أنت عند الله غال
أهمية مكانة الإنسان عند الله
عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأتباعه
عناية الصحابة بالنبي والحرص علي إهداءه
تواضع النبي صلي الله عليه وسلم مع أصحابه
الحمد لله رب العالمين ، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، القائل :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ" (أحمد). اللهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،
أما بعد: فياجماعة الإسلام: حديثنا إليكم اليوم عن أنت عند الله غال
يقول الله تعالي:" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"(الإسراء/70).
عباد الله :" لقد كرّمَ الإسلامُ الإنسانَ مِن حيثُ إنّهُ إنسانٌ دونَ النظرِ عن لونِهِ أو جنسِهِ أو دينِهِ، وساوتْ بينهُم جميعًا في أصلِ الخِلقةِ وأداءِ الحقوقِ والواجباتِ، وجعلتْ ميزانَ التفاضلِ التقوىَ والعملَ الصالحَ، وأرستْ مبدأَ الوحدةِ وهو الأخوةُ البشريةُ،"يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ"، وقال ﷺ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ" (أحمد)،
أهمية مكانة الإنسان عند الله
عباد الله :" كرّم الله -تعالى- الإنسان بأنْ جمّل صورته وأحسن خِلْقته، إذ لا يوجد جنسٌ في المخلوقات أحسن منه صورةً؛ مصداقاً لقول الله سبحانه: "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ"(التين/4).
ثمّ كرمّه بأنْ نفخ فيه من روحه على وجه الاختصاص؛ فلم ينل هذا الفضل أحد سوى الإنسان، قال الله عزّ وجلّ:"إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ"(ص/71-72).
و كرّم الله الإنسان
بالعقل والعلم والإرادة، وجعله خليفة في الأرض.
كما كرمه بالرحمة والمغفرة: الله رحيم بعباده،
يغفر لهم ذنوبهم إذا تابوا واستغفروه.
وكرمه بالرزق والحفظ: الله يرزق الإنسان ويُؤمن له أسباب الحياة والعيش الكريم.
أنت عند الله غالٍ:
أيها الإنسان:" أنت غالٍ عند الله، فلا تستخف بنفسك ولا تقلل من شأنك. الله يحبك ويريد لك الخير والفلاح. يقول النبي صلي الله عليه وسلم :"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"(مسلم).
والمتأملُ في سيرتِهِ صلي الله عليه وسلم يجدُ
أنَّ مظاهرَ تكريمِهِ للإنسانِ أكثرُ مِن أنْ تُحصَى حتى في حالِ الموتِ، فعن
سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: "كانا قَاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ،
فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ
أَهْلِ الأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالاَ: إِنَّ النَّبِيَّ مَرَّتْ
بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ:
أَلَيْسَتْ نَفْسًا"(متفق عليه)،
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَدودًا لَطيفًا، يُداعِبُ أصحابَهُ، ويُلاطِفُهم، ويُمازِحُهم، ويَضْحَكُ معَهم، ولا يَقولُ إلَّا صِدْقًا.
وتأملْ هذا الموقفَ الذي بيّنَ فيهِ نبيُّنَا صلي الله عليه وسلم قيمةَ الإنسانِ وغلاوتَهُ عندَ ربِّهِ عزَّ وجلَّ قصة عجيبة يخبرنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ كَانَ يُهْدِي إلى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم الْهَدِيَّةَ فَيُجَهِّزُهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ"، قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟"، فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا! فَقَالَ: "لَكِنَّكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ"، أَوْ قَالَ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ"( ابن حبان، والترمذي في الشمائل، وأحمد، وصححه).
وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم: "زاهِرُ بادِيَتُنا"، أي: هو سَاكِنُ بَادِيَتِنَا، والبادِيَةُ: الصَّحْراءُ، والمَعْنى: أنَّ هذا الرَّجُلَ يَأْتينا مِنْ أمْتِعَةِ البادِيَةِ بما نُريدُ، وقيل مَعْناهُ: صَديقُنا مِنَ البادِيَةِ، "ونحنُ حاضِرَتُهُ"، أي: أَهْلُ بَيتِ النُّبوَّةِ أو الجَمْعُ لِلتَّعْظيمِ، حَاضِرو المَدينَةِ له، وفيه كَمالُ الاعتِناءِ به، والاهتِمامِ بِشأْنِه، والمَعْنى: ونحنُ نُعِدُّ له ما يَحْتاجُ إليه في بادِيَتِهِ من البَلَدِ، وإنَّما ذَكَرَهُ مع ما فيه من إيهامِ ذِكْرِ المُنعِمِ بإنْعامِهِ لِكَوْنِه مُقْتَضَى المُقابَلَةِ الدَّالَّةِ على حُسْنِ المُعامَلةِ تَعليمًا لأُمَّتِه في مُتابَعَةِ هذه المُجامَلَةِ. وقيل مَعْناهُ: نحنُ نُهديهِ ما يُريدُ من أمْتِعَةِ البَلَدِ، فكأنَّا بَلَدٌ له، وقيل مَعْناهُ: ونحنُ أصْدِقاؤُهُ مِنَ الحَضَرِ، "وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم يُجهِّزُهُ إذا أرادَ الخُروجَ إلى البادِيَةِ"، أي: يُعِدُّ وَيُهيِّئُ له ما يَحْتاجُ إليه في البادِيَةِ من أمْتِعَةِ البُلْدانِ من المدينةِ، وغَيْرِها، "وكان زَاهِرٌ دَميمَ الخِلْقَةِ"، أي: قَبيحَ الوَجهِ، "فأتاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم، وهو يَبيعُ شيئًا له في السوقِ، فاحْتَضَنَهُ من خَلْفِهِ"، أي: أحاطَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأَمْسَكَ زاهِرًا من ظَهْرِهِ مُداعِبًا ومازِحًا معه، فقال له زاهِرٌ: "مَنْ هذا؟ أَرْسِلْنِي،"، أي: اُتْرُكْني، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "والْتَفَتَ"، أي: بِبَعْضِ بَصَرِهِ، "فعَرَفَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم، فجَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَنْ يَشْتَري مِني هذا العَبْدَ؟"، أي: مَنْ يَشْتَري مِثْلَ هذا العَبْدِ مِنِّي، ولا يَلْزَمُ من هذا القَوْلِ لاسِيَّما وَالْمَقامُ مَقامُ المُزَاحِ- إِرادَةُ تَحَقُّقِ بَيْعِهِ، "وجَعَلَ هو يُلْصِقُ ظَهْرَهُ بصَدْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم"، أي: فبَدَأَ زاهِرٌ لا يُقصِّرُ فِي أنْ يُلْزِقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَبَرُّكًا، وَتَدَلُّلًا على مَحْبُوبِهِ، "ويقولُ: إذًا تَجِدُني كاسِدًا"،أي: إِنْ عَرَضْتَنِي على البَيْعِ، إِذًا تَجِدُني مَتاعًا رَخيصًا أَوْ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ " فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم: ولكِنَّك عندَ اللهِ لسْتَ بكاسِدٍ"، أي: أنَّك بإيمانِكَ تكونُ غاليًا عندَ اللهِ.
وفي هذه القصة دروس وهدايات منها:
عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأتباعه
عباد الله :" وفي هذه الرواية وغيرها نلمح عناية النبي صلي الله عليه وسلم بأتباعه ومقابلة إحسانهم بإحسان مثله، فها هو صلى الله عليه وسلم يجهز زاهرًا رضي الله عنه ويجمع له ما يحتاج إليه من المدينة مما ليس في البادية، ليكشف لنا أن العلاقة بينهما قوة متينة، إنها علاقة وطيدة من الحب والوداد لخَّصَها صلى الله عليه وسلم بقوله: "إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ" بل العلاقة أعلى من ذلك تصل إلى المزاح بالقول والفعل في مشهد كله أُنْسٌ وحبٌّ وودادٌ، تأملوا المشهد: زاهرٌ في السوق يبتاع ويشتري والسوق قد غصَّ بروَّاده، فأتي صاحب القلب الودود الرحيم عليه الصلاة والسلام إلى السوق فاتجه إلى زاهر ممازحًا ومداعبًا "فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ"، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟".
لله أنت يا رسول الله! ما أعظم شمائلك! ما أعظم تواضعك! ما أطيب قلبك! ما أسعد القلوب التي عاشرتك وشاهدت هذا المشهد! مشهدٌ غايةٌ في التواضع، غايةٌ في الطيبة، غايةٌ في الحب، غايةٌ في اليسر والسماحة، إنه مشهدٌ من مشاهد التواضع، صاحبه أعظم من مشى على الأرض، وخير من طلعت عليه الشمس، ما أسعدك وأهنأك يا زاهر رضي الله عنك وأرضاك! إذ فزت بحِضْن النبي صلى الله عليه وسلم، وفزت بمزاحه ومداعبته.
إن هداية هذا المشهد درسٌ بليغ للمربين وحُمَّال الدين ودُعاة الخير، درسٌ للآباء والأمهات؛ أن اقتربوا ممن تقومون على تربيتهم وتعليمهم، لا تجعلوا بينكم وبينهم حواجز، مازحوهم ولاعبوهم، أدخلوا عليهم الفرح والأنس والسرور، تعهدوهم بالهدية والإحسان، تعهدوهم بالمدح والثناء على ما يقومون به من خير وصلاح ونجاح، إنكم بذلك تدخلون السعد على نفوسهم وتبنون فيها صروحًا من الخير، وتدفعونهم إلى مزيد من العطاء والنجاح.
