القمار.. رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه
القمار محرم بالإجماع
صور القمار والحكمة من تحريمه
أضرار ومفاسد القمار
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد
فإن من عادات الجاهلية وممارساتها الذميمة
التي كانت منتشرة قبل الإسلام لعب الميسر، وكان لهذه العادة آثار سيئة ومضار
كثيرة، فجاء الإسلام بإبطالها وتحريمها كما جاء بتحريم مثلها من المظالم
والممارسات الاجتماعية الضارة.
يقول الله تبارك وتعالى لعباده
المسلمين:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِۖ فَهَلْ أَنتُم
مُّنتَهُونَ"(المائدة:90 ـ91).
فنهى تبارك وتعالى عن شرب الخمر ولعب الميسر وما جاورهما في الآية من الخبائث، وأخبر أنها رجس من عمل الشيطان، وبين بعض مضارها ومساوئها، ثم قطع بتحريمها فقال {فاجتنبوه}، وقال {فهل أنتم منتهون}. أي انتهوا.
الميسر والقمار
والميسر المنهي عنه في الآية هو
القمار: ذكر ذلك أهل التفسير ونقلوه عن الصحابة ومن بعدهم:
فعند الطبري وابن كثير وغيرهما عن ابن عمر قال: الميسر هو القمار.. وعن ابن عباس قال: "الميسر هو القمار، كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام، فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة".
والقمار محرم بالإجماع
لأن القمار أو المراهنة من الميسر المُتَّفق على حرمته شرعًا، فقد أمر الله تعالى باجتنابه لقول الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(المائدة / 90).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف منكم، فقال في حلفه: باللات والعزَّى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرْك، فليتصدق) (أخرجه البخاري)، يتصدق لأنه دعا غيره إلى القمار، علّ الله عز وجل يذهب السيئة بالحسنة، فكيف بمن قامر بالفعل؟! .
فالقمار كبيرة من كبائر الذنوب، قال القليوبي: ("فلا يصح" -أي القمار- أي وهو حرام وأخذ المال فيه كبيرة كما مر، ويحرم اللعب بكل ما عليه صورة محرمة، وبكل ما فيه إخراج صلاة عن وقتها أو اقتران بفحش)(حاشيتا قليوبي وعميرة
وحكم هذه اللعبة وما شابهها من الألعاب هو الحرمة؛ إذ أن اللعب بالصورة المذكورة لا يخلو من أمرين:
(1) إما أن يكون محاكاة للقمار المحرم،
فيصير اللعب محرمًا، لما في محاكاة القمار من تهوين لإثم المعصية وخطرها في نفس
اللاعب، وما يَجُرُّه من دُرْبة وجرأة عليها، خصوصًا وأن أكثر اللاعبين أطفالًا أو
شبابًا في مُقتبل أعمارهم،
ناهيك عمّا في هذه الألعاب من التشبُّه بأهل المعصية، ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: (من تشبَّه بقوم فهو منهم)(أخرجه أبو داود)، فينبغي الابتعاد
عن التشبُّه بأهل المعصية؛ حسمًا لمادة الحرام، وقطعًا للجرأة على الدين.
والأمر بالنسبة للخمر للميسر حين التشبُّه بأهله، في الإثم والحرمة.
(2) وإما أن يكون قمارًا بالفعل في حالة ما
إذا حوَّل اللاعب مكسبه من نقاطٍ وهمية إلى نقود حقيقة، أو اشترى النقاط الوهمية
بنقود حقيقة، وهو محرم أيضًا، لكون هذه الصورة هي الميسر بعينه، والله عز وجل
يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(المائدة: 90).
صور القمار كثيرة،
ونحن نذكر منها هنا:
. المراهنة في لعب الورق، أو المراهنات
في لعب النرد، أو في أي شيء يدفع كل من المتراهنين مبلغا، أو يشارك به، ليأخذه من
يفوز منهما.
. ومنها مسابقات التلفاز التي تقوم على
مبدأ المشاركة التليفونية على شيء ما ويفوز أحدهم بالسحب.
. أو الإجابة على أسئلة في رسائل نصية
مقابل مبلغ معين قليل لا يعبأ به ليمكنه من الدخول في السحب على مبلغ كبير يفوز به
أحد المشاركين.. وهذا كثير جدا هذه الأيام.
. ومنها ألعاب الكمبيوتر التي فيها كروت
تباع ويشتريها اللاعبون، ويتنافسون فيها كما في البوكيمون وأشباهها.
. ومنها اليانصيب: وهي شراء بطاقات
بمبالغ معينة قد تكون زهيدة، ثم يتم السحب على بطاقة أو عدة بطاقات للفوز ويخسر
الباقون.
وصور القمار والميسر كثيرة جدا، لا يكاد يأتي عليها الحصر والعد، وقد ذكرنا ضابطها
الحكمة من تحريم القمار
وأما الحكمة في تحريمه فإنّ العاقل يرى
في ذلك أسبابا كثيرة منها
:
1- القمار يجعل الإنسان يعتمد في كسبه على
المصادفة والحظ ، والأماني الفارغة لا على العمل والجد وكد اليمين ، وعرق الجبين ،
واحترام الأسباب المشروعة
.
2- القمار أداة لهدم البيوت العامرة ، وفقد
الأموال في وجوه محرمة ، وافتقار العوائل الغنية ، وإذلال النفوس العزيزة ..
3- القمار يورث العداوة والبغضاء بين المتلاعبين
بأكل الأموال بينهم بالباطل ، وحصولهم على المال بغير الحق .
4- القمار يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، ويدفع
بالمتلاعبين إلى أسوأ الأخلاق ، واقبح العادات .
