبِحُ غَنِيًّا وَيُمْسِي مُعْدَمًا، وَلاَ عَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّهْجِيرُ القَسْرِيُّ إِعْدَامًا لِلنَّفْسِ، وَمُوَازِيًا لِلْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ فِي المَعْنَى وَإِنْ عَاشَ الجَسَدُ، وَتَأَمَّلُوا ذَلِكَ فِي القُرْآنِ تَجِدُوهُ حِينَ قَرَنَ اللهُ تَعَالَى بَيْنَ القَتْلِ وَالإِخْرَاجِ مِنَ الدِّيَارِ بِصِيغَةِ العَطْفِ؛"وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ"(النساء:66)،
وَلَوْلاَ شِدَّةُ ذَلِكَ عَلَى البَشَرِ لَمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَهُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ لَمَا انْصَاعَ مِنْهُمْ إِلاَّ القَلِيلُ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى أَرْأَفُ بِالعِبَادِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَرْحَمُ بِهِمْ مِنْ بَشَرٍ مِثْلِهِمْ. وَكَثْرَةُ النَّاسِ لاَ تُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا إِذَا أُصِيبُوا بِأَدْوَاءِ التَّفَرُّقِ وَالخِذْلاَنِ وَالذِّلَّةِ، وَقَصَدَهُمْ عَدُوٌّ أَقْوَى مِنْهُمْ بِالإِبَادَةِ وَالتَّهْجِيرِ، وَفِي القُرْآنِ ذِكْرُ خَبَرِ قَوْمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَّوْا مِنَ المَوْتِ لاَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ تَنْفَعْهُمْ كَثْرَتُهُمْ؛ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ"(البقرة:243).
تاريخ المسلمين حافل بالأمن والمان لكل من عاش في كنف الدولة الإسلامية
عبادالله:" وَأُمَّةُ الإِسْلاَمِ هِيَ أَكْثَرُ أُمَّةٍ فِي التَّارِيخِ البَشَرِيِّ كُلِّهِ عَانَتْ مِنَ الإِبَادَةِ وَالتَّهْجِيرِ، وَهِيَ أَعَفُّ الأُمَمِ عَنْ مُمَارَسَةِ الإِبَادَةِ وَالتَّهْجِيرِ عَلَى غَيْرِهَا؛ فالتزموا بما جاء في القُرْآنُ الكَرِيمُ، وَشَرَحَتْهُ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ، وَطَبَّقَهُ المُسْلِمُونَ لَمَّا كَانَتِ الغَلَبَةُ لَهُمْ؛ فَأَمِنَ غَيْرُهُمْ بِقُوَّتِهِمْ، وَعَاشُوا فِي كَنَفِ عِزَّتِهِمْ، وَهُوَ عَقْدٌ رَبَّانِيٌّ يَقْتَضِي عِصْمَةَ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ وَالأَمْلاَكِ لِمَنْ خَالَفُوا المُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ.
أَمَّا كَوْنُ غَيْرِ المُسْلِمِينَ أَمِنُوا فِي حُكْمِ الإِسْلَامِ، وَلَمْ يَجِدُوا إِبَادَةً وَلاَ تَهْجِيرًا؛ فَحَوَادِثُهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا أَنَّ اليَهُودَ أَمِنُوا مِنْ بَطْشِ النَّصَارَى لَمَّا فَتَحَ المُسْلِمُونَ الشَّامَ وَمِصْرَ، بِدَلِيلِ أَنَّ الكَاثُولِيكَ لَمَّا انْتَزَعُوا بَيْتَ المَقْدِسِ فِي الحَمَلاَتِ الصَّلِيبِيَّةِ أَحْرَقُوا اليَهُودَ وَهُمْ أَحَيَاءٌ، فَفَرَّ البَقِيَّةُ مِنْهُمْ لِلْأَنْدَلُسِ فَوَجَدُوا الحِمَايَةَ فِيهَا، فَلَمَّا اسْتَوْلَى الكَاثُولِيكُ عَلَى الأَنْدَلُسِ طَارَدُوا اليَهُودَ وَعَذَّبُوهُمْ فَهَرَبُوا لِلدَّوْلَةِ العُثْمَانِيَّةِ الَّتِي أوَتْهُمْ وَحَمَتْهُمْ.