يخطئ كل الخطأ من يزعم أن المزاح مع الأهل والأبناء والمتربين والتلطف بهم والإهداء إليهم والتبسُّم في وجوههم والثناء عليهم يسقط هيبة المتربي، أقول لأولئك: دونكم هدي محمد صلى الله عليه وسلم، دونكم هدي خير من زكَّى النفوس وقام على تربيتها وكفى.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله
عناية الصحابة بالنبي والحرص علي إهداءه
عباد الله :" ونلمح من هذه القصة عناية هذا الصحابي رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم
وإهداؤه له، صورة من صور حب النبي صلى الله عليه وسلم، إنه زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ
من أهل البادية يأتي إلى المدينة محملًا بهدايا البادية مما لا يوجد في المدينة
فيهديه لحبيبه صلى الله عليه وسلم، وهو بذلك يعمق حبه في قلب النبي، كيف لا؟! وقد
قال صلى الله عليه وسلم: "تَهَادُوا تَحَابُّوا"(البخاري).
وفي أحداث القصة لقطة مؤثرة مثيرة تكشف عن مكنونات الصدور وما تحويه
من فيض الحب والوداد للنبي صلى الله عليه وسلم، فما هي هذه اللقطة؟ تأمل قول أنس
رضي الله عنه: "فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم
جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ" مشهدٌ فريدٌ للحب، ها هو المحب يلصق
ظهره بصدر حبيبه ليزداد قربًا وتمازجًا للتعبير عن عظيم سعادته وغاية أنسه باحتضان
رسول الله له، يلصق ظهره بصدر رسول الله ليعمق الحب والوداد ولينهل من بركة رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
نعم إنه مشهد من مشاهد الحب يتمنَّى الكثير لو كان في موضع زاهر رضي الله عنه، وبحتضنه الرسول صلي الله عليه وسلم إنها قصة من أروع قصص الحب، فصلى الله وسلم عليك يا رسول الله ورضي الله عنك يا زاهر!
تواضع النبي صلي الله عليه وسلم مع أصحابه
عباد الله :"و القصة درس عظيم في التواضع؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يفيض الحب على رجل من البادية وصف -في رواية لابن حبان- بأنه كَانَ رَجُلًا
دَمِيمًا، فيقبل عليه، ويقبل هديته، ويهدي إليه ويمازحه، وهذا زاهر رضي الله عنه
يستصغر نفسه عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَشْتَرِي
هَذَا الْعَبْدَ؟" فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا!
أي: لا قيمة لي ولا ثمن، وكان ثمرة هذا التواضع واستصغار النفس أمام رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وحبه الكبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم البشارة العظيمة
والوسام الذي ظفر به رضي الله عنه وأرضاه، لقد فاز بوسام: "لَكِنَّكَ عِنْدَ
اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ"، ووسام: "بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ
غَالٍ"، فما أعظمها من بشارة! وما أعظمه من وسام! هكذا يرفع الله المتواضعين
ويعلي شأنهم: قال صلى الله عليه وسلم: "وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ
إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ"(مسلم).
تواضَعْ تَكُنْ كالنجمِ لاحَ لِنَاظرٍ
على صَفحَاتِ الماءِ وهو رَفِيعُ
ولا تكُ كالدُّخَانِ يعْلُو بنَفْسِه
إلى طبَقَاتِ الجوِّ وهْو وَضِيعُ
أن قيمة العبد عند الله ليست بشكله ولا بهيئته؛ بل بما وقر في القلب من الإيمان والتقوى ومحبة الله ورسوله، فهذا رجل من البادية دميم الخلقة، ومع ذلك بَشَّره رسولُه صلى الله عليه وسلم بقوله: "بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ"، وما أعظم أن يكون العبد غاليًا عند الله عز وجل! ولعلَّ الذي أوصله لهذه المنزلة عظيم محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه في تلك المحبة، وما كان عليه من التقوى والصلاح، فيا فوز من كان مُتقيًا لله وعَمرَ قلبه بحب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، فيكون غالي الثمن عند ربِّه عَزَّ وجَلَّ.
عباد الله؛ من يرد أن يكون غاليًا عند الله عز وجل فعليه بطاعة الله وتقواه، والمداومة على ذكر الله عز وجل ومحبته ورسوله صلى الله عليه وسلم، لنتذكر قول الله عز وجل: " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(الحجرات: 13).
فالمُؤْمِنَ قِيمَتُه غالِيَةٌ عندَ اللهِ.
أيها الإخوة، علينا أن نتذكر دائمًا أننا غالين عند الله، وعلينا أن نسعى لأن نكون عند حسن ظن الله بنا:
الطاعة والعبادة: الالتزام بطاعة الله وعبادته بإخلاص.
الإحسان إلى الناس: التعامل مع الناس بالرحمة والإحسان، فالإنسان مكرم عند الله.
التوبة والاستغفار: التوبة إلى الله والاستغفار عن الذنوب والمعاصي.ى اللهُ
عليه وسلَّمَ وحُسنُ عِشرتِه لأصحابِه .
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار