recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة التوقير والاحترام من خلق الإسلام لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

           


التَّوْقِيرُ وَالْاِحْتِرَامُ مِنْ خَلْقِ الْإِسْلَامِ

لماذا يجب احترام الكبير وما أهمية ذلك؟ 

ما هي مجالات ومظاهر احترام الكبير؟ 

رعاية كبار السن من غير المسلمين

وختاما فاحترام الكبير خلق إسلامي رفيع 


الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد

فقد حثنا الإسلام على التمسك بالكثير من الأخلاقيات الفاضلة من بينها التسامح والرحمة واحترام الكبير والعطف على الصغير، فلماذا يجب احترام الكبير؟ وما هي أهمية ذلك، وهل هناك مجالات معينة لاحترام الكبير؟ وهل هناك أدلة في القرآن والسنة على ضرورة احترام الكبير؟

حثَّ الإسلام على حُسن معاملة الكبير والاهتمام به من خلال احترامه وتوقيره وتقديمه في الكثير من الأمور والأعمال،  وإعطاء كبير السن، والقدر منزلته من الاحترام والتبجيل . ورد في قوله :" لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا"(الفتح/9).

دين الإسلام وجه الأهل على تربية الصغار ، ويُعرّف التّوقير في الإسلام بأنّه الإجلال لمن هم أكبر سنّاً، وتوقير الكبير لا يقتصر على كبير السنّ فقط، وإنما يشمل كبير السن ذي المنزلة الأدنى، وكبير المنزلة والمكانة حتى لو كان صغيراً في السن.  

فلكبير السن مكانته المتميزة في المجتمع المسلم فهو يتعامل معه بكل توقير واحترام،

 يحدوه في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن

 جده رضي الله عنهم قال: "ليس منا من لا يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا"(أبو داود والترمذي).

وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"ابغوني ضعفاءَكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم"

 وقال :"مَن لم يرحم صغيرنا ويعرِفْ حقَّ كبيرنا، فليس منا.

لماذا يجب احترام الكبير وما أهمية ذلك؟ 

من الضروري أن يشجع الآباء أبنائهم على ذلك ،فاحترام الكبير ورحمته وتوقيره أمرواجب .فالكبير له مكانة مرموقة في المجتمع، ويعامل بوقار واحترام

فاحترام كبار السن وتقديرهم يغرس هذا المفهوم لدى الأطفال، ممّا يدفعهم لاحترام كبار السن مستقبلا، فينشأ جيل يحمل معه ثقافة راقية

ويشعر الفرد بالأمان المستقبلي، وهو واثق بأنّه سينال الاحترام والتقدير من الآخرين

احترام كبار السن يدلّ على رفعة المجتمع وسموّه. ولأن هذا الاحترام له فوئدكثيرة

ومن أبرز فوائد احترام الكبار ما يلي : 

الفوز بثواب عظيم، و ذلك لأن التمسك باحترام كبار السن و تقديرهم من أهم الأخلاقيات، و الآداب الفاضلة التي حثنا الإسلام على التمسك بها . 

شعور الفرد الذي يحرص على احترام الكبار، و تقديرهم بالراحة ،و الاطمئنان ،و ذلك لأنه حينما يكبر سيجد من يحترمه ،و يقدم له المساعدة . 

توطيد العلاقات الطيبة بين أبناء المجتمع الواحد مما يزيد وحدتهم ،و يسهم في رفعة المجتمع ،و تقدمة و الحد من انتشار الخلافات و المشكلات .  

دمجهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه، وتخليصهم من عزلتهم، وتقليل حدة التغيرات الاجتماعية والنفسية التي يمرون بها

التطبع بالآداب الإسلامية؛ إذ إن احترام المسن وتقديره أحد الآداب الإسلامية

ما هي مجالات ومظاهر احترام الكبير؟ 

يجب الاهتمام بالكبير وتقديره في الكثير من المواضع، ويجب تقدير ضعفهم، و الحرص على عدم التثقيل عليهم في أداء مهمة ما بل من الضروري مساعدتهم . 