وَكَذَلِكَ حَمَى المُسْلِمُونَ نَصَارَى الشَّرْقِ المَوَارِنَةَ وَالأَرْثُوذُكْسَ مِنْ بَطْشِ الكَاثُولِيكِ فِي بِلاَدِ الشَّامِ؛ حَتَّى كَانُوا يُحِبُّونَ انْتِصَارَ المُسْلِمِينَ عَلَى بَنِي مِلَّتِهِمْ. وَفِي فَتْحِ صَلاحِ الدِّينِ لِبَيْتِ المَقْدِسِ كَانَ قَادِرًا عَلَى إِبَادَةِ أَبْنَاءِ الصَّلِيبِيِّينَ وَأَحْفَادِهِمُ الَّذِينَ أَبَادُوا المُسْلِمِينَ فِيهَا قَبْلَ الفَتْحِ بِتِسْعِينَ سَنَةً لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَأَمَّنَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ.
وَلَمَّا فَتَحَ مُحَمَّدُ بْنُ مُرَادٍ القُسْطَنْطِينِيَّةَ أَمَّنَ أَهْلَهَا الأَرْثُوذُكْسَ وَعَفَا عَنْهُمْ رَغْمَ قِتَالِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي حِينَ أَنَّ إِخْوَانَهَمُ الكَاثُولِيكَ قَدْ أَبَادُوهُمْ وَأَهَانُوهُمْ فِي الحَمْلَةِ الصَّلِيبِيَّةِ الرَّابِعَةِ.
معاناة المسلمين من التهجير والبطش والإبادة
عباد الله:" وَأَمَّا مَا عَانَاهُ المُسْلِمُونَ مِنَ الإِبَادَةِ وَالتَّهْجِيرِ بِأَيْدِي أَعْدَائِهِمْ فَكَثِيرٌ، وَكَثِيرٌ جِدًّا، تَمْتَلِئُ بِهِ جَنَبَاتُ التَّارِيخِ، وَتَشْهَدُ عَلَيْهِ البُلْدَانُ المُغْتَصَبَةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا؛ ابْتِدَاءً بِاحْتِلاَلِ بَيْتِ المَقْدِسِ فِي القَرْنِ الخَامِسِ؛ إِذْ أَبَادَ الصَّلِيبِيُّونَ المُسْلِمِينَ، وَهَجَّرُوا البَقِيَّةَ مِنْهُمْ؛ لِيَسْتَوْطِنُوا بِلاَدَ الشَّامِ وَمِصْرَ، وَعَانَى المُسْلِمُونَ مِنْهُمْ زُهَاءَ مِئَتَيْ سَنَة. وَجَاءَ التَّتَرُ بِجَحَافِلِهِمْ فَأَبَادُوا أَهْلَ بَغْدَادَ وَمَا حَوْلَهَا، وَانْتَزَعَ الصَّلِيبِيُّونَ الأَنْدَلُسَ مِنَ المُسْلِمِينَ فَأَبَادُوهُمْ وَهَجَّرُوهُمْ، وَاقْتَلَعُوا حَضَارَةً تَفَيَّأَ النَّاسُ ظِلاَلَهَا، وَأَمِنُوا فِي حُكُومَاتِهَا المُتَعَاقِبَةِ ثَمَانِيَةَ قُرُونٍ عَلَى اخْتِلاَفِ مِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ.
وَلَمَّا اسْتَوْلَى الصَّفَوِيُّونَ البَاطِنِيُّونَ عَلَى خُرَاسَانَ وَمَا حَوْلَهَا أَبَادُوا أَهْلَ السُّنَّةِ فِيهَا وَقَتَلُوا مِلْيُونَ نَفْسٍ، وَهَجَّرُوا البَقِيَّةَ أَوْ شَيَّعُوهُمْ، ثُمَّ كَرَّرَ أَحْفَادُهُمْ ذَلِكَ بِأَهْلِ عَرَبسْتَانَ وَالأَحْوَازِ، وَالآنَ يَفْعَلُونَهُ بِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي العِرَاقِ وَجَنُوبِ لُبْنَانَ.
وَتَسَلَّطَ البُوذِيُّونَ عَلَى المُسْلِمِينَ فِي تُرْكِسْتَانَ الشَّرْقِيَّةِ، فَأَبَادُوا مِنْهُمْ خَلْقًا جَاوَزُوا المِلْيُونَ، وَهَجَّرُوا المَلاَيِينَ حَتَّى انْخَفَضَتْ نِسْبَةُ المُسْلِمِينَ فِيهَا مِنْ تِسْعِينَ فِي المِئَةِ إِلَى سِتِّينَ فِي المِئَةِ،
وَفَعَلَ الهِنْدُوسُ فِي الهِنْدِ بِالمُسْلِمِينَ فِعْلَ أَقْرَانِهِمُ البُوذِيِّينَ. وَلَمَّا قَامَتِ الشُّيُوعِيَّةُ زَادَ تَسَلُّطُ البُوذِيِّينَ عَلَى المُسْلِمِينَ فِي تُرْكِسْتَانَ وَسَائِرِ أَرْجَاءِ الصِّينِ وَمَانِيمَارَ، وَمَجَازِرُ البُورْمِيِّينَ، وَتَهْجِيرُهُمْ لاَ يَزَالُ مُسْتَمِرًّا إِلَى الآنَ.
وَفِي بِلاَدِ الشُّيُوعِيَّةِ الأُمِّ هَجَّرَ سَتَالِّينُ مِئَاتِ الأُلُوفِ مِنْ شُعُوبِ القُوقَازِ المُسْلِمَةِ إِلَى سَيْبِرْيَا لِيُهْلِكَهُمْ بِالجُوعِ وَالبَرْدِ، بَعْدَ أَنْ أَبَادَ عِشْرِينَ مِلْيُونِ مُسْلِمٍ.
وَفِي فِلَسْطِينَ سُلِّطَتِ العِصَابَاتُ الصِّهْيَوْنِيَّةُ قَبْلَ نَحْوِ سِبعين سَنَةً لِتُبِيدَ المُسْلِمِينَ، وَتُهَجِّرَ البَقِيَّةَ مِنْهُمْ، وَتَحْتَلَّ بُيُوتَهَمُ وَمَتَاجِرَهُمْ، وَتُشَكِّلَ دَوْلَةً نَشَازًا فِي شَرْقٍ أَوْسَطِيٍّ مُسْلِمٍ.
وَقَبْلَ ثلاثة عقود وَفِي البَلْقَانِ سُلِّطَ الصِّرْبُ وَالكُرْوَاتُ عَلَى مُسْلِمِي البُوسْنَةَ وَالهَرْسِك وَكُوسُوفَا لِيُبِيدُوهُمْ، فَقَتَلُوا عَشَراتِ الآلاَفِ مِنَ المُسْلِمِينَ فِي قَلْبِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، وَتَحْتَ سَمْعِهَا وَبَصَرِهَا.
وَمَا يَحْصُلُ فِي بِلاَدِ الشَّامِ الأن وفلسطين مِنْ إِبَادَةٍ وَتَهْجِيرٍاليوم لهوامتداد لغطرسة أعداء الإسلام علي مر التاريخ..
عباد الله:" فَهَلْ تَجِدُونَ أُمَّةً لَحِقَهَا التَّهْجِيرُ وَالإِبَادَةُ فِي تَارِيخِهَا الطَّوِيلِ كَمَا لَحِقَ أُمَّةَ الإِسْلامِ، كَلاَّ وَاللهِ، وَلاَ نِصْفَهُ وَلاَ خُمُسَهُ وَلا عُشُرَهُ، وَدُونَكُمْ كُتُبَ التَّارِيخِ فَلْيَقْرَأْهَا مَنْ ظَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَعَ مَا لَحِقَ أُمَّةَ الإِسْلامِ مِنَ الإِبَادَةِ وَالتَّهْجِيرِ عَلَى أَيْدِي أَعْدَائِهَا، فَإِنَّهُ مَا زَادَهَا إِلاَّ تَمَدُّدًا وَانْتِشَارًا فِي أَرْجَاءِ الأَرْضِ، وَاللهُ تَعَالَى مُتِمٌّ نُورَهُ، وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ، وَمُعْلٍ كَلِمَتَهُ، :"وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ"(الأنفال:7-8).
