
وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
معاني الميثاق الغليظ
الأمور التي يلتزم بها الزوجين من هذا الميثاق
ترك التهديد بالطلاق وعدم التلاعب به
عدم إخراج المرأة من البيت إلا بسبب الفاحشة فقط
الحمد لله رب العالمين وأشهد ان لاإله إلاالله وحده لاشريك له أنزل الشريعة هدي للناس ورحمة وجعلها طريقاً واضحاً لسعادة الدارين في الدنيا والآخرة وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله القائل:" خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي"(الترمذي)
"اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله
أما بعد فيقول الله تعالى :" وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا"(النساء /21-22).
عباد الله :" إن عقد الزواج من العقود المهمة في الإسلام ولأهميته فإن الحق سبحانه وتعالى لم يصف عقداً من العقود بما وصف به عقد الزواج فقد وصفه بأنه الميثاق الغليظ
قال ابن عباس ومجاهد : الميثاق الغليظ كلمة النكاح المعقودة على الصداق ، وتلك الكلمة كلمة تستحل بها فروج النساء ، قال صلى الله عليه وسلم : "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله"( مسلم ).
ووصفه بالغلظة لقوته وعظمته ، وقالوا : صحبة عشرين يوما قرابة ، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج . تفسير الرازي 5/123.
:" وَأَخَذْنَ مِنكُم ميثَاقاً غَلِيظاً " أي : عهداً وثيقاً مؤكداً مزيد تأكيد ، يعسر معه نقضه ، كالثوب الغليظ يعسر شقه . قال الزمخشري : الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة ، ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه .
ووصف عقد النكاح بالميثاق الغليظ هو عين الوصف الذي وصف الله به الميثاق الذي أخذه من النبيين قال تعالى "وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا . لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا"(الأحزاب/ 7- 8).
وليس أبلغ من التعبير القرآني العظيم في وصف علاقة الزوجية بكونها [الميثاق الغليظ]، وبما تعنيه الكلمة القرآنية من بلاغة وروعة من العهد والقوة والتأكيد الشديد لأهمية الحفاظ عليه والوفاء به.
الأمور التي يلتزم بها الزوجين من هذا الميثاق
عباد الله :" وهذا الميثاق الغليظ يقتضي من الزوجين عدة أمور منها :
حسن العشرة والمودة بين الزوجين :
وذلك مصداقاً لقوله سبحانه:" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون"(الروم/21).
وقوله تعالى :" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"(النساء/19).
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: َخيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى"(الترمذي).
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ , صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:"مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ في نَفْسِهَا وَمَالِهِ"(ابن ماجة).
فالبيوت المؤمنة السعيدة هي التي تُبنى على المودة والرحمة، وأن دمار البيوت يبدأ من جفاف المشاعر، فيجب المحافظة على أجواء البيوت هادئة ومستقرة , وأن تكون معيناً متجدداً للمودة والحب والدفء والحنان.
فالعلاقة الزوجية ليست فقط مشاعر الحب والعاطفة، ولكنها أيضا الاستعداد للتضحية، أو التصرف لمصلحة الطرف الآخر على حساب المصلحة الشخصية، ويجب أن نميز بين مشاعر الحب وأعمال الحب، فالمشاعر هامة وأساسية إلا أن أعمال الحب من التضحية والبذل للآخر من شأنها أن تحافظ على العلاقة السعيدة والدافئة.
فالميثاق الغليظ يقتضي حسن المعاشرة بين الزوجين , وأن تقوم حياتهما على الصدق والوفاء لا على الخيانة والكذب , وعلى الحب والتفاهم لا على الأنانية والخداع .
قال الشاعر :
رأيتُ رجالاً يضربون نساءهـم
فشُلَّت يميـنـي يـوم تُضرب زينبُ
أأضربها من غير ذنب أتـت به
فما العدلُ مني ضرب من ليس يذنبُ
فزينبُ شمسٌ والنساءُ كواكبٌ
إذا طلعت لـم يبدِ منهـنَّ كوكبُ
المحافظة على أسرار الحياة الزوجية
عباد الله :" ومن مقتضي هذا الميثاق ينبغي أن يحافظ كل من الزوجين علي سر الأخر ففي وصف بديع رائع للعلاقة بين الزوجين قال تعالى فيه :"هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ .." (البقرة /188).