ويظهر ذلك التوقير والاحترام في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم، وجميع هذه الممارسات لها أصل شرعي، بل فيها حث وتوجيه نبوي فضلاً عن ممارساته صلى الله عليه وسلم، مع المسنين وتوجيه أصحابه نحو العناية بالمسنين وتوقيرهم واحترامهم وتقديمهم في أمور كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:

ومن مجالات ومظاهر ذلك ما يلي

البدء بالكبير بالأمور كلها:

 كأن يتقدم الكبير على الصغير في صلاة الجماعة، وفي التحدث إلى الناس، وفي الأخذ والعطاء عند التعامل.. لما روي مسلم عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام والنهي (هم الرجال البالغون) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وإياكم وهيشات الأسواق " أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللفظ والفتن فيها".

ومن هنا حرص الإسلام على تقديم الكبير في كل شيء، كالتحدُّث في المجالس، والأمر، والطلب، والبدء بالطعام، والجلوس، وغير ذلك من الأعمال

 حثِّ المسلمين على تقديم الكبير على الصغير في صلاة الجماعة.  

عند دخول الكبير إلى مكان ما يجب على الشاب النهوض من مكانه لاستقباله و الترحيب به . 

الإمتناع عن مخاطبة الكبير باسمه دون لقب بل يجب حفظ الألقاب مثلاً كأستاذ .. وغير ذلك . 

احترام آراء الكبار وعدم التقليل من شأنهم فمثلاً نجد من يسخر من كبار السن و يحاول الاستهزاء بهم، و التقليل من شأنهم أمام الآخرين، و تقديم الانتقادات الغير مستحبة اذا فعل شيء ما يثير غضب الآخرين هذا خطأ بل يجب حسن التعامل معهم  . 

تقديم الرعاية لكبار السن سواء إن كان ذلك بزيارتهم أو و التواصل معهم، و مساعدتهم في القيام بالأعمال التي لا يستطيعون القيام بها، و من الممكن أيضاً تقديم المساعدات المالية لهم حتى يستطيعوا الوفاء باحتياجاتهم، و متطلباتهم . 

 الترهيب من استخفاف الصغير بالكبير: 

روى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم وإمام مقسط." والاستخفاف كأن يهزأ به ويسخر منه ويوجه كلاماً سيئاً إليه، ويسيء الأدب في حضرته، وينهره في وجهه وكم من مناظر يندي لها الجبين نشاهدها في الطرق ووسائل السفر المختلفة ونجبر على سماعها من داخل البيوت على ما يقال فيها تدمي لها القلوب.

الحياء من الكبير: 

لأن الحياء خلق يبحث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق الكبير ويدفع إلى إعطاء ذي الحق حقه.

روى ابن ماجة والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه" 

وروى الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال "لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني".

القيام للقادم: 

روى البخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قال: "ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في قيامها وقعودها ـ من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها وقبلته وأجلسته في مجلسها".

 تقبيل يد الكبير:

 أخرج أحمد والبخاري وأبو داود وابن الإعرابي عن زارع وكان في وفد "عبد القيس قال: لما قدمنا المدينة جعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله.

وروى البخاري عن الوازع بن عامر قال: قدمنا فقيل ذلك رسول الله فأخذنا بيده ورجليه نقبلها.

لأن هذا له أثر كبير في نفوس الكبار وإنزالهم المنزلة التي تليق بهم مع مراعاة:

1 ـ ألا يغالوا في ذلك لما للمغالاة من تغاضي عن المساويء، ومجافاة للحق، وانتكاس لحقيقة الاحترام.

2 ـ ألا يزيدوا عن الحد الذي أمر به الشرع الإسلامي كالانحناء أثناء القيام، أو الركوع أثناء التقبيل.

  إنزال الكبير منزلته اللائقة به:

 روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن شهاب بن عباد أنه سمع بعض وفد عبدالقيس وهم يقولون: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد فرحهم، فلما انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحب بنا النبي صلى الله عليه وسلم ودعانا، ثم نظر إلينا، فقال: من سيدكم وزعيمكم؟ فأشرنا جميعاً إلى المنذر بن عائذ.. فلما دنا منه المنذر أوسع القوم له حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحب به وألطفه وسأله عن بلادهم..".

