
رمضان شهر النصر علي الأعداء
غزوة الفرقان يوم بدر
فتح مكة واذهبوا فأنتم الطلقاء
معركة القادسية والقضاء علي امبروطورية الفرس
لقد أظلنا شهر عظيم مبارك نزلت
فيه آيات القرآن الكريم، شهر ارتفعت فيه رايات المسلمين عالية خفاقة، شهر فيه ليلة
خير من ألف شهر؛ فما أعظمه من شهر! وما أعظم فضله! شهر انتصارات المسلمين التي ما زالوا
يفاخرون بها، ويمنون أنفسهم بالرجوع إلى زمنها، ليس فقط في شهر رمضان بل في الشهور
كلها. ولم تأت هذه الانتصارات إلا بعد أن تمسكوا بشرع الله القويم، وبكتابه الحكيم،
وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
غزوة الفرقان يوم بدر
عباد الله:" في شهر رمضان حقق
المسلمون عدة انتصارات كانت بمثابة المحطة الفارقة والنقطة الفاصلة في حياة الأمة الإسلامية،
وأُولى هذه الانتصارات كانت يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم بدر، في العام الثاني
من الهجرة، عندما التقت الفئة المؤمنة جند الرحمن، مع جند الشيطان الفئة الكافرة، وقد
تراءت الفئتان من أول صدام بين الحق والباطل والإيمان والكفران، ويتنزل نصر الله عز
وجل على المؤمنين، ليكون أعظم انتصارات الإسلام.أول حلقة في سلسلة الانتصارات الرمضانية
وأول معركة وقعت بين المسلمين والمشركين، هي معركة الفرقان بين الحق والباطل بدر الكبرى،
وقعت بالقرب من ماء بدر صبيحة يوم الجمعة 17 رمضان 2هـ (13 مارس 624م). ورغم قلة عدد
المسلمين مقابل المشركين فقد كان النصر حليفاً لهم، وخرج المسـلمون من هذه الموقعـة
بكثيـر من المغانم. وقـد قال الله - تعالى - في شأنها:"وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ
بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"(آل
عمران: 123).
وقاتل المسلمون
في معركة بدر قتالاً يميزه الصدق والإخلاص والحرص على الشهادة في سبيل الله تعالى،
ولقد علم الله منهم هذا فساندهم وثبتهم وشد عزائمهم وأمدهم بملائكته {إذْ يُوحِي رَبُّكَ
إلَى الْـمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي
قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا
مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12]. وكانت هزيمة القرشيين نذيراً بنزول غضب الله
على الكافرين؛ إذ بدأ المسلمون يهاجمونهم في كل أنحاء الجزيرة العربية، وترتب على هذه
المعركة انهيار قوى الشرك وأسطورة قريش القوية.
ومن روعة الانتصار أيها المسلمون وعظمة المشهد،
أنزل الله عز وجل في الواقعة قرآنًا يتلى إلى يوم الدين في سورة الأنفال التي نزلت
معظم آياتها في شأن غزوة بدر، وقد سماها المولى عز وجل يوم الفرقان؛ لأنها كانت فرقانًا
بين عهد الاستضعاف والقلى وتسلُّط الأعداء، إلى عهد القوة والانتشار والنصر على الأعداء،
واستحق أهل بدر صك المغفرة والعتق من النيران الذي أصدره رب البرية على لسان رسول البشرية:
"لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم..."
قال تعالى: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ
وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ
أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا
يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا
جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ
إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ"(آل عمران: 123 - 126).
والأعمال الكبرى
التى كانت مراحل فاصلة فى تاريخ المسلمين كانت فى رمضان، فكانت غزوة بدر الفارقة بين
الحق والباطل فى هذا الشهر الفضيل، ويمكن أن نقول بأنها كانت عنوان الإرادة الإلهية
حينما تتعطل لها نواميس الكون، عنوان اللجوء إلى الله حينما تتعسر كل أسباب الدنيا،
عنوان الدعاء بوصفه السلاح البتار الذى يعلو كل سلاح.
وتؤكد الروايات
أن المسلمين لم يكونوا بالقوة المادية فى هذه الغزوة التى تؤهلهم للانتصار على عدوهم،
فيقول سيدنا عبدالله بن مسعود فى الحديث الذى يرويه الإمام أحمد فى مسنده: «كنا يوم
بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبولبابة وعلى زميلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
فإذا كان عُقْبَة - يعنى نوبة - رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المشى قالا: اركب
يا رسول الله حتى نمشى عنك، فيقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنتما بأقوى
على المشى منى، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما».
ولم يقف الأمر عند غزوة بدر، بل من ينظر فى تاريخ المسلمين، يجد أن أغلب ملاحم المسلمين وانتصاراتهم قد وقعت فى شهر رمضان المبارك؛ فسرايا الصحابة الكرام وفتح مكة (8 هـ/ 631م)، والقادسية (15هـ/ 636م)، وفتح الأندلس (92هـ/ 711م)، وموقعة حطين (584هـ/ 1187م)، ومعركة عين جالوت (658هـ/ 1260م)، وانتهاءً بنصر أكتوبر المجيد فى العاشر من رمضان (1393هـ/ 1973م)، كل ذلك إنما كان بفضل المولى عز وجل وتوفيقه، بعد الأخذ بالأسباب الممكنة المقدور عليها، يقول ربنا عز وجل: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم».
وكما نصرنا الله
تعالى فى هذه المواقع، فإننا على يقين بالله تعالى بالنصر على خوارج العصر بعزيمة لا
تلين لجنودنا الأبطال فى العملية الشاملة فى سيناء الحبيبة، فهؤلاء الخوارج قد حرّفوا
الدين وأخذوا نصوصه بعيدا عن مراميه التى قصدها المولى سبحانه بتأويلات فاسدة، والقرآن
الكريم يؤكد أن الله تعالى لا ينصر الفئة المفسدة، فهو سبحانه لا يحب الفساد، وهو سبحانه
لا يصلح عمل المفسدين.
فتح مكة واذهبوا فأنتم الطلقاء
وبعـــد ستة أعــوام
من الحلقة الرمضانية الأولى والانتصار الرمضاني الأول، كانت الحلقة الثانية، وهي فتح
مكة بقيادة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فبعد أن غدرت قريش ونكثت العهد الذي أبرمته
في صلح الحديبية بمساعدتها قبيلة بكر على قبيلة خزاعة حليفــة المسلمين كان لا بــد
من نجــدة خزاعة وإذلال الشــرك والمشـركين في العام الذي سُمِّي بعام الفتح.
وسار النبي صلى
الله عليه وسلم على رأس جيش المسلمين إلى مكة، وتحت قيادته عشرة آلاف مقاتل من المسلمين،
وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى فرق، ورسم لكل فرقة خطة دخول مكة، ولم
يلقَ جيش المسلمين أي مقاومة، ونجح في الاستيلاء عليها دون قتال يُذكَر في 20 رمضان
8 هـ (11 يناير630م)، ودخل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكة منتصراً ومطهراً لبيت
الله الحرام من الأوثان، ورفع بلال من فوق الكعبة نداء الحق: الله أكبر الله أكبر...
وتم بذلك تطهير مكة من الأصنام وتم القضاء على الوثنية وأعلن فيها وحدانية الله، وأعز
الله دينه ورسوله وجنده وأنقذ بلده الأمين، وطهر بيته الحرام الذي جعله هدى للعالمين
من دنس الكفار والمشركين، وكان هذا الفتح تتويجاً لجهود النبي صلى الله عليه وسلم في
الدعوة، وإيذاناً بسيادة الإسلام في شبه الجزيرة العربية وارتفاع كلمة الحق والإيمان،
ونزل فيه قول الحق - عز وجل -: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ١ وَرَأَيْتَ
النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ٢ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر: ١ - ٣]. وكان فتح مكة بمثابة اللبنة الأولى في بناء
الدولة الإسلامية التي وضع أسسها المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل ذلك بما
يزيد على ثمانية أعوام.
وفيها قال الرسول
صلى الله عليه وسلم مقولته المشهورة لمشركي قريش: «ما تظنون أني فاعل بكم؟»، قالوا:
أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» كلمات تتجلى فيه عزة الإسلام في
هذا الموقف العظيم، وكرم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف العصيب.
معركة القادسية والقضاء علي امبروطورية الفرس
أما أبرز المعارك التي انتصر فيها المسلمون إبَّان عصر الخلفاء الراشدين، فهي معركة القادسية على الضفة الغربية لنهر الفرات التي وقعت في شعبان واستمرت إلى رمضان 16هـ (637م) بين المسلمين والفرس، وكان قائد المسلمين الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، وبلغ عدد جيش المسلمين فيها نحو عشرة آلاف، وكان قائد الفرس رستم ذو الحاجب، ويتكون جيشه من مائة وعشرين ألف مقاتل
وكانت موقعة القادسية
المعركة الحربية الحاسمة التي ساعدت الأمة الإسلامية الفتية على أن تنعطف انعطافة جديدة
في مسيرتها التاريخية؛ وكان ذلك انعكاس طبيعي لانتصارها الظافر على الفرس، الذين كانوا
يهيمنون هيمنة كاملة على الجناح الشرقي للوجود البشري آنذاك، ومن ثَمَّ تسنَّى للأمة
الإسلامية في هذه الموقعة الحاسمة تغيير ملامح التاريخ البشري؛ وذلك بعد أن استطاع
المسلمون أن ينهوا الوجود الفارسي وسيطرته على تلك المناطق الهامة من العالم حينئذٍ،
وفي موقعة القادسية
وفي 28 رمضان سنة 92هـ (18 يوليو 711م) نشبت معركة شذونة أو (وادي لكَّة) بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد والقوط بقيادة لذريق، وكان النصر حليف المسلمين، وقد هيأ ذلك النصر أن يدخل الإسلام إلى أسبانيا، التي كانت تسمى بشبه الجزيرة الأيبيرية، وأن تُفتَح الأندلس وتُضَم إلى كيان الدولة الإسلامية، وأن تظل دولة مسلمة ثمانية قرون.
وتم التقدم في
فتح الأندلس بهذا النوع المتميز من أجناد العقيدة الإسلامية في أجواء رمضان المعطرة
بشذا الإيمان وبندى الإسلام. فبدا ذلك سهلاً أمام هذا النوع من الجند، فقد استهانوا
بالصعاب وبذلوا النفوس رخيصة من أجل رفع شأن الإسلام وحضارته الحقة؛ فأمام هذا النوع
من الجند كانت التضحيات كثيرة والجهد كبير، والدروب شاقة، والمناخ شديد، والجو غريب،
والأرض صخرية عنيفة، وكان مستوى العقيدة أعلى من ذلك وأكبر، فانساب الفاتحون بهذه السرعة،
فبدت لهم كأنها نزهة روحية من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض، وهي سبب راحة المؤمن وفرحته
بنصر الله إن عاش، وبجنته إن استشهد. وفي هذا يقول الحق - سبحانه -: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ
بِنَا إلاَّ إحْدَى الْـحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52]. ولقد نتج عن هذا الفتح المبين
أن انطلقت الأمة الإسلامية انطلاقتها الحضارية، ووصل إشعاعها إلى أوروبا المظلمة آنذاك.
ومن أعظم المعارك الإسلامية الرمضانية تلك التي تسببت فيها امرأة صرخت: وامعتصماه! فحركت نخوة الخليفة العباسي المعتصم بالله فحرك جيشاً عرمرماً من قصر الخلافة إلى مدينة عمورية - التي هي إحدى مدن الدولة البيزنطية - وحاصرها استجابة لنداء المرأة المسلمة التي استغاثت به، إنها معركة فتح عمورية.
حيث اقتحم المعتصم
بالله العباسي حصون عمورية في مائة وخمسين ألفاً من جنوده ليجعل من غزوته غرة في جبين
الدهر، ودرة وتاجاً في تاريخ الإسلام، وتعود أسباب تلك المعركة إلى أنه قد نقل إلى
الخليفة المعتصم أن امرأة مسلمة حرة قد وقعت في يد جند الروم، فلما همُّوا بسبيها نادت:
وامعتصماه! وامعتصماه! فهز النداء نخوته وأثار رجولته، وقال: لبيك، لبيك، فنهض المعتصم
ولبس لأمته وتقلد سلاحه ثم ركب حصانه وصاح بالنفير وهو على أبواب قصره، وأقسم ألا يعود
إليه إلا شهيداً محمولاً على الأعناق، أو ظافراً منتقماً للمدينة الغالية المنكوبة
والمرأة المسلمة المغصوبة، وفي أرض المعركة قاتل الجيش المسلم الرومَ، ولم تغب شمس
يوم 17 رمضان 223هـ (12 أغسطس 838م) إلا والمدينة العريقة العتيدة بأيدي المسلمين،
وشوهد المعتصم بن هارون الرشيد يدخلها على صهوة جواده الأصهب، وقد نكس رأسه خضوعاً
لله وشكراً على نعمائه؛ فأين من يسمع صرخات النساء المستغيثات؟ وأين من يسمع استغاثات
الأطفال والعجائز؟
معركة عين جالوت والقضاء علي التتار
ثم كانت المعركة التي أنقذت الإسلام والمسلمين، تلك المعركة التي قامت أمة الإسلام بعدها من غفلتها واختلافها، وقامت تحت قيادة واحدة، هذه المعركة هي معركة عين جالوت في 25 رمضان 658هـ (3 سبتمبر 1260م) واحدة من أكثر المعارك حسماً في التاريخ، أنقذت العالم الإسلامي من خطر داهم لم يواجَه بمثله من قَبْل، وأنقذت حضارته من الضياع والانهيار، وحمت العالم الأوروبي أيضاً من شر لم يكن لأحد من ملوك أوروبا وقتئذٍ أن يدفعه.
فقد ظهر جنكيز خان في شمال الصين ومن ورائه جاء هولاكو يقود جيوشاً جرارة من المغول تلك التي تقدمت في البلاد تقتل وتخرب وتدمر كل شيء؛ دمرت الحضارة ودور العبادة وأصبحت خطراً على البشرية جمعاء، واندفعت هذه الجيوش الهمجية عبر إيران إلى العراق وجاءت بغدادَ فهدمت القصور وسفكت الدماء وأحرقت الكتب ودمرت كل شيء، وبدأت مدن الشام تتساقط في أيديهم حتى وصلوا إلى غزة، وازداد غرور المغول وتوحشهم. ولكن الله جنَّد من يتصدى لهم، وهو القائد (سيف الدين قطز). زحف جيش المسلمين إلى عين جالوت في المنطقة التي تقع بين بيسان ونابلس بفلسطين، وقاد المظفر قطز المسلمين، وكان المغول بقيادة (كتبغا)، ووجه الجيش الإسلامي هجوماً قوياً شديداً على جموع التتار، وكسر شوكتهم، وعلت راية الإسلام، وانتهى اليوم الخالد بانتصار المسلمين نصراً هائلاً أوقف زحف المغول، بعدما لم يكن يظن أحد في تلك الأيام أنه ستقوم للإسلام قائمة؛ فقد رثا الشعراء والأدباء والخطباء الإسلام والمسلمين، ولم يَدُر في خلد أحدمنهم أن عبداً مملوكاً سيعيد للإسلام والمسلمين هيبتهم ومجدهم الغابر.
نصرالعاشرمن رمضان السادس من اكتوبر
وفـي 10 رمضان
1363هـ (6 أكتـوبر 1973م) عبـر الجيش المصري قناة السويس وحطم خط بارليف وألحق الهزيمة
بالقوات الصهيونية، في يوم من الأيام الخالدة التي سطرها التاريخ في أنصع صفحاته بأحرف
من نور؛ ففي هذا اليوم وقف التاريخ يسجل مواقف أبطال حرب أكتوبر الذين تدفقوا كالسيل
العرم يستردوا أراضيهم، ويستعيدوا كرامتهم ومجدهم؛ فهم الذين دافعوا عن أرضهم وكافحوا
في سبيل تطهيرها وإعزازها فضربوا بدمائهم المثل، وحفظوا لأنفسهم ذكراً حسناً لا ينقطع،
وأثراً مجيداً لا يمحى. فبعد أن احتل اليهود سيناء الحبيبة والجولان والضفة الغربية
والقدس وغزة في 5 يونيو 1967م أخذوا يتغنون بأسطورة جيشهم الذي لا يقهر، لكن مصر نجحت
في أعادة بناء جيشها وجهزته بالعتاد وخيرة جنود الأرض، وبالتخطيط الجيد مع أشقائها
العرب وبإرادة صلبة قوية وإيمان قوي عظيم، وبخطة دقيقة محكمة فاجأت إسرائيل والعالم
كله الساعة الثانية بعد الظهر، وانطلقت أكثر من 220 طائرة تدك خط بارليف الحصين ومطارات
العدو ومراكز سيطرته، وفي الوقت نفسه سقطت أكثر من عشرة آلاف وخمسمائة فوهة مدفعية
وتعالت صيحات: الله أكبر، وتم عبور القناة واقتحام حصون العدو وتحطيمها واندحر العدو
وهُزِم شر هزيمة، ورجعت أرض سيناء كاملة بعد ذلك نتيجة لهذه الحرب المجيدة، في هذا
الشهر العظيم، شهر عزة المسلمين والذلة لأعداء الحق أعداء الدين.
وبعد: فهذه انتصارات
رفعت من قدر الأمة الإسلامية على بقية الشعوب ومكَّن الله لها في الأرض؛ وما ذلك إلا
لتوحُّدهم وجلوسهم تحت مظلة واحدة وخلافة واحدة، فامتدت تلك الانتصارات منذ بزوغ نور
النبوة بإنزال الله - تعالى - على رسوله القرآن الكريم في غار حراء يوم 17 رمضان، عندما
بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أربعين عاماً، مروراً بعهد الدعوة السرية والهجرة، ثم
الخلافة الراشدة إلى نهاية خلافة الدولة العثمانية التي انهارت بسبب اتحاد القوى الأوروبية
ضدها. وهذه ليست كل الانتصارات؛ بل إن القارئ في التاريخ الإسلامي سيجد غيرها كثيراً
مما لا تتسع لاستيعابه هذه الصفحات القليلة؛ فهو بحاجة إلى مجلدات كثيرة لنستفيد من
نتائجه في حاضرنا ونستشرف به مستقبلنا.
إن من ينظر إلى
هذه الانتصارات سينتابه العجب؛ كيف استطاع هؤلاء القيام بمثل هذه الانتصارات في وقت
الصيام، وقد تكون في أيام صيف حار!
إن ذلك ليس بعجيب
ولاغريب من أناس جعلوا الإسلام همَّهم وقدَّموا إعلاء رايته على كل شيء؛ فهو شهر عظيم
جعله الله شهر انتصارات وعزة للإسلام والمسلمين. وها نحن اليوم نذكر تاريخاً كان بالأمس
ليكون عبرة لنا نستفيد منه في حياتنا؛ بالتزامنا الحق وما يدعو إليه الدين من العلم
والعمل.