
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
حال العالم قبل بعثته صلي الله عليه وسلم
مولد نبي الهُدَي ونشأته
أرسله الله رحمة للعالمين وهي أعظم رحمة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله القائل :"مَثَلِي ومَثَلُ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيانًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ مِن زَواياهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به ويَعْجَبُونَ له ويقولونَ: هَلّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ قالَ فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتَمُ النبيِّينَ"(مسلم).
كلُّ القُلوبِ إلىَ الحبيبِ تَمِيْلُ وَمعَيِ بِهـَذَا شـَـاهدٌ وَدَلِيِــــلُ
أَمَّا الــدَّلِيِلُ, إذَا ذَكرتَ محمدا ً فَتَرَى دُمُوعَ العَارِفِيْنَ تسيلُ
هَذَا مَقَالِيِ فِيْكَ يَا شَرَفَ الْوَرَى وَمَدّحِي فِيْكَ يَا رسُولَ اللهِ قَلِيْلُ
هَذَا رَسُــولُ اللهِ هذا المُصْطَفَىَ هَذَا لِـــرَبِ العـــَـالمينَ رَسُــولُ
اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وبعد فياعباد الله :"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًاوَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا"(الأحزاب/45-48).
عباد الله :" لقد كان ميلاد نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم ـ هو أهم حدث في تاريخ البشرية منذ أن خلق الله الكون، إلى أن يرث الأرض ومن عليها
حال العالم قبل بعثته صلي الله عليه وسلم
ولقد كانَت البشريةُ قبلَ بعثةِ النبيِّ صلي الله عليه وسلمتعيشُ في جاهليةٍ جهلاءٍ، وفوضَى عارمةً، قد اشتدَّتْ عليهم الظلمةُ، وتفشَّتْ بينهُم أخلاقُ السوءِ، فلم يعرفُوا للهِ حقًّا،
يقول النبي صلي الله عليه وسلمعن ربِّ العزَّة عز وجل: "... وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا. وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ "(مسلم).
فكانوا يعيشون في جاهلية وظلام حتى بعثَ اللهُ جلَّ وعلا لهم نبيَّهُ بالنورِ والهدَى،والرحمة قال تعالى " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين "
وقال جلَّ وعلَا واصفًا نبيَّه:"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"(التوبة:128).
لقد كان الناس في مكة قبل الإسلام يعيشون في ظلمات الشرك والجهل،وكان العالم يعيش في ظلام دامس يعج بالفوضي فكان العربي يهجم علي أخيه يقتله ويسلب ماله ويسبي ذراريه ونسائه وكان يدفن ابنته حية خوفا من العار والجوع
وقد وصف لنا الشاعر هذه الحالة
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِم إِلا عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ
وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَوراً مُسَخَّرَةٌ لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ
مُسَيطِرُ الفُرسِ يَبغي في رَعِيَّتِهِ وَقَيصَرُ الرومِ مِن كِبرٍ أَصَمُّ عَمِ
يُعَذِّبانِ عِبـــــــــادَ اللَهِ في شُبَهٍ وَيَذبَحانِ كَما ضَحَّيتَ بالغَنَمِ
وَالخَلقُ يَفتِكُ أَقواهُم بِأَضعَفِهِم كَاللَيثِ بِالبَهمِ أَو كَالحوتِ بِالبَلَمِ
وقد أخبرنا الله ـ عز وجل ـ عن أحوالهم قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال:"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"(الجمعة/2)،
وكذلك أخبرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أحوال الناس
قبل أن يوحي الله إليه فقال:"ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني
يومي هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم
الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي
ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا
بقايا من أهل الكتاب"(مسلم).
ويصور لنا جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أحوال الناس في مكة قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول للنجاشي ملك الحبشة: " أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحُسن الجوار.
مولد نبي الهُدَي ونشأته :
في يوم الاثنين من ربيع الأول من عام الفيل أضاء الكون وشرف بميلاد سيد الخلق،
وخاتم المرسلين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فعن قيس بن مخرمة رضي الله عنه
قال:"ولدت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم عام الفيل"(البيهقي)، وعن أبي قتادة
رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُئِل عن صوم يوم الاثنين،
فقال:"ذاك يوم وُلِدْتُ فيه، ويوم بُعِثْتُ ـ أو أنزل عليَّ فيه "(مسلم).
وفي ليلة مولده ـ صلى الله عليه وسلم ـ
رأت أمه نوراً خرج منها أضاء لها قصور الشام، فقد روى ابن هشام في السيرة النبوية،
وابن كثير في البداية والنهاية، وصححه الألباني: " جاء نفر من الصحابة - رضي
الله عنهم - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله! أخبرنا
عن نفسك، قال:"نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأتْ أمي حين حملت بي
أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر" .
قال ابن رجب: " وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وأزال به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالى:"قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"(المائدة/15 : 16)،
وقال تعالى:" فَالَّذِينَ
آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ
مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"(الأعراف/157).
وعن حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال:"والله، إني لغلام يفعةٌ ، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كلَّ ما سمعت، إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمةً (حصن ) بيثرب: يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك؟، قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به "(البيهقي).
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل، قال لي حبر من أحبار الشام: " قد خرج في بلدك نبي، أو هو خارج، قد خرج نجمه، فأرجع فصدقه واتبعه " .
