
وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
نبي الله يحي نبي السلام والأمان
نبي لم يجعل الله له من قبل سمياً
نبي أتاه الله الحكم والنبوة صبياً
نبي تقي بار بوالديه ولم يكن جباراً عصياً
نبي مصدقًا.. سيدًا.. حصورًا ونبيًا.
نبي قتلته امرأة بسبب جرأة فتواه ووقوفه علي الحق
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في سلطانه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله القائل:"ثم عُرِج بنا إلى السماءِ الثانيةِ ، فاستفتح جبريلُ ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريلُ ، قيل : ومَن معك ، قال : محمدٌ ، قيل : وقد بُعِث إليه ؟ قال : قد بُعِث إليه ، ففُتِح لنا ، فإذا أنا بابني الخالةِ : عيسى بنِ مريمَ ، ويحيى بنِ زكريا ، فرحَّبا بي ، ودَعوَا لي بخير .(أحمد ومسلم).اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلي آلك وصحبك الطيبين الطاهرين وسلم تسليماص كثيراً أما بعد فياعباد الله
يقول الله تعالي :"يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ
بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا
وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا
عَصِيًّا وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ
يُبْعَثُ حَيًّا" (مريم/12-15).
عباد الله :" نقف مع حضراتكم اليوم مع نبي السلام والأمان مع نبي أتاه الله الحكم والنبوة صبياً مع نبي لم يجعل الله له من قبل سمياً أي شبيهاً لاسمه مع نبي قتلته امرأة بسبب جرأة فتواه ووقوفه علي الحق ..مع نبي مصدقًا.. سيدًا.. حصورًا ونبيًا..
نبي السلام والأمان
عباد الله :" وقوله:"وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا "يقول: وأمان من الله يوم ولد، من أن يناله الشيطان من السوء، بما ينال به بني آدم، وذلك أنه رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأْتي يَوْمَ القِيامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ إلا ما كانَ مِنْ يَحْيَى بنِ زَكَريَّا ".
كان ابن المسيب يذكرقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ أحَدٍ يَلْقَى اللهَ يَوْمَ القِيامَةِ،
إلا ذَا ذَنْبٍ، إلا يَحْيَى بنَ زَكَريَّا ".وفي رواية :"
وقوله:"وَيَوْمَ يَمُوتُ" يقول:
وأمان من الله تعالى ذكره له من فَتَّاني القبر، ومن هول المطلع "وَيَوْمَ
يُبْعَثُ حَيًّا" يقول: وأمان له من عذاب الله يوم القيامة، يوم الفزع الأكبر، من
أن يروعه شيء، أو أن يفزعه ما يفزع الخلق.
وقد ذكر ابن عيينة في ذلك ما حدثني
أحمد بن منصور الفَيروزِيّ، قال: أخبرني صدقة بن الفضل قال: سمعت ابن عطية يقول:
أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، ويوم
يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم، ويوم يُبعث فيرى نفسه في محشر عظيم، قال: فأكرم
الله فيها يحيى بن زكريا، فخصه بالسلام عليه، فقال:"وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ
وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا".
ويقول الحسن: إن عيسى ويحيى التقيا فقال له عيسى: استغفر لي، أنت
خير مني، فقال له الآخر: استغفر لي، أنت خير مني، فقال له عيسى: أنت خير مني ،
سَلَّمت على نفسي، وسلَّم الله عليك، فعرف والله فضلها.
كتب الله له الأمن والأمان
كتب الله له الأمن والأمان يوم ولادته، ويوم وفاته، ويوم بعثه. قال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد، فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم، ويوم يبعث، فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه في هذه الأحوال الثلاثة.
نبي لم يجعل الله له من قبل سمياً
ورد اسم النبي (يحيى) عليه السلام في القرآن الكريم ستَّ مرات، وجاء ذكره في أربع سور قرآنية: آل عمران، الأنعام، مريم، الأنبياء. وجاء الحديث الرئيس عنه في سورة مريم عليها السلام. وها نحن نتتبع ما حدثنا القرآن عنه من صفات وأخبار:
البداية في بشارة زكريا بولادة يحيى عليهما السلام، بعد أن بلغ من الكبر عتياً، ويأس من نعمة الولد، يقول تعالى:"يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى"(مريم:3)، ففضلاً عن هذه البشارة الخارقة للعادة، وما تحمله من سرور وغبطة، فقد دلت الآية الكريمة على أن هذه التسمية إنما هي من الله تعالى، ولم تكن من زكريا ولا من غيره، وفي هذا تشريف له وتكريم.