أي:" هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن .. هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ، يريد أن كل واحد منهما يستر صاحبه عند الجماع عن أبصار الناس وإنما سمي الزوجان لباساً ليستر كل واحد منهما صاحبه عما لا يحل ، كما جاء في الخبر"من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه " والله تعالى جعل المرأة لباساً للرجل ، من حيث إنه يخصها بنفسه ، كما يخص لباسه بنفسه ، ويراها أهلاً لأن يلاقي كل بدنه كل بدنها كما يعمله في اللباس ورابعها : يحتمل أن يكون المراد ستره بها عن جميع المفاسد التي تقع في البيت ، لو لم تكن المرأة حاضرة ، كما يستتر الإنسان بلباسه عن الحر والبرد وكثير من المضار.
فالميثاق الغليظ يقتضي أن يحفظ كل من الزوجين سر الآخر وأن يكون ساتراً لعيوبه كما يكون ساتراً لعورته قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا"(أحمد ومسلم).
قال الشاعر :
والسرّ فاكتمْهُ ولَا تنطقْ بِهِ
فهوَ الأسيرُ لديكَ إذْ لا ينشِبُ
واحرصْ علَى حفظِ القلوبِ من الأذَى
فرجوعُها بعدَ التنافرِ يصعُبُ
إنَّ القلوبَ إذا تنافرَ ودُّهَا
مثلُ الزجاجةِ كسرُهَا لا يُشعبُ
وحتى عند الخلاف ووصوله إلى الفراق والطلاق , فمن الميثاق الغليظ أن يظل كل منهما حافظاً لسر الآخر وأن لا يفجر في الخصومة ويتقول عليه بما ليس فيه , وهذا من حسن الإيمان ومن كرم الأصل ومن طيب العشرة .
يروى أن أحدهم ذهب ليطلق زوجته فسألوه عن سبب طلاقها فقال : لا أتحدث عن زوجتي بما يسوؤها ولا أفشى سراً لها , وبعد أن طلقها قالوا له : الآن طلقتها فأخبرنا عن سبب طلاقك لها , فقال : لا يحل لي أن أتكلم عن امرأة صارت أجنبية عني .
وطلق رجل امرأته فلما أرادت الارتحال قال لها اسمعي وليسمع من حضر إني والله اعتمدتك برغبة وعاشرتك بمحبة ولم أجد منك زلة ولم يدخلني عنك ملة ولكن القضاء كان غالباً فقالت المرأة جزيت من صاحب ومصحوب خيراً فما استقللت خيرك ولا شكوت ضيرك ولا تمنيت غيرك ولا أجد لك في الرجال شبيها وليس لقضاء الله مدفع ولا من حكمة علينا ممنع. الإبشيهي: المستطرف 2/496.
ترك التهديد بالطلاق وعدم التلاعب به
عباد الله:" ومن الميثاق الغليظ أن لا يهدد أحد من الزوجين عند كل خلاف بطلب الطلاق والفراق قال تعالى :" الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"(البقرة /229).
فالرجل لا يجعل من الطلاق لعبة يلعب بها ويهدد بها الآخر في كل كبيرة وصغيرة , عَنْ أَبي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبي مُوسَى ، قال : قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللهِ . يَقُولُ أَحَدُهُمْ : قَدْ طَلَّقْتُكِ . قَدْ رَاجَعْتُكِ . قَدْ طَلَّقْتُكِ"(ابن ماجة ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ ، وَالطَّلاَقُ ، وَالرَّجْعَةُ"(أبو داود وابن ماجة والتِّرمِذي) .
عَنْ أَبِي مُوسَى ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : لاَ تُطَلَّقُ النِّسَاءُ إِلاَّ مِنْ رِيبَةَ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لاَ يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلاَ الذَّوَّاقَاتِ"(البزاروالطبراني).
