recent
أخبار عاجلة

من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب

 


من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب

من هم أولياء الله ؟

حرمة معاداة أولياء الله

آثار محبة الله لأوليائه

إجابة دعاء الولي

 أحب مايتقرب العبد به إلي ربه 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قال :"إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ"(البخاري).

من هم أولياء الله ؟

وصف الله أوليائه في كتابه فقال : "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون"(يونس: 62-63) ، فوصفهم سبحانه بهذين الوصفين الإيمان والتقوى ، وهما ركنا الولاية الشرعية ، فكل مؤمن تقي فهو لله ولي ، وهذا يعني أن الباب مفتوح أمام من يريد أن يبلغ هذه المنزلة العلية والرتبة السنية ، وذلك بالمواظبة على طاعة الله في كل حال ، وإخلاص العمل له ، ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الدقيق والجليل .

يقول الشوكاني : " المعيار الذي تعرف به صحة الولاية ، هو أن يكون عاملاً بكتاب الله سبحانه وبسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم - مؤثراً لهما على كل شيء ، مقدماً لهما في إصداره وإيراده ، وفي كل شؤونه ،فإذا زاغ عنهما زاغت عنه ولايته " ، وبذلك نعلم أن طريق الولاية الشرعي ليس سوى محبة الله وطاعته واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن كل من ادعي ولاية الله ومحبته بغير هذا الطريق ، فهو كاذب في دعواه .

حرمة معاداة أولياء الله

أولياء الله تجب مولاتهم وتحرم معاداتهم ، وكل من آذى ولياً لله بقول أو فعل ، فإن الله يعلمه بأنه محارب له ، وأنه سبحانه هو الذي يتولى الدفاع عنه ، وليس للعبد قبل ولا طاقة بمحاربة الله عز وجل ، قال سبحانه : "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون  ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون"(المائدة: 55-56).

حرَّمَ اللهُ إيذاءَ المُؤمِنِ بغيْرِ حقٍّ، وتَوعَّدَ المُجترئَ على ذلك بالعِقابِ الأليمِ في الدُّنيا والآخِرةِ، ويَزدادُ التَّحريمُ شِدَّةً، ويَزدادُ الوعيدُ بالعقابِ خُطورةً؛ إذا كان الواقعُ عليه الإيذاءُ أحدَ الصَّالحينَ.

وفي هذا الحديثِ القُدسيِّ يُخبِرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: «مَن عادى لي وَلِيًّا»، أي: ألحق الأذى بوَليٍّ مِنَ أولياءِ اللهِ، والوَلِيُّ: هو المُؤمِنُ التَّقيُّ، العالِمُ باللهِ تعالَى، المواظِبُ على طاعتِه، المُخلِصُ في عِبادتِه. وهو أيضًا مَن يَتولَّى اللهُ سُبحانَه وتعالَى أمْرَه ولا يَكِلُه إلى نفْسِه لَحْظةً، بلْ يَتولَّى الحقُّ رِعايتَه، أو هو الذي يَتولَّى عِبادةَ اللهِ وطاعتَه، فعِباداتُه تَجْري على التَّوالي مِن غيْرِ أنْ يَتخلَّلَها عِصيانٌ.

فمن عادى وَلِيَّ اللهِ، فقدْ أعلَنَ اللهُ سُبحانَه الحربَ عليه، وهذا فيه الغايةُ القُصوى مِنَ التَّهديدِ؛ إذ مَن حارَبَه اللهُ وعامَلَه مُعاملةَ المحارِبِ، فهو هالكٌ لا مَحالةَ، ومَن يُطيقُ حرْبَ اللهِ؟!

