
الجامع لحسن الخلق
هل الأخلاق مكتسبة أم فطرية؟
تدريب النفس علي جماع الخير
جماع آداب الخير وأزِمَّته
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله أمابعدفياعباد الله
هل الأخلاق مكتسبة أم فطرية؟
إن الأخلاق ليست مكتسبة على إطلاقها ، كما أنها ليست موهوبة على
إطلاقها ، وإنما تتضافر الفطرة السليمة مع دلالة العقل التام السوي في إدراك
وتقرير جانب من الأخلاق ثم يأتي دور الشرع ليكمل الفطرة ، ويحمي العقل ، ويضع
الضوابط العامة ، التي ترقى بالفرد والمجتمع من الوجهة الخلقية .
من أجل إصلاح سلوكياتنا وتحسين أخلاقنا، نحتاج أول ما نحتاج إلى
معونة الله ومعيته وهدايته. فبدون معونة الله وتوفيقه وهدايته، لن نستطيع إلى ذلك
سبيلا. إننا نردد في كل ركعة من صلواتنا قول الله تعالى في سورة الفاتحة: "إياك
نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم"يكررها المسلم في صلاته كل يوم عشرات المرات .
وكما علمنا القرآن الكريم على لسان نبي الله شعيب أن نلوذ بالله ونستعين به ونسأله التوفيق والسداد في ما نبتغي من أمور وما نقصد من حوائج. قال تعالى:"وَمَا تَوفِیقِیۤ اِلَّا بِالله عَلَیِه تَوَکَّلتُ وَ اِلَيه اُنِیبُ"(هود:88).
تدريب النفس علي جماع الخير
عباد الله:" وإن إصلاح النفس وتهذيب السلوك من أهم ما يجب اللجوء فيه إلى الله عز
وجل. فالإنسان ضعيف أمام شهواته وأمام نفسه وأمام الشيطان. “فاللهم أعنا على إصلاح
أخلاقنا وتزكية أنفسنا على الطريقة التي ترضيك عنا ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا
أقل من ذلك، وما توفيقنا إلا بك يا رب العلمين”.
أقبل على النفس واستكمل فضائلها ** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وينبغي على المسلم أن يتدرب على تحسين سلوكه مع الناس كلِّهِم،
لاستجلاب مودتهم ونيل محبتهم، ولتحقيق ذلك ينبغي أن يُظهر البشاشة لكلِّ أحدٍ،
ويبدأ في التدرب على هذا الخلق منذ الصغر، فالصبي المميز يمكن تأديبه وتعليمه
السلوك الطيب والأخلاق الحميدة، والبداية تكون في تعلم الإنصات وحسن الاستماع، وهي
سبيل المخلصين الصادقين
إن الواقع يثبت أن الإنسان بالتدريب والتمرين يستطيع أن يغير حتى سلوك الحيوان! وكم رأينا من حيوانات مفترسة روضها الإنسان وغيّر سلوكها العدواني المتوحش إلى سلوك أليف! فكيف يعجز الواحد منا عن تغيير نفسه وتهذيب سلوكه؟،
ونذكر كلام عالم من علماء المسلمين، في الجامع لحسن الخلق؛ ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه (جامع العلوم والحكم)؛ فقال: "وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح، عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال:
جماع آداب الخير وأزِمَّته، تتفرع من أربعة أحاديث:
قول النبي صلى الله عليه وسلم:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت"(البخاري ومسلم ).
وقوله صلى الله عليه وسلم:"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(الترمذي).
وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية:"لا تغضب"(البخاري).
وقوله صلى الله عليه وسلم:"المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه"(البخاري ومسلم).
فالحديث الأول:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت"،
يرشد ويوجه إلى ضبط اللسان؛ قال النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسُّنَّة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء، ومن ضبط لسانه نجا؛ روى الترمذي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صمت نجا"، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:"قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: أمْسِكْ عليك لسانك، ولْيَسَعْك بيتك، وابكِ على خطيئتك".
وكما قيل:
احذر لسانك أيها الإنسانُ
لا يلدغنَّك إنه ثعبانُ
كم في المقابر من قتيلِ لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعانُ
وقال آخر:
احذر لسانك أن تقول فتُبتلى
إن البلاء مُوكَّل بالمنطقِ
من ضبط لسانه سلِم من الخطايا، وسلِم من ولوج النار؛ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه، فقال:"يا لسان، قُلْ خيرًا تغنَم، واسكت عن شرٍّ تَسْلَم، من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه"(الطبراني).