طلق الوليد بن يزيد امرأته سعدي. فلما تزوجت اشتد ذلك عليه وندم على ما كان منه. فدخل عليه أشعب، فقال له: أبلغ سعدي عني رسالةً، ولك مني خمسة آلاف درهم. فقال: عجلها. فأمر له بها. فلما قبضها قال: هات رسالتك، فأنشدها:
أسعدي ما إليك لنا سبيلٌ ولا حتى القيامة من تلاق
بلى، ولعل دهراً أن يواتي بموت من خليلك أو فراق
وليس الطلاق لعبة أيضا في أيدي النساء يطلبنه بسبب وبدون سبب , عَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ ، فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ."( أحمد الدارِمِي أبو داودوابن ماجة) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ في غَيْرِ كُنْهِهِ فَتَجِدَ رِيحَ الْجَنَّةِ. وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا"(ابن ماجة ).
عن عبد الرحمن بن محمد بن أخي الأصمعي قال قال عمي للرشيد في بعض حديثه يا أمير المؤمنين بلغني إن رجلاً من العرب طلق في يوم واحد خمس نسوة قال وكيف ذلك وإنما لا يجوز للرجل غير أربعة قال يا أمير المؤمنين كان متزوجا بأربعة فدخل عليهن يوما فوجدهن متنازعات وكان شريرا فقال إلى متى هذا النزاع ما أظن هذا إلا من قبلك يا فلانة لامرأة منهن اذهبي فأنت طالق فقالت له صاحبتها عجلت عليها بالطلاق ولو أدبتها بغير ذلك لكان أصلح فقال لها وأنت أيضا طالق فقالت له الثالثة قبحك الله فوالله لقد كانتا إليك محسنتين فقال لها وأنت أيضا أيتها المتعددة أياديهما طالق فقالت الرابعة وكانت هلالية ضاق صدرك إلا أن تؤدب نساءك بالطلاق فقال لها وأنت طالق أيضا فسمعته جاره له فأشرفت عليه وقالت له والله ما شهدت العرب عليك ولا على قومك بالضعف إلا لما بلوه منكم ووجدوه فيكم أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة فقال لها وأنت أيتها المتكلمة فيما لا يعنيك طالق إن أجازني بعلك فأجابه زوجها قد أجزت لك ذلك فعجب الرشيد من ذلك . الإبشيهي: المستطرف 2/496.
فذلك كله مما ينافي الميثاق الغليظ الذي يقتضي الصبر والتحمل وعدم التسرع في إنهاء العلاقة الزوجية .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد فياعباد الله
عدم إخراج المرأة من البيت إلا بسبب الفاحشة فقط
:" ومن بنود الميثاق الغليظ عدم إخراج المرأة من بيتها عند كل خلاف أو أن تتعود المرأة على ترك البت كلما ضايقها أمر , فالميثاق الغليظ يقتضي الصبر والتحمل من الزوجين , فلم يبح الشرع إخراج المرأة من بيتها إلا في حالة واحدة وهي : اقتراف المرأة لجريمة الزنا , قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (الطلاق/1).حتى في حالة حدوث الكراهية والنفور , يجب على الزوجين أن ينظر إلى محاسن الأخر ولا يجعل الشيطان وعين السخط لا ترى إلا المساوئ فقط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لاَ يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"(أحمد ومسلم).
قال الشاعر :
وعَيْنُ الرضا عن كل عَيْب كَلِيلَةٌ ولكن عين السُخْطِ تُبدي المساويا
وقال آخر :
وعين البغض تبرز كل عيب وعين الحب لا تجد العيوبا
روي أن خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت رآها زوجها وهي تصلي ، وكانت حسنة الجسم ، وكان بالرجل لمم ، فلما سلمت راودها ، فأبت ، فغضب ، وكان به خفة فظاهر منها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : إن أوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب فيَّ ، فلما خلا سني وكثر ولدي جعلني كأمه ، وإن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا ، ثم ههنا روايتان : يروي أنه عليه السلام قال لها :" ما عندي في أمرك شيء " وروي أنه عليه السلام قال لها : " حرمت عليه " فقالت : يا رسول الله ما ذكر طلاقاً ، وإنما هو أبو ولدي وأحب الناس إليَّ ، فقال : " حرمت عليه" فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووجدي ، وكلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حرمت عليه " هتفت وشكت إلى الله ، فبينما هي كذلك إذ تربد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآيات " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌوَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ"(المجادلة/1-4).
ثم إنه صلي الله عليه وسلم أرسل إلى زوجها ، وقال :" ما حملك على ما صنعت؟ " فقال : الشيطان فهل من رخصة؟ فقال : نعم ، وقرأ عليه الأربع آيات ، وقال له :" هل تستطيع العتق؟" فقال : لا والله ، فقال :" هل تستطيع الصوم؟ " فقال : لا والله لولا أني آكل في اليوم مرة أو مرتين لكلَّ بصري ولظننت أني أموت ، فقال له :" هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟" فقال : لا والله يا رسول الله إلا أن تعينني منك بصدقة ، فأعانه بخمسة عشر صاعاً ، وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين مسكيناً.
قال أبو ذر رضي الله عنه لزوجته يوماً : إذا رأيتني غَضِبْتُ فَرَضِّنِي ، وإذا رأيتك غَضْبَى فإني رَضَّيْتُكِ وإلا لم نصطحب.
التحمل والصبر والرضا:
عباد الله ومن بنود الميثاق الغليظ أنه يقتضي من الزوجين أن يتحمل كل منهما هفوات الآخر وأن يصبر عليه ويرضى بما قسم الله تعالى له ولا يكثر من التسخط والتشكي .
فقد أمر الله تعالى الرجال بمقتضى مفهوم القوامة بالصبر على النساء , بل أمرهم بدرجة فوق درجة الصبر وهي درجة الاصطبار , فقال سبحانه :" وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى"(طه/132).
روي أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها فانصرف الرجل راجعاً وقال : إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين فكيف حالي ؟ فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه وقال ما حاجتك يا رجل فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي فقال: عمر يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي إنها طبَّاخة لطعامي خبَّازة لخبزي غسَّالة لثيابي مُرْضِعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا أحتملها لذلك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة.انظر : النسائي : عشرة النساء 1/28).
قال الشاعر:
والعيش ليس يطيب من إلفين من غير اتفاق
وقال الشافعي
خذي العفـو مني تسـتديمي مَوَدَتِي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقـريني نقرك الدف مــــرةً فإنك لا تدرين كيـــــف المُغَيَبُ
ولا تكثـري الشـكوى فتذهب بالهوى ويأباك قلبـي والقلــــوبُ تُقَلَّبُ
فإني وجدت الحـب في القلب والأذى إذا اجتمــعا لم يلبث الحب يذهبُ
فالميثاق الغليظ يتطلب الصبر على الهفوات والتسامح على الزلات , وأن يرضى كل من الزوجين بما قسم الله تعالى له
ذكر صاحب ( تحفة العروس ص147) أن العتبى كان يمشي في شوارع البصرة وإذا بامرأة من أجمل النساء وأظرفهن تلاعب شخصاً سمجاً قبيحاً وكلما كلمته تضحك في وجهه فدنوت منها وقلت لها : من يكون هذا منك ؟فقالت : هو زوجي ، فقلت لها : كيف تصبرين على سماجته وقبحه مع حسنك ؟فقالت : يا هذا لعله رزق مثلي فشكر وأنا رزقت مثله فصبرت والصبور والشكور من أهل الجنة أفلا أرضى بما قسمه الله لي ؟ قال العتبي : فأعجزني جوابها فمضيت وتركتها \".
اللهم ارزقنا الصبر والرضا والشكر, واجعلنا ممن يصون العهد ويفي بالوعد , وانشر على بيوتنا السعادة والسكينة والأمان , والمودة والرحمة والاطمئنان .