نبي أتاه الله الحكم والنبوة صبياً
فهم الكتاب
ومن صفات يحيى عليه السلام التي منَّ الله بها عليه فهم الكتاب، والعمل بأحكامه، وهو في سن الصبا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: أُعطي الفهم والعبادة، وهو ابن سبع سنين.
وقصة يحيى عليه السلام على صلة وثيقة بقصة زكريا عليه السلام؛ إذ ذاك الشبل من هذا الأسد، وقد ذكر القرآن الحديث عن يحيى في تضاعيف الحديث عن أبيه زكريا عليهما السلام.
كان يحيى عليه السلام غلاماً ذكياً، أحكم الله عقله، وآتاه الحكم صبياً، عاشقاً للعبادة، عاكفاً في محراب العلم، محصياً لمسائل التوراة، مستجلياً لغوامضها، محيطاً بأصولها وفروعها، فيصلاً في أحكامها، قاضياً في معقولها، قوَّالاً في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يهاب صولة عاتٍ ظالم.
وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:"لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يحيى بن زكريا, قلنا: يا رسول الله! ومن أين ذاك؟ قال: أما سمعتم الله كيف وصفه في القرآن, فقال:"يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا" (مريم:12), فقرأ حتى بلغ: "وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين"(آل عمران:39)، لم يعمل سيئة قط, ولم يهم بها."(الطبراني في الكبير والبزار).
نبي تقي بار بوالديه ولم يكن جباراً عصياً
عباد الله:"
كان يحي عليه السلام في قلبه رحمة يعطف بها على غيره، ومنحه أيضاً طهارة في النفس، أبعدته عن ارتكاب ما نهى الله عنه، وجعلته سباقاً لفعل الخير، فكان مطيعاً لله في كل ما أمره به، وتاركاً لكل ما نهاه عنه، وجعله كثير البر بوالديه، والإحسان إليهما، وفوق ذلك، لم يكن مستكبراً متعالياً مغروراً، ولم يكن صاحب معصية ومخالفة لأمر ربه
ثم بعد هذه البشارة الخارقة والتشريف الفائق، يتوجه الخطاب القرآني مباشرة إلى يحيى عليه السلام، وذلك قوله سبحانه:"يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جباراً عصياً وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً"(مريم:12-15).
فأمر سبحانه نبيه يحيى عليه السلام بأن يأخذ الكتاب - والمراد التوراة - بجد واجتهاد، وتفهم لمعناه على الوجه الصحيح، وتطبيق ما اشتمل عليه من أحكام وآداب؛ فإن بركة العلم في العمل، وإن القوة في العمل.
ثم يمضي الخبر القرآني بتقرير بعضاً من الصفات التي منَّ الله بها على نبيه يحيى عليه السلام، وأول هذه الصفات الممنوحة فهم الكتاب، والعمل بأحكامه، وهو في سن الصبا. روى أبو نعيم، وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: أُعطي الفهم والعبادة، وهو ابن سبع سنين. وجاء في رواية أخرى عنه أيضاً: قال الغلمان لـ يحيي بن زكريا عليهما السلام: اذهب بنا نلعب، فقال: أللعب خُلقنا، اذهبوا نصلي. فالمراد بـ "الحكم" في الآية: العلم النافع مع العمل به، وذلك عن طريق حفظ التوراة، وفهمها، وتطبيق أحكامها.
وثاني الصفات التي منحها سبحانه نبيه يحيى عليه السلام صفة الرحمة، حيث جعل في قلبه رحمة يعطف بها على غيره، ومنحه أيضاً طهارة في النفس، أبعدته عن ارتكاب ما نهى الله عنه، وجعلته سباقاً لفعل الخير، فكان مطيعاً لله في كل ما أمره به، وتاركاً لكل ما نهاه عنه، وجعله كثير البر بوالديه، والإحسان إليهما، وفوق ذلك، لم يكن مستكبراً متعالياً مغروراً، ولم يكن صاحب معصية ومخالفة لأمر ربه.
نبي مصدقًا.. سيدًا.. حصورًا ونبيًا.
عباد الله:" ويخبرنا سبحانه أيضاً عن مزيد من صفات نبيه يحيى عليه السلام بقوله:"مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين"(آل عمران:39)، تضمنت هذه الآية أربع صفات أُخر للنبي يحيى عليه السلام:
أول هذه الصفات أنه كان مصدقاً بكلمة من الله، أي: أنه كان مصدقاً
بأن عيسى عليه السلام رسول من الله، فالمراد بـ (كلمة الله) عيسى على ما ذهب إليه
جمهور المفسرين؛ لأنه كان يسمى بذلك. والمعنى: أن يحيى عليه السلام كان مصدقاً
بعيسى عليه السلام، ومؤمناً بأنه "رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه"(النساء:171).