وهذا غيض من فيض وبعد، فإن توقير الكبير ذو الشيبة المسلم سمة من سمات المجتمع المسلم.

رعاية كبار السن من غير المسلمين:

لم تقتصر هذه الرعاية على المسن المسلم بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين.

فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة ، موقف عمر رضي الله عنه ـ مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير فيذكر أبو يوسف في كتابة (الخراج) "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ مر بباب قوم وعليه سائل يسأل ـ شيخ كبير ضرير البصر فضرب عضده من خلفه فقال: من أي أهل الكتب أنت؟ قال يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة، والسن. قال: فأخذ عمر ـ رضي الله عنه ـ بيده فذهب به إلى منزله فرضخ له ـ أي أعطاه ـ من المنزل بشيء ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، والله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم"إنما الصدقات للفقراء والمساكين.." سورة التوبة 60. .... 

وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:"لا يتمنى أحدُكم الموتَ، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيراً".

وعن أنس رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:"ألا أنبئكم بخياركم؟!”، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "خيارُكم أطولُكم أعمارا إذا سددوا"

وروى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول اللهصلي الله عليه وسلم قال:"خيارُكم أطولكم أعمارًا، وأحسنكم أعمالًا"

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن الرسول صلي الله عليه وسلم أنه قال: “الخير مع أكابرِكم”، وفي رواية: “البركة مع أكابركم”. 

وقال النبي صلي الله عليه وسلم “مَن أهان ذا شيبة لم يمُتْ حتى يبعث الله عليه مَن يهين شيبه إذا شاب”. 

وختاما فاحترام الكبير خلق إسلامي رفيع 

عموما فإن تقدير الكبير خلق إسلامي رفيع، وقد وضع لنا الإسلام الآداب والمبادئ والأخلاقيات الفاضلة التي تسهم في توطيد العلاقات الطيبة بين أبناء المسلمين، ومن أبرز ذلك تمسك والتزام الصغير بتقدير الكبير، وعدم الاعتداء عليهم سواء بالقول أو الفعل وتقدير مكانته وكبر سنه، وقد أمرنا النبي ﷺ باحترام الكبير، في قوله ﷺ “ليس منَّا من لم يوقِّر كبيرَنا، ويرحَم صغيرَنا.

الاهتمام بالكبير واجب على كل فرد، ومن الضروري أن يدرك أنه ذات يوم سوف يتقدم في العمر، ويحتاج إلى من يقدره، ويحترمه، ويعامله معاملة طيبة. يقول الله في كتابه العزيز “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ “. 

وبعد هل يمكن أن نؤثر الكبير في الجلوس في المكان المحدد له في وسيلة السفر والذي حددته الدولة أو المملكة أو الإمارة؟

هل يمكن أن نأخذ بأيديهم عند عبور الطريق؟ هل يمكن أن نقوم لهم عند حضورهم ونقبل أيديهم؟

هل يمكن إنهاء مصالحهم في أسرع وأيسر وقت مع البشاشة في وجوههم؟

هل يمكن أن نقوم على خدمتهم ونراعي فيهم تعاليم الإسلام ولاسيما إذا كانوا آباء أو أمهات؟ لأن دور المسنين تجأر إلى الله من عقوق الأبناء فما بال الذين لا يملكون دفع ثمن الإقامة فينامون في العراء ومن أنفقوا عليهم وقاموا على تربيتهم حتى وصلوا إلى المكانة المرموقة يتنعمون في المأكل والملبس والمشرب والفرش وظلم المعصية.

هل يمكن أن نصغي لحديثهم ففيه عبر السنين؟

فإذا أردنا أن نفوز الفوز الذي فازوا فعلينا أن نوقر النبي صلى الله عليه وسلم كما وقروه.. فصلى الله على نبيه الكريم، والحمد لله رب العالمين

نسأل الله أن يرزقنا حب القيام على خدمة ورعاية الكبار.

google-playkhamsatmostaqltradent