سنة الله في عقوبة الاستفزاز والإرهاب والتضيق
عباد الله :" إن الاستفزاز من الأرض مخطط شيطاني استخدمه المجرمون على مدى العصور حيث قاموا بالتضييق على أهل الحق وإزعاجهم، وإخراجهم من ديارهم، ونفيهم من أرضهم؛ لإرغامهم على التنازل عن مبادئهم، ومارسه أئمة الكفر بإخراج أنبيائهم، وطردهم من ديارهم، وهو من أقسى العقوبات على النفس قال تعالى:"وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا"(إبراهيم: 13)،
وقال عز من قائل:"وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم ۖ إنهم أناس يتطهرون"(الأعراف: 82)، وغيرها من الآيات، أو الاستفزاز بالقتل والاستئصال والإبادة الجماعية كما قال الله تعالى حكاية عن فرعون:"وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد"(غافر: 26).
"قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون"(الأعراف: 127)،
وقوله تعالى عن مؤامرة قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم لقتله"إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك"(الأنفال: 30).
وهناك من قتل بالفعل من الأنبياء ودعاة القسط، قال الله تعالى:"إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم"(آل عمران: 21)،
والمراد بهذه الآية اليهود خاصة، فقد قتلوا أنبياءهم من قبل، وهموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في زمن نزول الآية، قال الله تعالى:"أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون"(البقرة: 87)،
وقوله تعالى:"ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"(البقرة: 61).
وأعداء الله اليوم يمارسون كل صور الاستفزاز على المسلمين، بمحاولة التهجير القسري، والاستئصال والإبادة الجماعية ، واستهداف الآمنين، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، لأنهم تمسكوا بأرضهم وحقهم في مقاومة عدوهم، وسورة الإسراء أكدت أن سنة الله ماضية لم يفلت منها أحد من المجرمين الأولين، ولن يفلت منها طغاة العصر الذين يستفزون المسلمين تقتيلا وتشريدا وتنكيلا، "سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا، ولا تجد لسنتنا تحويلا"(الإسراء: 77)،
فجعل الله عقوبة الاستفزاز سنة جارية لا تتحول، وعادة مطردة لا تتغير، وقانونا ساريا على المجرمين في كل عصر.
ووعد الله لنا أن تجري على هؤلاء الصهانية سنته في هلاك المستفزين وفق قوانين الله في المرسلين، أو نكون نحن العباد الذين يسومونهم سوء العذاب، ويتبروا ما علوا تتبيرا، وهذا يبعث على الاطمئنان بأنهم يحفرون قبورهم ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. وهذا الوعد يمد الأجيال بالأمل أن ليل المحنة سيطوى قريبا، وعتمة الأزمة ستنجلي، وفجر الفرج سيشرق، وضياء الحق سينبعث، وأن الاستضعاف سيتبدل إلى قوة واستخلاف، وبعد الخوف والتشريد أمن وتمكين، ولن يخلف الله وعده، وستطوي سننه التي لا تحول ولا تزول الصهاينة البغاة، ويدمر ما يصنعه فراعنة العصر من فساد واستبداد.
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي اشرف المرسلين وبعد فياعباد الله
أعداء الله اليوم يمارسون كل صور الاستفزاز على المسلمين بمحاولة التهجير القسري والاستئصال والإبادة الجماعية للمسلمين في بيت المقدس ..
إن الله تعالى جعل الحياة تسير وفق نظام محكم، وقوانين وسنن ثابتة ومطردة، هي سر انتظام الحياة والأحياء، وسبب امتدادها وديمومتها، وكلفنا باكتشافها وتسخيرها، واستيعاب سيرورتها، وفهم آلية عملها، والعمل بمنهجيتها في معادلات الحياة.
ومن السنن التي كشف القرآن الكريم عنها التدافع بين الحق والباطل، وما انطوت عليه من معطيات الصراع وأسبابه ووسائله وسبل مدافعته ونتائجه، ولعل سورة الإسراء التي تعد مكنزا للسنن الإلهية، كشفت لنا عن أخطر وسائل المجرمين في مواجهة أهل الحق وهي "استفزازهم من الأرض"، حيث وردت في ثلاثة مواضع من السورة، والاستفزاز: هو الإخراج من الأرض (التهجير) على وجه الخوف والاضطراب والهلع، أو القتل والاستئصال والإبادة الجماعية.