لقد كانت مكة في شهر ربيع الأول من عام
الفيل على موعد مع أمر عظيم كان له تأثيره في مسيرة البشرية كلها، وسيظل يشرق
بنوره على الكون كله، إنه ميلاد النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي كان
مولده ميلاد أمة سعدت بميلادها الأمم، إذ هدى الله به من الضلالة، وعلم به من
الجهالة، وفتح الله به أعينًا عميًا، وقلوبًا غُلفًا، إنه رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ خليل الرحمن، وصفوة الأنام، أعظم الناس أخلاقًا، وأصدقهم حديثًا،
وأحسنهم وأكثرهم عفوًا، خير من وطئ الثرى، سيد ولد آدم، أول من تنشق عنه الأرض،
وأول من تُفتح له الجنة، قال عنه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ: " ما رأيت
شيئًا أحسن من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كأن الشمس تجري في وجهه "،
وسئل البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ: " أكان وجه رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ مثل السيف؟، قال: لا، بل مثل القمر " .
وقالت أم معبد في بعض ما وصفته به:
" أجمل الناس من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب "،
وفي حديث ابن أبي هالة: " يتلألأ
وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر
" .
وقال عنه حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ :
وأفضل منك لم تر عيني وأحسن منك لم تلد
النساء
خُلِقْتَ مبرءا من كل عيب كأنك خُلِقْتَ كما تشاء
وقال عن مولده عمه العباس ـ رضي الله عنه ـ :
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ
الأَرْضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ
فَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ فِي الضِّيَاءِ وَسُبْلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ
وقال أحمد شوقي :
وُلِدَ الهدى فالكائناتُ ضياء وفمُ
الزمانِ تَبَسُّمٌ وثناءُ
الروحُ، والملأ، الملائِكُ حوله للدين
والدنيا به بُشَراءُ
بك بشر اللهُ السماءَ فزينت وتضوعت
مسكا بك الغبراءُ
يوم يتيه على الزمان صباحه ومساؤه بمحمد وضَّاء
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فميلاد نبي العالمين محمدٌ صلي الله عليه وسلم نبيُّ الرحمةِ.
أرسله الله رحمة للعالمين وهي أعظم
رحمة حظيتْ بها البشريةُ من ربِّها امتن الله بها على عباده
فقال جلا وعلَا:"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّارَحْمَة لِلْعَالَمِينَ"(الأنبياء/107).
فالهدف من بعثة النبي صلي الله عليه وسلم نشر الرحمة في العالمين قال تعالى:"وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"(الأعراف/).
فما من مخلوقٍ على هذه الأرض إلا وقد
نال حظًّا من هذه الرحمة المهداة؛
نالها المؤمن بهداية الله له، حتى
الكفار رُحموا ببعثته صلى الله عليه وسلم؛ حيث أخَّر الله عقوبتهم، فلم يستأصلهم
بالعذاب، كالخسف والمسخ والقذف والغرق كما حدث للأمم السابقة، إكراماً له صلي الله عليه وسلم:" وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْط"(الأنفال).
فهُوَصلي الله عليه وسلم رَحْمَةٌ لَهُمْ.
وعن ابن عباس، في قول الله عز وجل"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"
قال: من آمن بالله واليوم الآخر كُتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف.(تفسير الطبري).
فدينُنَا هو دينُ الرحمةِ ونبيُّنَا صلي الله عليه وسلم نبيُّ الرحمةِ، قال صلي الله عليه وسلم:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ"(البيهقي والحاكم وصححه).
فهو الرحمةُ المهداةُ وهو السراجُ
المنيرُ، وهو نبي الرحمة
قال صلي الله عليه وسلم:"أنا محمدٌ، وأحمدُ،
والمُقَفِّي، والحاشرُ، ونبيُّ التوبةِ، ونبيُّ الرحمة".
فكان رحمةً للعالمين، أنارَ اللهُ بهِ
الدنيا بعدَ إظلامِهَا، وأشرقتْ شمسُ الحياةِ، وابتهجتْ الأرضُ ببعثته،وأصبحتْ بعدَ طولِ الظلامِ وقد كساهَا النور، ولبستْ ثوبَ الهناءِ
والحبورِ،
سعدت بمولد احمد الأزمان وتعطرت بعبيره الأكوان
فأقمت للخلق الكريم منارة وسما بعذب حديثك التبيان
وأتيت بالتوحيد لله خالصا لم يشرك بــــــــــه انسان
. فاختارَهُ اللهُ للنبوةِ و للرسالةِ
واصطفاهُ صلي الله عليه وسلم ، وجعلَهُ رحمةً للعالمين، فهو رحمةٌ للمؤمنين،و للصالحين،
ولقد سُئِلَ صلي الله عليه وسلمعن نفسهِ فقالَ:"أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ".(سيرة ابن هشام).
يقولُ ابنُ رجبٍ:"وخروجُ هذا النورِ عندَ وضعهِ إشارةٌ إلى ما يجيءُ بهِ مِن النورٍ الذي اهتدَى بهِ أهلُ الأرضِ وأزالَ بهِ ظلمةَ الشركِ، قالَ تعالَى:"قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ"
اللهم اسقنا بيد نبينا شربة هنيئة لانظمأ بعدها أبداً