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بلسانه فقال:"كُفَّ عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لَمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكِلتك أمك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم"(الترمذي).
والحديث الثاني:
"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"
يرشد إلى ترك الفضول؛ فضول القول، والسماع، والنظر، فلا تقل ولا تتكلم بما لا يعينك، أما يعينك، فعليك به من أمر بمعروف أو نهي عن منكر؛ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيه))؛ [رواه الترمذي في الشمائل]، وهكذا لا تسمع ما لا يعنيك؛ روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن استمع إلى حديثِ قومٍ وهم له كارهون أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنُكُ يوم القيامة))؛ أي: الرصاص الْمُذاب، وهكذا لا تنظر إلى ما لا يعنيك، ومن ترك فضول الكلام، والسماع، والنظر، فَقَدَ حقًّا خُلُقَ الإسلام العظيم؛ وهو الحياء؛ روى الترمذي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبِلَى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حق الحياء))، والفضول في هذه الأمور مضيعة للوقت.
والحديث الثالث:
"لا تغضب"
يرشد ويوجه إلى ضبط النفس، وعدم الانسياق مع انفعالات النفس ورُعُونتها، والغضب يجمع الشر كله؛ ولهذا في رواية عن أحمد: ((قال الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله))، نعم، فهو يُغضِب الرحمن، ويُرضي الشيطان، بل يصل بالبعض إلى الكفر، والغضب سبب لأكثر المشاكل، والخصومات، والمنازعات، فيقع الطلاق، ويقع القتل، تبدأ مشاجرة عادية ثم تتطور شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى القتل والطلاق وغير ذلك، فالواجب أن يمسك العبد نفسه عند الغضب؛ في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس الشديد بالصُّرَعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، ويستعيذ بالله من الشيطان؛ في الصحيحين قال سليمان بن صرد:"استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه مغضبًا، قد احمرَّ وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لَأعلم كلمةً لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وعند ذلك يكرمه الله بالجنة، والحور العين؛ روى الطبراني عن أبي الدرداء، قال: "قلت: يا رسول الله، دُلَّني على عمل يدخلني الجنة، قال: لا تغضب، ولك الجنة"، وعند الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كظم غيظًا وهو يستطيع أن يُنْفِذَه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره في أي الحور شاء".
والحديث الرابع:
"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"
يرشد إلى سلامة قلب المؤمن تجاه إخوانه المسلمين، فلا يكون فيه غلٌّ، ولا حقد، ولا حسد، ولا كِبر، ولا غيرها من أدواء القلوب، وهذا من أفضل الناس؛ روى ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال:"قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقيُّ، لا إثمَ فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد"،
وهذا الحديث يدعو المسلم إلى أن يكون قلبه ممتلئًا حبًّا وخيرًا للمسلمين، وهذا من كمال الإيمان، والإسلام، وسبب للفوز بالجنة، والنجاة من النار؛ ففي مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه - أو قال لجاره - ما يحب لنفسه" والحب يكون حب الخير؛ ولهذا الحديث رواية رواها أحمد والنسائي بلفظ:"لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه من الخير"،
عند الترمذي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعمل بهن أو يُعلِّم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدَّ خمسًا، وقال: اتَّقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسِنْ إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك؛ فإن كثرة الضحك تُميتُ القلب"،
وعند مسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أحب أن يُزحزح عن النار، ويُدخَل الجنة، فلْتَأْتِهِ مَنِيَّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه"
وروى أحمد عن يزيد بن أسد رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا يزيد بن أسد، أتحب الجنة؟ قال: قلت: نعم، قال: فأحِبَّ لأخيك ما تحب لنفسك"، وقال له أيضًا:"أحب للناس الذي تحب لنفسك"،
هذا حديث عظيم جدًّا، قاعدة عظيمة جدًّا، أن تحب للناس ما تحب لنفسك، ولا شك ولا ريب أن الإنسان يحب الخير لنفسه، فعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به، فلا تعتدِ على أحد في نفسه، وماله، وعِرضه، فأنت لا تحب أن يعتديَ عليك في ذلك، وأما من أحب الخير لنفسه، وأراد الشـر والإضرار بغيره، فقد توعَّده الله تعالى بالويل؛ قال جل وعلا:"وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ"(المطففين: 1 - 3).