عرضت سورة الإسراء للمشهد الأخير من الصراع بين الحق والباطل، وبلوغ المعركة ذروتها بين موسى وفرعون، والنهاية البائسة لفرعون وجنده بهلاكهم غرقا في اليم، ونجاة موسى والمؤمنين من بني إسرائيل من كيد الظالمين
وفي ضوء التأكيد على سننية عاقبة الاستفزاز تناولت سورة الإسراء محاولة قريش استمالة النبي صلى الله عليه وسلم عن الحق، أو قبوله بالحلول الوسط، والتقائه معهم في منتصف الطريق، فلما فشلوا، انتقلوا إلى التضييق على النبي صلى الله عليه وسلم واستفزازه بكل السبل والوسائل لإجباره على الخروج من مكة المكرمة
قال تعالى :"وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها"(الإسراء: 76)، ولكن الله أوحى إليه أن يخرج هو مهاجرا، لما سبق في علمه من عدم إهلاك قريش بالإبادة. ولو أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم عنوة وقسرا لحل بهم الهلاك "وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا"(الإسراء: 76)،
فهذه هي سنة الله النافذة: "سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا، ولا تجد لسنتنا تحويلا"(الإسراء: 77). ولقد جعل الله هذه سنة جارية لا تتحول، لأن إخراج الرسل كبيرة تستحق التأديب الحاسم.
وهذا الكون تصرفه سنن مطردة، لا تتحول أمام اعتبار فردي. وليست المصادفات العابرة هي السائدة في هذا الكون، إنما هي السنن المطردة الثابتة. فلما لم يرد الله أن يأخذ قريشا بعذاب الإبادة كما أخذ المكذبين من قبل، لحكمة علوية، لم يرسل الرسول بالخوارق، ولم يقدر أن يخرجوه عنوة، بل أوحى إليه بالهجرة. ومضت سنة الله في طريقها لا تتحول.
كما عرضت سورة الإسراء للمشهد الأخير من الصراع بين الحق والباطل، وبلوغ المعركة ذروتها بين موسى وفرعون، والنهاية البائسة لفرعون وجنده بهلاكهم غرقا في اليم، ونجاة موسى والمؤمنين من بني إسرائيل من كيد الظالمين عند قول الله تعالى: "فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا"(الإسراء: 103).
فهذه الآية تسلط الضوء على اللحظة الحاسمة من القصة، فالمواجهة بين موسى وفرعون التي استخدم فيها فرعون دهاقنة السحرة انتهت إلى إذعانهم للحق، وانقلابهم إلى مؤمنين أبرار، وجهرهم بالإيمان دون خشية من العواقب، وهزيمة فرعون على رؤوس الأشهاد عندها لجأ فرعون إلى التهديد بالعذاب والوعيد بالنكال، فأوحى الله إلى موسى أن يسري بعباده ليلا، فلما علم فرعون تبعهم بجنده وتقفوا أثرهم، فلما أدركوهم عند البحر عزم على قتلهم، واستئصالهم، والتخلص منهم، وإبادتهم، «فأراد أن يستفزهم من الأرض»، وفي تلك اللحظة الحرجة، وقد بلغ الكرب مداه، ولا سبيل للنجاة، فالبحر من أمامهم، والعدو من خلفهم،"قال أصحاب موسى إنا لمدركون"(الشعراء: 61).
لكن موسى يقينه بربه وثقته به تامة ﴿قال كلا إن معي ربي سيهدين"(الشعراء: 62)،
فأوحى الله إلى موسى "أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم"(الشعراء: 63).
فوقف الماء على جانبي الطريق كالطود العظيم، فسلكه موسى ومن معه، فكان سبيلا لنجاتهم، واقتحمه فرعون وجنوده، فكان هلاكا لهم "فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا"(الإسراء: 103-104).
وهكذا كانت عاقبة الطغيان والتكذيب بآيات الله، فقد مضت سنته سبحانه في إهلاك الظالمين، وتمكين عباده الموحدين، وإسكانهم في الأرض التي كانوا يستضعفون فيها "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين"(القصص، الآية 6).
:"ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد"(إبراهيم/ 14).
اللهم انصرالإسلام وأعزالمسلمين وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين
اللهم عليك بأعداء الاسلام اللهم احصهم عدداً وأهلكهم بدداً ولاتغادر منهم احداً