ومن صفات يحيى عليه السلام، أنه كان سيداً يفوق غيره في الشرف والتقوى، وعفة النفس، بأن يكون مالكاً لزمامها، ومسيطراً على أهوائها وشهواتها، وكان حصوراً حابساً نفسه عن الشهوات، معصوماً عن إتيان الفواحش والمنكرات، وكان نبياً صالحاً.
وكان حصوراً، بمعنى: أنه سيكون حابساً نفسه عن الشهوات، معصوماً عن إتيان الفواحش والمنكرات.
وكان نبياً صالحاً. وهذه الصفة بشارة ثانية لـ زكريا عليه السلام، بأن ابنه سيكون نبيًّا من الأنبياء، الذين اصطفاهم الله؛ لتبليغ رسالته إلى الناس، ونشر دعوته.
ثم أخبر سبحانه بعد هذه الأوصاف الجميلة عن جزاء يحيى عليه السلام على فعاله النبيلة وخصاله الحميدة، بأن الله كتب له الأمن والأمان يوم ولادته، ويوم وفاته، ويوم بعثه. قال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد، فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم، ويوم يبعث، فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه في هذه الأحوال الثلاثة..
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فيا عباد الله
نبي مات بسبب امرأة لجرأة فتواه وقوله الحق
اختلف أهل العلم فيما إذا كان زكريا وابنه يحيى عليهما السلام قد قتلا أو ماتا موتا. ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية عن وهب بن منبه، وذكر الطبري أن فساد بني إسرائيل الأول كان بقتل زكريا، وأن فسادهم الثاني كان بقتل يحيى، وليس في قتلهما نص ثابت.
وقد تكرر في القرآن ذكر قتل بني إسرائيل للأنبياء بغير حق، كما في قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ {آل عمران:112}.
وفي قوله تعالى:"أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ"(البقرة:87).
وفي قوله تعالى:"فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:91].
وقد نص ابن كثير في البداية والنهاية أنهما ممن قتل قبل تسليط بختنصر على بني إسرائيل، وقد ذكر أيضاً حديثاً في قتلهما، ولكنه ضعفه
.وقد وردت عدة آثار عن الصحابة والتابعين في قتلهما ذكرها الطبري وابن كثير، والظاهر أنها مأخوذة من أهل الكتاب، ومن أصحها ما روى ابن أبي شيبة في المصنف عن عروة بن الزبير قال: ما قتل يحيى بن زكريا إلا في امرأة بغي قالت لصاحبها لا أرضى عنك حتى تأتيني برأسه، فذهب فأتاها برأسه في طست.
وعلى أية حال، فإننا لم نعثر فيما وقفنا عليه من الأقوال أن من أهل العلم من يقول بأن يحيى عليه السلام قد رفع إلى السماء كما هو الحال مع عيسى عليه السلام
وأما ما ورد في حديث الإسراء من قوله -صلى الله عليه وسلم-:... ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة... الحديث، فإن هذا ليس فيه دليل على أن يحيى عليه السلام كان قد رفع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد التقى تلك الليلة بكثير من الأنبياء، ولم يقل أحد بأنهم رفعوا كما رفع عيسى عليه السلام.
ما ترشد إليه القصة
أولاً: أن على المؤمن أن يأخذ الأمور بجدية ومسؤولية، وهذا من صفات عباد الله المؤمنين، وهذا مستفاد من قوله سبحانه:"يا يحيى خذ الكتاب بقوة".
ثانياً: أن الله سبحانه يؤيد أنبيائه والصالحين من عباده بما يعينهم على أداء رسالة ربهم، وتبليغ دعوته إلى الناس. وهذا مستفاد من قوله تعالى:"وآتيناه الحكم صبيا"، وقوله سبحانه:"وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا".
ثالثاً: أن الرحمة بالعباد، وتطهير النفس بحملها على الفضائل والخيرات، وكبح جماحها عن الشهوات والموبقات، وتقوى الله، والإحسان إلى الوالدين، وهجران المعاصي من الصفات الفاضلة التي ينبغي أن يتحلى بها العبد المؤمن، ويحرص عليها أشد الحرص، ويعمل على كسبها، وجعلها سلوكاً ممارساً في حياته اليومية.