
التسامح مع غير المسلمين
ورأى أصحاب البلاد المفتوحة عدل المسلمين وتعاملهم فكان في ذلك أكبر الأثر في انتشار الإسلام في البلدان، على خلاف ما ردد أعداء الدين من تصوير الفتوحات الإسلامية غزواً مادياً لنهب ثروات الأمم واغتصاب خيراتها، وحرمانها من نعم الله عليها، وتصوير هذه الفتوحات بأنها إكراه للناس بقوة السلاح على الدخول في الدين،
هذه الفتوحات كانت رحمة للبلاد المفتوحة، وكان التعامل شاهداً على عظمة الدين في نفوس الفاتحين، ممن التزم به وتقيد بشرعه، وفي يوم الفتح عندما تمكن النبي صلي الله عليه وسلم من أهل مكة الذين أخرجوه منها وكانوا قد منعوه من إبلاغ دين الله بينهم، وحالوا دون إيصال الدعوة إلى غيرهم فكفروا هم وصدوا غيرهم عن سبيل الله،
ماذا فعل بهم نبي الله صلي الله عليه وسلم لما قدر عليهم؟ هل أخذ بيوتهم؟ هل سفك دمائهم بغير قتال، هل ذبح نسائهم وأطفالهم، أم أنه أطلقهم لا تثريب عليكم اليوم، أنتم الطلقاء،
وهكذا كانت فتوحات المسلمين في البلاد الأخرى، فنقرأ مصالحات أبي عبيدة بن الجراح لأهل الشام على الإبقاء على معابدهم من البيع والكنائس داخل المدن وخارجها مصونة لا يُهدم منها شيء وصالحهم على حقن دمائهم وحفظ حياتهم، ولكن لا يبنوا كنيسة جديدة، ولا يضيفوا إلى الموجود شيئاً آخر، ولا يظهروا صلبانهم ولا نواقيسهم لأن إظهار الكفر في بلاد الإسلام لا يجوز، وصالحهم على الدفاع عنهم وحمايتهم من أي اعتداء آخر مقابل مبلغ من المال مقدور عليه، يدفعه كل واحد منهم ولذلك سموا بأهل الذمة،
وهؤلاء المعاهدين
وأهل الذمة وفيت لهم الشروط، وشاهدوا حسن السيرة فيهم، وبهذه المعاملة رغبوا في
دين الإسلام، وأقبلوا عليه وارتفعت الجزية عمَّن أسلم منهم وصاروا أخوة لنا في
الدين، وهكذا تحولت بلاد مصر والشام والعراق إلى بلاد إسلامية دخلت شعوبها في الإسلام
لما رأوا من عدله وحسنه، هذه الأخلاق التي عبر عنها أعداء الإسلام أيضاً.
ولما كتب يزدجرد ملك الفرس إلى ملك الصين يستمده قال للرسول قد عرفت أن حقاً على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم فصف لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم فإني أراك تذكر قلة منهم وكثرة منكم، ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم إلا بخير عندهم وشر فيكم،
قال سل عما أحببت، قال أيوفون بالعهد، قال نعم، قال ما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم، قال يدعوننا إلى واحدة من ثلاث إما دينهم، فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمنعة، أي الجزية مع الحماية، أو القتال، قال فما يحلون وما يحرمون، قال فأخبرته قال أيحرمون ما حلل لهم أو يحلون ما حرم عليهم، قلت لا، قال فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبداً حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم، فكتب ملك الصين إلى ملك الفرس إن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو خُلي لهم طريقهم أزالوني ما داموا على ما وصف، فسالمهم وأرض منهم بالمساكنة ولا تهيجهم ما لم يهيجوك.
وإذا كان ديننا يحثنا علي الصدق في كل شيء ويحثنا علي
حسن المعاملة في الأمور كلها فإن المعاملة في البيع والشراء تكون في مقدمة تلك
المعاملات ..
فبفضل الأخلاق والمعاملات والتسامح انتشر الإسلام، فعندما اكتشف أهالي غانا أخلاق التجار المسلمين وقيمهم السامية ودينهم العظيم اعتنقت قبيلتان من البربر الإسلام وهما قبيلتا لمنونة وجودلة فعملوا على نشر الإسلام في ربوع غرب إفريقيا، واعتنقت قبائل سارا كولا الإسلام،
كذلك تم فتح غانا
سنة 1076م ثم راحت بعض القبائل الإسلامية من غانا إلى بلدة مالاتا في السودان
الغربي وأنشئوا فيها مركزاً تجارياً فتعرف أهلها على الإسلام ودخلوا فيه طوعا وكذلك
اعتنق ملك غينيا الإسلام وكثير من رعاياه سنة 1204م طوعا وحبا في الإسلام، واعتنق
خليفة أمير قبائل الماندانج الإسلام وأسس إمبراطورية مالي، وأيضا أحد سلاطين تشاد
وغيرهم وهكذا دخل السلاطين والملوك والعامة والسوقة والخاصة والنبلاء الإسلام طوعا
لا كرها إعجابا منهم بأخلاق التجار المسلمين وقيمهم الإسلامية. كل ذلك بفضل نشرهم
لتعاليم الإسلام و صوره العظيمة التي
تتجلي في السماحة ، فلقد بني الإسلام
شريعة التسامح في علاقاته على أساس متين فلم يضق ذرعا بالأديان السابقة ، وشرع
للمسلم أن يكون حسن المعاملة رقيق الجانب لين القول مع المسلمين وغير المسلمين
فيحسن جوارهم ويقبل ضيافتهم ويصاهرهم حتى تختلط الأسرة وتمتزج الدماء..