5- القمار هواية آثمة تلتهم الوقت والجهد ، وتعوّد
على الخمول والكسل ، وتعطل الأمة عن العمل والإنتاج .
6- القمار يدفع صاحبه إلى الإجرام لأن الفريق المفلس يريد أن يحصل على المال من أي طريق كان ، ولو عن طريق السرقة والاغتصاب ، أو الرشوة والاختلاس .حيث لا يخلو مجلس قمار من شقاق وشجار وتشاحن وبغضاء، وربما وصل الأمر للتقاتل، ولا ريب أن الشارع الحكيم قد أغلق الأبواب المؤدية إلى النزاع والشقاق، وشرع لهذا تشريعات.
7- القمار يورث القلق ، ويسبب المرض ويحطم الأعصاب
، ويولّد الحقد ، ويؤدي في الغالب إلى الإجرام أو الانتحار أو الجنون أو المرض
العضال
.
8- والقمار يدفع المقامر إلى أفسد الأخلاق كشرب الخمور وتناول المخدرات ، فالأجواء التي يدار فيها القمار يقل فيها الضوء ، ويكثر فيها دخان اللفائف ، وتخفت الأصوات وترتفع الهمهمة ، يتسلل لها الهواة كأنما يفرون من العدالة ، ويدخلون في توجس وتردد ، وتلتف جموعهم حول مائدة خضراء تتصاعد حولها أنفاسهم المضطربة ، وتخفق قلوبهم المكلومة ، والمفروض أنهم رفاق لعب ، ولكنهم في الحقيقة أعداء ، فكل منهم يتربص بالآخر ، ويعمل على أن يكسب على حسابه وحساب أولاده ، ويعمل صاحب المكان على أن يخدر أحاسيس الجميع بما يقدم لهم من موسيقى حالمة ، ونساء ضائعات ، وأنواع الشراب ، وأنواع التدخين ، وتكثر حول المائدة الخضراء ضروب الغش والخداع ، فالسقاة والمطعمون والفتيات يكشفون أوراق لاعب إلى لاعب ، ويغمزون ويهمسون لينصروا بالباطل واحداً على الآخر ، وليقيموا أحياناً نوعاً من التوازن يضمن استمرار اللعب وطول اللقاء ، ويخسر الجميع بلا شك ، يخسرون بما يدفعونه ثمناً للشراب والتدخين ، وما يدفعون للسقاة والمطعمين ، وما يقدمونه من شراب للفتيات ، وتتفاوت بعد ذلك الخسارة ، فالرابح الذي نجح في كل الجولات أو أكثرها لا يتبقى معه من الربح شيء على الإطلاق أو لا يتبقى معه إلا مقدار ضئيل ، وأما الخاسر فقد خسر كل شيء ، وفي آخر الليل يتسللون جميعاً وقد علتهم الكآبة والخزي ، والخاسر يتوعد الرابح إلى الغد .
كم من بيوت افتقرت بسبب القمار ، وكم
من بطون جاعت وأجسام عريت أو لبست الأسمال وكم من زواج فشل ، ووظيفة ضاعت لأن
صاحبها اختلس ليقامر ، وكم من رجل باع دينه وعِرضه على مائدة القمار ، فالقمار
يدمر كل شيء وهو إن كان هدفه المال ولكنه يشمل الخمر والتدخين ورفاق السوء والظلام
والغموض والغش والكراهية والتربص والاختلاس وكل صفات الشر .
أضرار ومفاسد القمار
والقمار داء وبيل ينحدر بالأخلاق إلى
أسفل دركات الانحطاط، وهو آفة الآفات ومصدر النكبات، وهو معول هدم في كيان المجتمع
الإنساني، وقد جمع بين مفاسد الدين والدنيا معا:
فمن مفاسده الدينية
. أنه"رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ" مما يدل على تحريمه وأنه من الكبائر، والرجس وصف لكل الأعيان الخبيثة خبثا معنويا أو ماديا.
. أنه من أكل أموال الناس بالباطل وقد حرم الله ذلك فقال: قوله تعالى {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} (سورة النساء)وقال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
. أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ}(سورة المائدة).. فلاعبوا القمار يهدرون أوقاتا غالية في ممارسة اللعب، وبمتابعة أخبار الفائزين والخاسرين، ويضيعون الصلوات والجمع والجماعات، وهم أبعد الناس عن مجالس ذكر الله و حلق العلم، وأغفلهم عن المواعظ وعن تذكر الموت وعذاب القبر وأهوال الآخرة.
وأما المفاسد الدنيوية فمنها:
أن الميسر يورث العداوة والبغضاء بين
اللاعبين المتقامرين قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}(سورة
المائدة)
قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح ليعادي بعضكم بعضا ويبغض بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان وجمعه بينكم بأخوة الإسلام).
فالميسر سبب العداوة بين أصحابه، وإن أظهروا بألسنتهم أنهم راضون؛ فإنهم دائماً بين غالب ومغلوب وغابن ومغبون، والخسارة تدفع المغلوب أحيانا إلى العراك أو حتى قتل الكاسب ليسترد ماله الضائع. فكم يتم من أطفال، وكم رمل من نساء، وكم دمر من أسر، وكم ساق عوائل إلى أسواق الرذائل، وكم سبب فواجع تهتز لهولها الجبال الراسيات.
. التعويد على العطالة والبطالة، وعلى الكسل وعدم اكتساب الرزق من الأسباب الطبيعية، ويؤدي إلى إهمال المقامرين للزراعة والصناعة والتجارة، مما يؤدي إلى ركود الحياة وقلة الإنتاج وتردي المستوى المعيشي
. والقمار يجعل الإنسان يعتمد على الحظ
والصدفة والأماني الفارغة لا على العمل والجد واحترام الأسباب التي وضعها الله
وأمر باتخاذها.