درجات الولاية

وبعد أن ذكر سبحانه وجوب موالاة أولياء الله وتحريم معاداتهم وعقوبة ذلك ، ذكر طرق تحصيل هذه الولاية ، فبيَّنَ أن أولياء الله على درجتين :

الدرجة الأولى : درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين يتقربون إلى ربهم بأداء ما افترض عليهم ، وهو يشمل فعل الواجبات وترك المحرمات ، لأن ذلك كله من فرائض الله التي افترضها على عباده ، فذكر سبحانه أن التقرب إليه بأداء الفرائض هو من أفضل الأعمال والقربات كما قال عمر رضي الله عنه : " أفضل الأعمال أداء ما افترض الله ، والورع عما حرم الله ، وصدق النية فيما عند الله تعالى " وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته : " أفضل العبادات أداء الفرائض واجتناب المحارم " .

وأما الدرجة الثانية : فهي درجة السابقين المقربين ، وهم الذين تقربوا إلى الله بعد الفرائض ، فاجتهدوا في نوافل العبادات من صلاة وصيام وحج وعمرة وقراءة قرآن وغير ذلك ، واجتنبوا دقائق المكروهات ، فاستوجبوا محبة الله لهم ، وظهرت آثار هذه المحبة على أقوالهم وأفعالهم وجوارحهم .

آثار محبة الله لأوليائه

إذا استوجب العبد محبة الله ظهرت آثار المحبة عليه ، وهذه الآثار بينها سبحانه في قوله : ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ) ، والمقصود أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم بالنوافل ، قَرَّبه الله إليه ورَقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان ، فيصير يعبد الله كأنه يراه ، فلا تنبعث جوارحه إلا بما يحبه مولاه ، فإن نطق لم ينطق إلا بما يرضي الله ، وإن سمع لم يسمع ما يسخط الله ، وإن نظر لم ينظر إلى ما حرم الله ، وإن بطش لم يبطش إلا لله ، وهكذا ، ولهذا جاء في بعض روايات الحديث في غير الصحيح : ( فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش ، وبي يمشي ) .

إجابة دعاء الولي

وإذا بلغ العبد هذه المنزلة - منزلة الولاية - فإن الله يكرمه بأن يجعله مجاب الدعوة ، فلا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ، ولا يستعيذ به من شيء إلا أعاذه منه ، وذلك لكرامته على الله تعالى ، وقد عرف كثير من الصحابة بإجابة الدعاء ، كالبراء بن مالك ، والبراء بن عازب ، وسعد بن أبي وقاص وغيرهم ، وقد يدعو الولي فلا يستجاب له ، لما يعلم الله من أن الخيرة له في غير ما سأله ، فيعوضه بما هو خير له في دينه ودنياه ، فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث ، إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا : إذاً نُكْثِر ، قال : الله أكثر ) .

 أحب مايتقرب العبد به إلي ربه 

ثم قال الحَقُّ سُبحانَه:"وما تَقرَّبَ إليَّ عَبْدي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افترَضْتُه عليه"، أي: أوجَبْتُه عليه؛ فالصَّلَواتُ الخَمسُ أحَبُّ إلى اللهِ مِن قيامِ اللَّيلِ، وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ النَّوافِلِ، وصِيامُ رَمَضانَ أحَبُّ إلى الله من صيامِ الاثنينِ والخميسِ، والأيَّامِ السِّتَّةِ مِن شَوَّالٍ، وما أشبَهَها؛ فالفَرائِضُ أحَبُّ إلى اللهِ وأوكَدُ. «وما يَزالُ عَبْدي يَتقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافلِ» مع الفرائضِ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ، وغيرِهما من أعمالِ البِرِّ والطَّاعةِ التي ليست من الفريضةِ؛ فالنَّوافِلُ تُقَرِّبُ إلى اللهِ، وهي تُكَمِّلُ الفرائِضَ، فإذا أكثَرَ الإنسانُ مِنَ النَّوافِلِ مع قيامِه بالفرائِضِ، نال محبَّةَ اللهِ، فيُحِبُّه اللهُ، وإذا أحَبَّه كان اللهُ سُبحانَه سَمْعَه الَّذي يَسمَعُ به، وبَصَرُه الذي يُبصِرُ به، ويَدَهُ التي يَبطِشُ بها، ورِجْلَه التي يَمْشِي بها، يعني أنَّه يكونُ مُسَدِّدًا له في هذه الأعضاءِ الأربعةِ؛ يُسَدِّدُه في سمعِه، فلا يَسمَعُ إلَّا ما يُرضِي اللهَ، ويُسَدِّدُه في بَصَرِه، فلا يَنظُرُ إلَّا إلى ما يحِبُّ اللهُ النَّظَرَ إليه، ولا ينظُرُ إلى المحَرَّمِ، ويُسَدِّدُه في يَدِه، فلا يعمَلُ بيَدِه إلَّا ما يُرضي اللهَ؛ لأنَّ اللهَ يُسَدِّدُه، وكذلك رِجْلُه، فلا يمشي إلَّا إلى ما يُرضي الله؛ لأنَّ اللهَ يُسَدِّدُه، فلا يسعى إلَّا إلى ما فيه الخيرُ.

وإن سأل اللهَ شيئًا فإنَّ اللهَ يعطيه ما سأل، فيكونُ مُجابَ الدَّعوةِ، ولئنِ استعاذ باللهِ ولجأ إليه طلَبًا للحمايةِ، فإنَّ اللهَ سُبحانَه يُعيذُه ويحميه ممَّا يَخافُ.

«وما تردَّدتُ عن شَيءٍ أنا فاعلُه تَردُّدي عن نفْسِ المُؤمِنِ» وليْسَ هذا التَّردُّدُ مِن أجْلِ الشَّكِّ في المصلحةِ، ولا مِن أجْلِ الشَّكِّ في القُدرةِ على فِعلِ الشَّيءِ، بلْ هو مِن أجْلِ رَحمةِ هذا العبدِ المُؤمِنِ، ولهذا قال اللهُ تعليلًا لهذا الترَدُّدِ: «يَكْرَهُ المَوْتَ» لِمَا فيه من الألمِ العظيمِ، «وأنا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ»؛ لِمَا يَلْقَى المُؤمِنُ مِن الموتِ وصُعوبتِه.

فالعَبدُ الذي صار محبوبًا للحَقِّ مُحِبًّا له، يتقرَّبُ إليه أولًا بالفرائِضِ، وهو يحِبُّها، ثمَّ اجتهد في النَّوافِلِ التي يحِبُّها ويحِبُّ فاعِلَها، فأتى بكُلِّ ما يقدِرُ عليه من محبوبِ الحَقِّ، فأحبَّه الحَقُّ لفِعْلِ محبوبِه من الجانِبَينِ بقَصْدِ اتفاقِ الإرادةِ؛ بحيث يحِبُّ ما يحِبُّه، ويكرَهُ ما يكرَهُه محبوبُه، والرَّبُ يكرَهُ أن يَسُوءَ عَبْدَه ومحبوبَه، فلَزِمَ مِن هذا أن يَكرَهَ الموتَ؛ ليزدادَ مِن محابِّ محبوبِه، واللهُ سُبحانَه وتعالى قد قضى بالموتِ، فكُلُّ ما قضى به فهو يريدُه، ولا بُدَّ منه؛ فالرَّبُّ مُريدٌ لِمَوتِه لِما سبق به قضاؤُه، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءةِ عَبدِه، وهي المَساءةُ التي تحصُلُ له بالموتِ؛ فصار الموتُ مُرادًا للحَقِّ مِن وَجهٍ، مَكروهًا له من وجهٍ، وهذا حقيقةُ الترَدُّدِ.

وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن إيذاءِ أولياءِ اللهِ.

وفيه: التَّرغيبُ في حُبِّ أولياءِ الرَّحمنِ، والاعترافِ بفَضْلِهم.

وفيه: أنَّ أحَبَّ الأعمالِ فِعلُ الفرائضِ، وأفضلُ القُرُبات بَعْدَها فِعلُ النَّوافلِ.

وفيه: دلالةٌ على شَرَفِ الأولياءِ ورِفعةِ مَنزِلَتِهم.

وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم 


google-playkhamsatmostaqltradent